في التاريخ مصارع كثيرة . . و فجائع مثيرة يذهل الفكر أمامها حائراً . . و لكن فاجعة « كربلاء » قد أجمع المؤرخون بأنها من أشد الفجائع أثراً في النفوس . . . و أقسى المصارع وقعاً على القلوب . . ذلك لما وقع على ساحة الطف في كربلاء بالعراق من مجزرة بآل النبي و أصحابهم يوم العاشر من محرم سنة إحدى و ستين للهجرة الموافق لسنة 85 ميلادية . حيث حوصر فيها الإمام أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) هو و آله و فتية من بني هاشم و جملة من أصحابه من أهل العراق و الحجاز . .
و استُشهدوا جميعاً من قبل الجيش الأموي بقيادة عمر بن سعد بن أبي وقاص و بأمر من عبيد الله بن زياد عامل يزيد على الكوفة . . لا لذنب سوى تمسكهم القوي بمبادئهم القويمة . . و إحساسهم القوي بالمسؤولية الملقاة على عواتقهم إزاء السياسة الأموية القائمة . . .
لذلك كلما بدت طلعة العام الهجري 1 تذكّر المسلمون ببالغ الأسى و عظيم التأثر مصارع آل الرسول و أهل بيته و ما أمعنه الجيش الأموي فيهم من القتل و التنكيل و التمثيل . . و تذكروا كيف دكّت حوافر خيول هذا الجيش جناجن صدورهم و ظهورهم بشكل لم يشهد التاريخ نظيرها فظاعة و بشاعة . . و كيف ساروا برؤوس القتلى على الرماح مع نساء الرسول سبايا إلى الكوفة فالشام باسم سبايا الروم ثم إلى مدينة جدّهم يثرب عاريات في أحزن منظر 2 . .كل هذا و الدين الحنيف في أول عهده . . و الإسلام في ربيع حياته . .
لذلك حين يحل هذا التاريخ من كل عام . . و يهل هلال محرم الحرام يستعد المسلمون في معظم أنحاء المعمورة للتعبير عن شعورهم إزاء هذه الذكرى الدامية و خاصة في يوم العاشر من محرم . . المعروف بيوم « عاشوراء » حيث يحتفل المسلمون فيه بهذه المناسبة الأليمة متذكرين مصارع آل النبي في كربلاء في حزن عميق و شجن عظيم . . يستعرضون مواقف الإمام الحسين و من استشهد معه بما يناسبها من الإشادة و التكريم . . . و منهم من يبالغ في إظهار شعائر الحزن و الأسى حسبما يتصوره و يرتاح إليه حسب تأثره و معتقده اتجاه هذه الفاجعة الدامية . . التي أثرت في العالم الإسلامي تأثيراً بالغاً ما ظل ملازماً له منذ ذلك الحين أي قبل ألف و قرون الى يومنا هذا . . . إلى ما شاء الله من أيام الدهر .
و قد يتصور البعض أنّ هذه الشعائر و المظاهر التي تقام في العشرة الأولى من محرم الحرام من كل عام من قبل المسلمين في مختلف أنحاء الأرض و بمختلف أشكالها إنّما هي من محدثات العصور الأخيرة في حين أنّ هذا التعبير عن شعور التأثر و التألم تجاه مصرع الإمام الحسين 3 . . إنّما يرقى تاريخه إلى عهد قديم في الإسلام أو هو قريب العهد من الصحابة و التابعين لهم بإحسان . . غير أنّه كان في أول أمره محدوداً جداً و صغير الحجم يقام بمحضر أخص الناس بالحسين كالأعلام من ذريته . . للتسلية و المؤاساة . . و للتخفيف عن لوعة المصيبة .
مظاهر العزاء لآل البيت في العصر الأموي
و كما كان الآفاق العربية يومها تردد صدى هذه الفاجعة المؤلمة 4 . . و قسوة ما اقترفه الأمويون بآل الرسول في كربلاء . . كانت العائلة النبوية تجدد ذكراها صباحاً و مساء في حزن عميق و شجن عظيم . . . و تبكي عليه رجالاً و نساءً . . و كلما رأوا الماء تذكروا عطش قتلاهم . . فلم يهنأوا بطعام و لا بمنام 5 . .
و كان وجوه المسلمين و الموالون لآل البيت يفدون على بيوت آل النبي ( صلى الله عليه و آله ) بالمدينة معزين و مواسين و كان الواحد منهم يعبّر عن مشاعره و أحزانه بأبلغ ما أُوتي من روعة القول و قوة البيان و حسن المؤاساة لهذه المصيبة . . حتى تركوا ثروة أدبية رائعة في أدب التسلية و المؤاساة . .
و بقيت بيوت آل البيت مجللة بالحزن و السواد و لا توقد فيها النيران . . حتى نهضت في العراق ثلة من فتيانه الأشاوس و من زعماء العرب الأقحاح أمثال المختار الثقفي و إبراهيم بن مالك الأشتر النخعي و سليمان الخزاعي و المسيّب الفزاري و غيرهم حيث أخذوا ثأر الحسين و قتلوا جميع قتلة الحسين أمثال ابن زياد و ابن سعد و سنان و شمر و حرمله و غيرهم 6 . . . فخفت من ذلك لوعة الأشجان في بني هاشم . . و هدأ منهم نشيج الزفرات و نزيف العبرات . . فصارت المآتم منهم و فيهم تقام في السنة مرة بعدما كانت مستمرة . .
ففي ذلك العهد ـ عهد السلف الصالح ـ يحدثنا التاريخ الإسلامي عن أعلام أهل البيت النبوي ، أنهم كانوا يستشعرون الحزن كلما هلّ هلال محرم . . . و تفد عليهم وفود من شعراء العرب 7 لتجديد ذكرى الحسين ( عليه السلام ) لدى أبنائه الأماجد . .
و قد ألقوا روائع في فن الرثاء و التسلية و التذكير بأُسلوب ساحر أخاذ ما ظل شعرهم خالداً رغم كرّ العصور .
فقد كان الشاعر العربي « الكُميت بن زيد الأسدي » من شعراء العصر الأموي و المتوفى سنة 126 للهجرة قد جعل معظم قصائده في مدح بني هاشم و ذكر مصائب آل الرسول ( عليهم السلام ) . . حتى سميت قصائده « بالهاشميات » و كان ينشد معظمها في مجالس الإمام الصادق و أبيه الباقر محمّد و جدّه علي بن الحسين ( عليهم السلام ) . و من تلك القصائد التي ألقاها بين يدي الإمام علي بن الحسين السجّاد ( عليه السلام ) قصيدته المشهورة التي مطلعها :
من لقلب متيم مستهام *** غير ما صبوة و لا أحلام
و قتيل الطف غودر عنه *** بين غوغاء أمة و طغام
قتلوا يوم ذاك إذ قتلوه *** حاكماً لا كسائر الحكام
قتل الأدعياء إذ قتلوه *** أكرم الشاربين صوب الغمام
ولهت نفسي الطروب إليهم ***ولهاً حال دون طعم الطعام
فلما بلغ آخرها حتى قال السجاد ( عليه السلام ) له « ثوابك نعجز عنه . . و لكن الله لا يعجز عن مكافأتك . . . » فقال الكميت : سيدي إن أردت أن تحسن إليّ فادفع لي بعض ثيابك التي تلي جسدك أتبرّك بها . . فنزع الإمام ثيابه و دفعها إليه . و دعا له . .
ومن تلك القصائد قصيدته التي ألقاها في مجلس الإمام الصادق ( عليه السلام ) و التي مطلعها :
طربت و ما شوقاً الى البيض أطرب *** و لا لعباً منّي و ذو الشيب يلعب
و لكن الى أهل الفضائل و النهى *** و خير بني حواء و الخير يطـلب
الى أن يقول :
و من أكبر الأحداث كانت مصيبة *** علينا قتيل الأدعياء الملحّب
قتيل بجنب الطف من آل هاشم *** فيالك لحماً ليس عنه مذبّب
و منعفر الخدين من آل هاشم ***ألا حبذا ذاك الجبين المترّب
و قد نال هذا الشاعر الجوائز الكثيرة من أئمة آل البيت ( عليهم السلام ) حتى أن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أكرمه مرّة على قصيدة ألف دينار و كسوة فقال الكميت : والله ما أحببتكم للدنيا . . و لو أردت الدنيا لأتيت من هي في يديه . . و لكني أحببتكم للآخرة . . أمّا الكسوة فأقبلها لبركتها و أمّا المال فلا أقبله .
و مثله الشاعر السيد إسماعيل الحميري أحد الشعراء المشهورين في العصر الأموي فقد جعل معظم قصائده في آل البيت و في هذا المصاب . . و قد دخل على الإمام الصادق ( عليه السلام ) مرّة يستأذنه أن ينشد له من شعره فأذن الإمام فأنشد :
أُمرر على جدث الحسين *** و قل لأعظمه الزكية
يا أعظماً ما زلت من *** و طفاء ، ساكبة روية
و إذا مررت بقبره *** فأطل به وقف المطية
و ابكِ المطهر للمطهر *** و المطهرة النقية
كبكاء معولة أتت *** يوماً لواحدها المنية
فما بلغ هذا الحد حتى أخذت الدموع من الإمام تنحدر على خديه و ارتفع الصراخ من داره . . . فأمره الإمام بالإمساك فأمسك . . ثم أوصله بهدية ثمينة . .
و هكذا كان الشعراء يقصدون مجالس آل البيت النبوي و سائر مجالس الهاشميين في هذا الموسم لإلقاء خيرة ما نظموه حول هذا الموضوع على سبيل العزاء . . من مديح و ثناء . . و ينالون عليه خير العطاء . . .
مظاهر عزاء الحسين في العصر العباسي
لقد كانت لمجالس الهاشميين دورها الفعّال في جمع صفوفهم من الطالبيين و العلويين و العباسيين و أنصارهم الموتورين من الحكم الأموي القائم . . و تنظيم الحملة ضدّهم و انطلقت الألسنة بإعادة الحكم لآل هاشم و تقاضي الحكم الجائر . . . و قد حدّثنا التاريخ الإسلامي . . أنّ تأسيس الدولة لعباسية كان قائماً على دعوة الهاشميين على أساس الثأر النهائي لقتلى الطف و الانتقام للعلويين بالقضاء على الأمويين . . و كان الشعراء لم يعدو فرصة تفلت أو مناسبة تمرّ إلاّ ذكّروا بهذا الثأر ، الى أن هيّأ الله لهم ذلك و مكّنهم من الأمر و قضوا على الحكم الأموي و تربّع أبو العباس السفاح على الحكم كأوّل خليفة هاشمي . . يذكّرنا التاريخ بوليمته المشهورة التي حضرها ثمانون رجلاً من عيون الأمويين و هم على سمط الطعام فدخل شبل مولى بني هاشم على السفاح فأنشد في الحال قصيدته المشهورة و الغيظ قد أخذه :
أصبح الملك ثابت الأساس *** بالبهاليل من بني العباس
أنت مهدي هاشم و هداها *** كم أُناس رجوك بعد أُناس
طلبوا وتر هاشم فشفوها *** بعد ميل من الزمان و ياس
لا تقبلن عبد شمس عثاراً *** و ارمها بالمنون و الاتعاس
و اذكرن مصرع الحسين و زيداً *** و قتيلاً بجانب المهراس
فقام السفاح في الحال مغتاضاً و قتلهم جميعاً ثم أباد الأمويين عن آخرهم . . . و هكذا اتسع المجال أمام الشعراء في رثاء آل البيت النبوي و ذكر مصابهم في قتلى الطفوف .
و من هؤلاء الشاعران المشهوران دعبل بن علي الخزاعي و إبراهيم بن العباس اللذان قصدا من بخراسان . . فقدم الأوّل على الإمام الرضا 8 علي بن موسى بن جعفر أيام ولاية عهده في خلافة المأمون العباسي 203 للهجرة فأنشد قصيدته المشهورة التي يقول في مطلعها 9 :
تجاوبن بالأنّاة و الزفرات . . الى أن يقول :
مدارس آيات خلت من تلاوة ***و منزل وحي مقفر العرصات
أفاطم لو خلت الحسين مجدّلاً *** و قد مات عطشاناً بشط فرات
إذن للطمت الخدّ فاطم عنده *** و أجريت دمع العين بالوجنات
أفاطم قومي يا ابنة الخير و اندبي *** نجوم سماوات بأرض فلات
ديار رسول الله أصبحن بلقعاً *** و آل زياد تسكن الحجرات . . . الخ
وقد أجازه الإمام الرضا ـ بعد أن بكى هو و أهله ـ بعشرة آلاف درهم من المسكوك باسمه الكريم ، و خلع عليه جبته . . فكان هذا خير رمز للتقدير و الإعجاب . و قد اشترى القميون « الجبة » من دعبل أثناء عودته الى العراق بألف دينار .
و هكذا زميله الشاعر إبراهيم بن العباس 10 فقد أنشد الإمام الرضا ( عليه السلام )
قصيدته الدالية المشهورة التي يقول في مطلعها :
أزال عزاء القلب بعد التجلد *** مصارع أولاد النبي محمّد
فأكرمه الإمام بمثل ما أكرم به زميله الخزاعي .
و كانت جوائز أئمة البيت النبوي في هذا المجال مشهورة بالسخاء و البركة حتى ذهبت مثلاً : « ما بلغت صرة من موسى بن جعفر لأحد إلاّ استغنى » لذلك كان الشعراء يتفننون في هذا الباب الى جانب تأثرهم بروعة فاجعة الطف و فظاعة وقعها . . و كذلك تأثروا بأقوال أئمة أهل بيت النبي في شأن من يرثي الحسين . . و ماله من فضيلة عند الله سبحانه . . فقد قال الإمام جعفر الصادق لجعفر بن عفان : « مامن أحد قال في الحسين ( عليه السلام ) شعراً فبكى و أبكى به إلاّ أوجب الله له الجنة و غفر له . . . » .
و هكذا كان الشعراء يتبارون في الرثاء و المواساة و الإبداع فيها بهذه المناسبة ، في مجالس آل البيت النبوي و مجالس الطالبيين . و ما من شكّ أن هذا العزاء كان فيه العزاء لكل مظلوم و كل ذي حق مهضوم بأعظم السلوان تأسياً بالحسين ( عليه السلام ) .
و كيفما كان في هذا العزاء عرض لتلك المأساة فإنّه لم يخل من فرض لجور الحاكمين و تعريض لضروب الظلم الذي أصاب آل البيت النبوي منهم و تهديد الظالمين بالعاقبة الوخيمة لفتكها بأعلام بيت النبوة . . و ما ناله الظالمون من سوء المنقلب كل ذلك على لسان الشعراء و الخطباء و في أروع أسلوب مما كان له أثره في جذب النفوس و تقوية القلوب . . حتى قال أحد الشعراء :
تالله ما صنعت أميّه فيكم *** معشار ما صنعت بنو العباس
و كانت السلطات الحاكمة يومها و في فترة من الزمن وراء هذه المجالس تطارد الملقين و تفتك بالحاضرين و لقي الموالون لآل البيت من الشدة ضروب العذاب . .
و أُتلفت معظم تلك القصائد و الأشعار و غيرها من الآثار ذات العلاقة بالإمام الحسين ( عليه السلام ) . و لو كانت باقية لكانت ثروة أدبية رائعة عن تلك الفترة .
و قد وصف ابن الأثير حوادث دموية مسببة عن ذكرى عزاء الحسين ( عليه السلام ) جرت بصورة فظيعة بين الحزب المتشيع لآل البيت و بين الحزب المخالف له ببغداد عاصمة الهاشميين يوم ذاك . . كانت تتسع و تتقلص حسب لون السياسة الحاكمة و اجتهاد الحكام ذهبت بسببها ضحاياً كثيرة لا لشيء سوى التعصب الممقوت . و بسبب الجهل بمكانة آل البيت من الرسول . . . و عدم تقديرهم لشعائر الود و المحبة لصاحب الرسالة و أهل بيته .
و كان « عزاء الحسين » رغم جميع هذه الأحوال قائماً كل عام في موسمه من محرم الحرام و انّما يختلف تقلصاً و اتساعاً حسب الظروف و لكنه في جميع الأحوال كان يزداد تمكناً في النفوس و استقراراً في القلوب و كان للشعراء الفضل الأكبر في تقوية هذا العزاء و جذب القلوب إليه . . بقصائدهم الغر في تصوير مصاب الحسين و أهل بيته . . . حتى أنّ غالبية الموالين لآل البيت كانوا لا يحفلون بقسوة الحكام قدر اهتمامهم للحضور الى مجالس العزاء كائناً ما يكون المصير . . .
مجالس النياحة لعزاء الحسين
و لما توسّع التشيع و خفت وطأة السلطات المعادية التي أتلفت معظم تلك القصائد و الآثار . . صار الموالي لآل الرسول ( صلى الله عليه و آله ) يقم ذلك العزاء باسم « النياحة » أو الرثاء بمشاهد الأئمة من عترته أو بمحضر من يوثق بتشيّعه و موالاته . . و ما يجدر ذكره أنّه لم يكن في القرن الأول أي القرن الذي قتل فيه الحسين أثر و لا عين من جماعة أهل العزاء سوى الراثين و النائحين في بيوت أهل البيت النبوي فقط و كذا الحال في القرن الثاني . . إلى أن ظهر في القرن الثالث اسم النائح علماً لمن يرثي الحسين و يقرأ الشعر على حسابه . . و يقيم النياحة عليه من أمثال دعبل الخزاعي إلى علي الناشيء الأصغر .
فأصبحت المجتمعات تنعقد باسم « النياحة على الحسين » على ما هم فيه من التستر فيبكون على مصاب الحسين و ينوحون عليه بقريض ينشؤه أو ينشده الناشد و يسمى « النائح » و يذكر المؤرخان الشهيران ياقوت الحموي في معجمه 11 و ابن خلكان في وفياته قضية الناشيء الأصغر على الشاعر المشهور و مجالس النياحة على الحسين . . و فيها ما يدل على أنّ هذه المجتمعات كانت تنعقد في ذلك الزمن باسم « النياحة على الحسين » . و ليس هذا في العراق فحسب ، بل في الحجاز و بلاد فارس و مصر . . .
ثم تطورت مجالس العزاء عقب النياحة بقراءة المقاتل لابن نما و ابن طاووس و نحوهما فسموا بالقراء أو قارئ الحسين لا يزالون يعرفون حتى اليوم بهذا الاسم في بلاد العرب .
بدء المواكب و الحسينيات
و قد سجل التاريخ اهتمام معز الدولة البويهي و سائر الملوك البويهيين في الدولة العباسية ببغداد عام 352 هجرية بشأن إقامة مآتم الحسين و إبرازها في هيئة مواكب خارج البيوت . . . فكانت النساء يخرجن ليلاً و يخرج الرجال نهاراً . . حاسري الرؤوس حفاة الأقدام . . . تحيتهم التعزية و المواساة بمأساة الحسين ( عليه السلام ) و لا تزال هذه العادة الى الآن في مدن العتبات المقدسة في العراق و إيران . و بعد ما دالت الأيام بالدولة إلى آل محمّد و اتباعهم سواءً في حكومة الفاطميين في مصر أيام المعز لدين الله الفاطمي أو في حكومة الحمدانيين في حلب أيام سيف الدولة الحمداني أو في حكومة الصفويين في إيران أو ملوك في ممالك أُخرى من بلاد الترك و الهند . . أنشىء للنياحة بيوت أحزان في كل مكان لتعازي الحسين سمّيت عند العرب « بالحسينيات » كما سمّيت عند الهنود بـ « إمام بان » 12 و عند الفرس و الترك « بمأتم سراي » كما كانت تسمى هاتيك المجالس « بالمآتم » أو « تعازي الحسين » و خصصت لها أوقات و صدقات جارية لا يستهان بها و بأرباحها الوفيرة . .
فأخذ العزاء الحسيني دوراً متسع النطاق في ظل عناية الهيئات الحاكمة . . و نال الموالون لآل البيت كل حريتهم في إظهار رغباتهم و شعائرهم .
فالناظر إليها لأول وهلة يخالها تشكيلات تولدت من عهد الملوك الصفوية أوهي من مستحدثات الأعاجم . . لكنما المتصفح لكتب التاريخ و الآثار يجد لهذا الأمر أدواراً أو أطواراً في عصور سابقة على العصر الصفوي . . و في أمم لا مساس لها بالعجم . . . بل هي من غروس العراق القديمة و أشجارها الصلبة التي نبعت في ضفاف الرافدين قبل أية أمة أخرى . . ثم تسربت و امتدت الى الأمم الأخرى . . .
و كل من جاب عواصم الأمم الإسلامية و غير الإسلامية يرى في الكثير منها إن لم يكن فيها كلّها سيما المجتمعات الموالية لآل بيت الرسول . . المباني الضخمة التي خصصت لإقامة هذه المجالس في هذا الموسم لإحياء ذكرى شهيد الحق الإمام الحسين ( عليه السلام ) .
اهتمام الأقطار الإسلامية بعزاء الحسين
و هكذا أصبح المسلمون في اليوم العاشر من محرم كل عام يحتفلون بذكرى « عاشوراء » إحياءً لذكرى شهيد الطفوف الإمام الحسين ( عليه السلام ) في جميع الأقطار الإسلامية . . و يُعتبر هذا اليوم عطلة رسمية لدى معظم هذه الدول و يشترك كثير من رؤساء الدول الإسلامية في مراسيمه .
و حين تمر هذه الذكرى بالمسلمين سواء في العشرة الأولى من محرم أو في اليوم العاشر منه فإنّها تغمر غالبية العالم الإسلامي بموجة من الأسى و يخيم عليه سحاب من الحزن ، كأنّ الإمام الحسين قد قتل حديثاً و كأنّ أشلاء آله و أنصاره . . لا تزال على منظرها المؤلم فوق تلك الترب و كأنّ دم اولئك الضحايا من الشهداء لم يزل يفور على تلك الأرض . . فيثير في نفوس المسلمين كل تلك المشاعر و الأحزان . . . مما جعلت معظم الحكومات العربية و الإسلامية أن تحافظ على حرمة هذه المناسبة . . و تلاحظ شعور المسلمين نحوها . . و من أجل ذلك تصدر أوامرها بغلق دور اللهو و اللعب و حانات الخمور و الشراب و المسارح و أمثالها مما تحمل طابع اللهو و الطرب . . كما تقلص على غرارها ما في برامج الإذاعة و التلفزيون خلال العشرة الأُولى من محرم ببرامج تتسم بالطابع الديني و الروحي و العلمي مجرداً من كل أسباب اللهو و الطرب . . كل ذلك رعاية لشعور المسلمين و احتراماً لمكانة هذه الذكرى . كما هو الحال في العراق و إيران و في الهند و الباكستان و عديد من الدول الإسلامية الأخرى .
و المسلمون إذ يحتفلون بهذه الذكرى الدامية ببالغ الأسى و عظيم الألم . . إنّما يشيدون فيها على موقف الإمام الحسين في ساحة الطف و يمجدون مواقف آله و أصحابه و ما قدموه في ذلك الموقف من جسيم التضحية و عظيم البسالة التي أدهشت الأجيال و أذهلت التاريخ .
ثم إذ يعبرون في إحيائهم لهذه الذكرى الدامية عن شعورهم نحو الإمام الشهيد فإنّهم يختلفون في هذا التعبير حسب معتقداتهم فيه و في حركته و استشهاده و باختلاف مداركهم و عاداتهم .
فمنهم من يعتبره عيداً مجيداً لأنّ الفضيلة فيه قد انتصرت على الرذيلة و أنّ الإمام الحسين بموقفه ذاك من يزيد قد أسند تعاليم جدّه سيّد الرسل . . و جدد مجد شريعته السمحاء . . . كما هو الحال لدى المسلمين في الشمال الإفريقي و المغرب العربي الذين يعتزون بهذه الذكرى .
و منهم من يندفع مع العاطفة الى إيلام نفسه و إيذائها بمختلف الوسائل و الأساليب كضرب نفسه بالسلاسل أو بالتطبير ظناً منه أنّ هذا النحو من الإيذاء لمن دلائل المواساة أو الاقتداء بأولئك الشهداء . . كما هو الحال في بعض أنحاءالعراق و إيران و الهند و الباكستان .
عزاء الحسين في أمريكا الوسطى
و منهم من يحصرها في هودج كبير ضخم كما هو الحال في 13 أمريكا الوسطى و في مدينة بورت أو اسباين عاصمة جزيرة في ترينيداد الواقعة في البحر الكاريبي من شمال أمريكا الجنوبية حيث يزين المسلمون هذا الهودج بالذهب و الفضة و بأزهى الألوان الوهاجة و أحلاها و يشترك المسيحيون و الهنود مع المسلمين في احتفالاتهم العظيمة بيوم عاشوراء في مسيرة عظيمة في طليعتها هذا الهودج الفخم . . . و تسير الجماهير وراءه تحف بها الطبول و آلات الموسيقى بأنغامها الحزينة تطوف شوارع العاصمة و بين تعالي العويل و الهتاف بحياة الحسين ( عليه السلام ) سيّد الشهداء في ذكرى مصرعه يلقى بالهودج الى البحر الصاخب فتحمله الأمواج الى الأعماق الزرقاء المجهولة . . و يعود الجميع الى مجالس العزاء بذكرى الحسين ( عليه السلام ) . . . و أغلب الظن أن هذه الظاهرة انتقلت الى هذه الجزيرة مع الهنود المسلمين . . . حيث يمارسون على غرارها في الهند تعبيراً عن عواطفهم نحو هذه الذكرى . . على هذا النحو في معظم الأقطار الإفريقية و الآسيوية يعبّر المسلمون عن مشاعرهم حسب تصورهم و معتقداتهم في هذه المناسبة . .
و منهم من ينحو بها كعرض لذلك المسرح الحزين يوم الطف بالمنطق الرزين . . و بأرق الأساليب الأخّاذة بالمشاعر مستوحين من قدسية ذلك اليوم التاريخي ضروب العبر و أنواع البطولة و الإيمان بالحق . . فينتزعون من ذكراه أروع الصور و أبلغ الدروس ، و أسمى العظات ، و إن كانت منهم مجرد سرد و ترديد .
عزاء الحسين في مدن العتبات المقدسة
و الى جانب ما تقدم تلبس مدن العتبات المقدسة في العراق و إيران و المساجد المهمة و الأماكن المتبركة في الهند و الباكستان و غيرها من الأقطار و المناطق التي يتعصب أهلها في الحب و الولاء لآل البيت النبوي حلّة من السواد كشعار للحزن و الحداد . . و تبتعد عن مظاهر الزينة و البهرجة و مباعث الأُنس و الانشراح . . .
هذه هي الحالة في العشرة الأولى من شهر محرم الحرام عند المسلمين بالنسبة لهذه الذكرى إن لم يكن الشهر كلّه من كلّ عام و من الأقطار الإسلامية كالعراق و إيران و الهند و الباكستان إلى ما بعد العشرين من صفر حيث تستكمل هذه الذكرى يومها الأربعين . و لها زيارتها الخاصة و مراسيمها المختصة في كربلاء بالعراق . . . حيث يؤمها أكثر من مليون زائر في يوم واحد لزيارة قبر الحسين و الطواف حول ضريحه في ذكرى أربعينه . . و تطوف المواكب الزاخرة حول مشهده لليُمن و البركة .
هذا و تواصل مجالس العزاء الحسيني خلال شهري محرم و صفر 14 في مدن العتبات المقدسة و غيرها حيث تجذب هذه المجالس إلى ساحتها كالمغناطيس شتات المسلمين إخواناً على سرر متقابلين تصفّ أجنحتها حول منبر يرتقي عليه الخطيب فيفتتح الكلام بآي من الذكر الحكيم و تفسير علومها من أحاديث الرسول الكريم . . ثم يتلو ذلك بفصول من التاريخ الإسلامي أو تواريخ الرسل السالفين . . و يختم كلامه بتاريخ الحسين و ما جرى عليه و على آل بيت المصطفى صلوات الله عليهم 15 . . و لا بد أن يتخلل هذه الخطابة وعظ و إنذار و تلطيف القرائح بلطيف الأشعار مما يجعل مجلسهم هذا أشبه بمدرسة علم أو مجمع تهذيب . . و دروسها ما يهم المسلمين من أُمور الدنيا و الدين . . . اللهمّ إلاّ بعض الجاهلين ممن يتولّون الخطابة بغير علم و لا هدى و ممن لا يجتنبون قول الزور فيذهبون بذلك إلى سرد أحاديث ما أنزل الله بها من سلطان بغية إثارة الأشجان في نفوس المستمعين لمصاب الحسين ( عليه السلام ) استدراراً للأكف و استجلاباً للمنافع . . .
و هكذا ألحق بهذا العز و ضمن تطوراته طوال السنين كثير من الغرائب شأن كل قضية فازت بقوة النمو في منبت خصيب و تربة صالحة . . مما يحتم على أهل العلم أن ينظروا الى تعديله أو إجراء إصلاح فيه . . خاصة و نحن أقرب الأمم الى حادثة الطف مكاناً و شأناً . . و أوفر حرية من غيرنا و أقدر . . لذلك يلزم على أعلامنا أئمة الهدى و شيبنا و شبابنا رسم الخطة الصالحة لإقامة هذه الذكرى الكريمة خالية من الشوائب و مما يسيء أو يشين . . و أن نسير بها على أحسن وجه و نهج . . خدمة للاُمة و توجيهاً للجيل . . و عسى أن تحذوا حذونا شعوب مسلمة أُخرى فتنال أجزل النفع . . و لعلنا بهذا نحقق بعض آمال الحسين من نهضته و تضحيته .
والله المستعان على ما نبتغي و نريد 16 .
- 1. يعتقد فريق من المسلمين ضرورة الاحتفال بهلال محرم الحرام باعتباره مفتتح العام الهجري ، و أنّه يلزم أن يكون موضع فرح و سرور ساعة حلوله . . و أن يتخذ له مظاهر الأنس و الابتهاج أسوة بسائر الأقوام التي اتخذت من مفتتح أعوامها أبهج يوم أو أعظم عيد . . . و لذلك بدأت بعض الأقطار الإسلامية تأييد هذا التقليد بإقامة مباهج الاحتفاء و مجالس التكريم بهذه المناسبة ليلة الأول من شهر محرم و يومه باعتبار هذا اليوم يوم الهجرة النبوية . . و يحلق المتحدثون تحت هذا العنوان . . عامدين على اتخاذه عيداً دونما اعتناء بمشاعر الآخرين . . و تقام على هذا الأساس مظاهر الزينة و معالم الأفراح في بعض الأقطار العربية . . و تتبادل التهاني ( بيوم الهجرة ) أو « بعيد الهجرة » في حين أنّ يوم الهجرة النبوية كان بإجماع المؤرخين دونما اختلاف في يوم الاثنين من مطلع شهر ربيع الأوّل من سنة 622 ميلادية و إنّ الرسول صلوات الله عليه ترك مكة ليلاً و هاجر مع صاحبه « أبي بكر » إلى المدينة و ترك ابن عمه علياً في فراشه تلك الليلة . . و ليس هناك من رابط بين هذه الهجرة و أول شهر محرم ولم يرد في التاريخ الإسلامي ذكر للاحتفال بهذه المناسبة في مطلع شهر محرم . . و إنّما في عهد « عمر » جرى الاتفاق على اعتبار هجرة الرسول بداية لتدوين التاريخ الإسلامي . . و اعتبار أول محرم كما كان المعتاد بداية للعام الهجري لغرض الحساب . . و أمّا الاحتفال به كعيد لرأس السنة الهجرية و عطلة رسمية . . . فهي فكرة حديثة و من محدثات السنين الأخيرة .
- 2. و قد استقبلهم بنو هاشم بصورة لا ينساها المسلمون و العلويون من حيث الروعة والبكاء والعويل . . و قد أنشدت بنت عقيل بن أبي طالب هذه الأبيات تصف بها الحالة :
مـاذا تـقـولـن إن قـال النـبي لكم ؟ *** مـاذا فـعـلـتـم و أنـتـم آخر الأمم
بـعـترتي و بـأهـلــي بعـد مفتقدي *** مـنـهـم أسـارى و صرعى ضرجوا بدم
مـا كان هذا جـزائي إذ نصـحت لـكم *** أن تخـلفـونـي بسـوء في ذوي رحـمي
تاريخ العلويين ـ محمّد غالب الطويل - 3. لقد كان مصرع الحسين أعظم مصيبة نزلت في الإسلام . . فلقد قتل من قبل عمر و عثمان و علي . . . و قتل في وقعتي الجمل و صفين جموع غفيرة من المسلمين و لكن ذلك لم يؤثر على المسلمين مثل ما أثرت شهادة الحسين . و قد أدّت هذه المحنة إلى تفرقتهم و لا يزالون إلى هذا اليوم متفرقين . . و قد انقرضت دولة الأمويين باسم الانتقام لهذا الحادث و انقرض العباسيون باسم إعادة الحقوق المغتصبة في الحادث نفسه . و قتل تيمور لنك أهل الشام انتقاماً لدم الحسين . . . ـ تاريخ العلويين ـ .
- 4. مرّ سليمان بن قتة العدوي بكربلاء بعد قتل الحسين ( عليه السلام ) بثلاث فنظر الى مصارعهم و اتكأ على فرس له عربية و أنشأ يقول :
مـررت على أبيـات آل محمّـد *** فلم أرها أمثالها يـوم حلـت
ألم تر إنّ الشمس أضحت مريضة *** لفقد حسين و البلاد اقشعـرت
و كانوا رجـاء ثم أضحوا رزية *** لقد عظمت تلك الرزايا و جلت
و تسألنا قيـس فنعطي فقـيرها *** و تغتـابنا قيـس إذا النعل زلت
و عند غني قطرة من دمـائنـا *** سنطلبهم يومـاً بها حيث حلـت
فلا يبعد الله الدّيار و أهـلهـا *** و إن أصبحت منهم برغمي تخلفت
و إنّ قتيل الطف من آل هاشم *** أذلّ رقـاب المـسلمـين فذلـت
و قد أعولت تبكي السماء لفقده *** و أنجمـها ناحت عليه و صلـت
و مرّ ابن الهبارية الشاعر بعده بكربلاء فجلس يبكي على الحسين ( عليه السلام ) و أهله و قال بديهاً :
أحسين و المبعوث جدّك بالهدى *** قسماً يكون الحق عنـه مائلـي
لو كنت شاهد كربلاء لبذلت في *** تنفيس كربك جهد بذل الباذل
و سقت حد السيف من أعدائك *** عللاً و حد المـهري اذا بـل
لكني أُخّرت عنك لشـقوتـي *** فبلا بلي بين الغـري و بابـل
هبني حُرمت النصر من أعدائكم *** فأقل من حزن و دمـع سائل
و يقال نام مكانه فرأى النبي ( صلى الله عليه و آله ) فقال له : جزاك الله عني خيراً . أبشر فإنّ الله قد كتبك ممن جاهد بين يدي الحسين ( عليه السلام ) عن المجالس السنية للسيد العاملي : 1 / 42 ـ 43 . - 5. قالت فاطمة بنت علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : ما تحنّأت امرأة منّا و لا أجالت في عينها مروداً و لا امتشطت حتى بعث المختار برأس ابن زياد إلى علي بن الحسين ( عليه السلام ) . و قال الإمام الصادق : ما اكتحلت هاشمية و لا اختضبت و لا رؤي في دار هاشمي دخان حتى قتل عبيد الله بن زياد . . و كان الإمام علي بن الحسين « السجاد » شديد الحزن كثير البكاء على شهداء الطف يتذكر قتلاهم في حزن عظيم . . فواساه يوماً مولاه أن يقلل من البكاء فأجاب : ويحك إنّ يعقوب بن إسحاق كان نبياً و ابن نبي له اثنا عشر ولداً . . فغيّب الله واحداً منهم فشاب رأسه من الحزن و احدودب ظهره من الغم و ذهب بصره من البكاء و ابنه حي في دار الدنيا . و أنا رأيت أبي و أخي و سبعة عشر من أهل بيتي صرعى مقتولين ثم رؤوسهم على القنا . . فكيف ينقض حزني و يقل بكائي . . .
المجالس السنية للسيد محسن العاملي ج 1 . - 6. روى ابن الأثير في الكامل عن الترمذي في جامعه أنّه « لما وضع رأس ابن زياد أمام المختار جاءت حية صغيرة فتخللت الرؤوس حتى دخلت في فم عبيد الله بن زياد ثم خرجت من منخره و دخلت منخره و خرجت من فيه . . فعلت هذا مراراً . . ثم بعث المختار برأس عبيد الله بن زياد إلى علي بن الحسين ( عليه السلام ) و كان يومئذ بمكة فأدخل عليه و هو يتغدى فسجد لله شاكراً و قال : الحمد لله الذي أدرك لي ثأري من عدوي . و جزى الله المختار خيراً . . لقد أُدخلت على ابن زياد و هو يتغذى و رأس أبي بين يديه . . فقلت اللهم لا تمتني حتى ترني رأس ابن زياد . .و كان قتل ابن زياد و أشياعه في يوم عاشوراء في اليوم الذي قتل فيه الحسين ( عليه السلام ) ولم يقتل من أهل الشام بعد وقعة صفين مثلما قتل في هذه الوقعة . . حيث قتل المختار منهم سبعين ألفا .
المجالس السنية للسيد العاملي ج1 . - 7. و ذكر السيد الأمين في كتابه المجالس السنية ج1 فقال :
قال الإمام الصادق لأبي عمارة المنشد يا أبا عمارة أنشدني في الحسين بن علي قال فأنشدته فبكى ثم أنشدته فبكى و مازلت أنشده و يبكي حتى سمعت البكاء من الدار فقال : يا أبا عمارة من أنشد شعراً في الحسين بن علي ( عليهما السلام ) فأبكى فله الجنة . .
و دخل جعفر بن عفان على الصادق ( عليه السلام ) فقربه و أدناه ثم قال يا جعفر بلغني أنّك تقول الشعر في الحسين ( عليه السلام ) و تجيد فقال نعم جعلني الله فداك . . قال : قل : فأنشده :
ليبكِ على الإسلام من كان باكياً *** فقد ضيّعت أحكامه و استحلت
غداة حـين للرمـاح دريئـة *** و قد نهلت منه السيوف و علت
و غودر في الصحراء لحماً مبددا *** عليه عتاق الطير باتت و ظلـت
فما نصرته أمة السوء إذ دعـا *** لقد طاشت الأحلام منها و ضلت
ألا بل محوا أنوارهم بأكفـهم *** فلا سلمت تلك الأكـف و شلت
و ناداهم جهـدا بحق محـمّد *** فإنّ ابنه من نفسه حيـث حلت
فما حفظوا قرب النبي و لا رعوا *** و زلت بهم أقدامهم و استـزلت
أذاقته حـر القتل أمـة جـدّه *** هفت نعلها في كـربلاء و زلت
فـلا قدس الـرحمن أمـة جدّه *** و إن هي صـامت للإله و صلت
كما فجعت بنت النـبي بنسلها *** و كانوا كماة الحرب حين استقلت
فبكى الإمام الصادق و من حوله حتى انتشرت الدموع على وجهه و لحيته ثم قال : يا جعفر والله لقد شهدت ملائكة الله المقربين ها هنا يسمعون قولك في الحسين ( عليه السلام ) و لقد بكوا كما بكينا و أكثر ول قد أوجب الله تعالى لك يا جعفر في ساعتك هذه الجنّة . . و غفر لك . . يا جعفر ألا أزيدك . . قال نعم يا سيدي . . . قال ما من أحد قال في الحسين ( عليه السلام ) شعراً فبكى و أبكى به إلاّ أوجب الله له الجنة و غفر له . . . - 8. قال الإمام الرضا ( عليه السلام ) كان أبي إذا دخل شهر المحرم لا يرى ضاحكاً . . . و كانت الكآبة تغلب عليه حتى تمضي العشرة الأولى من محرم فإذا كان اليوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته و حزنه .
عن المجالس السنية للسيد العاملي ( رحمه الله ) ج1 . - 9. قال دعبل الخزاعي دخلت على سيّدي و مولاي علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) في أيام عشر المحرم فرأيته جالساً جلسة الحزين الكئيب و أصحابه من حوله فلما رآني مقبلاً قال لي : « مرحباً بك يا دعبل ، مرحباً بناصرنا بيده و لسانه . . ثم إنّه وسّع لي في مجلسه . . و أجلسني إلى جانبه ثم قال لي : يا دعبل أُحب أن تنشدني شعراً فإنّ هذه الأيام أيام حزن كانت علينا أهل البيت أيام سرور كانت على أعدائنا خصوصاً بني أمية . . . يا دعبل من بكى أو أبكى على مصابنا كان أجره على الله . . يا دعبل من ذرفت عيناه على مصاب جدّي الحسين ( عليه السلام ) غفر الله له ذنوبه . . ثم نهض ( عليه السلام ) و ضرب ستراً بيننا و بين حرمه و أجلس أهل بيته من وراء الستر ليبكوا على مصاب جدّهم الحسين ( عليه السلام ) ثم التفت إليّ و قال لي : يا دعبل ارث الحسين فأنت ناصرنا مادمت حياً قال دعبل : فاستعبرت و سالت عبرتي و انشأت أقول :
أفاطم لو خلت الحسين مجدلاً *** و قد مات عطشاناً بشط فرات - 10. روى الصدوق في « العيون » عن البيهقي عن الأصولي عن هارون بن عبد الله المهلبي : أنّه لما وصل إبراهيم بن العباس و دعبل بن علي الخزاعي الى الرضا ( عليه السلام ) و قد بويع له بولاية عهده أنشده دعبل : مدارس آيات خلت من تلاوة . . . الخ و أنشد ابراهيم بن العباس قصيدته: « أزال عزاء القلب بعد التجلد . . .» فوهب لهما عشرين ألف درهم من الدراهم التي عليها اسمه و كان المأمون قد أمر بضربها في ذلك الوقت . . دعبل ذهب بالعشرة آلاف التي حصته الى قم فباع كل درهم بعشرة دراهم . فحصلت له مائة ألف درهم و أما إبراهيم فلم تزل عنده بعد أن أهدى بعضها و فرّق بعضها على أهله الى أن توفي رحمة الله عليه . . . فكان كفنه و جهازه منها ـ مجلة المرشد ـ .
- 11. جاء في ترجمة علي بن عبد الله الناشىء « حدثني الخالع قال كنت مع والدي في سنة 246 هـ و أنا صبي في مجلس الكبوذي في المسجد بين الوراقين و الصاغة . . و هو غاص بالناس و إذا برجل قد وافى و عليه مرقعة و في يده سطحيه و ركوة و معه عكاز و هو شعث . فسلّم على الجماعة بصوت مرتفع و قال : أنا رسول فاطمة الزهراء صلوات الله عليها . . فقالوا مرحباً بك و أهلاً و رفعوه فقال : أتعرّفون لي أحمد النائح ؟ قالوا ها هو جالس . . فقال : رأيت مولاتنا ( عليها السلام ) في النوم فقالت امضي الى بغداد و اطلبه و قل له نح على ابني شعر الناشىء الذي يقوله فيه :
بني أحمد قلبي لكم يتقطع *** بمثل مصابي فيكم ليس يسمع
و كان الناشىء حاضراً فلطم لطماً عظيماً على وجهه و تبعه المزوق و النّاس كلّهم . . . و كان أشد الناس في ذلك الناشىء ، ثم المزوق ثم ناحوا بهذه القصيدة في ذلك اليوم الى أن صلّى الناس الظهر و تقوض المجلس و جهدوا بالرجل أن يقبل منهم شيئاً فقال : والله لو أُعطيت الدنيا ما أخذتها .فإنّني لا أرى أن أكون رسول مولاتي ( عليها السلام ) . ثم آخذ عن ذلك عوضاً و انصرف ولم يقبل شيئاً . . . قال و من هذه القصيدة و هي بضعة عشر بيتاً . . .
عجبت لكم تفنون قتلاً بسيفكم *** و بسطو عليكم من لكم كان يخضع
كأنّ رسول الله أوصى بقتلكم *** و أجسامكم في كل أرض توزع
قال : و حدثني الخالع قال اجتزت بالناشئ يوماً و هو جالس في السارجين فقال لي قد عملت قصيدة و قد طلبت و أُريد أن تكتبها بخطك حتى أخرجها فقلت أمضي في حاجة و أعود . و قصدت المكان الذي أردته . و جلست فيه فحملتني عيني . فرأيت في منامي أبا القاسم عبد العزيز الشطرنجي النائح فقال أحب أن تقوم فتكتب قصيدة الناشئ البائية . فإنّا قد نحنا بها البارحة بالمشهد . . و كان هذا الرجل قد توفى و هو عائد من الزيارة . . فقمت و رجعت اليه و قلت هات البائية حتى أكتبها . . فقال الناشئ و من أين علمت أنّها بائية و ما ذاكرت بها أحداً ! فحدّثته بالمنام فبكى و قال لاشك أنّ الوقت قد دنا فكتبتها و كان مطلعها :
رجائي بعيد و الممات قريب *** و يخطئ ظني و المنون تصيب
ـ عن مجلة المرشد ـ - 12. الدلائل و المسائل ج1 للسيد هبة الدين الحسيني الشهرستاني جواب عن تاريخ العزاء الحسيني .
- 13. من مجلة الأسبوع العربي في عددها 515 من السنة العاشرة بتاريخ 21 ـ 4 ـ 1969 بقلم بهجت منصور .
- 14. و تقام مجالس العزاء الحسني إضافة على شهري محرم و صفر في شهر رمضان و ذلك في لياله و في سائر أيام السنة على سبيل النية و النذر لحاجة من الحاجات قضاها الله فيقيم صاحبها مجلس عزاء ليوم واحد أو لثلاثة أيام أو لأسبوع أو عشرة أيام أو أكثر حسب ما نوى و توزّع فيها الخيرات للفقراء و المساكين و كثيراً ما ترافق مجالس العزاء الحسيني إطعام أو خيرات للحاضرين إليها .
- 15. و منهم من يتخذ عاشوراء يوم عيد و فرح وسرور . . و إنّها لسنّة أموية و قد اتبعها جهلاً بالحال . . و إلاّ فلا يظن بمسلم أن يفرح في يوم قتل فيه ابن بنت نبيه الذي لو كان حياً لكان هو المعزّى به و الباكي عليه . . .
- 16. نهضة الحسين للسيد هبة الدين الشهرستاني : 199 ـ 225 .