كفى في امتحان أهل الدين هذا التصارع الدائم بين الدين والدنيا وقلّما ائتلفا في عصر ، ولولاه لما كانت التقيّة ، ولما كانت تلك الفوادح النازلة بساحة أهل البيت.
ليس الصراع بين أهل البيت وبين اُميّة والعبّاس غريباً ما دام أهل البيت مثال الدين ، واُولئك مثال الدنيا.
يعلم المروانيّون والعبّاسيّون أن الصادق عليه السلام زعيم هذا التصارع ولئن صمت عن مصارعتهم بالحراب فلا يكفيهم أماناً من حربه لهم ، ولربّما كان الصمت نفسه أداة الصراع أو هو الصراع نفسه ، فإن السكوت قد يكون جواباً كما يقولون.
فمن ثمّ تجدهم يوجّهون إليه عوادي المحن كلّ حين ، وما كفّهم عن تعاهده بالأذى ذلك الإنعزال والإنشغال بالعبادة والعلم ، فإن هذا الشغل هو سلاح الحرب ، لأنّه ظاهرة الدين وبه تتّجه الأنظار إليه ، وكلّما ارتفع مقام الصادق قويت شوكة الدين ، وإذا قوي الدين انصرع أهل الدنيا.
ولو لا تشاغل الاُمويّين بالفتن بينهم لما أبقوا على الصادق عليه السلام ، كما لم يبقوا على آبائه ، أجل كأنّهم تركوا ذلك إلى أبناء عمّه الأقربين ، ( وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ ) ! (۱)
كانت أيّام السفّاح أربع سنين ، وهذا الزمن لا يكفي لتطهير الأرض من أميّة ، ولبناء اُسّ الملك وترسيخ دعائمه ، فلم يشغله ذلك عن الصادق عليه السلام ، فإنّه لم يطمئن بعد من أميّة والروح الموالية لهم ، ولم يفرغ من تأسيس ذلك البناء حتّى أرسل على الصادق من المدينة إلى الحيرة ، ليفتك به ، ولكن كفى بالأجل حارساً.
ولما ذا كان الصادق إحدى شعب همّه ، وهو ابن عمّهم الذي اشتغل بالعبادة والتعليم والإرشاد ، والذي أخبرهم بما سيحظون به من الملك دون بني الحسن ، وقد كانوا بأضيق من جحر الضب من بني أميّة ، وأقلق من الريشة في مهبّ الريح خوفاً منهم.
ما كان يدفع السفّاح على ذلك العمل الشائن إلّا ما قلناه من ذلك الصراع حذراً من أن يتّجه الناس إلى الصادق عليه السلام ، ويعرفوا منزلته ، والناس إلى ذلك العهد كانت ترى أن الخلافة مجمع السلطتين الروحيّة والزمنيّة ، ولا تراها سلطاناً خالصاً لا علاقة لها بالدين ، فلا يصرف الناس عن الصادق أنّه رجل الدين الخالص ، بل أن هذا ادّعى عند بعض الناس للإمامة ، ليكونوا منه في أمان على دنياهم ، كما هم في أمان على دينهم.
وبذلك الحذر وقف المنصور بمرصد للصادق عليه السلام ، فشاهد عليه السلام منه ضروب الآلام والمكاره ، وما كفّ ولا عفّ عنه حتّى أذاقه السمّ.
ولا عجب ممّا كان يلاقيه أبو عبد الله عليه السلام من تلك المكاره ، فإنّ محن المرء على قدر ما له من فضيلة وكرامة ، وعلى قدر مقامه بين الناس وطموحه إلى الرتب العالية.
كان بين ولاية المنصور ووفاة الصادق عليه السلام اثنتا عشرة سنة لم يجد الصادق فيها راحة ولا هدوء على ما بينهما من البعد الشاسع ، الصادق في الحجاز ، والمنصور في العراق ، وكان يتعاهده بالأذى ، كما يتعاهد المحبّ حبيبه بالطرف والتحف.
يقول ابن طاوس أبو القاسم علي طاب ثراه (۲) في كتاب « مهج الدعوات » في باب دعوات الصادق عليه السلام : إنّ المنصور دعا الصادق سبع مرّات كان بعضها في المدينة والربذة حين حجّ المنصور ، وبعضها يرسل إليه إلى الكوفة وبعضها إلى بغداد ، وما كان يرسل عليه مرّة إلّا ويريد فيها قتله ، هذا فوق ما يلاقيه فيها من الهوان وسوء القول ، ونحن نذكرها بالتفصيل :
الاولى : روى ابن طاوس عن الربيع حاجب المنصور قال : لما حجّ المنصور (۳) وصار بالمدينة سهر ليلة فدعاني فقال : يا ربيع انطلق في وقتك هذا على أخفض جناح وألين مسير ، وإن استطعت أن تكون وحدك فافعل حتّى يأتي أبا عبد الله جعفر بن محمّد فقل له : هذا ابن عمّك يقرأ عليك السّلام ويقول لك : إن الدار وإن نأت والحال وإن اختلفت فإنّا نرجع إلى رحم أمسّ من يمين بشمال ، ونعل بقبال (٤) وهو يسألك المصير إليه في وقتك هذا ، فإن سمح بالمصير معك فأوطئه خدّك ، وإن امتنع بعذر أو غيره فاردد الأمر إليه في ذلك ، وإن أمرك بالمصير إليه في تأنّ فيسّر ولا تعسّر ، واقبل العفو ولا تعنف في قول ولا فعل ، قال الربيع : فصرت إلى بابه فوجدته في دار خلوته فدخلت عليه من غير استئذان ، فوجدته معفّراً خدّيه مبتهلاً بظهر كفّيه قد أثّر التراب في وجهه وخدّيه ، فأكبرت أن أقول شيئاً حتّى فرغ من صلاته ودعائه ، ثمّ انصرف بوجهه فقلت : السّلام عليك يا أبا عبد الله فقال : وعليك السّلام يا أخي ، ما جاء بك ، فقلت : ابن عمّك يقرأ عليك السّلام ، حتّى بلغت إلى آخر الكلام ، فقال : ويحك يا ربيع ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّـهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ) (٥) ويحك يا ربيع ( أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّـهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّـهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ) (٦) قرأت على أمير المؤمنين السّلام ورحمة الله وبركاته ، ثمّ أقبل على صلاته ، وانصرف إلى توجّهه ، فقلت : هل بعد السّلام من مستعتب أو إجابة ، فقال : نعم ، قل له : ( أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّىٰ * وَأَعْطَىٰ قَلِيلًا وَأَكْدَىٰ * أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَىٰ * أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّىٰ * أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ * وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ ) (۷) إنّا والله يا أمير المؤمنين قد خفناك وخافت بخوفنا النسوة اللاّتي أنت أعلم بهنّ ، ولا بدّ لنا من الإيضاح به (۸) فإن كففت وإلّا أجرينا اسمك على الله عزّ وجل في كلّ يوم خمس مرّات (۹) وأنت حدّثتنا عن أبيك عن جدّك أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : أربع دعوات لا يحجبن عن الله تعالى : دعاء الوالد لولده ، والأخ بظهر الغيب لأخيه ، والمخلص …
قال الربيع : فما استتمّ الكلام حتّى أتت رسل المنصور تقفوا أثري وتعلم خبري فرجعت فأخبرته بما كان فبكى ، ثمّ قال : ارجع إليه وقل له : الأمر في لقائك إليك والجلوس عنّا ، وأمّا النسوة اللّاتي ذكرتهنّ فعليهنّ السّلام فقد آمن الله روعتهنّ وجلى همّهنّ ، قال : فرجعت إليه فأخبرته بما قال المنصور فقال : قل له : وصلت رحماً ، وجزيت خيراً ، ثمّ اغرورقت عيناه حتّى قطر من الدموع في حجره قطرات.
ثمّ قال : يا ربيع إن هذه الدنيا وان أمتعت ببهجتها ، وغرّت بزبرجها (۱۰) فقلت : يا أبا عبد الله أسألك بكلّ حقّ بينك وبين الله جلّ وعلا إلّا عرفتني ما ابتهلت به إلى ربّك تعالى ، وجعلته حاجزاً بينك وبين حذرك وخوفك فلعلّ الله يجبر بدوائك كسيراً ، ويغني به فقيراً ، والله ما أعني غير نفسي ، قال الربيع : فرفع يده وأقبل على مسجده كارهاً أن يتلو الدعاء صفحاً ، ولا يحضر ذلك بنيّة ، فقال : قل : اللهمّ إنّي أسألك يا مدرك الهاربين ، ويا ملجأ الخائفين ، الدعاء. (۱۱)
ليس في استدعاء المنصور للصادق عليه السلام في هذه الدفعة ظاهرة سوء ، فما الذي أقلق أبا عبد الله وروع نساءه ، وجعله يتوسّل إلى الله تعالى في كفّ شرّ المنصور ، إن أبا عبد الله أبصر بقومه وأدرى بنواياهم ، ومن الدفعات الآتية تتّضح لك جليّاً مقاصد المنصور مع الصادق عليه السلام ، وأنّه ما كان يقصد من هذا الإرسال إلّا السوء.
الثانية : وروى ابن طاوس عن الربيع أيضاً ، قال حججت مع أبي جعفر المنصور فلمّا صرت في بعض الطريق قال لي المنصور : يا ربيع إذا نزلت المدينة فاذكر لي جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي عليهم السلام فو الله العظيم لا يقتله أحد غيري ، احذر أن تدع أن تذكّرني به ، قال : فلمّا صرنا إلى المدينة أنساني الله عزّ وجل ذكره ، فلم صرنا إلى مكّة قال لي : يا ربيع ألم آمرك أن تذكّرني بجعفر بن محمّد إذا دخلنا المدينة ، قال : فقلت : نسيت يا مولاي يا أمير المؤمنين ، فقال لي : فإذا رجعنا إلى المدينة فذكّرني به فلا بدّ من قتله ، فإن لم تفعل لأضربنّ عنقك ، قال : فقلت له : نعم يا أمير المؤمنين ، ثمّ قلت لأصحابي وغلماني : ذكّروني بجعفر بن محمّد إذا دخلنا المدينة إن شاء الله قال : فلم يزل أصحابي وغلماني يذكّروني به في كلّ منزل ندخله وننزل فيه حتّى قدمنا المدينة ، فلمّا نزلنا المدينة دخلت إلى المنصور فوقفت بين يديه وقلت : يا أمير المؤمنين جعفر بن محمّد ، قال : فضحك وقال لي : نعم اذهب يا ربيع فأتني به ولا تأتني به إلّا مسحوباً ، قال : فقلت له : يا مولاي حبّاً وكرامة ، وأنا أفعل ذلك طاعة لأمرك ، قال : ثمّ نهضت وأنا في حال عظيم من ارتكابي ذلك ، قال : فأتيت الإمام الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام وهو جالس في وسط داره ، فقلت له جعلت فداك : إنّ أمير المؤمنين يدعوك إليه ، فقال : السمع والطاعة ، ثمّ نهض وهو معي يمشي ، قال : فقلت له : يا ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إنّه أمرني ألّا آتيه بك إلّا مسحوباً ، قال : فقال الصادق عليه السلام : امتثل يا ربيع ما أمرك به ، قال الربيع : فأخذت بطرف كمّه أسوقه ، فلمّا أدخلته عليه رأيته وهو جالس على سريره وفي يده عمود من حديد يريد أن يقتله به ، ونظرت إلى جعفر بن محمّد يحرّك شفتيه فلم أشكّ أنّه قاتله ، ولم أفهم الكلام الذي كان جعفر بن محمّد يحرّك به شفتيه ، فوقفت أنظر إليهما ، قال الربيع : فلمّا قرب منه جعفر بن محمّد قال له المنصور : ادن مني يا ابن عمّي ، وتهلّل وجهه ، وقرّبه حتّى أجلسه معه على السرير ، ثمّ قال : يا غلام ائتني بالحقّة ، فأتاه بالحقّة وفيها قدح الغالية فغلفه (۱۲) منها ، ثمّ حمله على بغلة وأمر له ببدرة وخلعة ثمّ أمره بالإنصراف ، قال : فلمّا نهض من عنده خرجت بين يديه حتّى وصل إلى منزله ، فقلت له : بأبي أنت وأمّي يا ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إنّي لم أشكّ فيه ساعة تدخل عليه أنّه يقتلك ، ورأيتك تحرّك شفتيك في وقت دخولك عليه فما قلت ؟ قال لي : نعم يا ربيع اعلم أنّي قلت : حسبي الربّ من المربوبين ، حسبي الخالق من المخلوقين ، الدعاء.
الثالثة : قال ابن طاوس في استدعائه مرّة ثالثة بالربذة (۱۳) : يقول مخرمة الكندي : لمّا نزل أبو جعفر المنصور الربذة وجعفر بن محمّد عليه السلام يومئذ بها ، قال : من يعذرني من جعفر هذا ، يقدّم رجلا ويؤخّر أخرى يقول : انتجى (۱٤) عن محمّد (۱٥) فإن يظفر فإن الأمر لي وإن تكن الاُخرى فكنت قد أحرزت (۱٦) نفسي ، أما والله لأقتلنّه ، ثمّ التفت إلى إبراهيم بن جبلة فقال : يا ابن جبلة قم إليه فضع في عنقه ثيابه ثمّ ائتني به سحبا ، قال إبراهيم : فخرجت حتّى أتيت منزله فلم أصبه ، فطلبته في مسجد أبي ذر فوجدته على باب المسجد ، قال : فاستحييت أن أفعل ما اُمرت به ، فأخذت بكمّه فقلت : أجب أمير المؤمنين ، فقال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، دعني حتّى اُصلّي ركعتين ثمّ بكى بكاء شديداً وأنا خلفه ، ثمّ قال : اللهمّ أنت ثقتي في كلّ كرب ورجائي في كلّ شدّة. الدعاء ، ثمّ قال : اصنع ما اُمرت به ، فقلت : والله لا أفعل ولو ظننت أنّي اُقتل ، فذهبت به لا والله ما أشكّ إلّا أنّه يقتله قال : فلمّا انتهيت إلى باب الستر قال : يا إله جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وإله إبراهيم وإسحاق ومحمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم تولّ في هذه الغداة عافيتي ولا تسلّط عليّ أحداً من خلقك بشيء لا طاقة لي به ، قال إبراهيم : ثمّ أدخلته عليه ، قال : فاستوى جالساً ، ثمّ أعاد عليه الكلام ، فقال : قدّمت رجلا وأخّرت أخرى ، أما والله لأقتلنّك ، فقال : يا أمير المؤمنين ما فعلت فارفق بي لقلّما أصحبك ، فقال له أبو جعفر : انصرف ، قال : ثمّ التفت إلى عيسى بن علي (۱۷) فقال : يا أبا العبّاس الحقه فاسأله أبي أم به ، قال : فخرج يشتدّ حتّى لحقه ، فقال : يا أبا عبد الله إنّ أمير المؤمنين يقول لك : أبك أم به ؟ فقال : لا بل بي ، فقال أبو جعفر : صدق (۱۸).
قال إبراهيم بن جبلة : ثمّ خرجت فوجدته قاعداً ينتظرني يتشكّر لي صنيعي به وإذا به يحمد الله ويقول : الحمد لله الذي أدعوه فيجيبني وإن كنت بطيئاً حين يدعوني ، الدعاء.
الرابعة : يقول الشريف ابن طاوس : إن هذه المرّة الرابعة هي التي استدعاه بها إلى الكوفة ، قال : يقول الفضل بن الربيع بعد أن ذكر سند الرواية إليه : قال أبي الربيع : بعث المنصور إبراهيم بن جبلة إلى المدينة ليشخّص جعفر بن محمّد ، فحدّثني إبراهيم بعد قدومه بجعفر أنّه لمّا دخل إليه فخبّره برسالة المنصور سمعته يقول : اللهمّ أنت ثقتي في كلّ كرب ، ورجائي في كلّ شدّة ، الدعاء.
فلمّا قدّموا راحلته وخرج ليركب سمعته يقول : اللهمّ بك أستفتح وبك أستنجح ، الدعاء ، قال : فلمّا دخلنا الكوفة نزل فصلّى ركعتين ثمّ رفع يده إلى السماء فقال : اللهمّ ربّ السموات وما أظلّت وربّ الأرضين السبع وما أقلّت ، الدعاء ، قال الربيع : فلمّا وافى إلى حضرة المنصور دخلت فأخبرته بقدوم جعفر وإبراهيم فدعا المسيّب بن زهير الضبي فدفع إليه سيفاً وقال له : إذا دخل جعفر بن محمّد فخاطبته وأومأت إليه فاضرب عنقه ولا تستأمر (۱۹) ، فخرجت إليه وكان صديقاُ الاقيه واعاشره إذا حججت فقلت : يا ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله إن هذا الجبّار قد أمر فيك بأمر اكره أن ألقاك به فإن كان في نفسك شيء تقوله وتوصيني به ، فقال : لا يروعك ذلك فلو قد رآني لزال ذلك كلّه ، ثمّ أخذ بمجامع الستر فقال : يا إله جبرئيل وميكائيل وإسرافيل ، وإله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ومحمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم تولّني في هذه الغداة ولا تسلّط عليّ أحداً من خلقك بشيء لا طاقة لي به ، ثمّ دخل فحرّك شفتيه بشيء لم أفهمه ، فنظرت إلى المنصور فما شبّهته إلّا بنار صبّ عليها ماء فخمدت ، ثمّ جعل يسكن غضبه حتّى دنا منه جعفر بن محمّد عليهما السلام وصار مع سريره ، فوثب المنصور ، وأخذ بيده ورفعه على سريره ، ثمّ قال له يا أبا عبد الله يعزّ عليّ تعبك ، وإنّما أحضرتك لأشكو إليك أهلك قطعوا رحمي ، وطعنوا في ديني ، وألّبوا الناس عليّ ، ولو ولّي هذا الأمر غيري ممّن هو أبعد رحماً منّي لسمعوا له وأطاعوا ، فقال له جعفر عليه السلام : فأين يعدل بك عن سلفك الصالح أنّ أيّوب عليه السلام ابتلي فصبر ، وأنّ يوسف عليه السلام ظلم فغفر ، وأنّ سليمان عليه السلام اعطي فشكر ، فقال المنصور : قد صبرت وغفرت وشكرت.
ثمّ قال : يا أبا عبد الله حدّثنا حديثاً كنت سمعته منك في صلة الأرحام قال : نعم سمعت أبي عن جدّي أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : البرّ وصلة الأرحام عمارة الديار وزيادة الأعمار ، قال : ليس هذا هو ، قال : حدّثني أبي عن جدّي ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : من أحبّ أن ينسأ (۲۰) في أجله ، ويعافى في بدنه ، فليصل رحمه ، قال : ليس هذا هو ، قال : نعم حدّثني أبي عن جدّي أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : رأيت رحماً متعلّقة بالعرش تشكو إلى الله عزّ وجلّ قاطعها فقلت : يا جبرئيل وكم بينهم ؟ قال : سبعة آباء ، فقال : ليس هذا هو ، قال : نعم حدّثني أبي عن جدّي قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : احتضر رجل بارّ في جواره رجل عاق ، فقال الله عزّ وجلّ لملك الموت : يا ملك الموت كم بقي من أجل العاق ؟ قال : ثلاثون سنة قال : حوّلها إلى هذا البار (۲۱) فقال المنصور : يا غلام ائتني بالغالية ، فأتاه بها فجعل يغلفه بيده ، ثمّ دفع إليه أربعة آلاف دينار ، ودعا بدابّته فأتى بها فجعل يقول : قدّم قدّم ، إلى أن أتي بها عند سريره فركب جعفر بن محمّد عليهما السلام وغذوت بين يديه ، فسمعته يقول : الحمد لله الذي أدعوه فيجيبني. الدعاء ، فقلت : يا ابن رسول الله إن هذا الجبّار يعرضني على السيف كلّ قليل ، ولقد دعا المسيّب بن زهير فدفع إليه سيفاً وأمره أن يضرب عنقك وأنّي رأيتك تحرّك شفتيك حين دخلت بشيء لم أفهمه عنك ، فقال : ليس هذا موضعه فرحت إليه عشيّاً ، قال : نعم حدّثني أبي عن جدّي أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لمّا الّبت عليه اليهود وفزارة وغطفان وهو قوله تبارك وتعالى ( إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّـهِ الظُّنُونَا ) (۲۲) وكان ذلك اليوم أغلظ يوم على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فجعل يدخل ويخرج وينظر إلى السماء فيقول : ضيقي تتّسعي ، ثمّ خرج في بعض الليل فرأى شخصاً فقال لحذيفة : انظر من هذا ، فقال : يا رسول الله هذا عليّ بن أبي طالب ، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يا أبا الحسن أما خشيت أن تقع عليك عين ، قال : وهبت نفسي لله ولرسوله وخرجت حارساً للمسلمين في هذه الليلة ، فما انقضى كلامهما حتّى نزل جبرئيل ، قال : يا محمّد إن الله يقرأ عليك السّلام ويقول لك : قد رأيت موقف علي منذ الليلة وأهديت إليه من مكنون علمي كلمات لا يتعوّذ بها عند شيطان مارد ، ولا سلطان جائر ، ولا حرق ولا غرق ، ولا هدم ولا ردم ، ولا سبع ضارّ ، ولا لصّ ، إلّا آمنه الله من ذلك ، وهو أن يقول : اللهمّ احرسنا بعينك التي لا تنام … الدعاء.
الخامسة : وقد استدعاه بها المنصور إلى بغداد قبل قتل محمّد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن (۲۳) روى ذلك الشريف رضيّ الدين بسنده عن محمّد بن الربيع الحاجب ، قال : قعد المنصور يوماً في قصره بالقبّة الخضراء ، وكانت قبل قتل محمّد وإبراهيم تدعى الحمراء ، وكان له يوم يقعد فيه ويسمّى ذلك اليوم يوم الذبح ، وقد كان أشخص جعفر بن محمّد من المدينة ، فلم يزل في الحمراء نهاره كلّه حتّى جاء الليل ومضى أكثره قال : ثمّ دعا الربيع فقال له : يا ربيع إنك تعرف موضعك مني وأنه يكون بي الخير ولا تظهر عليه امّهات الأولاد وتكون أنت المعالج له ، قال : قلت : يا أمير المؤمنين ذلك فضل الله عليّ وفضل أمير المؤمنين وما فوقي في النصح غاية ، قال : كذلك أنت صر الساعة إلى جعفر بن محمّد بن فاطمة فائتني به على الحال التي تجده فيها لا تغيّر شيئاً ممّا عليه ، فقلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، هذا والله هو العطب ، إن أتيت به على ما أراه من غضبه قتله وذهبت الآخرة ، وإن لم أذهب في أمره قتلني وقتل نسلي وأخذ أموالي ، فميّزت بين الدنيا والآخرة فمالت نفسي إلى الدنيا ، قال محمّد بن الربيع : فدعاني أبي وكنت أفظّ ولده وأغلظهم قلباً ، فقال لي : امض إلى جعفر بن محمّد فتسلّق عليه حائطه ولا تستفتح عليه بابه فيغيّر بعض ما هو عليه ولكن انزل عليه نزلا ، فأت به على الحال التي هو فيها ، قال : فأتيته وقد ذهب الليل إلّا أقلّه ، فأمرت بنصب السلاليم وتسلّقت عليه الحائط ونزلت داره فوجدته قائماً يصلّي وعليه قميص ومنديل وقد ائتزر به ، فلما سلّم من صلاته قلت : أجب أمير المؤمنين فقال : دعنى أدعو وألبس ثيابي ، فقلت : ليس إلى ذلك من سبيل ، قال لي : فأدخل المغتسل فأتطهّر ، قال : قلت : وليس إلى ذلك أيضاً سبيل ، فلا تشغل نفسك فإنّي لا أدعك تغيّر شيئاً ، قال : فأخرجته حافياً حاسراً في قميصه ومنديله ، وكان قد جاوز السبعين (۲٤) فلمّا مضى بعض الطريق ضعف الشيخ فرحمته فقلت له : اركب ، فركب بغل شاكري (۲٥) كان معنا ، ثمّ صرنا إلى الربيع فسمعته وهو يقول : ويلك يا ربيع قد أبطأ الرجل ويستحثّه استحثاثاً شديداً ، فلمّا أن وقعت عين الربيع على جعفر وهو بتلك الحال بكى ، وكان الربيع يتشيّع ، فقال له جعفر عليه السلام : يا ربيع أنا أعلم ميلك إلينا فدعنى أصلّي ركعتين وأدعوا ، قال : شأنك وما تشاء ، فصلّى ركعتين خفّفهما ثمّ دعا بعدهما بدعاء لم أفهمه إلّا أنّه دعاء طويل ، والمنصور في ذلك كلّه يستحثّ الربيع ، فلمّا فرغ من دعائه على طوله أخذ الربيع بذراعه فأدخله على المنصور فلمّا صار في صحن الايوان وقف ثمّ حرّك شفتيه بشيء ما أدري ما هو ، ثمّ أدخلته فوقف بين يديه ، فلمّا نظر إليه قال : وأنت يا جعفر ما تدع حسدك وبغيك وفسادك على أهل هذا البيت من بني العبّاس وما يزيدك الله بذلك إلّا شدّة حسد ونكد ، ما تبلغ به ما تقدره ، فقال له : والله يا أمير المؤمنين ما فعلت شيئاً من ذلك ، هذا ولقد كنت في ولاية بني اميّة وأنت تعلم أنّهم أعدى الخلق لنا ولكم ، وأنّهم لا حقّ لهم في هذا الأمر فو الله ما بغيت عليهم ، ولا بلغهم عنّي مع جفائهم الذي كان لي ، وكيف يا أمير المؤمنين أصنع الآن هذا وأنت ابن عمّي وأمسّ الخلق بي رحما ، وأكثرهم عطاء وبرّاً ، فكيف أفعل هذا ، فأطرق المنصور ساعة ، وكان على لبد (۲٦) وعن يساره مرفقة خز معانيّة (۲۷) وتحت لبده سيف ذو الفقار (۲۸) كان لا يفارقه إذا قعد في القبّة ، فقال : أبطلت وأثمت ، ثمّ رفع ثنيّ الوسادة فأخرج منها إضبارة كتب فرمى بها إليه ، وقال : هذه كتبك إلى أهل خراسان تدعوهم إلى نقض بيعتي وأن يبايعوك دوني ، فقال : والله يا أمير المؤمنين ما فعلت ولا أستحلّ ذلك ولا هو من مذهبي ، وانّي ممّن يعتقد طاعتك في كلّ حال ، وقد بلغت من السنّ ما قد أضعفني عن ذلك لو أردته فصيّرني في بعض حبوسك حتّى يأتيني الموت فهو منّي قريب ، فقال : لا ولا كرامة ، ثمّ أطرق وضرب يده على السيف فسلّ منه مقدار شبر وأخذ بمقبضه ، فقلت : إنّا لله ذهب والله الرجل ، ثمّ ردّ السّيف وقال : يا جعفر أما تستحي مع هذه الشيبة ومع هذا النسب أن تنطق بالباطل وتشقّ عصى المسلمين ، تريد أن تريق الدماء وتطرح الفتنة بين الرعيّة والأولياء ، فقال : لا والله يا أمير المؤمنين ما فعلت ولا هذه كتبي ولا خطّي ولا خاتمي ، فانتضى من السيف ذراعاً ، فقلت : إنّا لله مضى الرجل وجعلت في نفسي إن أمرني فيه بأمر أن أعصيه ، لأنّي ظننت أنّه يأمرني أن آخذ السيف فأضرب به جعفراً ، فقلت إن أمرني ضربت المنصور وإن أتى ذلك عليّ وعلى ولدي وتبت إلى الله عزّ وجلّ ممّا كنت نويت فيه أوّلاً ، فما زال يعاتبه وجعفر يعتذر إليه ، ثمّ انتضى السيف كلّه إلّا شيئاً يسيراً منه ، فقلت : إنّا لله مضى والله الرجل ، ثمّ أغمد السيف وأطرق ساعة ، ثمّ رفع رأسه وقال له : اظنّك صادقاً ، يا ربيع هات العيبة من موضع فيه في القبّة ، فأتيت بها ، فقال : ادخل يدك فيها وكانت مملوءة غالية وضعها في لحيته ، وكانت بيضاء فاسودّت ، وقال لي : احمله على فاره من دوابي التي أركبها واعطه عشرة آلاف درهم وشيّعه إلى منزله مكرّماً وخيّره إذا أتيت به المنزل بين المقام عندنا فنكرمه ، أو الانصراف إلى مدينة جدّه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فخرجنا من عنده وأنا مسرور فرح لسلامة جعفر عليه السلام ومتعجّب ممّا أراده المنصور وما صار إليه من كفايته ودفاعه ، ولا عجب من أمر الله عزّ وجلّ فلمّا صرنا في الصحن قلت : يا ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لا عجب ممّا عمل عليه هذا في بابك ، وما أصارك الله إليه من كفايته ودفاعه ، ولا عجب من أمر الله عزّ وجلّ ، وقد سمعتك تدعو عقيب الركعتين بدعاء لم أدر ما هو إلّا أنّه طويل ، ورأيتك حرّكت شفتيك هاهنا أعني الصحن بشيء لم أدر ما هو ، فقال لي : أمّا الأوّل فدعاء الكرب والشدائد ، لم أدع به على أحد قبل يومئذ ، جعلته عوضاً ، من دعاء كثير أدعو به إذا قضيت صلاتي ، لأنّي لم أترك أن أدعو ما كنت أدعو به ، وأمّا الذي حرّكت به شفتي فهو دعاء رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم الأحزاب ، حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه عن أمير المؤمنين صلوات الله عليهم عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : لمّا كان يوم الأحزاب كانت المدينة كالاكليل من جنود المشركين وكانوا كما قال الله عزّ وجل : ( إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ ) (۲۹) ثمّ ذكر الدعاء ، ثمّ قال : لو لا الخوف من أمير المؤمنين لرفعت إليك هذا المال ، ولكن قد كنت طلبت منّي أرضي بالمدينة وأعطيتني بها عشرة آلاف دينار فلم أبعك وقد وهبتها لك ، قلت : يا ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إنّما رغبتي في الدعاء الأوّل والثاني ، فإذا فعلت هذا فهو البرّ ولا حاجة لي الآن في الأرض ، فقال لي : إنّا أهل بيت لا نرجع في معروفنا ، نحن ننسخك الدعاء ونسلم إليك الأرض صر معي إلى المنزل ، فصرت معه كما تقدّم المنصور به ، وكتب لي بعهد الأرض وأملى عليّ دعاء رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأملى عليّ الذي دعاه بعد الركعتين ثمّ قال : فقلت : يا ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لقد كثر استحثاث المنصور واستعجاله إيّاي وأنت تدعو بهذا الدعاء الطويل متمهّلاً كأنّك لم تخفه ، قال : فقال لي : نعم قد كنت أدعو بعد صلاة الفجر بدعاء لا بدّ منه ، فأمّا الركعتان فهما صلاة الغداة خفّفتهما ودعوت بذلك الدعاء بعدهما ، فقلت له : ما خفت أبا جعفر وقد أعدّ لك ما أعدّ ، قال : ما أعدّ ! خيفة الله دون خيفته ، وكان الله عزّ وجل في صدري أعظم منه ، قال الربيع : كان في قلبي ما رأيت من المنصور ومن غضبه وحنقه على جعفر ومن الجلالة في اتّساعه ما لم أظنّه يكون في بشر ، فلمّا وجدت منه خلوة وطيب نفس قلت : يا أمير المؤمنين رأيت منك عجباً ، قال : ما هو ؟ قلت : يا أمير المؤمنين رأيت غضبك على جعفر غضباً لم أر كغضبته على أحد قطّ ، ولا على عبد الله بن الحسن ولا على غيره من كلّ الناس حتّى بلغ بك الأمر أن تقتله بالسيف وحتّى أنّك أخرجت من سيفك شبراً ثمّ أغمدته ، ثمّ عاتبته ثمّ أخرجت منه ذراعاً ، ثمّ عاتبته ثمّ أخرجته كلّه إلّا شيئاً يسيراً ، فلم أشكّ في قتلك له ، ثمّ انحلّ ذلك كلّه ، فعاد رضى حتّى أمرتني فسوّدت لحيته بالغالية التي لا يتغلّف منها إلّا أنت ولا تغلّف منها ولدك المهدي ولا من ولّيته عهدك ، ولا عمومتك ، وأجزته وحملته وأمرتني بتشييعه مكرماً ، فقال : ويحك يا ربيع ، ليس هو ممّا ينبغي أن تحدّث به وستره أولى ، ولا أحبّ أن يبلغ ولد فاطمة فيفخرون ويتيهون بذلك علينا ، حسبنا ما نحن فيه ولكن لا اكتمك شيئاً ، انظر إلى من في الدار فنحّهم ، قال : فنحّيت كلّ من في الدار ، ثمّ قال لي : ارجع ولا تبق أحداً ، ففعلت ، ثمّ قال : ليس إلّا أنا وأنت ، والله لئن سمعت ما ألقيه عليك من أحد لأقتلنّك وولدك وأهلك أجمعين ، ولآخذنّ مالك ، قال : قلت : يا أمير المؤمنين أعيذك بالله ، قال : يا ربيع كنت مصرّاً على قتل جعفر ، ولا أسمع له قولاً ، ولا أقبل له عذراً ، فلمّا هممت به في المرّة الاولى تمثّل لي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فإذا هو حائل بيني وبينه باسط كفّيه حاسر عن ذراعيه قد عبس وقطب في وجهي ، فصرفت وجهي عنه ، ثمّ هممت به في المرّة الثانية وانتضيت من السيف أكثر ممّا انتضيت منه في المرّة الأولى فإذا أنا برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قد قرب منّي ودنا شديداً وهمّ بي لو فعلت لفعل فأمسكت ، ثمّ تجاسرت وقلت : هذا من فعل الربيء (۳۰) ثمّ انتضيت السيف في الثالثة فتمثّل لي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم باسطاً ذراعيه قد تشمّر واحمرّ وعبس وقطب ، حتّى كاد أن يضع يده عليّ فخفت والله لو فعلت لفعل ، وكان منّي ما رأيت ، هؤلاء من بني فاطمة لا يجهل حقّهم إلّا جاهل لا حظّ له في الشريعة ، فإيّاك أن يسمع هذا منك أحد ، قال محمّد بن الربيع : فما حدّثني به حتّى مات المنصور ، وما حدّثت به حتّى مات المهدي ، وموسى (۳۱) وهارون (۳۲) وقتل محمّد (۳۳).
السادسة : يقول الشريف رضيّ الدين ابن طاوس : وقد استدعاه بها المنصور إلى بغداد مرّة ثانية بعد قتل محمّد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن (۳٤) وقد روى ذلك عن صفوان بن مهران الجمّال (۳٥) قال : رفع رجل من قريش المدينة من بني مخزوم إلى أبي جعفر المنصور ، وذلك بعد قتله لمحمّد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن ، إن جعفر بن محمّد بعث مولاه المعلّى بن خنيس (۳٦) لجباية الأموال من شيعته ، وأنّه كان يمدّ بها محمّد بن عبد الله ، فكاد المنصور أن يأكل كفّه على جعفر بن محمّد غيظاً ، وكتب إلى عمّه داود بن علي ، وداود أمير المدينة (۳۷) أن يسيّر إليه جعفر بن محمّد لا يرخص له في التلوم (۳۸) والبقاء فبعث إليه داود بكتاب المنصور ، وقال له : اعمل في المسير إلى أمير المؤمنين في غد ولا تتأخّر ، قال صفوان : وكنت بالمدينة يومئذ فأنفذ إلى جعفر عليه السلام فصرت إليه فقال لي : تعهّد راحلتنا فإنّا غادون في غد إن شاء الله إلى العراق ، ونهض من وقته وأنا معه إلى مسجد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وكان ذلك بين الاولى والعصر فركع فيه ركعات ، ثمّ رفع يديه فحفظت يومئذ من دعائه : « يا من ليس له ابتداء ولا انتهاء (۳۹) يا من ليس له أمد ولا نهاية » الدعاء.
قال صفوان : فلمّا أصبح أبو عبد الله عليه السلام رحلت له الناقة وسار متوجّهاً إلى العراق حتّى قدم مدينة أبي جعفر (٤۰) وأقبل حتّى استأذن فأذن له ، قال صفوان : فأخبرني بعض من شهده عند أبي جعفر ، قال : فلمّا رآه قرّبه وأدناه ، ثمّ استدعى قصّة الرافع على أبي عبد الله عليه السلام ، يقول في قصّته : إن المعلّى بن خنيس مولى جعفر بن محمّد يجبي له الأموال من جميع الآفاق ، وإنّه مدّ بها محمّد بن عبد الله ، فدفع إليه القصّة فقرأها أبو عبد الله فأقبل عليه المنصور فقال : يا جعفر بن محمّد ما هذه الأموال التي يجبيها لك المعلّى بن خنيس ؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام : معاذ الله من ذلك يا أمير المؤمنين ، قال له : ألا تحلف على براءتك من ذلك بالطلاق والعتاق ، قال : نعم أحلف بالله إنّه ما كان من ذلك شيء ، قال أبو جعفر : لا بل تحلف بالطلاق والعتاق فقال أبو عبد الله عليه السلام : أما ترضى بيميني بالله الذي لا إله إلّا هو ، قال له أبو جعفر : لا تتفقّه عليّ ، فقال أبو عبد الله : وأين يذهب بالفقه منّي يا أمير المؤمنين (٤۱) قال له : دع عنك هذا فإنّني أجمع الساعة بينك وبين الرجل الذي رفع عليك حتّى يواجهك ، فأتوا بالرجل وسألوه بحضرة جعفر عليه السلام فقال : نعم هذا صحيح ، وهذا جعفر بن محمّد ، والذي قلت فيه كما قلت ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : تحلف أيّها الرجل إن هذا الذي رفعته صحيح ، قال : نعم ، ثمّ ابتدأ الرجل باليمين فقال : والله الذي لا إله إلّا هو الطالب الغالب الحيّ القيوم ، فقال له جعفر عليه السلام : لا تعجل في يمينك ، فإنّني أستحلفك ، قال المنصور : ما أنكرت من هذه اليمين ؟ قال : إنّ الله تعالى حيّ كريم يستحي من عبده إذا أثنى عليه أن يعاجله بالعقوبة لمدحه له ، ولكن قل أيّها الرجل : أبرأ إلى الله من حوله وقوّته وألجأ إلى حولي وقوّتي إنّي لصادق برّ فيما أقول ، فقال المنصور للقرشي : احلف بما استحلفك به أبو عبد الله فحلف الرجل بهذه اليمين فلم يستتمّ الكلام حتّى أجذم وخرّ ميّتاً ، فراع أبا جعفر ذلك وارتعدت فرائصه ، فقال : يا أبا عبد الله : سر من غد إلى حرم جدّك إن اخترت ذلك ، وإن اخترت المقام عندنا لم نأل في إكرامك وبرّك ، فو الله لا قبلت قول أحد بعدها أبداً » (٤۲).
السابعة : ذكر الشريف أبو القاسم في المرّة السابعة رواية عن محمّد بن عبد الله الاسكندري (٤۳) وأنّه كان من ندماء المنصور وخواصّه ، يقول محمّد ، دخلت عليه يوماً فرأيته مغتمّاً وهو يتنفّس نفساً بارداً ، فقلت : ما هذه الفكرة يا أمير المؤمنين ، فقال لي : يا محمّد لقد هلك من أولاد فاطمة مقدار مائة أو يزيدون (٤٤) وقد بقي سيّدهم وإمامهم ، فقلت له : من ذلك ؟ قال : جعفر بن محمّد الصادق ، فقلت : يا أمير المؤمنين إنّه رجل أنحلته العبادة واشتغل بالله عن طلب الملك والخلافة ، فقال : يا محمّد لقد علمت أنّك تقول به وبإمامته ولكن الملك عقيم ، وقد آليت على نفسي ألّا امسي عشيّتي هذه أو أفرغ منه ، قال محمّد : فو الله لقد ضاقت عليّ الأرض برحبها ، ثمّ دعا سيّافاً وقال له : إذا انا أحضرت أبا عبد الله الصادق وشغلته بالحديث ووضعت قلنسوتي عن رأسي فهي العلامة بيني وبينك فاضرب عنقه ، ثمّ أحضر أبا عبد الله عليه السلام في تلك الساعة ولحقته في الدار وهو يحرّك شفتيه فلم أدر ما الذي قرأ ، فرأيت القصر يموج كأنّه سفينة في لجج البحار ، ورأيت أبا جعفر المنصور وهو يمشي بين يديه حافي القدمين مكشوف الرأس قد اصطكت أسنانه وارتعدت فرائصه ، يحمرّ ساعة ويصفرّ أخرى ، وأخذ بعضد أبي عبد الله وأجلسه على سرير ملكه وجثا بين يديه كما يجثو العبد بين يدي مولاه ، ثمّ قال : يا ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ما الذي جاء بك في هذه الساعة ؟ قال : جئتك يا أمير المؤمنين طاعة لله ولرسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم ولأمير المؤمنين أدام الله عزّه (٤٥).
قال : ما دعوتك ، والغلط من الرسول ، ثمّ قال : سل حاجتك ، فقال : أسألك ألّا تدعوني لغير شغل ، قال : لك ذلك وغير ذلك ، ثمّ انصرف أبو عبد الله عليه السلام سريعاً ، وحمدت الله عزّ وجلّ كثيراً ، ودعا أبو جعفر المنصور بالدواويج (٤٦) ونام ولم ينتبه إلّا في نصف الليل ، فلمّا انتبه كنت عند رأسه جالساً فسرّه ذلك ، وقال : لا تخرج حتّى أقضي ما فاتنى من صلاتي فاُحدّثك بحديث ، فلمّا قضى صلاته أقبل على محمّد وحدّثه بما شاهده من الأهوال التي افزعته عند مجيء الصادق ، وكان ذلك سبباً لانصرافه عن قتله وداعياً لاحترامه والإحسان إليه.
يقول محمّد : قلت له : ليس هذا بعجيب يا أمير المؤمنين ، فإن أبا عبد الله وارث علم النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وجدّه أمير المؤمنين عليه السلام وعنده من الأسماء وسائر الدعوات التي لو قرأها على الليل لأنار ، ولو قرأها على النهار لأظلم ، ولو قرأها على الأمواج في البحور لسكنت (٤۷).
قال محمّد : فقلت له بعد أيّام : أتأذن لي يا أمير المؤمنين أن أخرج إلى زيارة أبي عبد الله الصادق ؟ فأجاب ولم يأب ، فدخلت عليه وسلّمت وقلت له : أسألك يا مولاي بحقّ جدّك محمّد رسول ربّ العزّة صلّى الله عليه وآله وسلّم أن تعلّمني الدعاء الذي كنت تقرأه عند دخولك على أبي جعفر المنصور ، قال : لك ذلك ، ثمّ أخذ الصادق يصف لمحمّد شأن الدعاء قبل أن يورده له ، ثمّ ذكر الدعاء وهو طويل (٤۸).
هذه بعض المحن التي شاهدها الصادق عليه السلام من المنصور وتخلّص فيها ممّا أراده فيه بدعائه ، وقد ذكر ابن طاوس طاب ثراه دفعتين اخريين يهمّ بهما المنصور في قتل الصادق فيدفع الله عنه فيهما سوءه.
وذكر بعض هذه المحن وسلامة الصادق من القتل فيها بدعائه جملة من أرباب التأليف عند استطرادهم لأحوال الصادق عليه السلام ، أمثال الشبلنجي في نور الأبصار ، والسبط في التذكرة ، وابن طلحة في مطالب السؤل ، وابن الصبّاغ في الفصول المهمّة ، وابن حجر في الصواعق ، والشيخ سليمان في الينابيع ، والكليني في الكافي في كتاب الدعاء ، والمجلسي في البحار ج ١١ ، وابن شهرآشوب في المناقب ، والشيخ المفيد في الإرشاد ، وغيرهم.
الهوامش
۱. الأنفال : ٧٥ ..
۲. رضيّ الدين أبو القاسم علي بن موسى الحسني الحلّي من آل طاوس جمع بين العلم والعبادة والزهادة وبين الشعر والأدب والإنشاء والبلاغة ، تنسب إليه الكرامات العالية ، وقيل : إنّه كان أعبد أهل زمانه وأزهدهم ، وعن العلّامة الحلّي في بعض إجازاته وهو ممّن روى عنه ، يقول عند ذكره : وكان رضيّ الدين علي صاحب كرامات حكي بعضها وروى لي والدي البعض الآخر ، وكان أزهد أهل زمانه ..
۳. حجّ المنصور أيّام الصادق عليه السلام ثلاث مرّات عام ١٤٠ و ١٤٤ و ١٤٧ وبعد وفاة الصادق مرّتين عام ١٥٢ وعام ١٥٨ فلم يتمّ الحجّ ، انظر تاريخ اليعقوبي : ٣ / ١٢٢ طبع النجف ، والذي يظهر أنّ المنصور في كلّ مرّة من الثلاث يأمر بجلب الصادق عليه السلام ..
٤. بالكسر زمام بين الاصبع الوسطى والتي يليها ..
٥. الحديد : ١٥ ..
٦. الأعراف : ٩٧ ـ ٩٩ ..
۷. النجم : ٣٣ ـ ٤٠ ، وأن هذه الآيات فيها تذكير ووعظ وتهديد ، وأنّ الإنسان مقرون بعمله ولا يؤاخذ.
بغير وزره ..
۸. أحسبه يريد أنّه لا بدّ من الافصاح بحقيقة الحال ..
۹. يريد أنّه يدعو عليه بعد كلّ صلاة ، ويكون من دعاء المظلوم الذي لا يحجب ..
۱۰. سوف نذكرها في المختار من كلامه في باب مواعظه ..
۱۱. ذكرنا هذه الأدعية التي في هذا الفصل كلّها فيما جمعناه من دعاء الصادق عليه السلام فإنّا لمّا رأينا أن أدعيته في هذا الفصل طويلة وكثيرة آثرنا جمعها مع ما ظفرنا به من أدعيته الأخر وجعلناها كتاباً مفرداً وسمّيناه دعاء الصادق وقد اجتمع لدينا حتّى اليوم ما يناهز ٤٠٠ صفحة بقطع هذا الكتاب ..
۱۲. أيّ غطّاه وغشّاه بها مبالغة في كثرة ما وضع عليه من الغالية ..
۱۳. أرض بين مكّة والمدينة كان فيها مسكن أبي ذر قبل إسلامه وإليها منفاه ، وفيها موته ومدفنه ، رضي الله عنه ..
۱٤. اتخلّص ، وفي نسخة أتنحّى وكلاهما يناسب المقام ..
۱٥. ابن عبد الله بن الحسن وينبغي أن تكون هذه الحجّة عام ١٤٤ قبل خروج محمّد ، ولعلّ الاولتين كانتا عام ١٤٠ و ١٤٧ ، ولا يلزم من ترتيب بيان الشريف ابن طاوس أن يكون على ترتيب السنين ، لا سيّما وهو لم يتعرّض لسنة الحجّ متى كانت ..
۱٦. حفظت ..
۱۷. ابن عبد الله بن العبّاس وهو عمّ المنصور ..
۱۸. إن هذا الكلام ظاهر في أنّه بالقرب من وفاة الصادق عليه السلام فتكون الحجّة عام ١٤٧ ، إلّا أن تصريحه أوّلاً في أن كلامه كان قبل خروج محمّد يعيّن أن تكون الحجّة عام ١٤٤ ، ومن الغريب أن يصدّق المنصور كلام الصادق بعد أن يسأله أن البدأة بمن ، وهو يلاقيه بما يلاقيه من سوء ومكروه ..
۱۹. بالبناء للفاعل أيّ لا تشاور ..
۲۰. يؤخّر ..
۲۱. لا يخفى على الصادق عليه السلام الحديث الذي أراده المنصور ، وإنّما كثر عليه أحاديث الرحم ، ليعرّفه موقفه من ذوي رحمه ..
۲۲. الأحزاب : ١٠ ..
۲۳. كان قتلهما عام ١٤٥ ، وانتقال المنصور إلى بغداد عام ١٤٦ ، فلا وجه لأن يكون استدعاؤه إلى بغداد قبل قتلهما ، فإمّا أن يكون إلى الكوفة والغلط من النسّاخ أو الراوي ، أو الاستدعاء بعد قتلهما ..
۲٤. لم يتجاوز الصادق السبعين عاماً وإنّما كان حدساً من محمّد ، وأحسبه لما كان يشاهده من ضعفه ..
۲٥. أجير ومستخدم ..
۲٦. لعلّه بساط من صوف ..
۲۷. ظاهر في النسبة إلى معان ..
۲۸. الفقار خرزات الظهر ، ويسمّى السيف بذي الفقار إذا كان في متنه حزوز تشبه فقار الظهر ..
۲۹. الأحزاب : ١٠ ..
۳۰. كفعيل التابع للجن ..
۳۱. الهادي ..
۳۲. الرشيد ..
۳۳. الأمين ..
۳٤. وكان قتلهما عام ١٤٥ ، وقد عرفت من تعليقتنا على المرّة الخامسة أن تلك الدفعة لا تصحّ أن تكون إلى بغداد إلّا أن تكون بعد قتلهما ، وأن بين انتقال المنصور إلى بغداد وبين وفاة الصادق سنتين وبعيد أن يرسل إليه في هاتين السنتين مرّات عديدة ..
۳٥. سيأتي في المشاهير من ثقات الرواة لأبي عبد الله عليه السلام ..
۳٦. ًسيأتي في ثقات المشاهير أيضا ..
۳۷. وداود هذا هو الذي قتل المعلّى بن خنيس واستلب أمواله ، وهمّ بالصادق عليه السلام ، فدعا عليه الصادق فعاجله الله بالهلاك ، كما سيأتي في باب استجابة دعائه ..
۳۸. التمكّث ..
۳۹. ولا انقضاء في نسخة ..
٤۰. وهي بغداد ، وكانت تسمّى مدينة أبي جعفر لأنّه هو الذي بناها وكان انتقاله إليها عام ١٤٦ ، ولعلّه في هذه السنة دعا الصادق إليها ..
٤۱. ما كان ليخفى على المنصور ما عليه أهل البيت في اليمين بالطلاق والعتاق وأنّه لا يحنث الحالف كاذباً ، أيّ لا تطلق نساؤه ، ولا تعتق مماليكه ، ولكنّه حاول أن يحطّ من كرامة الصادق وألّا يثبت له فقه خاص ..
٤۲. وذكر هذه الكرامة لأبي عبد الله عليه السلام جملة من علماء أهل السنّة عند استطرادهم لحياة الصادق ، منهم الشبلنجي في نور الأبصار ، والسبط في التذكرة ، وابن طلحة في مطالب السؤل ، وابن الصبّاغ في الفصول ، وابن حجر في الصواعق وغيرهم ..
٤۳. ليس له ذكر في كتب رجالنا ، ولم نعرف عنه رواية غير هذه ، وبها ذكره المتأخّرون ، والرواية صريحة في تشيّعه ..
٤٤. أحسب أن هذه القصّة كانت بعد مقتل محمّد وإبراهيم لأن الحرب بالمدينة وبباخمرى والسجون في الهاشميّة أهلكت العدد الكثير من العلويّين هذا سوى من قتله صبراً ، ولعلّ إرساله عليه كان إلى بغداد أيضاً ..
٤٥. لا بدع لو قال له : طاعة لله ولرسوله ولأمير المؤمنين ، وإن لم تكن للمنصور طاعة ، لأنّ الخوف على النفس والنفيس يلزمه بالمجيء ، فتكون المحافظة عليهما واجبة والتخلّف إلقاء بالتهلكة ..
٤٦. بالجيم المعجمة جمع دواج كرمان وكغراب : اللحاف الذي يلبس ..
٤۷. هذا الكلام يدلّنا على معرفة محمّد فوق تشيّعه ، والعجب كيف يصارح المنصور بهذا ، ولا عجب فإن المنصور أعلم من محمّد بشأن الصادق عليه السلام ..
٤۸. لم يفتنا ذكر هذه الأدعية إلّا لأنّنا جمعناها في صحائف أخرى مع ما ظفرنا به من أدعيته الأخرى فكان ما اجتمع عندنا كما أشرنا إليه ما يناهز ٤٠٠ صحيفة بقطع هذا الكتاب مع علمنا أنّه قد فاتنا الشيء الكثير من دعائه ..
مقتبس من كتاب : [ الإمام الصادق عليه السلام ] / المجلّد : ۱ / الصفحة : ۹۲ ـ ۱۱۳