نص الشبهة:
هل انتصر الحسين ؟ ولمن النصر ؟
الجواب:
الإمام الحسين ( عليه السلام ) إنسان عقائدي ، وصاحب مبدأ ، وحامل رسالة . والإنسان الذي يتصف بهذه الصفة ، هو إنسان فدائي لعقيدته ومبدئه ورسالته ، ويكون لديه الاستعداد الكامل للتضحية والبذل والفداء .فهو لا يفكر في البقاء والحياة ، إلاّ إذا كانت الحياة تكسب نصراً لعقيدته ورسالته ، وإذا كان الموت والفداء يحققان النصر للمعتقد وللهدف المنشود ، فالموت لديه أفضل من الحياة ، التي لا تقدم نصراً للعقيدة والرسالة .
وهذا المفهوم تجسد في الحسين ، والحسين تجسد فيه ، فهو سبط الرسول الأكرم محمّد ( صلى الله عليه وآله ) ، الذي عرض عليه المشركون الدنيا بأبعادها ، قائلين لأبي طالب ، عمّه وناصره ومؤمن قريش :
قل لابن أخيك : إن كان يريد مالا أعطيناه مالا لم يكن لأحد من قريش ، وإن كان يريد ملكاً توجناه على العرب . . . الخ .
فجاء إلى النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) فاخبره بمقالة القوم ، فاستعبر النبيّ قائلا: « يا عمّاه! لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في شمالي ، على أن أترك هذا الأمر ، حتى يظهره الله أو أهلك فيه ، ما تركته » .وهذا أبوه علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) الفدائي الأوّل للإسلام ، ولنبيه محمد ( صلى الله عليه وآله ) في كل الحروب والمواطن .
وهذا عمه حمزة سيد الشهداء ، وهذا أيضاً عمه جعفر الطيار رضوان الله عليهما ، نصروا الإسلام بكل ما يملكون ، فالموت في مفهوم هؤلاء الأبرار الشهداء حياة إذا نصروا المبدأ والعقيدة ، والحياة ممات إذا كانت بلا هدف ولا عقيدة .
فالحسين ( عليه السلام ) ينطلق من مفهوم جدّه وأبيه وأعمامه الخيرين ، فرأى لابد أن يمزق الخناق ، الذي فرضه يزيد على الإسلام ، ويغذي شجرة الشريعة ، التي كادت أن تنضب وتجف في ظل الحكم الأموي ، وإن كان ذلك يسبب له إزهاق الأرواح ، وقتل الأنفس ، وجريان الدماء على وجه الأرض ; لترتوي الغصون الذابلة للشجرة الإسلامية ، من هذه الدماء الزكية ، دم الحسين وأهل بيته وأنصاره .
ولأنّه أيضاً جهاد في سبيل الله ونصرة دينه ، فاستجاب أبو الفداء الحسين لذلك ، ووقف في صبيحة عاشوراء ، يقدم فتيانه من آله وأنصاره ، ضحية بعد ضحية ، وقرباناً بعد قربان قائلا :
« اللّهمّ إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى » ; ولأنّه يرى أنّ النصر لا يتم إلاّ بهذه القرابين ، وبهذه الضحايا .
وأخيراً نرى الإمام الحسين انتصر على عدوه ، بعد استشهاده من ناحيتين :
الناحية الأولى :
إنّ ثورة الإمام الحسين ( عليه السلام ) كانت العامل الرئيسي ، الذي لعب دوراً هاماً في كشف أباطيل الحكام ، المنحرفين عن الخط الإسلامي السليم ، وانتزاع السلطة التشريعية من أيديهم ، بعد أن كان الخليفة يحكم ويشرع كما يحب ويرغب ، وفق ميوله وأهوائه ، فيحرّم ما أحلّه الله ورسوله ، ويحلل ما حرم الله ورسوله .
فالإمام الحسين ( عليه السلام ) استطاع بثورته الخالدة ، أن ينتزع تلكم السلطة من يد الخليفة المنحرف ، بأفكاره وسلوكه آنذاك ، وأفهم الرأي العام الإسلامي ، بأنّ الخليفة ليس له حق في تشريع أي حكم ، وإنّما التشريع منحصر في الكتاب والسنة ، وما يؤدي إليهما ، كما قال تعالى : ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ﴾ 1 .
ولولا ثورة الإمام الحسين ( عليه السلام ) لرأينا كثيراً من الأحكام الاسلامية قد غيرت وبدلت ، كما هو الحال في المسيحية وتحريف ديانتها .
ولكن الله تعالى حيث قد ضمن حفظ التشريع الاسلامي من الانحراف والضياع ، بقوله تعالى : ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ 2 .
ولهذا ثار الحسين ; ليضع حداً للتلاعب بأحكام الشريعة الاسلامية الغرّاء ، من قبل المستهترين والحاقدين ، وبهذا انتصر الإمام الحسين بثورته المباركة .
الناحية الثانية :
إنّه قد يتبادر لذهن القارئ ، كيف انتصر الإمام الحسين ، مع أنّه قتل ؟ والجواب : قد يكون غريباً وغير مألوف لذهن السائل ; لأنّه على خلاف المفهوم المادي للنصر ، ولكن نقول : هناك معركة بين إرادتين :
1 ـ الإرادة الحسينية
وهي التي لم تملك إلاّ اليسير من العدة والعدد ، مع الالتزام الكامل بالوسائل التي أباحها الإسلام .
2 ـ الإرادة الأموية
وهي التي تتمتع بالملك والسيطرة والمال والكثرة في العدد والعدة ، مع إباحة جميع وسائل الإغراء والتمويه والتضليل ; لأنّها تبرر وسائلها بغايتها ، والغاية تبرر الوسيلة .
واصطدمت الإرادتان في مواقف عديدة ، فلم تفلح الإرادة الأموية بنجاح ، واستعملت كل طاقاتها وإمكانياتها ; لكي تثني الإرادة الحسينية عن المضي والاستمرار في هدفها وغايتها . ولكنها منيت بالفشل والخسران والهزيمة .
وبقيت الإرادة الحسينية صامدة أمام تحديات الإرادة الأموية ، ولكن الإرادة الأموية جاءت لتجبر هزيمتها وخسارتها ، فاستعملت سلاحها وقوتها ، بكل حقد وضعة ووحشية ، فقتلت الرجال ومثلت بهم ، حقداً وتشفياً .
ومع هذا كله بقيت إرادة الحسين وشهدائه حية صامدة تهزأ بالعرش الأموي وجبروته ، وتضعضع أركانه بين حين وآخر ، حتى قضت على معنويته ووجوده وإرادته .
وهكذا كان النصر والفتح للحسين ، كما تنبأ هو ( عليه السلام ) في كتابه إلى بني هاشم قائلا : « أما بعد : فإنّه من لحق بي منكم استشهد ، ومن تخلف لم يبلغ مبلغ الفتح والسلام » .
وقال تعالى : ﴿ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ ﴾ 3 .
وأخيراً يا سيدي يا أبا عبد الله ! سلام الله عليك يوم ولدت ، ويوم استشهدت من أجل الحق ، ويوم تبعث حياً ، وسلام الله على المستشهدين بين يديك من أهلك وأصحابك 4 .