التاريخ الإسلاميالتعليمالفكر و التاريخالقرآن الكريمالقرآن الكريممقالات

الرحمة بين المؤمنين …

قال الله تعإلى في محكم كتابه ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ … ﴾ 1.
تتحدث هذه الآية الكريمة عن الأوصاف العامة التي تميز جماعة المؤمنين بالإسلام المتبّعين للرسول الأعظم صلى الله عليه وآله بلحاظ نظرتهم إلى بعضهم البعض من جهة، وبلحاظ نظرتهم إلى أعدائهم من جهة أخرى، فتقول إن العلاقة التي تحكم المؤمنين وتنظم شؤونهم هي علاقة الرحمة والمودة التي تجعل من تلك الجماعة كتلة واحدة متراصة لا يفرق وحدتها وتلاحمها شيء طالما أنها تتمسك بتلك الرحمة وسيلة للتواصل والتقارب.

ولا شك أن هذا الوصف يلعب دوراً كبيراً في حياة الأمة الإسلامية أفراداً وجماعات وشعوباً كونه وصفاً متغلغلاً في النفس البشرية ومتفاعلاً في عمق تلك النفس عقلاً وقلباً وإحساساً وشعوراً يجعلهم في أي موقع من مواقع الحياة وفي أي مكان من أمكنة العالم يشعرون بالتقارب وبوحدة الكلمة والموقف والمسار، فإذا وقعت جماعة من المسلمين في مواقع الأذى فلا بد أن ينعكس ذلك أذى عند الجميع، وإذا وفقت جماعة منهم لنصر أو فوز فإن ذلك سوف يشعر الجميع أيضاً بالنصر والعزة والكرامة، وهذا التلاحم على المستوى الشعوري والنفسي لا ينبغي أن يقف عند هذه الحدود، بل ينبغي ان يتخطى ذلك إلى التلاحم العملي الذي يعني أن يضع المسلمون كامل قواهم المادية والمعنوية لنصرة بعضهم البعض وتقوية وضعهم وتحصينه ليكون محل ذلك سداً منيعاً في مواجهة مخططات الأعداء ومؤامراتهم ضد الأمة كلاً أو بعضاً.

ومن جهة أخرى تشير الآية إلى أن المؤمنين بالإسلام ينبغي أن يكونوا أشداء على الكفار، أي أقوياء في مواجهة كل الذين لا يؤمنون بالإسلام، والشدة هنا تشمل كل مصاديقها التي قد يتحقق لها واقع في مسيرة الأمة، فتارة تكون الشدة في الموقف فقط فيما لو حاول الأعداء أن يوقعوا الخلاف بين المؤمنين ليتسللوا بينهم لتفريقهم وتفتيت وحدة كلمتهم، وتارة تكون الشدة في الحرب والقتال ضد الأعداء عندما يشنون الحروب والغارات ضد المسلمين .

فالشدة هذه لا ينبغي أن يتهاون المؤمنون بأمرها في مواجهة الأعداء، لأن مثل هذا التصرف قد يضعف عوامل الربط والوثاق بين هذه الجماعة مما يسمح للأعداء بتمزيق الصفوف عبر إشاعة أجواء الاختلاف والشقاق.

ثم تبين الآية أن منشأ الرحمة بين المؤمنين والشدة تجاه الأعداء هو الارتباط بالله من خلال التواصل بالعبادة والدعاء والابتهال، فهذه الأجواء تزيد المؤمن تمسكاً بدينه وعقيدته، وتزيد من عوامل الرحمة في قلبه تجاه إخوانه من المسلمين، فلا يغفل عن كونه مشترك المصير معهم، فإذا ضعفوا فسوف يتأثر، وإن ربحوا فسوف يربح أيضاً .

ولا شك بأن الله سبحانه عندما يخاطب المسلمين بهذه الحقيقة التي يفترض وجودها بين المسلمين إنما هو من أجل أن تكون واقعاً بينهم ليتحركوا من خلال الرحمة فيما بينهم ليزدادوا تلاحماً وقوة وترابطاً، ومن خلال الشدة مع العدو من أجل إيقافه عند حدوده، ومن أجل تيئيس الأعداء من إمكانية النفوذ إلى الواقع الإسلامي.

ومن خلال الواقع الذي نعيش نشعر بالأسى والأسف للحالة المأساوية التي تعيشها الأمة لأنها تتنافى تماماً مع ما تفرضه الآية من أجواء الرحمة والتلاحم، بسبب الأكثرية من زعماء هذه الأمة الذين يعيشون أجواء الذلة والإستسلام أمام قوى الاستكبار العالمي ويمارسون فعل الشدة والقوة ضد المجاهدين الإسلاميين من أبناء هذه الامة.

ولهذا فإن كل الاسلاميين الذين يعيشون أجواء هذه الآية يؤكدون على حالة التراحم فيما بينهم ليزدادوا قوة وتلاحماً لأنهم الأمل في تغيير واقع هذه الأمة نحو الأجواء السليمة التي تتحدث عنها الآية الكريمة لما في ذلك من عزة ومنعة وكرامة. 2

  • 1. القران الكريم: سورة الفتح (48)، الآية: 29، الصفحة: 515.
  • 2. نُشرت هذه المقالة على الموقع الالكتروني الرسمي لسماحة الشيخ محمد توفيق المقداد بتاريخ: السبت, 15 شباط/فبراير 2014.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى