قال امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام): (صَوْمُ النَّفْسِ إمْساكُ الحَواسِّ الخَمْسِ عَنْ سائِرِ المَآثِمِ، وَ خُلُوُّ القَلْبِ عَنْ جَميعِ أسْبابِ الشَّرِّ)
الصوم لغة : الصَّوْمُ : (تَرْكُ الطعامِ والشَّرابِ والنِّكاحِ والكلامِ ، صامَ يَصُوم صَوْماً وصِياماً واصْطامَ ، ورجل صائمٌ وصَوْمٌ من قومٍ صُوَّامٍ وصُيّامٍ وصُوَّمٍ ، بالتشديد ، وصُيَّم ، قلبوا الواو لقربها من الطرف ؛ وصِيَّمٍ ؛ وصِيَامٍ ، وصَوْمٍ وهو اسمٌ للجمع ، وقيل : هو جمعُ صائمٍ . وقوله عز وجل : {إني نَذَرْتُ للرَّحْمَنِ صَوْماً }[1]؛ قيل : معناه صَمْتاً ، ويُقوِّيه قوله تعالى : {فلن أُكلِّمَ اليومَ إنْسِيّاً}[2] )[3].
الصوم اصطلاحا: (حجاب ضربه الله عز وجل على الألسن، و الأسماع والأبصار، وسائر الجوارح، لما له في عادة من سره وطهارة تلك الحقيقة حتى يستر به من النار)[4] .
إن للصيام مراتباً بينها لنا أهل بيت العصمة (عليهم السلام) في كثير من الاحاديث عنهم؛ فإن أحد مراتب الصيام هي ترك المفطرات، فعن النبي (صلى الله عليه وآله) : يقول الله عز وجل من لم تصم جوارحه عن محارمي فلا حاجة لي في أن يدع طعامه وشرابه من أجلي)[5].
كذلك تركٌ سائر الأعمال القبيحة, فإن أجر الصائم ينقص بحسب ما ألم به قبح الاعمال، فبعض الصائمين تستغرق ذنوبه أجر صومه كله، فلا يكون له من صومه إلا الجوع والعطش فالذين لا يفهمون من الصوم إلا ترك الطعام والشراب فهؤلاء ما فهموا حقيقة الصيام ، ولا انتفعوا بالصيام، ولذا فنجد أحدهم يمسك عن الطعام والشراب ولكن قد أفطر لسانه بالحرام ونطق بالحرام، وأفطرت عينه بالنظر إلى الحرام، وأفطر سمعه على سماع الحرام.
فعن الإمام علي ( عليه السلام ) : (الصيام إجتناب المحارم كما يمتنع الرجل من الطعام والشراب)[6] .
وعن مولاتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام): (ما يصنع الصائم بصيامه إذا لم يصن لسانه وسمعه وبصره وجوارحه)[7].
وعلى الصائم في شهر رمضان التعود على ترك ملذات الحياة والإقلال منها، لكي يحس المسلمون الصائمون بأن لهم إخوانًا يعيشون الصيام طيلة عامهم، فلا يجدون الطعام والشراب الذي يكفيهم من شدة الخصاصة والفقر؛ فمن رحمة الله بعباده أن جعل الصيام أيامًا معدودات، فليس فريضة طول العمر, ومع هذا أعفى من أدائه المرضى حتى يصحوا، والمسافرين حتى يقيموا رحمة وتيسيرا.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}[8].
كما إن الصوم أحد المصاديق الواضحة البارزة للصبر, لأن الإِنسان يحصل في ظل هذه العبادة الكبرى على الإِرادة القوية والإِيمان الراسخ والقدرة على التحكم في الميول والرغبات كما أن لثواب شهر رمضان أجر وفضل كبير عن الله عز وجل.
فعن جعفر بن محمد عن أبيه، عن جده الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، قال: جاء رجل من اليهود، إلى النبي (صلى الله عليه وآله) – وساق الخبر إلى أن قال – يا محمد، فاخبرني عن الثامن، لأي شيء افترض الله صوما على أمتك ثلاثين يوما؟ وافترض على سائر الامم أكثر من ذلك؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله): إن آدم لما أن أكل من الشجرة، بقي في جوفه مقدار ثلاثين يوما، فافترض الله على ذريته ثلاثين يوما الجوع والعطش، وما يأكلون بالليل فهو تفضل من الله على خلقه، وكذلك كان لآدم (عليه السلام) ثلاثين يوما، كما على أمتي، ثم تلا هذه الآية: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون}[9] قال: صدقت يا محمد، فما جزاء من صامها؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله): ما مؤمن يصوم يوما من شهر رمضان، حاسبا محتسبا، إلا أوجب الله تعالى له سبع خصال: أول الخصلة يذوب الحرام من جسده، والثاني يتقرب إلى رحمة الله تعالى، والثالث يكفر خطيئته، ألا تعلم أن الكفارات في الصوم يكفر، والرابع يهون عليه سكرات الموت، والخامس آمنه الله من الجوع والعطش يوم القيامة، والسادس براءة من النار، والسابع أطعمه الله من طيبات الجنة، قال: صدقت يا محمد)[10]
كما ان الصوم ليس فقط عن الطعام والشراب بل ترك سائر الاعمال القبيحة والرذيلة من الكذب والحسد وغض الابصار عن المحرمات.
فعن جراح المدائني، عن أبي عبدالله (ع) قال: (إن الصيام ليس من الطعام والشراب وحده، ثم قال: قالت مريم: إني نذرت للرحمن صوما، أي صوما صمتا وفي نسخة اخرى أي صمتا فإذا صمتم فحفظوا ألسنتكم وغضوا أبصاركم ولا تنازعوا ولا تحاسدوا، قال: وسمع رسول الله صلى الله عليه وآله امرأة تسب جارية لها وهي صائمة فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله بطعام، فقال لها: كلى فقالت: إني صائمة، فقال: كيف تكونين صائمة وقد سبيت جاريتك، إن الصوم ليس من الطعام والشراب)[11].
وعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : (إذا أصبحت صائما فليصم سمعك وبصرك من الحرام، وجارحتك وجميع أعضائك من القبيح، ودع عنك الهذي وأذى الخادم، وليكن عليك وقار الصيام، والزم ما استطعت من الصمت والسكوت إلا عن ذكر الله، ولا تجعل يوم صومك كيوم فطرك، وإياك والمباشرة، والقبل والقهقهة بالضحك، فإن الله مقت ذلك)[12].
وإن أجمل ما يحصل عليه العبد من ربه في شهر رمضان المبارك هو التوفيق للطاعات وترك المحرمات بل حتى المكروهات, كما اشار اليه الامام زين العابدين (عليه السلام) في دعائه إذا دخل شهر رمضان – : (وأعنا على صيامه بكف الجوارح عن معاصيك، واستعمالها فيه بما يرضيك، حتى لا نصغي بأسماعنا إلى لغو ولا نسرع بأبصارنا إلى لهو، وحتى لا نبسط أيدينا إلى محظور، ولا نخطو بأقدامنا إلى محجور، وحتى لا تعي بطوننا الا ما أحللت، ولا تنطق ألسنتنا إلا بما مثلت، ولا نتكلف الا ما يدني من ثوابك، ولا نتعاطى الا الذي يقي من عقابك)[13].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
[1] + 2 – سورة مريم : اية 26.
[3]- لسان العرب : ابن منظور,ج12,ص350.
[4] – فقه الرضا: علي بن بابويه القمي, ص202.
[5] – ميزان الحكمة : الريشهري ,ج5, ص315.
[6] – بحار الانوار : العلامة المجلسي ,ج93,ص294.
[7] – أدب الضيافة: جعفر البياتي ,ج1,ص6.
[8] – سورة البقرة : الآيتان 183- 184.
[9] – سورة البقرة : الآية 183.
[10] – مستدرك الوسائل : النوري الطبرسي,ج7,ص367.
[11]- تفسير نور الثقلين: الشيخ عبد على بن جمعة العروسي الحويزي ,ج5,ص359.
[12] – مستدرك سفينة البحار: العلامة آية الله الشيخ علي النمازي ,ج6,ص410.
[13]- ميزان الحكمة: الريشهري ,ج5,ص316