أثار الإعلام خلال الأسبوع الماضي موضوعاً يرتبط بحق الأم بالحضانة في قضية انقسم فيها الرأي العام بشكل حادّ بين مؤيد لهذا الطرف ومعارض للطرف الآخر. ولا شك أنّ مسألة الحضانة من المسائل الحرجة اجتماعياً وفقهيّاً، ونحتاج إلى بحثها من زوايا مختلفة، فالأمر لا يتوقف عند حدود الحاضن أباً كان أو أمّاً، وإنّما بسلسلة من الواجبات والحقوق التي يجب أن تُراعى على أكمل وجه من قبل الطرفين، وأن لا يكون الالتزام بها التزاماً شكلياً ومزاجياً أو مستنداً إلى خلفية انتقامية. يقول تعالى في كتابه المجيد موّجهاً خطابه للزوجين: ﴿ … وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ … ﴾ 1. أيّ لا تتحكّم فيكم دوافع الكراهية والحقد والاستعداء حال وقوع الانفصال بل يجب أن تبقى العلاقة قائمة على قواعد الاحترام والتعامل الإنساني. قلت سابقاً وأعود وأكرّر اليوم إنّ مسألة الحضانة ترتبط بالتربية والرعاية النفسية والجسدية وهذا الحق لا اختصاص به للأمّ وحدها أو للأب وحده وإنّما بهما معاً وبمن يمتلك منهما الأهلية والجدارة والكفاءة وحسن الرعاية والأمانة والمسؤولية التي تكفل للطفل ذكراً أو أنثى النمو في أجواء طبيعية. إنّ التصدّي لمسؤولية الحضانة وأولوية الأب على الأم، أو الأم على الأب مسألة حسّاسة يُفترض أن يعود تحديدها إلى لجنة علمية ترى ما هو الأصلح للطفل في إطار المعايير والشروط والضوابط الشرعية والإنسانية على حدّ سواء. فإذا كان الأصلح للطفل، على سبيل المثال، أن يبقى مع أمه مدة زمنية أكثر من المدة المحدّدة فلا ضير في ذلك مع عدم حرمان الأب من المشاهدة والمبيت.
إنّ النقاش الذي يدور اليوم حول المدة الزمنية هو نقاش فني وكلّ نقاش في هذا الإطار يفترض أن لا يكون عائقاً أمام تعديل القوانين في المحاكم الشرعية. أنا شخصياً لا أرى ضيراً بأن تمتدّ فترة حضانة الأم لطفلها ذكراً كان أو أنثى حتى التاسعة أو أكثر، والروايات التي حدّدت مدداً معينة لو سلّمنا بصحة سندها كلها إنما كانت تنظر إلى زمان خاص وظروف اجتماعية خاصة وتجيب على تحديات خاصة، ولكن بمرور الزمان ظهرت تعقيدات جديدة على الساحة الاجتماعية لم تكن ملحوظة في زمان صدور تلك النصوص. واليوم فإنّ المطلوب إيجاد تعديلات تواكب الزمن الجديد. فالقضية ليست من باب العواطف الشخصية والانحياز إلى جانب الأم على حساب الأب أو بالعكس. نحن أمام معضلة حقيقية تستوجب تحركاً بلحاظ المصلحة والسلامة البدنية والنفسية التي نريدها للأطفال.
إنّ فقهنا متحرك ومرن ويأخذ بعين الاعتبار عواطف الأم وحاجات الطفل إلى الحنان وكيف ينبغي أن ينمو في ظلّ رعاية الأب وتوجيهاته وإرشادته. وبالتالي يمكن أن يجد المخارج التي تحفظ حقوق الطفل والأم والأب بعيداً عن النزاعات الحادة. يقول تعالى ﴿ … لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ … ﴾ 2. لذلك المطلوب تعديل بعض القوانين وصياغة أخرى بعيداً عن العسر والضيق والحرج الذي تقع به المرأة وفي المقابل صيانة حق الأبوة الذي يشمله النظام الحقوقي الإسلامي بعناية واضحة3.
- 1. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 237، الصفحة: 38.
- 2. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 233، الصفحة: 37.
- 3. المصدر: موقع سماحة آية الله الشيخ عفيف النابلسي حفظه الله.