نص الشبهة:
ويقولون: إنه بعد أن بدأ المسلمون بالهجرة إلى المدينة، وأخبر النبي «صلى الله عليه وآله» أبا بكر: أنه يرجو أن يؤذن له، حبس نفسه على رسول الله «صلى الله عليه وآله»، واشترى راحلتين بثمانمائة درهم ـ وكان أبو بكر رجلاً ذا مال ـ وعلفهما ورق السمر، أو الخبط أربعة أشهر (راجع: وفاء الوفاء ج1 ص237، والثقات لابن حبان ج1 ص117 والمصنف لعبد الرزاق ج5 ص387 وغير ذلك كثير، وعن كون أبي بكر رجلاً ذا مال راجع: سيرة ابن هشام ج1 ص128.)، أو ستة أشهر (نور الأبصار ص16 عن: الجمل على الهمزية، وعن كنز العمال ج8 ص334 عن البغوي بسند حسن عن عائشة.)، على اختلاف النقل. ولما أراد «صلى الله عليه وآله» الهجرة عرض أبو بكر الراحلتين على الرسول «صلى الله عليه وآله»؛ فأبى أن يقبلهما إلا بثمن.
الجواب:
وإذا أغمضنا النظر عما يظهر من النص السابق من أن الهدف هو إظهار أبي بكر على أنه متفضل على النبي «صلى الله عليه وآله»، فإننا نقول: إن ذلك لا يصح، وذلك لما يلي:
1 ـ إن علفه للراحلتين أربعة أشهر أو ستة غير معقول؛ لأن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أمر أصحابه بالهجرة قبل هجرته هو «صلى الله عليه وآله» بثلاثة أشهر فقط، بل يقول البعض: إن ذلك كان قبل هجرته بشهرين ونصف على التحرير 1.<img alt="” src=”http://islam4u.com/sites/all/modules/wysiwyg/plugins/break/images/spacer.gif”>بل يقول البعض إن بيعة العقبة قد كانت قبل الهجرة بشهرين وليال 2.
وقد أمر «صلى الله عليه وآله» أصحابه بالهجرة بعد بيعة العقبة، كما هو معلوم؛ فكيف يكون أبو بكر قد علف الراحلتين أربعة، أو ستة أشهر، بعد أمره «صلى الله عليه وآله» لأصحابه بالهجرة؟!.
وأما تخيل أن يكون أبو بكر قد عرف بنية النبي «صلى الله عليه وآله» في هذا المجال، قبل أن يصدر منه «صلى الله عليه وآله» الأمر بالهجرة فليس له ما يؤيده لا من عقل ولا من نقل، سوى هذا النص الذي هو موضع البحث.
بالإضافة إلى أن الاذن بالهجرة إنما كان بعد بيعة العقبة كما تقدم.
2 ـ إن ثمة نصاً يقول: إن أمير المؤمنين «عليه السلام» قد اشترى للنبي «صلى الله عليه وآله» ثلاثاً من الإبل، واستأجر الأريقط بن عبد الله، وأرسل الإبل معه إلى النبي «صلى الله عليه وآله» ليلة الخروج من الغار 3.
فلعله اشترى الإبل من أبي بكر، واستلمها وأرسلها إلى النبي «صلى الله عليه وآله» مع الأريقط.
ما هي الحقيقة؟!
والحقيقة هي: أنهم لما رأوا: أنه «صلى الله عليه وآله» لم يقبل الراحلتين من أبي بكر إلا بالثمن، ورأوا في ذلك تضعيفاً للخليفة الأول، وفي مقابل ذلك هم يرون: أن علياً يبذل نفسه في سبيل الله، وتنزل في حقه الآيات، عوضوا أبا بكر عن ذلك بأنه قد علف الراحلتين هذه المدة الطويلة.
وبعدما تقدم نقول: إن شراء الرسول للراحلتين، أو شراء أمير المؤمنين للرواحل يبين: أن أبا بكر قد هاجر على نفقة الرسول «صلى الله عليه وآله»، وليس على نفقة نفسه 4.
- 1. فتح الباري ج7 ص183 و 177 والسيرة الحلبية ج2 ص25 و 55 عنه.
- 2. سيرة مغلطاي ص32 وفتح الباري ج7 ص177 وراجع الثقات لابن حبان ج1 ص113 وغير ذلك.
- 3. ترجمة الإمام علي «عليه السلام» من تاريخ ابن عساكر بتحقيق المحمودي ج1ص138 والدر المنثور، وتيسير المطالب ص75 لكن فيه: أنه قد استأجر الرواحل الثلاث.
- 4. الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه و آله)، سماحة العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الخامسة، سنة 2005 م. ـ 1426 هـ. ق، الجزء الرابع.