بسم الله الرحمن الرحيم
✍🏻 زكريا بركات
إنَّ الله (تبارك وتعالى) يريد للَّذين آمنوا الطهارة:
(يا أيُّها الَّذين آمنوا….. مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ…) المائدة: 6 .
فهي طهارة تحصل من خلال مستوى انضباط المؤمن بالعبادات التي منها الوضوء.. وقد تكون الطهارة في مستوى عال، وقد تكون في مستوى متوسِّط، وقد تكون ضعيفة التحقُّق، بحسب قيمة العبادة التي يأتي بها المؤمن..
وقد أخبرنا الله (تبارك وتعالى) أنه أتم تطهير أهل البيت (عليهم السلام) :
(…إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) الأحزاب: 33 .
نفهم معنى التمامية من التوكيد اللفظي بكلمة (تطهيراً) في آية التطهير، إذ التوكيد اللفظي يدل على التتميم المعنوي، ولمّا كان المؤكّد المتمّم هو الله تعالى، فلا خلل في تمامية التطهير من قبله.
بينما نلاحظ أنّ التطهير المذكور في غير آية التطهير لم يرد فيه هذا التوكيد الدال على التمامية، والسر في ذلك يكمن في أنّ التطهير الذي يحصل بفعل الإنسان يكون خاضعاً لمستوى القوّة والضعف في فعله، بخلاف ما يكون من الله عز وجل.. وهذا هو الفرق بين الإرادتين: التشريعية والتكوينية.
ثمَّ إنَّ الله تعالى طلب من (الذين آمنوا ويطلبون الطهارة بالعبادة) أن يكونوا مع الصادقين:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) التوبة: 119.
فمن هؤلاء الصادقون الذين يُطلب من (طالبي الطهارة بالعبادة) أن يكونوا معهم؟
يفهم من هذا الطلب أنّ هذا الوصف (الصادقين) هو لأناس فوق مستوى الذين آمنوا ويطلبون الطهارة بالوضوء وغيره من العبادات..
ولا ريب في أنّ تامّي الطهارة مقصودون بـ (الصادقين) لأنهم القدر المتيقّن من الصادقين، بينما غيرهم ـ من الطاهرين غير تامي الطهارة ـ لا يُعلم دخولهم أو عدم دخولهم في هذا الوصف، بل من الواضح أنّ (الذين آمنوا) متصفون بدرجة من درجات الطهارة، ومطالبون باكتسابها من خلال الوضوء وغيره من العبادات، ولكنها ليست طهارة تامة بتتميم الله تبارك وتعالى، ولذلك هم مطالبون بالكون مع تامِّي الطهارة وهم أهل البيت عليهم السلام.
وبذلك نفهم السر الذي يجعل ولاية الطاهرين واجبة ومعيتهم فريضةً؛ فإنَّ الخالق البارئ الذي أراد لنا الطهارة، من المفترض أن يجعل تامِّي الطهارة قبلةً لقلوبنا ومحوراً لنا نهتدي بهداهم ونقتدي بآثارهم..
وبقدر ما يكون الإنسان أنقى وأطهر، يكون أقرب إلى الذين أتمّ الله طهارتهم سلام الله عليهم.
ومنه ـ أيضاً ـ يُفهم السرُّ في عدم قبول العبادات من غير ولاية الطاهرين؛ فإنّ العبادات إنما شُرِّعت لتطهير الإنسان، فإذا رفض الإنسان ولاية الذين أتمّ الله طهارتهم وجعلهم قبلة للقلوب المتطهرة، دلَّ ذلك على أنه ليس جادّاً صادقاً في طلب الطهارة، وإلاّ لأحبَّ المُطهَّرين وتعلَّق بحبل ولايتهم. وانتفاء الجدِّية والصدق في طلب الطهارة يُفرِّغ العبادة من قيمتها لأنَّها إنَّما شُرِّعت للتَّطهير.
والله وليُّ التوفيق.