الضعيف هو المحبوب في مجتمعنا، لأنه خاضع مستجيب خانع، لا يكلف من يأمره جهدا، ولا يتطلب منه إرهاقا كثيرا، فهو ينبعث إلى الفعل أو الترك تلقائيا، لا يجادل ولا يحاور ولا يرسم حدودا فاصلة بين ما له وما عليه.
هكذا يحب المدير من معه في عمله، ويرغب الأب في أولاده، ويطمع المعلم في تلامذته، ويتأمل كل أرباب العمل في رجالهم وفي اليد العاملة التي تنتظر عطفهم، والحالة سيّالة وسارية في كل شيء إلى أن تصل إلى الزوج مع زوجته.
الزوجة الضعيفة أمام زوجها هي المرغوبة وهي المحبوبة، وفي كثير من الأحيان هي المطلوبة، وكثيرا ما نسمع وصفا يقدم للشباب الباحثين عن شريكة الحياة، بأن فلانة طيبة جدا حتى أنها لا تهش الذباب عن وجهها.
وإذ يلعب الحظ دوره لترجح كفة المرأة الضعيفة في الزواج، فإنه لا يحالف الزوجة القوية في شخصيتها، والواضحة في منطقها، والثابتة على رأيها، التي تطالب بحقوقها، وتناقش في المشتركات العائلية بينها وبين زوجها، التي تدلي برأيها وموقفها ومقترحاتها في الأمور المصيرية والمؤثرة في حياتها وحياة أسرتها، لأن قوة شخصيتها في أغلب الأحيان تكون سببا رئيسا في المشاكل التي تستفحل بينها وبين زوجها.
لقد لاحظت في بعض الجاليات العربية والإسلامية التي تعيش في بلاد الاغتراب سنين طويلة، وتتناسل منها أجيال متعاقبة، أن شبابها إذا ما وصلوا إلى سن الزواج فإنهم يتجهون إلى بلادهم الأصل، وإلى ضيعهم بحثا عن شريكة حياة يرون فيما يرونه فيها أنها أقل قوة في شخصيتها من تلك التي تربت في بلاد الاغتراب، وألفت عقليته وطريقته في البحث عن الاقتناع أولا ثم التنفيذ، وفي الاصرار على الشراكة في القرار.
كذلك لفتت انتباهي في ـ مناطقنا ـ أجوبة بعض الأزواج الذين ينفتحون معي في بعض مشاكلهم مع زوجاتهم عن سبب التشنج السائد والكر والفر بينهما. فقد كان جوابهم جواب الواثق بأنهم يحبون زوجاتهم لكنهم يكرهون ((مراددتهم)) ويقولون: إنها ((ترادد)) في كل شيء، ومقصودهم من هذه الكلمة أنها تناقش وتجادل وتبحث عن القناعة فيما يرتبط بشؤون العائلة والأسرة، ولا تندفع للتنفيذ إلا بعد تعب القلب وجفاف الحلق.
لقد أعطت تطورات الحياة استقلالا وقوة إضافية للمرأة، انعكست على حياتها بشكل طبيعي، وغيرت بعض طباعها، ومكنتها من تحريك عقلها، وانطلاق لسانها وثبات شخصيتها.
فبينما كانت المرأة بحاجة إلى رجل يوفر لها الأمن والأمان في الزمن الغابر، لأنه قوي وقادر على حمايتها من الاختطاف والغارات والحروب، وبينما كانت المرأة بحاجة إلى من يطعمها الرغيف، ويأويها من حر الشمس وسطوة البرد، وبينما كانت تلك الأمور وغيرها تعمل وتقوى على إخضاعها بأي ثمن، وإن خرج عن الضابط الشرعي والقانون الأخلاقي، أصبحت المرأة اليوم في وضعية أمنت لها قسما كبيرا من تلك المخاوف.
أقول: إن المرأة قويت بعيدا عن كيفية استخدامها قوتها الجديدة، وتعاملها معها، وتفعيلها مصلحتها ومصلحة علاقتها بشريك حياتها أو تفعيلها في الضد من ذلك.
إن عدم ادراك هذه الحقيقة المتغيرة في حياة المرأة يسبب الكثير من الأزمات، ويفوت الكثير من المصالح الأسرية، التي يجب أن تبنى على هذا التغير الذي حصل في حياة المرأة، وأستطيع القول: إن الحاجات بين المرأة والرجل قد تساوت تقريبا، فما يحتاجه الرجل من المرأة تحتاجه المرأة من الرجل ﴿ … هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ … ﴾ 1، والكثير من الحاجات الزائدة التي كانت المرأة بحاجة لها من طرف الرجل قد انتهت، وتمكنت المرأة من توفيرها في استقلال تام عن الرجل، إما بجهدها الخالص أو بسبب القوانين المتقدمة التي يصب قسم كبير منها لصالحها.
هذا هو الوضع الجديد، الذي يبدو في تصاعد لصالح المرأة ـ أحيانا ـ فهل نقبل التعامل معها مع الاعتراف بقوتها ووضعها الجديد؟ أم مازلنا نصر ونتمنى أن تبقى في الضعف الذي كانت فيه؟ ستكون الإجابة خلال المقال المقبل بإذن الله2.
- 1. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 187، الصفحة: 29.
- 2. نقلا عن الموقع الرسمي لسماحة الشيخ حسن الصفار حفظه الله_ صحيفة اليوم 18 / 10 / 2008م.