عندما نتساءل عن موقع وحضور جامعتنا في حياتنا الفكرية والثقافية، ومدى مساهمتها في صياغة وتشكيل مشهدنا الثقافي والفكري والنقدي، وما هو العطاء الثقافي والفكري والنقدي القادم لنا من هذه الجامعات؟ وما هو المنجز الثقافي الفعلي لهذه الجامعات؟
فإن بالتأكيد هذه ليست أول مرة تطرح فيها هذه التساؤلات، ولن تكون قطعاً الأسئلة الأخيرة أو النهائية التي تواجه بها الجامعات. وعامل الزمن هو الذي يختلف في كل مرة تطرح فيها هذه الحزمة من التساؤلات، ويكشف هذا العامل في كل مرة عن طبيعة مستويات الوعي والإدراك في طريقة تصور هذه التساؤلات، وطريقة التعاطي معها، تقدماً أو تراجعاً، صعوداً أو هبوطاً. بمعنى أن تقدم عامل الزمن وتعاقبه ليس بالضرورة هو الذي يرفع مستويات وعينا وإدراكنا لهذه التساؤلات.
ولا أعلم على وجه التحديد ما هي طبيعة وجهات النظر حول هذه التساؤلات، من داخل الجامعات وخارجها، وفيما إذا كانت وجهات النظر هذه ثابتة أو متغيرة، قطعية أو ظنية، وقد تتعدد وجهات النظر حولها، وتختلف وتتباين، ولا ضرر في ذلك، وهذا أمر يقع دائماً، ومن السهولة تقبله والتكيف معه. لكن الراجح في وجهات النظر هذه، أنها تميل إلى توجيه النقد للجامعات، وتحميلها قدراً من التقصير في هذا الشأن.
وتنطلق هذه التساؤلات من خلفية أن الجامعات وثيقة الصلة بالثقافة، وهذا الأمر لا جدل ولا خلاف عليه، قديماً وحديثاً، وبين مختلف الأمم والثقافات، بوصف أن الجامعات تمثل مجتمع المثقفين وأهل العلم، وتلعب دور العقل في حركة المجتمع، وتصور على أنها منبع الحكمة والتنوير والعقلانية، ومنها تصدر الآراء والمواقف الجريئة والشجاعة. ولا تذكر الجامعات إلا بهذه الأوصاف والأدوار، التي يظهر عليها المبالغة في التوصيف والتبجيل، لكنه تبجيل في مكانه، وبإمكان الجامعات أن تنهض بهذه الأدوار وغيرها، وقد نهضت بها فعلاً في بعض المجتمعات، وما زالت تنهض بها في مجتمعات أخرى. ومن الكلمات المعبرة التي تنقل عن الملك هنري الثامن في بريطانيا قوله: (أجزم بأنه ليس ثمة بقعة من أرض بريطانيا، قد أكرمت من تلك التي أعطيت للجامعات، فمن خلال رعايتها ستحكم أرضنا جيداً حتى بعد موتنا).
وهذا يعني أن الدور الثقافي للجامعات يمثل دوراً حيوياً، يضع الجامعات في مركز الفعل الثقافي المستدام، وفي إنماء وتجديد البناء الثقافي للمجتمع، ورفد هذا البناء بالمعارف والأفكار الحديثة والمعاصرة، إلى جانب تعزيز قيم العقلانية والتنوير وحب المعرفة وطلب العلم في ثقافة المجتمع.
وجامعاتنا من جهتها لا أظن أنها بعيدة عن إدراك هذه التساؤلات المطروحة، أو أنها تجهل دورها الثقافي، وبحاجة إلى من يذكرها به، ويكفي معرفة أن في عام 2000م، كان شعار أسبوع الجامعة والمجتمع الرابع، الذي نظمته جامعة الملك سعود، هو: (الجامعة والثقافة) وذلك تزامناً مع مناسبة اختيار الرياض عاصمة للثقافة العربية.
وما نريد قوله تحديداً في هذا الشأن، هو أين دور كليات اللغة العربية والآداب والعلوم الاجتماعية والإنسانية في حركة الفعل الثقافي في حياتنا ومشهدنا الفكري والنقدي؟ وأين هي المجلات الفكرية والنقدية المحكمة والمتخصصة التي يفترض أن تصدر عن هذه الكليات؟ وأين هي الدراسات والبحوث والتقارير التي كنا بأمس الحاجة إلى صدورها من هذه الكليات؟ وأين هي مراكز البحوث والدراسات والجمعيات الثقافية والمعرفية والإنسانية في هذه الجامعات؟ وأين هي المؤتمرات والندوات والحلقات الفكرية والثقافية التي كان لا ينبغي أن تتوقف أو تنقطع في هذه الجامعات؟
نحن نعلم بوجود بعض النشاطات المهمة التي تنهض بها بعض الجامعات، لكن هذه النشاطات بالتأكيد ليست كافية، ولا تلبي ما نطمح إليه، أو ما يفترض أن تطمح إليه الجامعات نفسها، بما لديها من طاقات وقدرات وخبرات.
هذه التساؤلات نطرحها لأننا نبحث عن اليقظة والحياة في جامعاتنا، وفي مشهدنا الثقافي1.
- 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ الأربعاء / 19 يوليو 2006م، العدد 14571.