الشباب من أروع فترات عمر الإنسان في هذه الدنيا، لأنّها الّتي تعبّر عن اكتمال الإستعدادات النفسية والفكرية والروحية والجسدية لدخول من هم في سنّ الشباب إلى معترك الحياة من بابها الواسع، وللتمتّع بكلّ النّعم الإلهية الّتي أوجدها اللّه من أجل الإنسان عموماً.
ففي هذه الفترة، تكون القابلية عند الشباب موجودة بقوّة، والقدرة على الفعل والإبداع في أعلى حالات الإندفاع والجهوزية دون نظرٍ للعواقب الّتي قد تترتّب على الأفعال الّتي يقومون بها سواءً كانت سلبية أو إيجابية.
من هنا ندرك أهمية التربية التي نوفّرها للأبناء منذ البداية و حتى الوصول لمرحلة الشباب الّتي تحدّد وجهة سير الحياة لهؤلاء، فإنّ الشباب سوف يدخل إلى حياة المجتمع وهو مزوّد بسلاح فعّال وهو الإيمان والإلتزام اللذان يمنعان من الدخول إلى عالم المعصية والإنحراف والرذيلة، وإن لم تكن تربيته تربية صالحة وسليمة وبعيدة عن الأجواء الإسلامية، فإنّ القابلية للإنحراف ستكون كبيرة جداً لعدم وجود الموانع كالإيمان والإلتزام والبيئة العائلية الصالحة والسليمة، ومثل هؤلاء سيكونون خطراً على أنفسهم ومجتمعهم وعلاقاتهم، وسيكونون مستعدّين للإنحراف والإبتزاز والإستغلال من جانب الكثير من المفسدين في الأرض لتحقيق أغراضهم وأهدافهم الشيطانية.
لذا ينبغي على كلّ المهتمين بسلامة المجتمع، وحمايته من الإنحراف عن الأهداف الإلهية المطلوبة من الإنسان في الأرض، أن يهتموا بالشباب اهتماماً خاصاً وأن يوجّهوهم توجيهاً سليماً حتى يتمكنوا من استغلال وقتهم وعمرهم فيما هو مفيد ونافع لهم ولمجتمعهم ولأمّتهم الإسلامية.
وعلينا أن لا نغفل عن التحدّيات التي تواجه الشباب في هذا الزمن بالخصوص، حيث أنّ الفساد منتشرٌ بشكلٍ عام وكثيف وله صور وأساليب متنوعة ومختلفة وفيها من عناصر الجذب والإغراء الشيء الكثير الذي يجذب الشباب القابل للإنزلاق إذا لم تكن لديه العناصر الكافية للمنع والتوقّف.
وبالرجوع إلى السنّة النبوية وأحاديث المعصومين (عليهم السلام) نجد الكثير من الأحاديث التي تكشف عن الشباب وقابلياته وكيفية التعامل مع من هم في هذه السن المفصلية من حياة الإنسان.
فالإسلام يعتبر أنّ سنّ الشباب قابلٌ للتأثر بالأحداث بسرعة ويتفاعل معها سلباً أو إيجاباً بسبب الإندفاع ووجود القوة والقدرة على التأقلم معها ولذا يقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (الشباب شعبةٌ من الجنون)، وكذلك ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام):(… إعلم أنّ الشاب الحسن الخُلُق مفتاحٌ للخير مغلاقٌ للشر، وأنّ الشاب الشحيح الخُلُق مغلاقٌ للخير مفتاحٌ للشر).
وهذان الحديثان وما يشابههما من أهم الأسباب التي ينبغي أن يلتفت إليها المعنيّون بتربية الشباب وتعليمهم وتهذيبهم إلى ضرورة العناية التامّة والمركّزة على تحصين الشباب بسلاح العلم والمعرفة التي تجعلهم قادرين على التمييز بين الحق والباطل، وبين الخير والشر، وبين الشبهة والواقع، ولذا نجد الأحاديث التي تدفع لتحريض الشاب وحثّه على اكتساب العلم في هذه المرحلة لأهميته البالغة على مجرى حياته المستقبلية وتحديد مصيره ودوره في المجتمع وقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: (من تعلّم في شبابه كان بمنزلة الرسم في الحجر…)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): (العلم في الصغر كالنقش في الحجر).
وقد نبذ الإسلام عدم تعلُّم الشباب وهجر التربية والثقافة، وقد قال الإمام الكاظم (عليه السلام): (لو وجدت شابّاً من شبان الشيعة لا يتفقّه لضربته ضربة بالسيف)، وقال الإمام الصادق (عليه السلام):(لست أحب أن أرى الشاب منكم إلاّ غادياً في حالين، إمّا عالماً أو متعلّماً، فإن لم يفعل فرّط، فإن فرّط ضيّع، وإن ضيّع أثم، وإن أثم سكن النار والذي بعث محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) بالحق).
وهذا تحذيرٌ شديد اللهجة وقويٌّ في التعبير عن مضمونه الذي يشير إلى قابلية الفساد والإنحراف والأخطاء التي قد تكون غير قابلة للإصلاح من جانب الشباب الجاهل وغير المتسلّح بالعلم والمعرفة وغير العالم بالضوابط الشرعية من الإيمان والإلتزام والإبتعاد عن طرق الفساد والإثم وترك المطلوب.
يُضاف إلى ذلك كلّه أنّ الله سبحانه يحب من الشاب أن يكون عابداً له ملتزماً نهجه وخطّه في الحياة، لأنّ مثل هذا الشاب يكون قويّاً في إيمانه راسخاً في إيمانه، عاملاً بشريعة الله وأحكامها وضوابطها، وهو الشاب القادر على الممانعة في مواجهة إغراءات المعاصي والفساد والإنحراف من أيّ نوع، ولذا ورد في الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنّ الله يحبّ الشاب الثابت) وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم)، (أنّ الله يباهي بالشاب العابد الملائكة، ويقول: أنظروا إلى عبدي ترك شهواته من أجلي). وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنّ الله يحبّ الشاب الذي يُفني شبابه في طاعة الله تعالى).
ولكن مع كلّ ذلك، سوف يبقى لدى الشباب الكثير من الوقت الذي قد يتعرّض فيه للفراغ والضجر والملل، ممّا قد يدفع به أو عبر المفسدين والمنحرفين إلى إغوائه شيئاً فشيئاً حتى يقع في الفخ وينحرف عن جادة الحق والصواب، وهذا ما ينبغي للمهتمين بأمر الشباب الإلتزام بالأمور المفيدة له ولمحيطه ومجتمعه وتبعده بالتالي عن الأجواء غير المناسبة واللائقة بالشاب المؤمن الملتزم.
وهذه الأجواء تدفعنا للحديث عن الترفيه وملء وقت الفراغ لدى الشباب، ولكن وفق الضوابط الإسلامية التي تتضمّن الحالة الأخلاقية والسلوكية والأدبية، وأن تكون وسائل الترفيه للشباب هادفة ذات أغراض تخدم الشباب ومجتمعهم في آنٍ معاً، وليس المطلوب هو الترفيه العبثي واللهوي الذي يعني قتل الوقت وعدم الإستفادة منه إيجابياً.
ولا شكّ أنّ أنواع الترفيه كثيرة، ومنها ما يكون مفيداً ونافعاً جداً ويكون عاملاً مهماً من عوامل تقوية الشخصية الإسلامية المتوازنة للشاب المسلم مثل ما ورد في الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (علّموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل)، فهذه من عناصر الترفيه، لكنّها في الوقت عينه تقوّي البنية الجسدية وتعمل على إكمال الإستعدادت الروحية والنفسية لدى الشباب حتى يكونوا مستعدّين للدفاع عن دينهم وأرضهم وأمّتهم عندما تدعو الحاجة إلى ذلك، وفق منطق التطوّر ومن باب تنقيح المناط يمكن القول بأنّ تعيلم الرماية يمكن أن نفسّره اليوم بالأقرب إلى واقعنا المعاصر وهو تعليم الشباب الرماية من خلال الأسلحة الموجودة في عصرنا لأنّها هي السلاح المتعارف، أمّا الأسلحة الواردة في زمن النبي فلم يعد لها وجود أو مجال للإستعمال كونها غير قادرة على مجاراة الأسلحة الحديثة، وكذلك (ركوب الخيل) يمكن تفسيره وفق نفس الفهم إلى قيادة السيارة والدرّاجات وغيرهما حيث لهذه الوسائل دخالة في مرحلة الجهاد، لأنّ المجاهدين سيحتاجون إلى هذه الوسائل للنقل كونها جزءاً من الإعداد والتهيئة لمواجهة الأعداء عندما تفرض الظروف ذلك.
وما يدلّ على أهمية الترفيه عموماً، وللشباب خصوصاً ما ورد في الحديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (روّحوا القلوب ساعة بعد ساعة، فإنّ القلب إذا أكرِهَ عَمِيَ)، لأنّ الترفيه يعيد للإنسان حيويته ونشاطه ويُبْعِد عنه الملل والضجر، ويملأ وقت الفراغ لديه بما ينفعه ويفيده سواء على المستوى الجسدي أو الروحي.
وللترفيه صورٌ وأشكال متعدّدة يمكن ذكر ما يلي منها:
1ـ الترفيه الرياضي
وهذا النوع قد صارشائعاً جداً، وعالمياً تتسابق الشباب للدخول إليه لما له من فوائد جسدية ومادية في كثيرٍ من الأحيان، وللرياضة أنواع عديدة، ولكن من أشهرها والتي تجذب الشباب بقوة كرة القدم والسباحة، وهذه الرياضات جميعاً يمكنها أن تساعد الشباب على اكتساب الصحة الجيدة والراحة النفسية والطمأنينة الروحية، وهذه عناصر يحتاجها الشاب كثيراً ليحافظ على توازنه وانضباطه وسلوكه الملتزم في المجتمع.
2ـ الترفيه الإجتماعي
وهو عبارة عن إكتساب الأصدقاء والمعارف، سواء من الحي أو المدرسة أو الأرحام والأقارب، والتزاور معهم، والخروج معهم في رحلاتٍ ونزهات خالية طبعاً من أنواع الحرام والفساد، وهذا النوع من الترفيه يقوّي علاقات الشاب ويُكْسِبُه الشخصية المتّزنة القادرة على إثبات نفسها في محيطها الإجتماعي بحيث يكون مسموع الرأي ومحترماً بين الناس، وهذا ما يزيده ثقة بنفسه واعتناءً بشخصيّته ويدرك أنّ له موقعاً عليه أن يحافظ عليه.
3ـ الترفيه السياحي
وهو عبارة عن السفر إلى الأماكن التي تتواجد فيها طبيعة جميلة وخلاَّبة حيث يرتاح الشاب إلى مثل هذه الأجواء المشتملة على الهدوء والسكينة والتمتّع بالمناظر الجميلة التي أبدعها الخالق، وليتعرّف من خلالها إلى عظمة الله سبحانه وتعالى في أرضه وسمائه، والسياحة تشمل السفر إلى المراقد والمراكز المقدّسة كالسفر إلى الحج وأداء مناسكه وزيارة قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام)، من أجل تجديد البيعة والولاء لهم والسير على خطّهم ونهجهم في الحياة، لأنّ مثل هذه الزيارات ذات البُعُد الديني تنعكس على روحية الشاب المؤمن في تقوية إيمانه وزيادة علاقتة مع ربّه، من خلال ما يعرفه عن التضحيات الكبيرة التي قام بها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) في سبيل الله، وأنّه لولا ما قاموا به من تلك الجهود والتضحيات لما عرفنا الله ولا الإسلام المعرفة الحقّة.
من كلّ ذلك يتبيّن أنّ الترفيه للشباب أمرٌ ضروري وحيوي ومهم، لكنّ ذلك كلّه مشروط بأن يكون الترفيه هادفاً ومتوازناً، ولهذا الترفيه شروط هي:
- أن يكون مقتصراً على الأنواع الحلال من دون الحرام، وعلى الهادف من دون اللهوي العبثي، وأن يكون نافعاً غير ضار لا لنفسه ولا لغيره، وهذا الشرط نستفيده من أحكامنا الشرعية الإسلامية القائمة على فعل الواجب وترك الحرام، والإبتعاد عن كلّ ما لا فائدة منه سواء للدنيا أو للآخرة.
- أن لا يكون الترفيه على حساب الحاجات والقضايا الأساسية للشباب، أي أن لا يكون على حساب دراستهم ومستقبلهم، لأنّهم إذا صرفوا وقتاً للترفيه أكثر ممّا هو مطلوب صار الترفيه مُفسداً ومُضيّعاً للوقت ومُحبطاً لآمال الشباب على مستوى أمانيهم وطموحاتهم المستقبلية التي يجب عليهم مراعاتها كونهم جنود المستقبل والغد الواعد لأمّتهم الإسلامية.
- أن يكون هذا الترفيه ضمن توجيه وإرشادات مهما أمكن من الجهات المعنية بتربية الشباب وتنشئتهم سواء كان التوجيه من الأهل أو علماء الدين، أو المشرفين التربويين والإجتماعيين، وذلك لضمان أن يكون الترفيه موجّهاً وذا نفعٍ وقيمةٍ وفائدة، لأنّ عدم التوجيه قد يؤدّي إلى عدم استفادة الشباب من وسائل الترفيه بالطريقة المرادة والمطلوبة والموافِقة للضوابط الشرعية والأغراض والأهداف الإسلامية والإلهية.
والحمد لله ربّ العالمين1.
- 1. نقلا عن الموقع الرسمي لسماحة الشيخ محمد توفيق المقداد حفظه الله.