عصمة الأئمّة في كتب أهل السنّة :
السؤال : ما الأدلّة على عصمة أهل البيت (عليهم السلام) من كتب أهل السنّة ، الذين يقولون بعدم عصمتهم ؟
الجواب : إنّ إثبات عصمة الأئمّة (عليهم السلام) تتوقّف على التسليم بقضية إمامتهم (عليهم السلام) ، يعني بعد التسليم والإيمان بإمامة الأئمة الاثني عشر ، عند ذلك يمكن إثبات عصمتهم ، وذلك من خلال الكتاب ، والسنّة المتمثّلة بأقوال الرسول (صلى الله عليه وآله) ، أو أقوالهم (عليهم السلام) ، حيث أثبتوا لهم العصمة ، وأقوالهم هذه موجودة في كتبنا الشيعية بكثير ، ولكنّها لم تثبّت في كتب أهل السنّة ، وهذا شيء طبيعي أن لا تذكر أدلّة عصمتهم (عليهم السلام) في كتب من لا يؤمن بعصمتهم .
نعم ، يمكن إثبات عصمتهم (عليهم السلام) من أقوال الرسول (صلى الله عليه وآله) الثابتة والمدوّنة في كتب أهل السنّة ، منها :
1ـ حديث الثقلين ، فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) متواتراً قولـه : ” إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً ” ، رواه وأخرجه أكثر من (180) عالماً سنّياً (1) .
دلّ هذا الحديث على عصمة أهل البيت (عليهم السلام) لأنّهم عدل القرآن ، وبما أنّ القرآن محفوظ من الزلل ، ومعصوم من الخطأ ، لأنّه من عند الله تعالى ، فكذلك ما قرن به ، وهم عترة محمّد (صلى الله عليه وآله) ، وإلاّ لما صحّت المقارنة .
2ـ حديث السفينة ، فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قولـه : ” مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجى ، ومن تخلّف عنها غرق وهوى ” (2) ، فدلّ هذا الحديث على عصمة الأئمّة (عليهم السلام) ، لأنّ النجاة والخلاص من الوقوع في الضلالة والانحراف يتوقّف على كون المنجي معصوماً من الخطأ والزلل ، وإلاّ لم يحصل منه النجاة الحتمي .
نكتفي بهذين الحديثين للاختصار ، وعليكم بمراجعة كتاب عمدة النظر للبحراني ، حيث ذكر (45) حديثاً على عصمتهم (عليهم السلام) ، كما ذكر اثنا عشر دليلاً عقلياً على عصمتهم (عليهم السلام) .
( … . مصر . سنّي )
حدودها :
السؤال : أنا من السنّة ولست شيعياً ، ولكن أُريد أن اعرف بعض الأُمور عن إخواني من هذا المذهب من مصادرهم هم ، وليس من غيرهم : ما هي حدود العصمة ؟
الجواب : نحن نعتقد أنّ العصمة هي ملكة تعصم صاحبها من مقارفة المعاصي ، وفي نفس الوقت باعتبار الحجّية للحجج ـ سواء كانوا أولياء أو أوصياء ـ لابدّ أن يكونوا معصومين من الخطأ ـ سواء كان ذلك في تلقّي أحكام الشريعة عن الله تعالى ، أو في إلقائها إلى الناس ، أو في تطبيقاتها ، لأنّ التطبيقات نحو من أنحاء التبليغ ـ والكُلّ متّفقون على عصمته (صلى الله عليه وآله) في التبليغ ، وكما يكون التبليغ بالقول يكون بالتقرير والفعل ، وعليه لا يخطأ النبيّ (صلى الله عليه وآله) في فعله أيضاً .
( العرادي . البحرين . … )
رأي الإمامية في عصمة الأنبياء :
السؤال : نذهب نحن الشيعة إلى عصمة الأنبياء والرسل (عليهم السلام) فإذا سلّمنا بذلك ، فما هو تفسير خروج أبينا آدم وأُمّنا حوّاء من الجنّة ؟
وما هو تفسير بقاء نبي الله يونس في بطن الحوت مدّة من الزمن ، وكذلك قصّة نبي الله موسى ، ألا ينافي ذلك عصمة الأنبياء ؟ أودّ معرفة الإجابة بمزيد من التفصيل .
الجواب : يشير الشيخ المفيد (قدس سره) إلى رأي الإمامية حول عصمة الأنبياء (عليهم السلام) بقولـه : ” إنّ جميع أنبياء الله (عليهم السلام) معصومون من الكبائر قبل النبوّة وبعدها ، وما يستخف فاعله من الصغائر كُلّها ، وأمّا ما كان من صغير لا يستخف فاعله
فجائز وقوعه منهم قبل النبوّة وعلى غير تعمّد ، وممتنع منهم بعدها على كُلّ حال ، وهذا مذهب جمهور الإمامية ، والمعتزلة بأسرها تخالف فيه ” (3) .
وعلى هذا ، يمكن توجيه خروج أبينا آدم (عليه السلام) وأُمّنا حوّاء من الجنّة ، بأنّ الخروج من الجنّة ليس عقاباً ـ على معصيتهما وهما منزّهان منها ـ لأنّ سلب اللذّات والمنافع ليس بعقوبة ، وإنّما العقوبة هي الضرب والألم الواقعان على سبيل الاستخفاف والإهانة ، وكيف يكون من تعبّدنا الله فيه بنهاية التعظيم والتبجيل ، مستحقّاً منّا ومنه تعالى الاستخفاف والإهانة ؟
فإن قيل : فما وجه الخروج إن لم يكن عقوبة ؟
قلنا : لا يمتنع أن يكون الله تعالى علم أنّ المصلحة تقتضي بقاء آدم (عليه السلام) في الجنّة وتكليفه فيها متى لم يتناول من الشجرة ، فمتى تناول منها تغيّرت الحال في المصلحة ، وصار إخراجه عنها وتكليفه في دار غيرها هو المصلحة .
وإنّما وصف إبليس بأنّه مخرج لهما من الجنّة { فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ } (4) من حيث وسوس إليهما ، وزيّن عندهما الفعل الذي يكون عند الإخراج .
ثمّ لا يخفى أنّ المعصية هي مخالفة الأمر ، والأمر من الحكيم تعالى قد يكون بالواجب والمندوب معاً ، فلا يمتنع على هذا أن يكون آدم (عليه السلام) مندوباً إلى ترك التناول من الشجرة ، ويكون بمواقعتها تاركاً نفلاً وفضلاً وغير فاعل قبيحاً ، وليس يمتنع أن يسمّى تارك النفل عاصياً ، كما يسمّى بذلك تارك الواجب .
وفي هذا المجال نذكر هذه الرواية الشريفة : روى الشيخ الصدوق (قدس سره) : ” لمّا جمع المأمون لعلي بن موسى الرضا (عليه السلام) أهل المقالات من أهل الإسلام ،
والديانات من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين وسائر أهل المقالات ، فلم يقم أحد إلاّ وقد ألزمه حجّته كأنّه قد ألقم حجراً ، قام إليه علي بن محمّد بن الجهم ، فقال لـه : يا بن رسول الله ، أتقول بعصمة الأنبياء ؟ قال : ” بلى ” ، قال : فما تعمل في قول الله عزّ وجلّ : { وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى } (5)، وقولـه عزّ وجلّ : { وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ } (6) … .
فقال مولانا الرضا (عليه السلام) : ” ويحك ـ يا علي ـ اتق الله ، ولا تنسب إلى أنبياء الله الفواحش ، ولا تتأوَّل كتاب الله برأيك ، فإنّ الله تعالى يقول : { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ } (7) .
أمّا قولـه عزّ وجلّ في آدم (عليه السلام) : { وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى } فإنّ الله عزّ وجلّ خلق آدم حجّة في أرضه ، وخليفة في بلاده ، لم يخلقه للجنّة ، وكانت المعصية من آدم في الجنّة لا في الأرض ، تتمّ مقادير أمر الله عزّ وجلّ ، فلمّا أُهبط إلى الأرض ، وجُعل حجّة وخليفة عُصِمَ بقولـه تعالى : { إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ } (8) .
وأمّا قولـه تعالى : { وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ } إنّما ظنّ أنّ الله عزّ وجلّ لا يضيق عليه رزقه ، ألا تسمع قول الله عزّ وجلّ :
{ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ } (9) أي ضيّق عليه ، ولو ظنّ أنّ الله تبارك وتعالى لا يقدر عليه لكان قد كفر ” (10) .
وأمّا يونس (عليه السلام) إنّما بقي في بطن الحوت إلى مدّة من الزمن ، لا لمعصية صدرت منه ، ولا لذنب ارتكبه ، والعياذ بالله ، وإنّما لكونه خرج من قومه ـ وهو معرضاً عنهم ، ومغضباً عليهم ، بعد أن دعاهم إلى الله تعالى فلم يجيبوه إلاّ بالتكذيب والردّ ـ ولم يعد إليهم ظانّاً أنّ الله تعالى لا يضيّق عليه رزقه ، أو ظانّاً أن لن يبتلى بما صنع حتّى وصل إلى البحر ، وركب السفينة ، فعرض لهم حوت فلم يجدوا بدّاً من أن يلقوا إليه واحداً منهم يبتلعه ، وتنجو السفينة بذلك ، فقارعوا فيما بينهم ، فأصابت يونس (عليه السلام) فألقوه في البحر ، فابتلعه الحوت ونجت السفينة .
ثمّ إنّ الله سبحانه وتعالى حفظه حيّاً في الحوت مدّة من الزمن ، ويونس (عليه السلام) يعلم أنّها بلية ابتلاه الله بها ، مؤاخذة بما فعل من عدم رجوعه إلى قومه ، بعد أن آمنوا وتابوا ، فأخذ ينادي في بطن الحوت : أن { لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } (11) ـ قيل أي لنفسي بالمبادرة إلى المهاجرة ـ فاستجاب الله لـه ونجّاه من الحوت .
وأمّا قتل موسى (عليه السلام) للقبطي ، فلم يكن عن عمد ولم يرده ، وإنّما اجتاز فاستغاث به رجل من شيعته على رجل من عدوّه بغى عليه وظلمه وقصد إلى قتله ، فأراد موسى (عليه السلام) أن يخلّصه من يده ، ويدفع عنه مكروهه ، فأدّى ذلك إلى القتل من غير قصد إليه ، وكُلّ ألم يقع على سبيل المدافعة للظالم من غير أن يكون مقصوداً فهو حسن غير قبيح ، ولا يستحقّ عليه العوض به ، ولا فرق
بين أن تكون المدافعة من الإنسان عن نفسه ، وبين أن يكون عن غيره في هذا الباب ، والشرط في الأمرين أن يكون الضرر غير مقصود ، وأنّ القصد كُلّه إلى دفع المكروه ، والمنع من وقوع الضرر ، فإن أدّى ذلك إلى ضرر فهو غير قبيح .
( … . … . … )
1- فضائل الصحابة : 15 ، الجامع الكبير 5 / 328 ، تحفة الأحوذي 10 / 196 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 418 ، كتاب السنّة : 337 و 629 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 45 و 130 ، خصائص أمير المؤمنين : 93 ، المعجم الصغير 1 / 135 ، المعجم الأوسط 4 / 33 و 5 / 89 ، المعجم الكبير 3 / 66 و 5 / 154 و 166 و 170 و 182 ، شرح نهج البلاغة 9 / 133 ، نظم درر السمطين : 232 ، كنز العمّال 1 / 172 و 186 ، تفسير القرآن العظيم 4 / 122 ، المحصول 4 / 170 ، الإحكام للآمدي 1 / 246 ، الطبقات الكبرى 2 / 194 ، علل الدارقطني 6 / 236 ، أنساب الأشراف : 111 و 439 ، البداية والنهاية 5 / 228 ، السيرة النبوية لابن كثير 4 / 416 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 6 و 12 / 232 ، ينابيع المودّة 1 / 74 و 95 و 99 و 105 و 112 و 119 و 123 و 132 و 345 و 349 و 2 / 432 و 438 و 3 / 65 و 141 و 294 ، النهاية في غريب الحديث والأثر 1 / 211 و 3 / 177 ، لسان العرب 4 / 538 و 11 / 88 ، تاج العروس 7 / 245 .
2- المستدرك 2 / 343 و 3 / 151 ، المعجم الصغير 1 / 139 و 2 / 22 ، المعجم الأوسط 5 / 355 و 6 / 85 ، المعجم الكبير 3 / 45 ، 12 / 27 ، مجمع الزوائد 9 / 168 ، الجامع الصغير 1 / 373 و 2 / 533 ، كنز العمّال 12 / 94 ، شواهد التنزيل 1 / 361 ، ذخائر العقبى : 20 ، مسند الشهاب 2 / 273 و 275 ، فيض القدير 2 / 658 ، الدرّ المنثور 3 / 334 ، تفسير القرآن العظيم 4 / 123 ، علل الدارقطني 6 / 236 ، تهذيب الكمال 28 / 411 ، سبل الهدى والرشاد 10 / 490 ، ينابيع المودّة 1 / 93 و 2 / 101 و 118 و 269 و 327 ، نزل الأبرار : 6 ، نظم درر السمطين : 235 ، لسان العرب 3 / 20 ، تاج العروس 2 / 259 ، الصواعق المحرقة 2 / 445 .
3- أوائل المقالات : 62 .
4- البقرة : 36 .
5- طه : 119 .
6- الأنبياء : 87 .
7- آل عمران : 7 .
8- آل عمران : 33 .
9- الفجر : 16 .
10- الأمالي للشيخ الصدوق : 150 .
11- الأنبياء : 87 .