نص الشبهة:
بسم الله الرحمن الرحيم
بعد مراجعة آراء السيد الخوئي (أعلى الله مقامه) حول مسألة الهجوم على الزهراء عليها السلام لاحظنا أنه لا يرى ذلك مما يضع علامة استفهام حول صحة المقولة القائلة بأن هذه المسألة تمس الجانب العقائدي بشكل مباشر في ضرورياته القطعية وليس التاريخي الذي يعطي الوضوح للجانب العقائدي.. فرأي السيد الخوئي في كتاب صراط النجاة حيث ورد له هذا السؤال المباشر حول الحادثة فأجاب عنها بالآتي:
سؤال 98: هل الروايات التي يذكرها خطباء المنبر، وبعض الكتاب عن كسر «عمر» لضلع السيدة فاطمة عليها السلام صحيحة برأيكم؟
الخوئي: ذلك مشهور معروف، والله العالم.
كما أن السيد الخوئي عبر عن ذلك بكل وضوح وفق رأيه الخاص كما في كتاب فقه الشيعة ج3 ص 126 حيث تطرق لمواقف الخليفتين الأول والثاني من أهل البيت عليهم السلام وعلق في محصلة ذلك بالآتي: «ومن هنا يحم بإسلام الأولين الغاصبين لحق أمير المؤمنين (عليه السلام) ظاهراً لعدم نصبهم ـ ظاهراً ـ عداوة لأهل البيت وإنما نازعوهم في تحصيل المقام والرياسة العامة».. وتبين من وجهة نظره عدم اعتبارية ما يروى من روايات ومنها مسألة الهجوم وكسر الضلع وإحراق الباب وإسقاط الجنين وضرب الزهراء ولطمها بعد أن قرر بشكل ضمني عدم وجود أي فعل يدل على نصبهما ظاهراً! فرأي السيد الخوئي حول شهرتها ينفي الإجماع عليها بالإضافة إلى رأيه الذي لا يراها من خلال واضح رأيه في عدم نصب الخليفة الأول والثاني ظاهراً.
كما أن أصل مناقشة الشيخ كاشف الغطاء (أعلى الله مقامه) للمسألة واستبعاده الهجوم من قبل الخليفة الثاني لاعتبارات ذكرها وقبوله ذلك من العبد واستبعاده للطمة الوجه كما صرح في رأيه النهائي لأنه من الأثر الذي يرى ولا يمكن إخفاؤه.. وإن لم يتحدث عن مسألة إسقاط الجنين إلا أنها تسقط أيضاً في جملة كلامه لأنها من الأثر الذي لا يمكن إخفاؤه لكونه فقداً لا أثراً فقط.. كل ذلك وبغض النظر عن وجاهة رأي الشيخ كاشف الغطاء من الناحية العلمية يشكل علامة استفهام حقيقية حول حقيقة كون هذه المسألة من الضرورات العقائدية القطعية التي لا جدال فيها ولا يجوز مناقشتها.. كما أن إشكال السيد هاشم معروف الحسني (رض) وهو الباحث الخبير في ذلك في أمر الروايات التي تعرضت لذلك ليشكك في اعتباريتها كما في كتابه سيرة الأئمة الاثنا عشر يشير إلى هذا الاتجاه.. أوليس في هذه الآراء المختلفة بغض النظر عن وجهة النظر التي يراها كل طرف، تدل على طبيعة النقاش في هذه المسألة من ناحية علمية وعدم اعتبارها مسألة عقائدية قطعية كما يروج لذلك ولا يجوز الاقتراب منها؟
أفيدونا حول ذلك حفظكم الله ودعواتكم..
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
1 ـ فإن ما نقلتموه عن آية الله العظمى السيد الخوئي قدس سره في كتابه صراط النجاة لا يدل على ما نسبتموه إليه وذلك لما يلي:
أولاً: إنه إنما قال: إن ذلك معروف ومشهور، ولم ينف ذلك، لكي يصح القول: إنه لا يرى الهجوم علىالزهراء عليها السلام. فلماذا تقوِّلونه ما لم يقله.
ثانياً: إن عدم توفر سند صحيح لرواية لا يعني أنها مكذوبة، خصوصاً مع اشتهار ذلك الحدث ومعروفيته، حسبما أشار إليه السيد الخوئي نفسه قدس سره..
ثالثاً: إنه رحمه الله إنما تحدث عن خصوص موضوع كسر الضلع، وكان هو مورد السؤال دون سواه.. فما معنى أن تنسبوا إليه أنه لايرى الهجوم على الزهراء عليها السلام. مع أنه قدس سره لم ينف ضربها، و لا إسقاط جنينها، ولطم خدها، واحمرار عينها، وإحراق بيتها، وضربها بالسوط، حتى لقد كان في عضدها كمثل الدملج.. ولم يشر إليه في هذا السؤال ولا في الجواب.. فمن أين عرفتم أنه لا يرى ذلك كله..
رابعاً: إن قوله قدس سره: ذلك مشهور ومعروف يضعنا أمام احتمالين، فإنه كما يمكن أن يكون لأجل أنه يرى أن السند غير تام، كذلك قد يكون لأجل أنه يرى صحة السند، ولكنه لم يرد إثارة الذين يغضبون من التصريح بهذا الأمر، ولاسيما إذا كان هذا السؤال في عهد ذلك الناصبي الطاغية، الذي كان يسعى لإبادة الشيعة، والتشيع.. وهو يترصد الفرصة للإيقاع بهم تحت أي عنوان.
ويمكن تأييد هذا الثاني بأنه لم تحدث طيلة عمره الشريف والمديد أية إشارة إلى أي ترديد في أي شيء مما جرى على السيدة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها..
ولو كان قد تفوه بشيء من ذلك لكان قد شاع وذاع، وطَرَق الأسماع، وتلقفته الأيدي السنية والشيعية على حد سواء، كما حصل بالنسبة لهذا البعض مؤخراً، لأن أهل السنة يرون فيه تأييداً لمذهبهم، والشيعة يرون فيه إنكاراً لأمر بلا مبرر ظاهر..
والخلاصة: أن السيد الخوئي يعلم: أن ضعف سند رواية لا يسمح له بإصدار الحكم بكذب مضمونها، بل ذلك يحتم عليه أن يتربص ليجد الأدلة الصريحة بالنفي أو المؤيدة للإثبات..
فكيف يصح نسبة الإنكار إليه لمجرد حكمه على الرواية بضعف سندها ـ لو صح أنه ضعف السند فعلاً، وقد قلنا: إنه ليس في كلامه ما يدل على ذلك أيضاً..
2 ـ وأما ما نقلتموه عنه من أنه قدس سره لا يرى عمر ناصبياً.. فهو أيضاً لا يفيد في تصحيح نسبة إنكار ما جرى على الزهراء عليها السلام إليه.. وذلك لأن مراده قدس سره: أن هؤلاء قد فعلوا ما فعلوه، طمعاً بالحكم والسلطان، ولكنهم كانوا ـ مع ذلك ـ يزعمون للناس أنهم يحبون أهل البيت عليهم السلام، وأن ما صدر منهم لم يكن لأجل بغضهم لهم بل كان أمراً قادهم إليه الغضب والحرص على مصلحة الأمة، ثم ادعوا الندم على ذلك، وأظهروا أنهم يريدون نيل رضا الزهراء عليها السلام..
وهذا معناه: أن كلامه رحمه الله، إنما هو في الإظهار والإعلان.. وهذا لا يعني أنه ينفي كسر الضلع، والضرب، وإسقاط الجنين، بل هو يعني أنهم إذا كانوا يدَّعون الندم على ما فعلوه، ويدعون الحب للزهراء عليها السلام، فلا يصح وصفهم بالنواصب، لأن الناصبي هو من أظهر البغض وأعلنه.. فلا معنى أن ينسب للسيد الخوئي أمراً لم يقله..
وأما كلام الشيخ كاشف الغطاء، فقد أجبنا عنه في إجابة لنا سابقة في هذا اللقاء، وأجبنا عنه في كتاب «مأساة الزهراء عليها السلام»..
وأما الحديث عن السيد هاشم معروف الحسني فهو مجمل وقاصر عن صلاحية الاستدلال به، إذ لم ينقلوا لنا كلامه الذي يصرح فيه بإنكاره لما جرى على الزهراء عليها السلام، فنسبة هذا الأمر إليه تبقى بلا شاهد، ولا مبرر.
وأما قوله: إن هناك روايات كثيرة لا تثبت أسانيدها أمام النقد العلمي. فإنما يقصد به كما يظهر روايات بعينها ولا يقصد إنكار أصل مظلوميتها من جهات عديدة وبأسباي مختلفة.
كما أن الحديث عن الخلل في سند الروايات حول مظلوميتها فهو في غير محله، فإنها متواترة بلا ريب، والمتواتر لا ينظر في اسانيده، ولا يناقش.
والحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطاهرين 1.
- 1. مختصر مفيد.. (أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة)، السيد جعفر مرتضى العاملي، «المجموعة التاسعة»، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1424 هـ ـ 2004 م، السؤال (500).