قال الله تعالى في محكم كتابه: ﴿ … ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ … ﴾ 1، وقال أيضاً: ﴿ … إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ 1، وقال المفسّرون لهذه الآية أنّ المراد هو الإمتناع عن الدعاء تجبّراً وتكبّراً أنّ هذا موجب لدخول النار، لأنّ الذي لا يدعو الله من باب تكبّره واستعلائه يشعر بأنّه مستغنٍ بنفسه عن الفيض الإلهي الذي بدونه لا يمكن أن يستمر الإنسان لحظة في هذه الحياة وله العقاب المخزي يوم القيامة.
ولا شكّ أنّ إنكار أهمية الدعاء في حياة الإنسان المسلم إمّا أن يكون ناتجاً عن جهل أو تقصير أو قصور أو عن تكبّر واستعلاء، وفي كلّ هذه الحالات يكون الإنسان قد فوّت على نفسه فرصة التواصل مع الله عزّ وجلّ، مع أنّه لو نظرنا إلى الروايات لعرفنا قيمة الدعاء كما في الحديث المعروف:(الدعاء مخّ العبادة)و (الدعاء سلاح المؤمن).
وممّا لا ريب فيه أنّ علياً (عليه السلام) وهو أعلم الناس بالوحي الإلهي بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعلم ما للدعاء من الأهمية المعنوية والروحية وما له من تأثير في نفسية المسلم حيث يشيع الدعاء فيها أماناً وسلاماً واطمئنانأً، لأنّ المسلم من خلال الدعاء يشعر بأنّه على تواصل مع القدرة الإلهية الأزلية التي تنظر إلى الداعي بعين الرضا والقبول الذي يضيف على حياة المسلم الداعي عنصر الثقة بالله والركون إليه في كلّ الأمور سواء أكانت من نوع الإبتلاءات أو المكتسبات حيث يتضرّع عند الشدائد إلى الله ليفرّج عنه همومه وغمومه، ويدعوه شكراً عند الحصول على النعمة.
وقد كان الإمام علي (عليه السلام) من أكثر الناس دعاءً وابتهالاً إلى الله لعلمه بأنّ ذلك جزءٌ لا يتجزّأ من العبادة، وأنّ العبادة بدونه تكون ناقصة لفقدها العنصر الذي يعطي العبادة نكهة مميزة ويضفي عليها رونقاً وجمالاً ويجعلها أكثر قرباً للقبول عند الله عزّ وجلّ.
لذلك نجد أنّ الوارد عن الإمام علي (عليه السلام) من الدعاء الذي كان يدعو به ربه يحتوي على المضامين العالية والمعاني العميقة والأبعاد العملية التي تبيّن أنّ الإمام علياً كان يعطي الدعاء مساحة مهمة في برنامج عبادته، فمن دعاء كميل الذي يعتبر من أروع أنواع التضرّع إلى الله والإرتباط به نظراً لما يشتمل عليه من الإعتراف بالقدرة المطلقة لله عزّ وجلّ و وتقديس مقام الربوبية وذكر المواصفات الرحمانية التي يرحم الله بها عباده،ثمّ الإبتهال إلى الله بغفران الذنوب، والطلب إليه بالعبارات اللائقة بالمقام الإلهي لإعطاء الداعي القدرة على القيام بالعمل الصالح الذي يزيد من رصيد المؤمن يوم القيامة يوم الفقر والفاقة إلى رحمة الله ومغفرته ورضوانه، كما يحتوي ذلك الدعاء الجليل على قبول الدعاء وترتيب الآثار عليه بشكلٍ يظهر في حياة الإنسان الملتزم.
ونلحظ أهمية الدعاء في نظر الإمام علي (عليه السلام) في دعاء الصباح والمساء الذي يحتوي على برنامج مفصل يمكن للملتزم لو التزمه أن يعيش مع ربّه في كلّ ساعات الليل والنهار، حيث يبدأ من بيان القدرة الإلهية على إخراج النهار من عتمة الليل، وصولا ً إلى الطلب من الله بالقيام بالعمل الصالح والإجتناب عن الفعل الحرام، وأن يختم يومه بما يكون مرضياً لله عزّ وجلّ.
ولا شكّ أنّ الدعاء يكون مستجاباً مع توافر شروط من الإيمان واليقين والثقة بأنّ الله سوف يستجيب لدعاء الداعين وتوسلهم إليه وإن تأخرت لسببٍ أو لآخر كما قال الإمام زين العابدين: (ولعلّ الذي أبطأ عني_ استجابة الدعاء_ هو خيرٌ لي لعلمه بعاقبة الأمور).
من هنا ينبغي على المؤمنين الملتزمين المواظبة على الدعاء خصوصاً في أشهر الفضيلة والرحمة (رجب، شعبان، وشهر رمضان) لما لها من القيمة المعنوية عند الله خصوصاً المناجاة الشعبانية الواردة عن الإمام علي (عليه السلام) وأدعية شهر رمضان المبارك، فضلاً عن أدعية شهر رجب الأصب. والحمد لله ربّ العالمين2.