تقدم عمر بن سعد نحو عسكر الحسين و رمى بسهم و قال اشهدوا لي عند الأمير أني أول من رمى ، ثم رمى الناس «1» فلم يبق من أصحاب الحسين أحد إلا اصابه من سهامهم «2» فقال عليه السّلام لأصحابه: قوموا رحمكم اللّه إلى الموت الذي لا بد منه، فإنّ هذه السهام رسل القوم إليكم. فحمل أصحابه حملة واحدة «3» و اقتتلوا ساعة فما انجلت الغبرة إلا عن خمسين صريعا «4».
سطت ورحى الهيجاء تطحن شوسها و وجه الضحى في نقعها متنقب
تهلل بشرا بالقراع وجوهها و كم وجه ضرغام هناك مقطب
و تلتذ أن جاءت لها السمر تلتوي و للبيض أن سلت لدى الضرب تطرب
اعزاء لا تلوي الرقاب لفادح و لا من الوف في الكريهة ترهب
فما لسوى العلياء تاقت نفوسهم و لم تك في شيء سوى العز ترغب
فلو أنّ مجدا في الثريا لحلقت إليه و شأن الشهم للمجد يطلب
فأسيافهم يوم الوغى تمطر الدما و أيديهم من جودها الدهر مخضب
و ما برحت تقري المواضي لحومها و من دمها السمر العواسل تشرب
إلى أن تهاوت كالكواكب في الثرى و ما بعدهم يا ليت لا لاح كوكب «5»
تهاووا فقل زهر النجوم تهافتت و أهووا فقل شم الجبال تهدم «6»
و خرج يسار مولى زياد و سالم مولى عبيد اللّه بن زياد فطلبا البراز فوثب حبيب و برير فلم يأذن لهما الحسين فقام عبد اللّه بن عمير الكلبي من «بني عليم» و كنيته أبو وهب و كان طويلا شديد الساعدين بعيد ما بين المنكبين شريفا في قومه شجاعا مجربا فأذن له و قال احسبه للأقران قتالا. فقالا له من أنت؟ فانتسب لهما فقالا: لا نعرفك ليخرج إلينا زهير أو حبيب أو برير و كان يسار قريبا منه فقال له:
يا ابن الزانية أو بك رغبة عن مبارزتي ثم شد عليه بسيفه يضربه و بينا هو مشتغل به إذ شد عليه سالم فصاح أصحابه قد رهقك العبد فلم يعبأ به فضربه سالم بالسيف فاتقاها عبد اللّه بيده اليسرى فأطار أصابعه و مال عليه عبد اللّه فقتله و اقبل إلى الحسين يرتجز و قد قتلهما.
و أخذت زوجته أم وهب بنت عبد اللّه بن النمر بن قاسط، عمودا و اقبلت نحوه تقول له فداك أبي و أمي قاتل دون الطيبين ذرية محمد صلى اللّه عليه و آله و سلم فأراد أن يردها إلى الخيمة فلم تطاوعه و أخذت تجاذبه ثوبه و تقول: لن ادعك دون أن أموت معك فناداها الحسين جزيتم عن أهل بيت نبيكم خيرا إرجعي إلى الخيمة فإنه ليس على النساء قتال فرجعت.
_________________
(1) الخطط المقريزية ج 2 ص 287.
(2) مقتل العوالم ص 84.
(3) اللهوف ص 56.
(4) البحار عن محمد بن أبي طالب.
(5) من قصيدة للشيخ حسون الحلي «شعراء الحلة» ج 2 ص 104.
(6) من قصيدة للحجة الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء «قدس سره» طبعت في كتابنا «قمر بني هاشم».
المصدر: http://h-najaf.iq