ان الكلام عن الحسين, هو الكلام عن الكون, والإنسانية والحياة، أراد الإمام الحسين (عليه السلام) أن يعلم الأمة والأجيال قراءة جديدة للحياة, في مقدمتها رفض شرعية الظالمين, وقال: “أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم), وأبي أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ومن رد عليّ ذلك أصبر حتى يحكم الله بيني, وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين”.
وهذه رسالة الإصلاح والوعي في أمة جده، وهو الذي لم يخرج أشراً ولا بطراً، ولم يخرج في طلب الدنيا، ولم يخرج في طلب الزعامة، خرج من أجل أمة جده، أي من أجل الإسلام، فالحسين (عليه السلام) هو لكل المسلمين ومن أجل جميع المسلمين، بل هو من أجل كل المظلومين والمستضعفين في هذا العالم، لأي عرق انتموا أو لأي مذهب انتموا أو حتى لأي دين انتموا، إنه أبو الأحرار وسيد الشهداء الذي قال عنه غاندي: “علمني الحسين كيف أكون مظلوماً فانتصر”. وكان هذا الخروج له أكثر من قراءة في الأفق وفي سماء الإنسانية، ولو أن الحسين (عليه السلام), بايع يزيد لأعطى الى يزيد شرعية بالقضاء على الدين تماماً, وسوف تنتهي الأمة تدريجياً الى أن تنفصل عن الدين, وهذا ما يردونه بني أميه, وكان الخروج من أجل الإصلاح في أمة جده, إذاً هناك انحراف، ومن خلال كلام الإمام (عليه السلام), نشعر بحجم هذا الإنحراف، وفي مقدمة هذا الإنحراف هو سب أمير المؤمنين على منابر المسلمين فأي انحراف وصلت إليه الأمة, وعندما عزم الإمام الخروج من المدينة كان الكثير من المقربين الذين يخشون على الإمام خروجه الى العراق, ومنهم أخوه محمد بن الحنفية, وعبد الله بن جعفر وعبد الله بن عمر, لكن الإمام (
عليه السلام), هو المعصوم وهو المفترض الطاعة, كان يعرف تكليفه من أجل الأمة وكان يحرص (عليه السلام) أن لا يراق دمه في بيت الله تعالى {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً}، فلا تلطخ فيه الدماء، ولا تعكر فيه صفو الحجيج الذين أتوا من كل صوب، فدى الحسين بدمه الإسلام والدين، وقد رأى أهل المدينة هذه الحقيقة بعد مقتل الإمام الحسين (عليه السلام), فقد استباح يزيد المدينة بجيش الشام، وضرب الكعبة بالمنجنيق، وقتل وعُلق عبد الله بن الزبير على أستار الكعبة، فماذا لو تأخر الحسين (عليه السلام) سنة من أجل القيام بهذا الواجب الديني!! فالمعلوم في التأريخ ان القوم كانوا يترصدون له وقال لأخيه محمد لا أستطيع أن أبقى حتى في مكة، حتى في الحرم، أن القوم قد يقتلوني داخل حرم الله فتكون سنّة تتبع فلا بد أن أخرج، فخروج الحسين من مكة وجعل الحج عمرة ليس خوفاً، وإنما قراءة نهضوية لمفردات الثورة وهذه الثورة الإصلاحية التي أعطت دفعاً حقيقياً للإسلام المحمدي الوجود، الحسيني البقاء، الذي شكل صرخة حقيقية ضد الانحراف الاجتماعي. وملحمة تأريخية وإنسانية رائعة عبر التأريخ، الإمام الحسين (عليه السلام) صحيح كان يعرف بمصيره ولكنه كان يعرف أن هذا المصير هو الذي
سيحيي الأمة، وهو الذي سيهز الأمة، وسيجعلها تفيق من هذا السبات، ومن هذا الضياع، وهذا الإجراء الإصلاحي في أمة جده وأبيه، كما يعتبر نموذجاً حقيقياً في التضحية ضد الإنحراف الاجتماعي (إنني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين ألا برما)، وباعتبار أن يوم عاشوراء، من الأيام التي غيرت مجرى التاريخ، لأتها أقصر معركة في التاريخ، وأكثر معركة أثرت في التاريخ الإنساني لما جرت فيه من مصائب على أهل بيت رسول الله (ص)، فقد اهتم أئمة أهل البيت (ع) اهتماماً كبيراً، في إحياء عاشوراء، وحثوا شيعتهم ومحبيهم على إحيائه. وقد نقل لنا التاريخ الكثير من الوقائع والأحداث التي تحكي شيئاً من هذا الإهتمام من قبل المعصومين (ع)، فعن الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) أنه قال لفضل بن يسار: (تجلسون وتتحدثون؟ فقال: نعم، فقال: إن تلك المجالس أحبها الله، فرحم الله من أحيا أمرنا، فإن من جلس مجلساً يحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب). ويأمرنا الإمام الصادق (ع) بقوله: (أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا). ولكن يبقى الأهم لماذا التأكيد من قبل أهل البيت (عليهم السلام) بإحياء هذه الشعائر هل من أجل الذكرى والدمعة وحسب؟ وإنما “الحسين عِبرة وعَبرة” فأهل البيت (
عليهم السلام) يريدون تفاعل الأمة مع قيم الثورة وتحويل هذه القيم والأخلاقيات التي رسمها الحسين (ع) لنا بدمه الزكي الى واقع يتحرك على الأرض لأن الحسين (ع) لم يكن يدافع عن مذهب بل كان يدافع عن الإسلام والإنسانية جمعاء.
ناصر الحلفي (رحمه الله )
المصدر:www.wybqalhosin.com