نص الشبهة:
بسم الله الرحمن الرحيم بعد الصلاة على أشرف الخلق وأفضلهم محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين..
في موضوع خلق الخلق بأكمله، هل المولى جلّ وعلا شأنه محتاج إلى التدخل بكل تفصيلاته بصورة مباشرة، أي تكون بيده «كتعبير مجازي» دون وكيل؟!.. إذ لا يليق هذا الأمر بغير الله جلّ وعلا شأنه.. أم أنه قد أوكل هذا الأمر إلى محمد وآل بيته عليهم أفضل الصلاة والسلام؟!.. دون أن تنفي هذه الوكالة عنه أنه صاحب الفعل أي خالق الخلق لأنه قد تم بأمره.. مثلا إن الله هو المميت، لكن ملك الموت هو الموكل من قبل الله جلّ وعلا شأنه، وهذه الوكالة لا تنفي عن الله أنه صاحب الأمر إذ لا سلطة لملك الموت دون إرادة الله. فهل نستطيع بهذه المقارنة أن نستدل على أن المولى جلّ وعلا شأنه قد أوكل خلق الخلق إلى أحب عباده، محمد وآله صلوات الله عليهم، دون أن تنزع عنه هذه الوكالة صفة الخالق لأنه صاحب الإرادة؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
وبعد..
فإن الله عز وجل، غني عن خلقه، قادر على كل شيء.. ولا يحتاج الله سبحانه إلى شيء، فلا يصح قولكم: هل يحتاج الله في خلق الخلق إلى التدخل في كل تفصيلاته بصورة مباشرة، بحيث يكون هو المباشر للخلق، فإن الجواب هو: لا، بل إن الأمر في ذلك إليه سبحانه، وليس هناك ما يحتم على الله سبحانه أي شيء..
ولكن المهم هو أن يكون هناك دليل على أن الله سبحانه قد أذن لأحد من خلقه بأن يمارس أمر الخلق والرزق.. كما أذن لملك الموت بقبض أرواح البشر. وكما أذن للمدبرات أمراً بالتدبير في بعض المجالات.. وكما أذن للنبي عيسى (عليه السلام) بأن يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص..
وقد قال الله تعالى، حكاية عن النبي عيسى(عليه السلام): ﴿ … أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ … ﴾ 1.
وقال تعالى مخاطباً للنبي عيسى (عليه السلام): ﴿ … وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي … ﴾ 2.
فترى أنه (عليه السلام) قد نسب الخلق إلى نفسه، فقال: ﴿ … أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ … ﴾ 1… وقد نسبه الله سبحانه إلى غيره في مورد آخر، كما يشعر به قوله تعالى: ﴿… فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ 3.
وحين يأذن الله لملك الموت بقبض الأرواح، فإن الأمر لا يكون من باب التوكيل له على نحو يكون هناك استقلالية للوكيل في الفعل والإيجاد، بل دور الملائكة في التدبير، كما يقول العلامة الطباطبائي، هو أنه حين تتنازع الأسباب في الأشياء وجوداً وعدماً وبقاء وزوالاً، وفي مختلف أحوالها. فإن الملك يقرب بعض تلك الأسباب، لتكون هي في موقع التأثير، وفقاً للحكمة، واستجابة للإرادة الإلهية فيقع ما أراده الله سبحانه 4..
وبالنسبة للنبي عيسى (عليه السلام) أو لغيره، فإن ملك الموت لا يحقق الموت بذاته، كما أن النبي عيسى (عليه السلام) لا يخلق الأشياء بذاته، بل إن الله سبحانه هو الذي يفيض عليها الوجود، فإرادة النبي عيسى [عليه السلام]، هي من مبادئ الإرادة الإلهية..
وفي جميع الأحوال نقول: إنه إن كان تعالى قد أوكل أمر الخلق إلى محمد (صلى الله عليه وآله) وآل محمد (عليهم السلام)، فلا بد أن يكون على هذا السبيل، ولكن المهم هو أن يوجد الدليل القاطع الدال على هذا الأمر، ولا نجد فيما بين أيدينا ما يمكن الاعتماد عليه في إثبات ذلك..
والحمد لله والصلاة والسلام على محمد وآله 5..
- 1. a. b. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 49، الصفحة: 56.
- 2. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 110، الصفحة: 126.
- 3. القران الكريم: سورة المؤمنون (23)، الآية: 14، الصفحة: 342.
- 4. راجع: تفسير الميزان ج20 ص181 و182.
- 5. مختصر مفيد.. (أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة)، السيد جعفر مرتضى العاملي، «المجموعة الرابعة»، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1423 ـ 2002، السؤال (188).