يقول الله تعالى في كتابه الكريم ﴿ إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾ 1.
تفيد الآية الكريمة والكثير مما يدل على معناها في القرآن ان وحدة الأمة الاسلامية هي الأصل الذي لا ينبغي للمسلمين أن يتخلوا عنه وعليهم أن يتحلوا به لكي يكونوا أمة قوية متماسكة مرهوبة الجانب من الأعداء والمتربصين بها شراً، وهذه الوحدة هي الحصن المنيع لكل بلاد المسلمين لأنها تحمي المسلمين وتجعلهم بعيشون حياة مليئة بالعزة والكرامة والاستقلال والإرادة المتحررة من كل الضغوطات الداخلية أو الخارجية، وتجمعهم كلمة لا إله إلا الله، محمد رسول الله صلى الله عليه و أله.
والوحدة الإسلامية شاء المسلمين أم أبوا فهي متحققة بينهم في الكثير من المظاهر والمواسم العبادية، وإذا أردنا أن نلقي نظرة سريعة على ما يجمع المسلمين ويوحدهم نلمس ما يلي:
- القرآن حيث يعترف به جميع المسلمين على اختلاف مذاهبهم وعقائدهم الفرعية ومسالكهم الفقهية، ويعتبرونه معجزة نبينا الخالدة، ويقرون بأنه لا زيادة فيه ولا نقصان، بل هو الذي أنزله الله على نبينا صلى الله عليه وآله، وهو الذي نتلوه في بيوتنا، ونردده في مساجدنا واحتفالاتنا وفي الكثير من شؤون حياتنا، وهو الكتاب الذي يحفظه المسلمون ويتغنون به ويعتبرونه مصدر التشريع في ديننا لكل أمور حياتنا.
- الصلاة: وهي الفريضة التي تجمع المسلمين في مساجدهم يومياً ثلاث مرات على الأقل، عند الفجر والظهر والمغرب من كل يوم، فإذا نظرنا نظرة واعية إلى كل بلاد المسلمين نجد أن المساجد في هذه الأوقات الثلاثة يحتشد فيها المصلون جماعات جماعات والكل يصلي لرب واحد وخالق واحد، ولقبلة واحدة هي “الكعبة المشرفة” حيث يتوجهون إليها، ولا يجد ولن يجد أحد فرداً من المسلمين يتوجه إلى غير “الكعبة” في صلاته، فهذا المظهر الرائع للمسلمين في وحدة أوقات صلواتهم وفي وحدة قبلتهم ينبغي أن يجعل المسلم يفخر ويعتز بانتمائه إلى هذا الدين العظيم، الذي يوحدنا أينما كنا في العالم بهذه الشعيرة العظيمة.
- موسم الحج: حيث يتوافد المسلمون إلى مكة المكرمة لأداء مناسك هذه الفريضة الإلهية العبادية والسياسية، ويأتون من كل دول العالم، ليعيشوا وحدة كاملة وشاملة تمتد إلى عدة أيام مدة إقامة الشعائر، وأروع مظهرين من فريضة الحج يدلان على عظمة الإسلام الذي يجب على كل فرد مسلم أن ينتبه إليهما هما “الطواف حول الكعبة” و”الوقوف في جبل عرفات” حيث يقف الحجيج موقفاً واحداً موحداً، والكل يبتهل إلى الله ويتضرع ليغفر له ذنوبه في ذلك المكان المقدس، والجميع يلبس لوناً واحداً هو الأبيض في منظر مهيب وجميل ورائع ويدخل كل معاني القوة والمنعة إلى نفوس المسلمين في العالم، ويشيع الرهبة والخوف في قلوب أعداء الأمة، وكما يتوحد المسلمون في وقوفهم في عرفات يمكنهم أن يتوحدوا كشعوب ليكونوا قوة عالمية تهابها كل المجتمعات البشرية الأخرى.
- شهر رمضان: وهو شهر أداء فريضة الصوم، وهنا أيضاً تظهر عظمة الإسلام ومكانته في قلوب أتباعه، حيث تتزين الدول الإسلامية من مساجدها والى ساحاتها وإلى شوارعها وبيوتها بكل ما يدل على هذا الشهر الشريف الذي يمارس فيه المسلمون عبادة الصوم لله عز وجل، ثم عندما ينتهي الصوم ويأتي يوم العيد الذي يحتفل به المسلمون فيفرحون بأن الله قد وفقهم لصوم نهاره وقيام ليله، وقد ورد في الدعاء اللهم إني أسألك في هذا اليوم “العيد” الذي جعلته للمسلمين عيداً ، ولمحمد شرفاً وذخراً ومزيداً… .
والخلاصة أن المسلمين قيادات وشعوباً يمكنهم إذا صفيت النوايا وصغت العقول والقلوب إلى النداء الإلهي لتوحيد الأمة أن يتوحدوا تحت شعار توحيد الكلمة تحت كلمة التوحيد، ولنقف صفاً واحداً متماسكاً وقوياً في مواجهة المستكبرين الذين مزقوا جسد هذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس كما يعبر القرآن الكريم، وليتحقق قول الله عز وجل ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ﴾ 2وكذلك قوله الآخر ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ … ﴾ 3.
فالمسلمون قادرون بإذن الله على التغلب على كل عوامل الفرقة والشقاق في جسد أمتهم، وقادرون بوحدتهم على رفع كل أيادي المستكبرين والطواغيت عن قرار الأمة ومصيرها، لكن ذلك يحتاج إلى جهود المخلصين والأوفياء والعلماء الذين يجب عليهم أن يتصدوا لأداء هذه المهمة الجليلة والعظيمة بلحاظ نتائجها الكبيرة والباهرة على مستوى الأمة جمعاء لنشر الوعي الإيجابي عن أبعاد وحدة الأمة والمنافع والمصالح الهائلة التي تترتب على ذلك.
والحمد لله رب العالمين. 4
- 1. القران الكريم: سورة الأنبياء (21)، الآية: 92، الصفحة: 330.
- 2. القران الكريم: سورة الصف (61)، الآية: 4، الصفحة: 551.
- 3. القران الكريم: سورة الأنفال (8)، الآية: 60، الصفحة: 184.
- 4. نُشرت هذه المقالة على الموقع الالكتروني الرسمي لسماحة الشيخ محمد توفيق المقداد بتاريخ: الأربعاء, 06 كانون1/ديسمبر 2017.