تعني الخلافة نيابة الرسول (صلى الله عليه و آله و سلم) عند غيابه في إدارة شؤون المسلمين، و يجعل أغلب علماء السنة الخلافة منزلة الإمامة، و الخليفة إمام کما ان الإمام خليفة.
يقول ابن خلدون: “و قد بيّنا حقيقة هذا المذهب نيابة عن صاحب الشريعة في حفظ الدين و سياسة الدنيا به تسمي خلافة و إمامة و القائم به خليفة و إماما ً فأمّا تسميته إماما ً فتشبيها ً بإمام الصلاة في اتباعه و الاقتداء به”1.
و بالطبع فإن هذا لا يستوعب بشکل کامل معني الإمامة بأبعادها الحقيقية.
فالإمام من يجسّد عمله قوله، لا أن ينوب أحدهم النبي في إدارة أمور المسلمين عند غيابه حتى لو لم يطابق قوله عمله؛ لأن الخلافة تعني نيابة النبي (صلي الله عليه و آله و سلم).
ونحن لا نبحث هنا شروط الخلافة و مواصفات الخليفة بقدر ما نريد أن نحدد معنى الإمامة و الخلافة.
و على هذا فإن الخلافة و الإمامة تختلفان في المعنى، فقد يتحقق معناهما في فرد ما. فمثلا ً لو انتخب النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) صحابيا ً ما و جعله خليفة له و سلّمه زمام الأمور سياسيا و اجتماعيا ً في الحفاظ على الشريعة و الدين، فإن شخصا ً کهذا سيکون إماماً و خليفة في آن واحد، لإنّه أمين على الشريعة و منفّذ له.
و ربّّّما يصبح خليفة للنبي و لکنّه ليس بإمام، وهذا ما أشار اليه القرآن الکريم في قوله تعالى مخاطبا ًسيّدنا إبراهيم (عليه السلام): ﴿ … إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا … ﴾ 2. فلقد كان نبيا و رسولاً، کما أن فردا ً ما قد تتحقق فيه أحکام الشريعة و تتمثل فيه الرسالة و کانت سيرته کما يرسمها الدين، ويقتدي به المؤمنون و يتخذون من فعله و قوله و تقريره سنّة لهم، فيکون(ذلك الشخص) إماما ً في الإطار اللغوي، و لکنه ليس خليفة.
وقد تکون خلافة أحدهم صادقة و لکن لا إمامة له، فمثلاً: لو استخلف النبي صحابياً و أوکل إليه إنجاز سلسلة من الأعمال المحدّدة يقوم بها أثناء غيابه، فيمکن أن نسمّي هذا الشخص خليفة و لکنه ليس بإمام يقتدي به الناس في کلّّ شؤونهم. و لو أن أفراد الامّة انتخبوا من بينهم فردا يقوم مقام النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) و أوكلوا إليه إدارة الامور فيمکنهم أن يسمّوه خليفة للنبي (صلى الله عليه و آله و سلم) و هو أمر ينسجم مع معطيات المعنى اللغوي لمفهوم الخلافة، و لکن أن يکون إماما ً فلا؛ لإنّه لا يجسّد معاني الإمامة.
و على کلّّ حال، فإن مصطلح الإمام إنما يطلق على شخص تکون له النيابة العامة في قيادة الناس، و لا يوجد ما يقيّده في ذلك و على جميع المستويات.
قال الإمام الرضا معرفا ً الإمامة: “هل يعرفون قدر الإمامة و محلها من الامّّة فيجوز فيها اختيارهم؟”… إن الإمامة منزلة خصّ الله بها إبراهيم الخليل (عليه السلام) بعد النبوّة و الخلّة مرتبة ثالثة، و فضيلة شرّفه بها و أشاد بها ذکره، فقال عزوجل:﴿ وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا … ﴾ 2فقال الخليل سرورا ً بها:﴿ … وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾ 2، فأبطلت هذه الآية إمامة کلّّ ظالم الي يوم القيامة، و أبقتها في الصفوة”3.
و يقول (عليه السلام): “ان الإمام زمام الدين و نظام المسلمين و صلاح الدنيا و عزّ المؤمنين”45.
- 1. مقدمة ابن خلدون: ص191.
- 2. a. b. c. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 124، الصفحة: 19.
- 3. أصول الکافي: ج 1ص199.
- 4. المصدر السابق: ص200.
- 5. من کتاب دراسة عامة في الامامة.