قوانين الإسلام كثيرة، ومن جملتها الآداب والمستحبات والمندوبات التي حثَّ الشرع المبارك عليها، لخير الناس وصلاحهم.
هذه الآداب هي التي تُسمَّى اليوم “الأتيكيت” أو البروتوكول التي توافق عليه المجتمع الدولي في علاقاته ومجتمعاته المدنية، الجماعية والفردية، كدول وأفراد، وهو الذي يُدرَّس في المعاهد المختصة بذلك، ومنها التابعة لوزارة الخارجية أو دائرة البروتوكول في رئاسات الدُول.
واشتُهر في هذا المجال، البروتوكول البريطاني، والفرنسي، والروسي، وهي المدارس السائدة اليوم، وترى ذلك بوضوح في الاحتفالات والمناسبات والاجتماعات والسهرات والسفرات والاستقبالات والجلسات… وغيرها، وتُضاف إلى هذه المدارس المشهورة تعديلات طفيفة لها دلالات أو إشارات أو يُقصد بها مواقف معيَّنة… خاصة في “الأتيكيت” الصيني والياباني.
وبديهيٌ، أنَّ الآداب والمستحبات الإسلامية لا تُقاس بكل المدارس والتقاليد المتقدِّمة، لسبب واضح:
فتلك مصدرها بشري، وما عندنا مصدره إلهي… تلك يُبْتغى بها وجه الناس والرفعةُ بينهم، وما عندنا نريد به، تعبُّداً، ودون معرفة أسراره وخلفياته، وجه اللَّه جلَّ جلاله.
وقد نتطرق إن شاء اللَّه تعالى في طي الحلقات القادمة إلى بعض “البروتوكول” الذي هو سائد اليوم عالمياً، وقد سبق الإسلام إليه، ويكون ذلك لمماً، حَذَراً من ظنِّ البعض لا سمح اللَّه، أننا نتقوَّى بالقوانين الوضعية لإثبات أو نشر القوانين الإلهية… إنَّما الهدف حثُّ المسلمين للعمل بالمندوبات والمستحبات والآداب، والتعلُّق بها، من باب إحياء السُّنن والاعتزاز بالحق، في وقتٍ يحرص أهل الدنيا والمناصب على نشر باطلهم.
“فيا عجباً! عجباً واللَّهِ! يُميت القلب ويجلب الهم من اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم، وتفرُّقكم عن حقِّكم” (نهج البلاغة، الخطبة 27).
من آداب الطعام والشراب
نبدأ بآداب الطعام والشراب، وهي “عادات” إسلامية ينبغي تطبيقها ونشرها في المجتمع الإسلامي، وفيها من الروعة والحكمة ما يعجز هذا القلم القاصر عن بلوغ أسرارها.
لكنْ، ما لا يُدرك كلُّه لا يُترك جلّه.
1. من الآداب، غسلُ اليدين قبل الطعام وبعده، وإذا كان الحثُّ على ذلك يُبرَّر بحسب القوانين الوضعية بتنظيف اليدين وتطهيرهما من الملوِّثات والجراثيم، فلا نحتاج نحن الذين “يُؤمنون بالغيب” إلى تبرير ذلك، ويكفينا “رضوان من اللَّه أكبر”.
رُوي عن مولانا الصادق (ع): “مَنْ غسل يديه، قبل الطعام وبعده، بورك له في أوله وآخره، وعاش ما عاش في سَعَةٍ، وعوفي من بلوى في جسده”.
2. يُستحب الوضوء قبل الطعام، وأسرار الوضوء لا تُحصى، مُكْتفين بأنَّها “نور على نور”.
رُوي عن مولانا رسول اللَّه (ص): “الوضوء قبل الطعام وبعده، ينفي الفقر”.
3. ومن الآداب، التسميةُ قبل الطعام، والحمدُ بعد الفراغ منه، ويكفي في ذلك اعتياد وتعويد الآخرين، خاصة صغارنا وأبناءنا، قول “بسم اللَّه الرحمن الرحيم” قبل الشروع في الطعام، وفي ذلك أسرار تحتاج إلى بسط الحديث، وقول “الحمد للَّه ربِّ العالمين” عند الانتهاء، وفي ذلك مراقبة وذكر للمنعم المكرم سبحانه وتعالى.
رُوي عن مولانا رسول اللَّه (ص): “إذا وُضعت المائدة، صفَّها أربعةُ أملاك، فإذا قال العبد: “بسم اللَّه”، قالت الملائكة للشيطان: “اخرج يا فاسق، فلا سلطان لك عليهم” وإذا فرغوا قال: “الحمد للَّه”، قالت الملائكة: “قومٌ أنعم اللَّه عليهم، فأدُّوا الشكر لربهم”، وإذا لم يقل: “بسم اللَّه”، قالت الملائكة للشيطان: ادنُ يا فاسق، فكُلْ معهم” فإذا رُفعت المائدةُ ولم يحمدوا اللَّه، قالت الملائكة: قوم أنعم اللَّه عليهم فنسوا ربَّهم”.
وفي وصيَّة النَّبي (ص) لعلي (ع): “يا علي، إذا أكلتَ فقُلْ: “بسم اللَّه”، وإذا فرغت فقُل: “الحمد للَّه”، فإنَّ حافظيك لا يستريحان من أن يكتبا لك الحسنات، حتى تنبذه عنك”.
وعن رسول اللَّه (ص): “إنَّ مَنْ نَسِيَ أن يُسمِّيَ على كل لون، فَلْيَقُلْ: بسم اللَّه على أوَّله وآخره”.
4. يُستحب الجلوس على الأرض جلسة العبد، وخاصة على الجانب الأيسر، كما ورد عن الحسن بن علي (ع).
5. يُستحب تصغير اللُّقمة، والمضغ الشديد الجيد… وآثار ذلك لا تخفى، وفي بعض الروايات مضغ اللقمة أربعين مرة”.
6. من الآداب جمعُ فتات الخبز وما تبقَّى من آثار الطعام، وأكلها.
ورد عن رسول اللَّه (ص): “ما سقط من المائدة مهورُ الحورِ العين”.
هذا إذا كان الأكل على مائدة الطعام في المنزل، وأمَّا في البريَّة، فيُترك ما فَضُل من الطعام، لتتغذَّى منه الحيوانات والبهائم.
وفي ذلك، قال مولانا أبو جعفر الثاني (ع) مخاطباً غلامه الذي أخذ يرفع ما وقع من فتات الطعام: “ما كان في الصحراء فَدَعْه، ولو فخذ شاة، وما كان في البيت فتتبَّعْه والتقطه”.
هذه جملة من الآداب، ونُتابع إنشاء اللَّه تعالى في حلقة قادمة1.
- 1. الموقع الرسمي لسماحة السيد سامي خضرا(حفظه الله).