مقالات

الزنا..حرمته..اثاره …

قال الله تبارك وتعالى: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾ 1.

لمصلحة تقتضيها الحكمة الإلهية 2، زوّد الله الإنسان بالغريزة الجنسيّة، وتعد هذه الغريزة من أقوى الغرائز وأشدّها إلحاحاً على الإنسان لإشباعها والاستجابة لها، فجعل سبحانه لذلك طريقاً مشروعاً وهو الزّواج والاقتران بين الرجل والمرأة من خلال عقد النّكاح الشرعي، وحرّم إشباعها بأي طريق آخر غير هذا الطريق، باستثناء مقاربة الرجل للأمة حسب الضوابط المذكورة في كتب الفقه، ولذلك يعدّ الزّنا – وهو مقاربة الرّجل للمرأة جنسيّاً بدون عقد نكاح شرعي أو ملك يمين – طريقاً غير مشروع لإشباع هذه الغريزة، وهو من الأمراض الاجتماعية الخطيرة، والأعمال الفاحشة التي تؤدّي إلى فساد الفرد والمجتمع، وسبب رئيسي في هدم الكيان الأسري، والقضاء على العفّة والحياء، وانتشار الأمراض الجنسية الفتّاكة، واختلاط الأنساب، وتفشي ظاهرة اللقطاء وغير ذلك. . ولما سئل الإمام الصادق «عليه السلام» عن الحكمة من تحريم الزنا، فقيل له: لم حرّم الله الزّنا؟ قال: (لما فيه من الفساد، وذهاب المواريث، وانقطاع الأنساب، لا تعلم المرأة في الزّنا من أحبلها، ولا المولود يعلم من أبوه، ولا أرحام موصولة، ولا قرابة معروفة) 3.
وفي رواية عن الإمام الرضا «عليه السلام» يبين فيها بعض علل تحريم الزنا، فقال: (حُرّم الزنا لما فيه من الفساد من قتل الأنفس، وذهاب الأنساب، وترك التربية للأطفال، وفساد المواريث، وما أشبه ذلك من وجوه الفساد) 4.
فهو من المنكرات المقيتة الشنيعة والذنوب الكبيرة العظيمة التي توعّد الله سبحانه عليها بالنّار والعذاب الشديد، فقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ 5.
وعن النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» أنّه قال: (ما من ذنب بعد الشرك بالله أعظم عند الله من نطفة وضعها رجل في فرج لا يحل له) 6.
وكان مما كتبه الإمام الرّضا «عليه السلام» إلى المأمون العبّاسي ضمن كتاب يبيّن له فيه بعضاً من شرائع الدّين: (واجتناب الكبائر، وهي قتل النفس التي حرّم الله عزّ وجل، والزّنا) 7.
وعن الإمام الصادق «عليه السلام» قال: (إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة رجل أقر نطفته في رحم يحرم عليه) 8.
وعن الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» قال: (ألا أخبركم بكبر الزنا؟ قالوا: بلى، قال: هي امرأة توطئ فراش زوجها فتأتي بولد من غيره فتلزمه زوجها، فتلك التي لا يكلمها الله ولا ينظر إليها يوم القيامة ولا يزكيها ولها عذاب أليم) 9.
وعن الإمام الصادق «عليه السلام» قال: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: الشيخ الزاني، والديوث، والمرأة توطئ فراش زوجها) 10.
وعن الإمام الباقر «عليه السلام» عن النبي «صلى الله عليه وآله» أنّه قال: (ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك جبار، ومقل مختال) 11.
وعن النبي «صلى الله عليه وآله» قال: (من فجر بامرأة ولها بعل، انفجر من فرجهما من صديد واد مسيرة خمسمائة عام، يتأذى أهل النار من نتن ريحهما، وكانا من أشد الناس عذاباً) 12.
وعنه «صلى الله عليه وآله»: (لما أسري بي مررت بنسوان معلقات بثديهن فقلت: من هؤلاء يا جبرئيل؟
فقال: هؤلاء اللواتي يورثن أموال أزواجهن أولاد غيرهم) 13.
إنّ إشباع شهوة الجنس على طريق الزنا، هو سير في الوجهة غير الصحيحة، وسلوك لطريق خطرة جدّاً، تكون عواقبها وخيمة، فمن يلقي نظرة على المجتمعات الإباحية التي انتشرت فيها جريمة الزنا بشكل واسع وعلني فظيع، وينظر إلى آثارها الخطيرة من انتشار اللقطاء وضياع الأبناء، وتفكك الأسر، وفساد التربية، وجرائم قتل الأزواج والزّوجات، وتفشّي الأمراض الجنسيّة الخطيرة، كالزهري، والسيلان، والسل، ومرض نقص المناعة «الأيدز» يدرك جيّداً دقّة التعبير القرآني في قوله تعالى: ﴿ … وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾ 1.

مقدّمات الزنا

1- النظر

لقد أرادت الشريعة الإسلامية إبعاد المسلم عن المعصية بشتى الطرق والوسائل، ومن الطرق التي استخدمتها لمنع وقوع معصية الزّنا أنّها وضعت أحكاماً شرعية لكل ما يمكن أن يكون مقدّمة للزنا، ومن ذلك أنّها جعلت ضوابط شرعية تتعلق بمسألة نظر الرجل إلى المرأة الأجنبيّة، ونظر المرأة الأجنبيّة إلى الرجل الأجنبي، وذلك لأنّ نظر الرجل إلى ما هو مثيرٌ عادة للرجال من جسد المرأة، ونظر المرأة إلى الأماكن المثيرة للنساء من جسد الرجل يعدُّ من أهم الأسباب الممهدة للوقوع في معصية الزنا، فعن النبي «صلى الله عليه وآله» أنّه قال: (النظرة سهم من سهام إبليس مسمومة، فمن تركها من خوف الله أثابه الله إيماناً يجد حلاوته في قلبه) 14.
وعنه «صلى الله عليه وآله»: (النظرة إلى محاسن المرأة سهم من سهام إبليس مسمومة، فمن صرف بصره عنها رزقه الله عبادة يجد حلاوتها) 14.
وعن الإمام الصادق «عليه السلام» قال: (النظرة سهم من سهام إبليس مسموم، من تركها لله عز وجل لا لغيره، أعقبه الله إيماناً يجد طعمه) 15.
وعنه «عليه السلام» أيضاً: (النظرة سهم من سهام إبليس مسموم، وكم من نظرة أورثت حسرة طويلة) 16.
ومما ورد في النّهي عن النظر المحرّم والتحذير منه، ما روي عن النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» أنّه قال: (من نظر إلى محاسن أجنبية عن شهوة، صب في عينيه الآنك يوم القيامة) 17.
وعنه «صلى الله عليه وآله» قال: (اشتد غضب الله عز وجل على امرأة ذات بعل ملأت عينها من غير زوجها أو غير ذي محرم منها، فإنها إن فعلت ذلك أحبط الله كل عمل عملته، فإن أوطأت فراشه غيره كان حقّاً على الله أن يحرقها بالنار بعد أن يعذبها في قبرها) 18.
وعنه «صلى الله عليه وآله»: (يا علي لا تتبع النظرة النظرة، فإنّ لك الأولى، وليس لك الآخرة) 19.
فيستفاد من هذه الرّواية أنّ النظرة الاتفاقية التي تقع من الرجل على أماكن مما يحرم عليه النظر إليها من جسد المرأة الأجنبيّة ليست بمحرّمة، إنّما المحرّم هو تلك النظرة التي تكون عن قصد وإصرار، والتي عادة ما يرافقها التلذذ الشهوي والريبة.
وأمر الله عزّ وجل المؤمنين والمؤمنات بغض البصر، فقال: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ 20.
وبموجب الأدلة الشرعية المتعلّقة بمسألة النظر حدد فقهاء المذهب ما يجوز للرجل النظر إليه وما لا يجوز من بدن المرأة الأجنبية، وما يجوز للمرأة النظر إليه وما لا يجوز النظر إليه من بدن الرجل الأجنبي، فقال  الفقيه المعاصر السيد علي الحسيني السيستاني «دام ظلّه»:  (لا يجوز للرجل أن ينظر إلى ما عدا الوجه والكفين من جسد المرأة الأجنبية وشعرها، وكذا الوجه والكفين منها إذا كان النظر بتلذذ شهوي أو مع خوف الوقوع في الحرام، بل الأحوط استحباباً تركه بدونهما أيضاً، وكذلك الحال في نظر المرأة إلى الرجل الأجنبي على الأحوط لزوماً في غير ما جرت السيرة على عدم الالتزام بستره كالرأس واليدين والقدمين ونحوها، وأما نظرها إلى هذه المواضع منه فالظاهر جوازه من دون تلذذ شهوي وعدم خوف الوقوع في الحرام، وإن كان الأحوط استحباباً تركه أيضاً) 21.

2-التبرج

يعتبر تبرّج المرأة وسفورها – أي إخراجها لشعرها وأجزاء من سائر جسدها – أحد الأسباب الممهدة أيضاً للوقوع في فاحشة الزّنا، وما يرى اليوم في المجتمعات لا سيما الغربيّة منها من انتشار هذه الجريمة بشكل كبير، يعتبر تكشّف النساء وسفورهن العمدة الأساس والسبب الأكبر في تفشيها وانتشارها.
فخروج المرأة كاشفة عن شعرها لابسة الملابس القصيرة والضّيّقة التي تظهر من جهة أجزاء من جسدها كالساقين والزّندين وبعضاً من الصّدر والعنق، ومن جهة أخرى مجسّمة لأجزاء من جسدها كالخصر والإليتين والثديين، وشفافة في بعض المناطق تحكي ما تحتها، وواضعة على جسدها وملابسها أنواعاً مختلفة من العطور والرّوائح الزّكية، إنّ خروج المرأة بهكذا كيفيّة مما يثير كوامن الغريزة الجنسيّة عند الرّجل، وبالتّالي فإنّه يقع أمام خيارين لا ثالث لهما – إن لم تكن عنده زوجة يطفئ عن طريقها ثوران غريزته، وكان الوازع الديني لديه ضعيفاً – فهو إمّا أن  يضغط على غريزته ويكبتها ويتعرّض للأمراض النّفسيّة والعصبيّة، وإما أن يتّجه إلى الزنا أو اللواط أو غيرهما من المحرّمات الأخرى لإشباع شهوته.
فلهذا ألزمت الشريعة الإسلامية المرأة بستر جسدها، وفرضت الحجاب عليها وألزمتها به كي لا تكون وسيلة لإيقاع الرجل في المعصية والمخالفة الشرعية بسبب ممارسته لجريمة الزنا أو غيرها من الجرائم الجنسية الأخرى، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ 22.
ففي هذه الآية يأمر الحق سبحانه وتعالى نبيّه الأكرم محمداً «صلى الله عليه وآله» بأن يأمر زوجاته وبناته وسائر نساء المسلمين، بالستر والحجاب الكامل، ويمنعهن عن التبرّج والسفور، لأنَّ الحجاب يكسب المرأة سمعة طيبة، وتعرف بالعفة والصلاح في المجتمع ولا تتعرض للمضايقات والنظرات الخائنة والاعتداء من قبل المستهترين والمنحرفين، ولأن الحجاب يحجز المرأة المتحجبة عن أطماع أهل الفسق والمجون، لأنّها مستورة الجمال والمحاسن ولا يظهر منها شيء، ولأن الفاسق إذا عرف أن المرأة صالحة ومحافظة لا يتعرض لها بسوء، ففي هذه الآية دلالة صريحة واضحة على وجوب الحجاب وأنه يحفظ المرأة من الفساد والاعتداء، ويدفع عنها شرَّ الفاسقين.
وقال تعالى: ﴿ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ 23.
وفي هذه الآية الكريمة يأمر الله سبحانه وتعالى نبيّه الأكرم محمداً «صلى الله عليه وآله» بأن يأمر المؤمنات بالغض من أبصارهن فلا ينظرن إلى ما لا يجوز لهن النظر إليه، كما يجب عليهن ستر وتغطية فروجهن عن أنظار الرّجال والنساء.
ثم ولا يبدين زينتهن إلاّ ما ظهر منها، فلا يظهرن ويكشفن عن زينتهن المخفية وإن كانت لا تظهر أجسامهن، أي فلا يجوز لهن الكشف عن لباس يتزين به تحت اللباس العادي أو العباءة.
ثم يطلب سبحانه منه «صلى الله عليه وآله» أن يأمر النساء بأن يضربن بخمرهن على جيوبهن، والخمر جمع خمار وهو ما تغطي به المرأة رأسها وينسدل على صدرها، والمراد بالجيوب الصدور، والمعنى كما قال العلامة الطباطبائي «قدّس سرّه» في تفسيره الميزان: (وليلقين بأطراف مقانعهن على صدورهن ليسترنها بها) 24.
وبعد ذلك تذكر الآية الكريمة مجموعة من الناس والأشخاص الّذين يجوز للنساء كشف حجابهن وإظهار زينتهن أمامهم، فيجوز لهن ذلك أمام الزوج والأب وأب الزوج والأبناء وأبناء الزوج من غيرهن، والأخوة وأبناء الأخوة وأبناء الأخوات، ونسائهن، وهن النساء من المسلمات، أي يجوز للمسلمة أن تكشف حجابها وتظهر زينتها للمسلمة، ولا تكشف لغيرها من غير المسلمات، وعلّة ذلك كما ورد في بعض الروايات أنهن -أي غير المسلمات – من المحتمل أن يصفن لأزواجهن ما شاهدنه من زينة النساء المسلمات، فعن الإمام الصادق «عليه السلام» قال: (لا ينبغي للمرأة أن تكشف بين يدي اليهودية والنصرانية فإنّهن يصفن ذلك لأزواجهن) 25.
﴿ … أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ … ﴾ 23 و (لظاهر هذه العبارة مفهوم واسع ويدل على أنّه بإمكان المرأة الظهور دون حجاب بحضور عبدها إلاّ أن بعض الأحاديث صرّحت بأن ذلك يعني فقط الظهور بين الجواري على الرغم من أنّهن غير مسلمات، ولا يشمل هذا الحكم العبيد، ففي حديث للإمام أمير المؤمنين علي «عليه السلام»: لا ينظر العبد إلى شعر مولاته.
ويستفاد من أحاديث أخرى تعميم هذا الحكم على الجواري والعبيد إلاّ أنَّ ذلك خلافاً للاحتياط) 26.
﴿ … أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ … ﴾ 23 وهم الذين لا رغبة جنسية لديهم أصلاً كالعنين والخصي.
﴿ … أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ … ﴾ 23 وهم الأطفال الذين ليس لهم شعور بالجنس، أما الأطفال الذين بلغوا مرحلة برزت فيهم رغبة في الجنس وقدرة لهم على ممارسته فيجب على النساء المسلمات أن يتحجبن بحضورهم.
ثم ﴿ … وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ … ﴾ 23 (أي على النساء أن يتحفظن كثيراً ويحفظن عفتهن ويبتعدن عن كل شيء يثير نار الشهوة في قلوب الرّجال حتى لا يتهمن بالانحراف من طريق العفة.
ويجب أن يراقبن تصرفهن بشدة بحيث لا يصل صوت خلخالهن إلى آذان الرجال غير المحارم، وهذا يؤكد دقة نظر الإسلام إلى هذه الأمور) 27.
واستناداً إلى هذه الآية وغيرها من آيات كتاب الله المجيد والرّوايات المأثورة عن النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» والمأثورة عن الأئمة الطاهرين من أهل البيت «عليهم السلام»، فقد أفتى الفقهاء بوجوب الستر على المرأة، بأن تستر شعرها حتّى الشعرة الواحدة، وجميع بدنها عن غير محارمها، باستثناء الوجه بالمقدار الذي يجب غسله في الوضوء والكفّان فقط 28، هذا إذا لم تخف المرأة من الوقوع في الحرام بسبب إبدائها لوجهها وكفيّها، ولم يكن الإبداء بداعي إيقاع الرّجل في النّظر المحرّم لها، وأما إذا كان كذلك 29 فيجب عليها ستر وجهها وكفيها.
وكذلك يجب عليها ستر الوجه والكفين إذا كانت عليها زينة لا يحل لها إظهارها أمام الرجل الأجنبي، فلو أنّها تزينت في وجهها بالمكياج ومساحيق التجميل وكفيها بوضع نقوش الحناء عليهما أو بأي زينة أخرى مما لا يجوز لها إظهارها أمام الرجل الأجنبي فيجب عليها والحال هذه أن تستر وجهها وكفيها.
وأيضاً لو كانت المرأة من الجمال بحيث أن أغلب من ينظر من الرجال إلى وجهها يفتتن بها، فمثل هذه المرأة يجب عليها أن تستر وجهها حتى وإن لم يكن مزيّناً، وكذلك الحكم بالنّسبة إلى الكفين إذا كان حالهما كحال كشف الوجه.
نعم جوّزوا للمرأة المسنّة التي لا ترجوا النكاح – إضافة إلى ما يجوز للمرأة غير المسنة إظهاره – أن تظهر شعرها وذراعيها، إلاّ أنّه لا يجوز لها التزيّن في الموضع الذي يجوز لها كشفه من بدنها بزينة يحرم على المرأة إظهارها وهي متزينة بها.
ويشترط في لباس المرأة وحجابها إضافة إلى كونه ساتراً للبشرة أن لا يكون زينة في نفسه، وأن لا يظهر مفاتن جسد المرأة بحيث يكون مبرزاً ومجسماً لها.
وهناك تفاصيل أخرى تتعلّق بمسألة حجاب المرأة وسترها مذكورة في الرّسائل العملية وكتب الاستفتاءات للفقهاء على المكلّف أن يرجع إليها فيأخذ فتوى الفقيه الذي يرجع إليه فيها إذا كانت مورد ابتلائه.

3- تحريم كل ما يدعو إلى الفتنة والإغراء

وحرّمت الشريعة الإسلامية كل ما من شأنه أن يدعو إلى الفتنة والإغراء، فحرّمت الاختلاط بين الرجال والنساء إذا كان موجباً للوقوع في الحرام، بل مع الخوف من الوقوع في الحرام، كما حرّمت أيضاً خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية مع عدم الأمن من الفساد، حتى وإن تيسر دخول الغير عليهما، نعم لا بأس به مع الأمن من الفساد تماماً.
وورد في بعض الرّوايات أنَّ الشيطان يستغل فرصة خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية فيبدأ بالوسوسة والتزيين لهما لإيقاعهما في المعصية، فعن النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» قال: (لا يخلونَّ رجل بامرأة، فما من رجل خلا بامرأة إلاّ كان الشيطان ثالثهما) 30.
وعنه «صلى الله عليه وآله» أن إبليس قال لموسى «عليه السلام»: (لا تخل بامرأة لا تحل لك، فإنّه لا يخلو رجل بامرأة لا تحل له إلاّ كنت صاحبه دون أصحابي) 31.
ونهت عن خروج المرأة متعطرة إذا كان ذلك يوجب افتتان الرجال الأجانب ويسبب إثارة لهم، أو كان بداعي إيقاع الرجل في الحرام أو مع خوفها من الوقوع في الحرام فيما لو خرجت كذلك.
وفي الرواية عن الإمام الصادق «عليه السلام» قال: (أيّما امرأة تتطيب ثم خرجت من بيتها فهي تلعن حتى ترجع إلى بيتها متى رجعت) 32.
وعن النبي «صلى الله عليه وآله»: (أيّما امرأة استعطرت فمّرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية) 33.
ونهت أيضاً المرأة عن ترقيق صوتها وتحسينه، بكيفية مهيجة ومثيرة للرجال الأجانب، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴾ 34.
فالخطاب في هذه الآية وإن كان موجهاً إلى زوجات النبي «صلى الله عليه وآله» إلاّ أنّ الحكم فيه عام لكل مسلمة، ففيه أمر لهن باجتناب اسماع أصواتهن المشتملة على ترقيق وتحسين وتهييج للرجال الأجانب حتى لا يطمع الذي في قلبه مرض في من صدر منها الصوت بالارتباط المحرّم بها.
كما ويحرم أيضاً مصافحة المرأة الأجنبية لما في المصافحة من إثارة وتهيج قد تحصل لأحد الطرفين أو كلاهما، فعن النبي المصطفى «صلى الله عليه وآله» قال: (من صافح امرأة حراماً جاء يوم القيامة مغلولاً ثم يؤمر به إلى النّار، ومن فاكه امرأة لا يملكها حبس بكل كلمة تكلمها في الدّنيا ألف عام، والمرأة إذا طاوعت الرجل فالتزمها حراماً أو قبلها أو باشرها حراماً أو فاكهها وأصاب منها فاحشة فعليها من الوزر ما على الرجل)  35 36.
وجوّز الفقهاء المصافحة بشرطين:
الأول: وجود حاجر بين الكفين.
الثاني: عدم الغمز أثناء المصافحة.
واستندوا في ذلك إلى روايات مأثورة عن أهل بيت العصمة «عليهم السلام» منها:
عن الإمام الصادق «عليه السلام» قال: (… فأما المرأة التي يحل له أن يتزوّجها فلا يصافحها إلاّ من وراء الثوب ولا يغمز كفها) 37.
وعنه «عليه السلام» قال: (قلت له: هل يصافح الرجل المرأة ليست بذات محرم؟ فقال: لا إلاّ من وراء الثوب) 37.

من الآثار الدنيوية والأخرويّة للزنا

للزنا آثار سلبية كثيرة أشرنا إلى بعضها خلال هذا البحث، وهناك روايات عن النبي «صلى الله عليه وآله» والأئمة الطاهرين من أهل بيته «عليهم السلام» تذكر جملة من الآثار الوضعية لفاحشة الزنا، والتي تلحق الزاني في هذه الحياة الدنيا، إضافة إلى الآثار في عالم البرزخ وعالم الآخرة، ومنها عن النبي «صلى الله عليه وآله» أنّه قال: (يا علي في الزنا ست خصال، ثلاث منها في الدنيا، وثلاث منها في الآخرة، أما التي في الدنيا فيذهب بالبهاء ويعجل الفناء ويقطع الرزق، وأما التي في الآخرة فسوء الحساب وسخط الرحمان والخلود في النّار) 38.
فهذه الرّواية تشير إلى بعض الآثار الوضعية للزنا فهو يذهب ببهاء الوجه، أي يوثر على نضارة الوجه ونورانيته، وذلك دليل على اتساخ النفس الإنسانية وتكدرها وعدم صفائها، بسبب ممارسة صاحبها لفاحشة الزنا، ويعجل الفناء، أي أنّه يؤدي إلى قصر العمر، فمن ينظر إلى الأمراض الفتاكة التي تنتقل عن طريق الزنا والتي لم يكتشف لها علاج، أو العلاج الذي اكتشف لها لا يؤدي إلى برئها وشفائها تماماً، بل تبقى حتى تقضي على الإنسان يظهر له هذا الأمر جليّاً.
ويقطع الرزق، فهو يؤدي بالزاني إلى الفقر والمسكنة، هذا في الدّنيا، وأمّا في الآخرة فيؤدي إلى سوء الحساب، فالزاني يناقش مناقشة عادلة وعلى كل صغيرة وكبيرة، ولا يتغاضى عن شيء مما فعله من الذنوب، كذلك يؤدي إلى سخط الله سبحانه وتعالى وغضبه على الزاني فالزاني مغضوب عليه، ومن يغضب الله عليه فلا يمكن أن يفلح أبداً، ثم الدخول إلى النّار والبقاء فيها مدّة مديدة طويلة إن مات وهو لم يتب من هذا الجرم العظيم.
وفي رواية أخرى قال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: (إياكم والزنا فإن فيه عشر خصال، نقصان في العقل والدّين والرّزق والعمر، وآفة الهجران، وغضب الرحمان، وهجوم النسيان، وبغض أهل الإيمان، وذهاب ماء الوجه، ورد الدعاء والعبادة) 39.
ومن الآثار الوضعية للزنا كثرة موت الفجأة حسب ما صرّحت به العديد من الرّوايات الشريفة، منها الرّواية المروية عن الإمام الباقر «عليه السلام» التي تصدرنا بها البحث، وكذلك قوله «عليه السلام»: (إذا فشت أربعة ظهرت أربعة؛ إذا فشى الزنا ظهرت الزلازل، وإذا مسكت الزكاة هلكت الماشية، وإذا جارت الحكام في القضاء مسك القطر من السماء، وإذا حقرت الذّمة نصر المشركون على المسلمين، وحقر الذّمة نقض العهد) 39.
فإذا ظهر الزّنا وتفشى وانتشر كثر موت الفجأة، فتزداد في المجتمعات التي تكثر فيها هذه الفاحشة حالات السكتة القلبية أو الدماغية، فيترتب على ذلك أنّ هؤلاء المصابين بالسكتة يموتون فجأة، أو ازدياد حصول حالات الكوارث الطبيعية كالزلازل والصواعق والفيضانات والتي عادة ما تؤدي في أكثر حالاتها إلى موت أعداد من النّاس ليست بالقليلة وبشكل سريع وفجائي.
ومن آثار الزنا على الزاني في عالم البرزخ ما ورد في الرّواية عن النبي «صلى الله عليه وآله» أنّه قال: (… ومن زنى بامرأة يهودية أو نصرانية أو مجوسية أو مسلمة أو أمة أو من كانت من النّاس فتح الله عليه في قبره ثلاثمائة ألف باب من النّار تخرج منها حيات وعقارب وشهب من نار، فهو يحرق إلى يوم القيامة حتى يؤمر به إلى النّار…) 40 41.

  • 1. a. b. القران الكريم: سورة الإسراء (17)، الآية: 32، الصفحة: 285.
  • 2. ومنها بقاء النوع الإنساني.
  • 3. ميزان الحكمة 4/32، برقم: 7844.
  • 4. ميزان الحكمة 4/32، برقم: 7845.
  • 5. القران الكريم: سورة الفرقان (25)، الآيات: 68 – 70، الصفحة: 366.
  • 6. الكبائر، صفحة 83.
  • 7. وسائل الشيعة 15/329.
  • 8. الكافي 5/541.
  • 9. الكافي 5/543.
  • 10. الكافي 5/537.
  • 11. الكافي 2/311.
  • 12. ميزان الحكمة 4/31، برقم: 7840.
  • 13. ميزان الحكمة 4/31، برقم: 7839.
  • 14. a. b. كنز العمال 5/329.
  • 15. من لا يحضره الفقيه 4/18.
  • 16. وسائل الشيعة 20/191.
  • 17. المبسوط 10/153.
  • 18. ميزان الحكمة 4/31، برقم: 7838.
  • 19. مسند أحمد 5/352.
  • 20. القران الكريم: سورة النور (24)، الآية: 30 و 31، الصفحة: 353.
  • 21. المسائل المنتخبة للسيد السيستاني، صفحة 297.
  • 22. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 59، الصفحة: 426.
  • 23. a. b. c. d. e. القران الكريم: سورة النور (24)، الآية: 31، الصفحة: 353.
  • 24. الميزان 15/112.
  • 25. تفسير نور الثقلين 3/593.
  • 26. الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل 11/75.
  • 27. الأمثل 11/67.
  • 28. وهناك من ذهب من الفقهاء إلى وجوب ستر المرأة لوجهها وكفيها، وممن ذهب إلى ذلك السيد الخوئي «قدّس سرّه» لكن وجوب ذلك مبني على الاحتياط الوجوبي لا الفتوى، فقال: (يجب على المرأة ستر ما زاد على الوجه والكفين عن غير الزوج والمحارم، بل يجب عليها ستر الوجه والكفين عن غير الزوج حتى المحارم مع تلذذه، بل عن غير المحارم مطلقاً على الأحوط …) «منهاج الصالحين 2/260».
  • 29. أي إذا خافت من الوقوع في الحرام بسبب إظهارها لوجهها ولكفيها أو كان إظهارها لها بداعي إيقاع الرجل في النظر المحرم لها.
  • 30. دعائم الإسلام 2/214.
  • 31. أمالي الشيخ المفيد صفحة 157.
  • 32. ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، صفحة 259.
  • 33. صحيح ابن حبان 10/270.
  • 34. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 32، الصفحة: 422.
  • 35. ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، صفحة 284.
  • 36. هذه الرواية ناظرة إلى المصافحة المحرّمة التي لا يتوفر فيها الشرطان اللذان ذكرهما الفقهاء والروايات وهما عدم غمز الكفين ووجود حاجز بين الكفين، فهي مقيدة بالروايات التالية.
  • 37. a. b. الكافي 5/526.
  • 38. الخصال، صفحة 321.
  • 39. a. b. لئالئ الأخبار 5/197.
  • 40. ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، ص 282.
  • 41. نقلا عن الموقع الرسمي لسماحة الشيخ حسن عبدالله العجمي حفظه الله.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى