مقالات

الدعوى المصدَّقة أو التي هي ـ وحدَها ـ دليلُ الصِّدق

بسم الله الرحمن الرحيم

بقلم: زكريَّا بركات

قد تكون الدعوى لوحدها ـ وفي حدِّ ذاتها ـ دليلاً على صدق المدَّعي، أو كافية لوحدها في تصديق صاحب الدعوى، وذلك لضميمة مُعطًى ما إلى الدعوى لا يتكفَّل به صاحب الدعوى.. وهذا البحث مهم جدًّا ؛ لأنه يساعد في فهم مسار الاستدلال وما يقصده العلماء في بعض البحوث العقائدية، ولذلك نوضِّحه من خلال مثالين:

المثال الأوَّل مثال رؤية الهلال في أوَّل ليلة من الشهر:
نفترض أننا قمنا بعملية البحث والتفكير في مرحلتين: في المرحلة الأولى من البحث قمنا بدراسة مدى إمكانية رؤية الهلال.. هل الرؤية ممكنة؟ أم هي صعبة؟ أم هي مستحيلة؟ أم هي سهلة؟ فمن خلال المعطيات الفلكية بالإضافة إلى تجارب الرصد، تبين لنا أن رؤية الهلال سهلة جداً..

بعد ذلك خرج فريقان للاستهلال.. الفريق ( أ ) والفريق (ب)
، وبعد انتهاء الفريقين من عملية الاستهلال رجعا إلينا بالنتيجة التالية:

قال الفريق ( أ ) : لقد كانت السماء صافية، وكل الفريق استطاع رؤية الهلال بوضوح بكل سهولة.

بينما قال الفريق (ب) : لقد كانت السماء صافية، ولكن أحداً من الفريق لم يتمكن من رؤية الهلال..!

الآن نحن نقوم بالتفكير في المرحلة الثانية..

تذكروا جيداً: كانت نتيجة المرحلة الأولى أن الهلال سهل الرؤية جداً..

الآن ونحن نفكر في المرحلة الثانية، ونجد أن الفريق ( أ ) يدعي الرؤية، بينما الفريق (ب) يدعي عدم الرؤية، ما الذي نفهمه في ضوء معطى المرحلة الأولى الذي يقول: إن رؤية الهلال سهلة؟
علماً أن كلا الفريقين يقول إن السماء كانت صافية، وعلماً أن كلا الفريقين كانا في المنطقة نفسها..!

هنا سيُلقي معطى المرحلة الأولى الضوءَ على التفكير في المرحلة الثانية، وسيبدو ادعاء الرؤية ليس مجرد ادعاء، بل سيكون الادعاءُ ـ هنا ـ دليلاً على الصدق ببركة ما نمتلكه في المرحلة الأولى من معطى.. بينما سيكون المنكر للرؤية هو المتهم، وسننظر إلى الفريق (ب) بنظر الريبة والدهشة ونشعر أنهم يكذبون علينا..

وهكذا نفهم كيف أن إنجاز البحث في المرحلة الأولى وما حصلنا عليه من معطى، ساعدنا على التمييز بين الصادق والكاذب في المرحلة الثانية. وأصبح مدعي الرؤية مصدَّقاً، وادِّعاؤه الرؤية دليلاً على صدقه.

المثال الثاني: مثال العثور على شيء ضاع من صاحبه.. بالتوضيح التالي:
افترض أنني وجدتُ قلماً في الغرفة. وقمت بالبحث عن صاحب القلم في مرحلتين:

في المرحلة الأولى فكَّرتُ وأيقنتُ أنَّ القلم ليس لي، كما عرفت ـ بالسؤال والبحث ـ أنه لم يدخل الغرفة إلَّا اثنان: محمد وعلي، وتيقَّنتُ أن مالك القلم هو أحدهما.
في المرحلة الثانية: وجَّهتُ السؤال إلى محمد وعلي، فقال لي محمد: القلم ليس لي، وقال علي: القلم لي.

في هذه الحالة: هل يلزم أن أطلب من علي الدليل والشاهد على صحة دعواه؟
أم سيكون مجرد ادعائه مصدَّقاً. (هذا هو الخيار الصحيح) .

نعم؛ سيكون مجرد ادعائه لملكية القلم مصدَّقاً قطعاً؛ لأنه هو الاحتمال الوحيد المتبقي، ولا يوجد أي احتمال أن يكون مالك القلم غيره نظراً إلى نتيجة المرحلة الأولى.
هذا المثال ـ أيضاً ـ يبيِّن لنا أن الدعوى تكون مصدقة في نظر العقل نظراً إلى إنجازنا لبحثٍ ما في مرحلة سابقة.

بعد اتِّضاح الفكرة من خلال المثالين؛ نستطيع تطبيق الفكرة بسهولة على موضوع النص الذي ترويه الإمامية في تعريف أسماء الأئمة وأشخاصهم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن روايتهم للنص هو دليل في حدِّ ذاته على صدقهم ولزوم تصديقهم، ودليل على أن من يكذبهم لم يفهم فكرة الدعوى المصدَّقة التي شرحناها في هذا المقال من خلال المثالين، بل الجهل بالنص ـ فضلاً عن التكذيب ـ دليل على أن غير الإمامية قد جانبوا الحقَّ وحادوا عن الصواب.. وبيان ذلك تم سابقاً ـ باختصار ـ في موضوع تحت عنوان “ضرورة النص الدِّيني”.

والحمد لله ربِّ العالمين.

https://chat.whatsapp.com/Ip9Ybjmpvt50fxj9uMMmac

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى