نص الشبهة:
وقال عثمان الخميس: (ألزموا علماءكم بالقول بكفر الطاعنين بالقرآن، كما يلهجون بكفر النواصب لعنهم الله، مع أنّ النواصب كرهوا ونصبوا العداوة لبشر، وهم آل البيت فلماذا لا يكفرون ولا يلعنون من نصب العداوة لكتاب الله؟ فنحن ـ ولله الحمد ـ لا نفرق بين من يطعن بكتاب الله، أو آل البيت أو بأصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلنا منهج واحد في الدفاع عن كل معظم في هذا الدين الحنيف) (من القلب إلى القلب صفحة 15).
الجواب:
أقول:
أولاً: إن الشيعة يخطئون القائل بوقوع التحريف في القرآن المجيد ويعتبرونه مشتبهاً وأنه على غير هدى في قوله هذا ولكنهم لا يكفرونه، لأن القائلين بالتحريف إنّما قالوا به بسبب عروض شبهة لديهم، وذلك لوجود روايات رأؤا أنها صحيحة، وفهموا منها الدلالة على التحريف، وكل من قال قولاً عن شبهة فإنه لا يجوز تكفيره بالإجماع، على أننا لو قلنا بكفر من قال بوقوع التحريف في القرآن بزيادة أو نقيصة فلا بد من الحكم على جماعة من الصحابة بالكفر ـ والعياذ بالله ـ لأن أهل السنة رووا عنهم روايات صحيحة تفيد وقوع النقص أو الزيادة في القرآن الكريم، فإذا كان القول بكفر هؤلاء لقولهم بالنقص أو الزيادة في القرآن لا يمكن المصير إليه، فالقول بكفر غيرهم أيضاً لا يمكن المصير إليه لنفس السبب.
إن القول بوقوع التحريف في القرآن الكريم ليس إنكاراً لضروري من ضروريات الدين، لأن هذه المسألة وقع فيها الاختلاف قديماً وحديثاً، والضروريات من الدين لا اختلاف فيها، وإنّما هي متلقاة عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله بالقطع واليقين، وورود الروايات التي ظاهرها التحريف أدل دليل على ذلك، لأنك لا تجد ضرورياً قد وردت على خلافه روايات كثيرة عند الشيعة والسنة.
بل إنّ منكر الضروري من الدين لشبهة ـ كمنكر الصلاة أو الصوم أو الزكاة أو الحج أو غيرها من ضروريات الدين ـ لا يجوز تكفيره لمكان الشبهة التي أوقعته في هذا الإنكار بل ترفع شبهته وتقام عليه الحجة، فإن أصرّ على الإنكار يكفرّ، أمّا إن كان ما قاله لا ينكر به ضرورياً ـ كالقول بوقوع التحريف في القرآن مثلاً ـ فلا يجوز تكفيره بحال من الأحوال.
يقول المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم: (لا يحسن الإغراق في النيل ممن يذهب للتحريف، فإنهم وإن وقعوا في خطأ فادح إلاّ أنّه خطأ علمي يبتني على الغفلة لا يسقط الحرمة ولا يوجب كفراً، خصوصاً بعد اتفاقهم مع عامة المسلمين على عدم الزيادة وعدم التحريف فيما هو موجود في المصحف الشريف ـ لتواتره أو بلوغه درجة الإعجازـ لما سبق من دعوى الإجماع على عدم الزيادة.
ولذا لم يبلغ الاختلاف ـ بين الشيعة وقسم من السنة من جانب مع القسم الثاني من السنة ـ في جزئية البسملة حدّ الطعن، فضلاً عن التكفير وإسقاط الحرمة، فلا القائل بجزئيتها يكفر القائل بعدم الجزئية لأنه ينقص من القرآن، ولا القائل بعدم الجزئية يكفر القائل بالجزئية لأنه يزيد في القرآن.
كما أنّه نسب لابن مسعود إنكار جزئية المعوذتين من القرآن الشريف، ولم نعهد أنّ أحداً شنّع عليه أو حكم بكفره لو صدقت النسبة المذكورة.
كل ذلك لأن أمثال هذه الخلافات لا تسقط الحرمة ولا توجب الكفر، وكل ما ينبغي في المقام دفع شبهتهم وإيضاح خطئهم حذراً من وقوع الآخرين فيه، مع كمال التثبت والتورّع، فإن الإسلام دين الله تعالى الذي شرّعه لعباده فلا بد أن تؤخذ حدوده وحدود الكفر منه جلّ شأنه، ولا يحل لأحد أن يتسرّع ويطلق الكفر على الآخرين جزافاً لمجرد مخالفتهم له في قناعاته، مهما كانت تلك القناعات، إلاّ أن يبلغ الأمر بالآخرين إلى إنكار أصول الإسلام وحدوده التي جعلها الله تعالى، والله سبحانه وتعالى ولي العصمة) 1.
ثانياً: إن عثمان الخميس يزعم في كلامه السالف أنهم لا يفرّقون بين من يقول بالتحريف ومن ينصب العداء لأهل البيت عليهم السلام ومن يطعن في الصحابة، وهذا غير صحيح، بل العكس هو الصحيح، فتفريقهم بين ظاهر، فهم يمجدّون النواصب مبغضي أهل البيت عليهم السلام ويوثقونهم ويقبلون مروياتهم 2 ويرتضون عن قتلة بعض الصحابة وأعدائهم كترضيهم عن معاوية وعمرو بن العاص وغيرهم ممن قتلوا العديدين من أجلاء الصحابة في الجمل وصفين 3.
- 1. في رحاب العقيدة 1 / 194 ـ 195.
- 2. انظر كتابنا الحصون المنيعة صفحة 84.
- 3. هذا الموضوع رَدُّ على شبهة طرحها عثمان الخميس ضمن مجموعة من الشبهات الأخرى التي أثارها ضد مذهب أهل البيت ( عليهم السلام )، و قد قام سماحة الشيخ عبد الله العجمي بالرد عليها، و هذا الرد هو أحد تلك الردود، هذا و قد نُشرت مجموع هذه الردود في الموقع الرسمي لسماحته.