نص الشبهة:
- هل الرجعة من ضروريات المذهب؟
- هناك من العلماء من يقول بأن القدر المتيقن من الرجعة هو إقامة دولة العدل الإلهي ورجوع الحق إلى أهله. فما هو رأي سماحتكم في ذلك؟
- ما معنى عبارة آل كاشف الغطاء: «أخبار الرجعة لا تساوي عندي فلساً واحداً»؟ فهل تكشف على أنه لا يؤمن بالرجعة؟
الجواب:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . .
بالنسبة للسؤال عن الرجعة نقول:
أولاً: قد ذكرنا بعض ما يرتبط بذلك في كتابنا «مأساة الزهراء (عليها السلام)» 1 .
وما ذكرناه هناك هو ما يلي:
«إن الرجعة ليست من المدركات العقلية، ليحتكم فيها إلى العقل، أو لكي يسأل العقل عنها، بل هي أمر غيبي لا يعرف إلا بالنقل أو الإجماع الكاشف عن إبلاغ المعصوم لهذا الأمر للناس، وإجماع المجمعين ـ كما يقول السيد المرتضى ـ قد كشف لنا عن معرفتهم بهذا الأمر التوقيفي، الذي أخذوه عن المعصومين عليهم السلام.
وإذا كانت الرجعة ثابتة بالأخبار المتواترة، فإن ما ذكرناه من عدم جواز الالتجاء إلى تأويل أخبارها، إلا إذا صادمت الحكم العقلي الفطري، وهي لا تصادمه، قطعاً، غاية ما هناك عجز بعضهم عن إدراك مغزاها، وذلك لا يبرر تأويل أخبارها كما قلنا.
إن هذا الذي ذكرناه جار هنا ولا مجال لإنكاره. وللتدليل على ما ذكرناه من ثبوت الرجعة بالدليل القطعي، نذكر هنا كلام بعض الأعلام.
فنقول:
قال ابن البراج 2، وهو يعدد العقائد الجعفرية:
«يرجع نبينا وأئمتنا المعصومون في زمان المهدي مع جماعة من الأمم السابقة واللاحقة، لإظهار دولتهم وحقهم، وبه قطعت المتواترات من الروايات والآيات».
ويقول السيد عبد الله شبر:
«إعلم أن ثبوت الرجعة مما اجتمعت عليه السنة الحقة والفرقة المحقة، بل هي من ضروريات مذهبهم.
وقال العلامة المجلسي رحمه الله:
«أجمعت الشيعة على ثبوت الرجعة في جميع الأعصار، واشتهرت بهم كالشمس في رابعة النهار، حتى نظمتها في أشعارهم، واحتجوا بها على المخالفين في جميع أمصارهم، وشنع أعداؤهم عليهم في ذلك، وأثبتوه في كتبهم وأسفارهم، منهم الرازي والنيشابوري وغيرهما».
وكيف يشك مؤمن بأحقية الأئمة الأطهار فيما تواترت عنهم في قريب من مائتي حديث صريح، رواها نيف وأربعون من الثقاة العظام والعلماء الأعلام في أزيد من خمسين من مؤلفاتهم، كثقة الإسلام الكليني، والصدوق محمد بن بابويه، والشيخ أبي جعفر الطوسي، والسيد المرتضى، والنجاشي، والكشي، والعياشي، وعلي بن إبراهيم، وسليم الهلالي، والشيخ المفيد، والكراجكي، والنعماني، والصفار، وسعد بن عبد الله، وابن قولويه، وعلي بن عبد الحميد، والسيد علي بن طاوس، وولده صاحب كتاب زوائد الفوائد، ومحمد بن علي بن إبراهيم، وفرات بن إبراهيم، ومؤلف كتاب التنزيل والتحريف، وأبي الفضل الطبرسي ، وأبي طالب الطبرسي، وإبراهيم بن محمد الثقفي ، ومحمد بن العباس بن مروان، والبرقي، وابن شهرآشوب، والحسن بن سليمان، والقطب الراوندي، والعلامة الحلي، والسيد بهاء الدين علي بن عبد الكريم، وأحمد بن داود بن سعيد، والحسن بن علي بن أبي حمزة، والفضل بن شاذان، والشيخ الشهيد محمد بن مكي، والحسين بن حمدان، والحسن بن محمد بن جمهور، والحسن بن محبوب، وجعفر بن محمد بن مالك الكوفي، وطهر بن عبد الله، وشاذان بن جبرئيل، وصاحب كتاب الفضائل، ومؤلف الكتاب العتيق، ومؤلف كتاب الخطب، وغيرهم من مؤلفي الكتب التي عندنا ، ولم نعرف مؤلفه على التعيين.
وإذا لم يكن مثل هذا متواتراً ففي أي شيء دعوى التواتر، مع ما روته كافة الشيعة خلفاً عن سلف؟!
وظني أن من يشك في أمثالها فهو شاك في أئمة الدين، ولا يمكنه إظهار ذلك من بين المؤمنين، فيحتال في تخريب الملة القويمة بإلقاء ما يتسارع إليه عقول المستضعفين ، من استبعادات المتفلسفين، وتشكيكات الملحدين ﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ 3 .
وقد صنف جماعة من القدماء كتباً في حقية الرجعة، فمنهم أحمد بن داود بن سعيد الجرجاني. قال الشيخ في الفهرست: له كتاب المتعة والرجعة، ومنهم الحسن بن علي بن أبي حمزة البطايني، وعد النجاشي من جملة كتبه كتاب الرجعة. ومنهم الفضل بن شاذان النيشابوري، ذكر الشيخ في الفهرست والنجاشي أن له كتابا في إثبات الرجعة ومنهم الصدوق محمد بن علي ابن بابويه، فإنه عد النجاشي من كتبه كتاب الرجعة. ومنهم محمد بن مسعود النجاشي، ذكر النجاشي والشيخ في الفهرست كتابه في الرجعة. ومنهم الحسن بن سليمان وستأتي الرواية عنه.
(أقول) ولذا تضافرت الأخبار عن الأئمة الأطهار (عليهم السلام): ليس منا من لم يؤمن برجعتنا، ففي الفقيه، عن الصادق ( عليه السلام ) قال:
«ليس منّا من لم يؤمن بكرتنا، ويستحل متعتنا» 4 .
والرجعة عبارة عن حشر قوم عند قيام القائم ممن تقدم موتهم من أوليائه وشيعته، ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته، ويبتهجوا بظهور دولته، وقوم من أعدائه، لينتقم منهم، وينالوا بعض ما يستحقونه من العذاب والقتل على أيدي شيعته، وليبتلوا بالذل والخزي بما يشاهدون من علو كلمته.
وهي عندنا تختص بمن محض الإيمان ومحض الكفر، والباقون مسكوت عنهم، كما وردت به النصوص الكثيرة. ويدل على ثبوتها مضافاً إلى الإجماع بل ضرورة المذهب، الكتاب والسنة» 5 انتهى كلام شبر.
ثانياً: إن تأويل آيات، وأحاديث الرجعة، بأن المراد بها رجعة السلطان، يخالف صريح كثير من تلك الروايات والآيات، وهو في الحقيقة إنكار مبطن، بل إنكار صريح للرجعة الثابتة عند الشيعة، فإن كان من يفعل ذلك من العلماء، ولا يظن بمثله عدم الاطلاع على الأدلة ، فإنه يحكم عليه ـ في الظاهر ـ بما يحكم على مخالف ضرورة المذهب.
ثالثاً: بالنسبة لما قاله كاشف الغطاء نقول: إنه أخطأ خطأ ً فاحشاً فيما قاله حول أخبار الرجعة، فصار مصداقاً للقول الذائع: لكل عالم هفوة، ولكل جواد كبوة.
وهفوات الأعلام، ترسخ اليقين بحاجة البشر إلى الهداية الإلهية المتمثلة بالأنبياء والأوصياء صلوات الله عليهم أجمعين.
وأما الحكم عليه بأنه منكر للرجعة، وترتيب أحكام منكرها عليه، فهو غير دقيق، إذ لعله يقول بثبوتها استناداً إلى الآيات الكثيرة التي دلت عليها، أو إلى الإجماع القائم عليها، حسبما أوضحناه فيما سبق، فإن رد الرواية لا يدل على عدم الاعتقاد بمفادها بدليل آخر ..
والحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطاهرين 6 . .
- 1. كتاب مأساة الزهراء ج1 ص 104 / 106 هامش .
- 2. راجع: جواهر الفقه ص250 .
- 3. القران الكريم: سورة الصف (61)، الآية: 8، الصفحة: 552.
- 4. بحار الأنوار ج53 ص92 ، مستدرك البحار ج4 ص90 وج9 ص94 .
- 5. راجع: حق اليقين ج2 ص2 و3 .
- 6. مختصر مفيد . . (أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة)، السيد جعفر مرتضى العاملي، «المجموعة السادسة»، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1424 ـ 2003 ، السؤال (295 و 296 و 297) .