نص الشبهة:
الحسين رضي الله عنه (في دين الشيعة) يعلم الغيب كاملاً، فهل خرج منتحراً وأخذ معه أهله؟
إن قلت: نعم طعنت بالحسين، واتهمته بقتل نفسه وأولاده.
وإن قلت: لا نسفت عصمته، وأسقطت إمامته.
الجواب:
1- أن الشيعة الإمامية لا يعتقدون أن الإمام الحسين عليه السلام يعلم الغيب كاملاً كما زعم هذا المخالف؛ لأن علم الغيب مختص بالله تعالى كما دلت على ذلك آيات كثيرة.
منها: قوله تعالى: ﴿ قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ ﴾ 1.
قوله سبحانه: ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ 2.
وقوله جل شأنه: ﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ 3.
وقوله تبارك وتعالى: ﴿ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ 4.
﴿ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴾ 5.
ولكن اختصاص الله تعالى بعلم الغيب لا يمنع من أن يظهر على غيبه من شاء من خلقه. قال تعالى: ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ﴾ 6. وقال سبحانه: ﴿ تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَٰذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ 7.
2- علم الإمام الحسين عليه السلام بأنه يُقتل في كربلاء وذهابه إلى هناك لا يعني أنه انتحر؛ لأن الإمام عليه السلام إنما قصد الكوفة ولم يقصد كربلاء، إلا أن جيش عمر بن سعد حال بينه وبين ما يريد، فحصره في كربلاء.
وذهاب الإمام عليه السلام إلى العراق كان لأجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا لأجل الموت هناك، مع أن الانتحار هو قتل النفس، والإمام الحسين عليه السلام لم يقتل نفسه، وإنما قتله جماعة من الظلمة الذين استحوذ عليهم الشيطان، رغم أن الإمام الحسين عليه السلام وعظهم وحذرهم مغبة ما أرادوا فعله، وحاول أن يحول بينهم وبين ما يريدون، ولا شك في أن من فعل ذلك لا يصدق عليه أنه انتحر كما هو واضح لكل منصف.
مضافاً إلى أن أهل السنة رووا في كتبهم روايات صحيحة مشتملة على إخبار النبي صلى الله عليه وآله بقتل الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء.
منها: ما أخرجه أحمد في مسنده بسنده عن عائشة أو أم سلمة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لإحداهما: لقد دخل عليَّ البيت ملك، فلم يدخل عليَّ قبلها، قال: إن ابنك هذا حسين مقتول، وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يُقتل بها. قال: فأخرج تربة حمراء8.
ومنها: ما أخرجه أحمد والطبراني وغيرهما بأسانيدهم عن نجي الحضرمي أنه سار مع علي رضي الله عنه وكان صاحب مطهرته، فلما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين فنادى علي: اصبر أبا عبد الله، اصبر أبا عبد الله بشط الفرات. قلت: وما ذاك؟ قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم وإذا عيناه تذرفان، قلت: يا نبي الله أغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تفيضان؟ قال: بل قام من عندي جبريل عليه السلام قبلُ فحدثني أن الحسين يُقتل بشط الفرات. قال: فقال: هل لك أن أشمّك من تربته؟. قلت: نعم، قال: فمدَّ يده، فقبض قبضة من تراب فأعطانيها، فلم أملك عينيَّ أن فاضتنا9.
ومنها: ما أخرجه الطبراني في الكبير بسنده عن أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً ذات يوم في بيتي، قال: لا يدخل عليَّ أحد. فانتظرت فدخل الحسين، فسمعت نشيج رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي، فاطلعت فإذا حسين في حجره والنبي صلى الله عليه وسلم يمسح جبينه وهو يبكي، فقلت: والله ما علمتُ حين دخل، فقال: إن جبريل عليه السلام كان معنا في البيت، فقال: أفتحبّه؟ قلت: أما في الدنيا فنعم، قال: إن أمَّتك ستقتل هذا بأرض يقال لها: كربلاء، فتناول جبريل من تربتها، فأراها النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أحيط بحسين حين قتل قال: ما اسم هذه الأرض؟ قالوا: كربلاء، فقال: صدق الله ورسوله، كرْبٌ وبلاء. وفي رواية: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم أرض كرب وبلاء10.
ومن الطبيعي أن يطلع الإمام الحسين عليه السلام على هذه الروايات التي تتعلق به، بل تتحدث على أمر مهم مرتبط به، فهل يعتقد هذا المخالف أن الإمام الحسين عليه السلام بوصفه صحابيا لا بوصفه يعلم الغيب قد انتحر بذهابه إلى كربلاء؟ أي هل يقول المخالف: إن الحسين عليه السلام الذي هو صحابي فقط بنظره يمكن أن ينتحر، فيكون من أهل النار11؟
- 1. القران الكريم: سورة الأنعام (6)، الآية: 50، الصفحة: 133.
- 2. القران الكريم: سورة الأنعام (6)، الآية: 59، الصفحة: 134.
- 3. القران الكريم: سورة الأعراف (7)، الآية: 188، الصفحة: 175.
- 4. القران الكريم: سورة هود (11)، الآية: 31، الصفحة: 225.
- 5. القران الكريم: سورة النمل (27)، الآية: 65، الصفحة: 383.
- 6. القران الكريم: سورة الجن (72)، الآية: 26 و 27، الصفحة: 573.
- 7. القران الكريم: سورة هود (11)، الآية: 49، الصفحة: 227.
- 8. مسند أحمد، مجمع الزوائد، قال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.
- 9. مسند أحمد، المعجم الكبير للطبراني، مجمع الزوائد، قال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني، ورجاله ثقات، ولم ينفرد نجي بهذا.
- 10. مجمع الزوائد، قال الهيثمي: رواه الطبراني بأسانيد، ورجال أحدها ثقات.
- 11. نقلا عن الموقع الرسمي لسماحة الشيخ علي ال محسن حفظه الله.