نص الشبهة:
من عقائد الشيعة المشهورة: عقيدة «الطينة»، وملخصها أن الله عز وجل قد خلق الشيعة من طينة خاصة وخلق السنة من طينة خاصة! وجرى المزج بين الطينتين بوجه معين؛ فما في الشيعي من معاصٍ وجرائم هو من تأثره بطينة السني! وما في السني من صلاح وأمانة هو بسبب تأثره بطينة الشيعي!، فإذا كان يوم القيامة جمعت موبقات وسيئات الشيعة ووضعت على السنة ! وجمعت حسنات السنة وأعطيت للشيعة! وفات الشيعة أن هذه العقيدة المخترعة تناقض مذهبهم في القضاء والقدر وأفعال العباد؛ لأن مقتضى هذه العقيدة أن يكون العبد مجبوراً على فعله وليس له اختيار؛ إذ أفعاله بمقتضى «الطينة»، مع أن مذهبهم أن العبد يخلق فعله كما هو مذهب المعتزلة!
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
فإننا نجيب بما يلي:
أولاً: قال السائل: «من عقائد الشيعة المشهورة»، وملخصها: أن الله قد مزج بين طينة الشيعة، وطينة السنة، وأن حسنات السنة تعطى للشيعة وسيئات الشيعة تعطى للسنة نتيجة لذلك..
وهذا غيرمقبول لما يلي:
ألف: إن هذا ليس هو ملخص عقيدة الشيعة في الطينة..
ب: إن هذا الملخص ذكرته رواية وردت عند الصدوق 1، والشيعة لا يأخذون عقائدهم من أخبار الآحاد، لأنهم يشترطون ثبوت الإعتقادات بالحجة والبرهان، ولا يرون في خبر الواحد ما يكفي لإثبات أمر اعتقادي.
ج: إن هذا مما لا يتداوله الشيعة، ولا يذكرونه في جملة عقائدهم، وليس معروفاً بينهم لا من قريب ولا من بعيد..
د: إن سند هذه الرواية مجهول، وهو عبد الله بن محمد الهمداني، فإنه لم يذكر في كتب الرجال 2.
ثانياً: لم ينقل السائل مضمون الرواية بصورة صحيحة، فإنها لم تتحدَّث عن طينة أهل السنة وطينة الشيعة، بل تحدَّثت عن طينة الشيعة، وطينة النواصب أعداء أهل البيت «عليهم السلام»، وأهل السنة ليسوا من النواصب، بل هم يتبرأون منهم. والنواصب هم المعلنون بالعداء لأمير المؤمنين «عليه السلام»، المصرحون بتنقصه، الساعون في نقض فضائله، المثنون على قتلته، والساعون لتبرئتهم،
فما معنى تحريف الكلام، وتبديل النواصب بأهل السنة ؟!
ثالثاً: إن انسجام هذه الرواية مع عقيدة الجبر التي يذهب إليها غير الشيعة يدلُّ على أنها ليست من عقائد الشيعة، فلماذا يجعلها السائل من أدلة اختلال مذهب الشيعة.. ولذلك لم نجد الشيعة يجعلونها في ضمن عقائدهم.
رابعاً: إن اللغة العربية لا تسمح بأن يقال: خلق فلان حركة يده، أو نحو ذلك. بل يقال: فعل فلان كذا. ولا يقال عن الذي يفعل شيئاً أنه خلق فعله..
وقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴾ 3 .. يراد به: ما يصنعونه من تماثيل، وأجسام ثم يعبدونها سفهاً منهم وضلالاً… ولا يقصد به الأفعال التي تصدر عنهم..
خامساً: إن أهل السنة يقولون: إن الله تعالى هو الفاعل لأفعال البشر، وهو الخالق لتلك الأفعال، فقال لهم الشيعة: لو صح هذا لكان تعالى مريداً للفواحش، كارهاً للطاعات، لأنه هو الموجد لحب الفواحش وكراهة الطاعات في قلوب الشياطين، لأن خلق الشيء يستلزم إرادته والرضا به، وتقدير عدم الطاعة معناه كراهة وجودها، فكيف يأمر بما كرهه، وينهى عما أحبه وأراد وجوده ؟!
فالصحيح أن يقال: إن الله تعالى لا يخلق أفعال العباد فيهم، بل هو يفيض الوجود على المكلف، فيصبح قادراً عاقلاً مختاراً مريداً الخ.. والمكلف هو الذي يريد الطاعة والمعصية، فيحرك قدرته هنا أو هناك، فيحصل الفعل، بإرادة واختيارالمكلف، وبالإستفادة من القدرة التي وضعها الله تحت اختياره.
وهذا كما لو أعطيت شخصاً الطاقة الكهربائية، فهو الذي يوظفها في هذا العمل وذاك. وكذا لو وهبت شخصاً مالاً، فإنه هو الذي يعصي به ويطيع، فلولا المال والكهرباء التي أعطيته إياها لم يستطع أن يفعل ما فعل من خير أو شر.. كما أنك أنت لست الذي فعلت تلك الأفعال، هو الفاعل المختار، الذي يعود النفع والضرر إليه وعليه.. وهو الذي يثاب ويعاقب، وليس الذي أعطاه القدرة.
سادساً: إن أخبار الطينة موجودة حتى عند أهل السنة، فقد روي: أنه لما كان علي «عليه السلام» أميراً على اليمن، وحسده خالد على أخذ جارية من الغنائم، أرسل بريدة إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» يشكو علياً «عليه السلام»، فغضب «صلى الله عليه وآله» وقال لبريدة في جملة ما قال: «من فارق علياً فقد فارقني، إن علياً منى وأنا منه، خلق من طينتي، وخلقت من طينة إبراهيم، وأنا أفضل من إبراهيم الخ..» 4.
وفي نص آخر عنه «صلى الله عليه وآله»: «خلقت أنا وهارون بن عمران، ويحيى بن زكريا، وعلي بن أبي طالب من طينة واحدة» 5.
بل لقد رووا: أنه «صلى الله عليه وآله» قال: «خلق الناس من أشجار شتى، وخلقت أنا وجعفر من طينة واحدة» 6.
بل في بعض روايات أهل السنة عنه «صلى الله عليه وآله»: «خلقت أنا وأبو بكر وعمر من طينة واحدة» 7.
بل لقد بلغ الأمر بابن سيرين حداً جعله يقول: «لو حلفت، حلفت صادقاً باراً غير شاك ولا مستثنٍ: أن الله تعالى ما خلق نبيه «صلى الله عليه وآله» ولا أبا بكر، ولا عمر إلا من طينة واحدة، ثم ردّهم إلى تلك الطينة» 8.
ونحن نعتقد: أن الأحاديث في هذا المجال قد صرفت عن النبي وأهل بيته، ليستفيد منها غيرهم، فجاءت أحاديث أبي بكر وعمر لتحل محلها في هذا السياق..
سابعاً: أما تبادل الحسنات والسيئات، فله نظائر أيضاً عند أهل السنة، فقد صرحت الروايات الكثيرة: بأن الله تعالى يعطي حسنات العبد لأناس شتمهم، وأكل مالهم، أو قذفهم، أو سفك دمهم، أو ضربهم، ويعطيه هو من سيئاتهم 9.
والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله.. 10.
- 1. علل الشرائع ج 2 ص 489 وبحار الأنوار ج 5 ص 246.
- 2. راجع: مستدركات علم رجال الحديث للنمازي ج 5 ص 105.
- 3. القران الكريم: سورة الصافات (37)، الآية: 96، الصفحة: 449.
- 4. مجمع الزوائد ج 9 ص 128 والمعجم الأوسط للطبراني ج 6 ص 163 وينابيع المودة ج 2 ص 364 و 458.
- 5. تاريخ بغداد ج 6 ص 56 وتاريخ مدينة دمشق ج 42 ص 63 و 64 والموضوعات لابن الجوزي ج 1 ص 339 وينابيع المودة ج 3 ص 211 وميزان الإعتدال ج 3 ص 538 والكشف الحثيث ص 227 و 228.
- 6. مقاتل الطالبيين ص 10 وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج 11 ص 662 عن ابن عساكر، وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج 15 ص 72 وشرح الأخبار ج 3 ص 205.
- 7. كنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج 11 ص 567 عن الديلمي، وتاريخ مدينة دمشق ج 44 ص 121 وسبل الهدى والرشاد ج 11 ص 246.
- 8. عمدة القاري ج 8 ص 226 عن الترمذي، وسبل الهدى والرشاد ج 3 ص 316 وراجع: تاريخ مدينة دمشق ج 44 ص 121.
- 9. سنن الترمذي ج 4 ص 36 و 37 والجامع الصغير للسيوطي ج 2 ص 12 وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج 4 ص 213 وجامع البيان ج 1 ص 380 ومجمع الزوائد ج 10 ص 355 وتحفة الأحوذي ج 7 ص 87 والمعجم الأوسط للطبراني ج 2 ص 191 وج 5 ص 227 وفيض القدير ج 4 ص 34 والتفسير الكبير للرازي ج 3 ص 54 وتذكرة الحفاظ ج 4 ص 1410 وأحكام الجنائز للألباني ص 4 عن البخاري، والبيهقي ج 3 ص 369 والبخاري ج3 ص 99 وصحيح مسلم ج 8 ص 18.
- 10. ميزان الحق.. (شبهات.. وردود)، السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1431 هـ. ـ 2010 م، الجزء الرابع، السؤال رقم (174).