عَنْ مُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ ، قَالَ : خَرَجَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السَّلام ) فِي لَيْلَةٍ قَدْ رُشَّتْ 1 وَ هُوَ يُرِيدُ ظُلَّةَ بَنِي سَاعِدَةَ ، فَاتَّبَعْتُهُ فَإِذَا هُوَ قَدْ سَقَطَ مِنْهُ شَيْءٌ .
فَقَالَ : ” بِسْمِ اللَّهِ ، اللَّهُمَّ رُدَّ عَلَيْنَا ” .
قَالَ : فَأَتَيْتُهُ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ .
قَالَ ، فَقَالَ : ” مُعَلًّى ” ؟
قُلْتُ : نَعَمْ ، جُعِلْتُ فِدَاكَ .
فَقَالَ لِي : ” الْتَمِسْ بِيَدِكَ ، فَمَا وَجَدْتَ مِنْ شَيْءٍ فَادْفَعْهُ إِلَيَّ ” .
فَإِذَا أَنَا بِخُبْزٍ مُنْتَشِرٍ كَثِيرٍ ، فَجَعَلْتُ أَدْفَعُ إِلَيْهِ مَا وَجَدْتُ ، فَإِذَا أَنَا بِجِرَابٍ 2 أَعْجِزُ عَنْ حَمْلِهِ مِنْ خُبْزٍ .
فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، أَحْمِلُهُ عَلَى رَأْسِي ؟
فَقَالَ : ” لَا ، أَنَا أَوْلَى بِهِ مِنْكَ ، وَ لَكِنِ امْضِ مَعِي ” .
قَالَ : فَأَتَيْنَا ظُلَّةَ بَنِي سَاعِدَةَ ، فَإِذَا نَحْنُ بِقَوْمٍ نِيَامٍ ، فَجَعَلَ يَدُسُّ الرَّغِيفَ وَ الرَّغِيفَيْنِ حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِهِمْ ، ثُمَّ انْصَرَفْنَا .
فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، يَعْرِفُ هَؤُلَاءِ الْحَقَّ ؟
فَقَالَ : ” لَوْ عَرَفُوهُ لَوَاسَيْنَاهُمْ بِالدُّقَّةِ ـ وَ الدُّقَّةُ هِيَ الْمِلْحُ ـ ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لَمْ يَخْلُقْ شَيْئاً إِلَّا وَ لَهُ خَازِنٌ يَخْزُنُهُ إِلَّا الصَّدَقَةَ ، فَإِنَّ الرَّبَّ يَلِيهَا بِنَفْسِهِ ، وَ كَانَ أَبِي إِذَا تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ وَضَعَهُ فِي يَدِ السَّائِلِ ، ثُمَّ ارْتَدَّهُ مِنْهُ فَقَبَّلَهُ وَ شَمَّهُ ، ثُمَّ رَدَّهُ فِي يَدِ السَّائِلِ ، إِنَّ صَدَقَةَ اللَّيْلِ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ ، وَ تَمْحُو الذَّنْبَ الْعَظِيمَ ، وَ تُهَوِّنُ الْحِسَابَ ، وَ صَدَقَةَ النَّهَارِ تُثْمِرُ الْمَالَ ، وَ تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ .
إِنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ( عليه السَّلام ) لَمَّا أَنْ مَرَّ عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ رَمَى بِقُرْصٍ مِنْ قُوتِهِ فِي الْمَاءِ .
فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْحَوَارِيِّينَ : يَا رُوحَ اللَّهِ وَ كَلِمَتَهُ ، لِمَ فَعَلْتَ هَذَا ، وَ إِنَّمَا هُوَ مِنْ قُوتِكَ ؟!
قَالَ ، فَقَالَ : فَعَلْتُ هَذَا لِدَابَّةٍ تَأْكُلُهُ مِنْ دَوَابِّ الْمَاءِ ، وَ ثَوَابُهُ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ” 3 .
- 1. أي ليلة قد أمطرت .
- 2. الجِراب بالكسر : وعاء من إهاب شاة يوعى فيه الحب و الدقيق و نحوهما ، ( مجمع البحرين : 2 / 23 ، للعلامة فخر الدين بن محمد الطريحي ، المولود سنة : 979 هجرية بالنجف الأشرف / العراق ، و المتوفى سنة : 1087 هجرية بالرماحية ، و المدفون بالنجف الأشرف / العراق ، الطبعة الثانية سنة : 1365 شمسية ، مكتبة المرتضوي ، طهران / إيران ) .
- 3. الكافي : 4 / 8 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني ، المُلَقَّب بثقة الإسلام ، المتوفى سنة : 329 هجرية ، طبعة دار الكتب الإسلامية ، سنة : 1365 هجرية / شمسية ، طهران / إيران .