قال عاقبة بن سمعان: خرجنا من المدينة فلزمنا الطريق الأعظم، فقال للحسين عليه السّلام بعض أهل بيته: لو تنكّبت الطريق الأعظم، كما فعل ابن الزبير، لا يلحقك الطلب؟!، قال (عليه السلام): لا و اللّه لا افارقه حتى يقضي اللّه ما هو أحبّ إليه .
عبد اللّه بن مطيع العدوي
فاستقبلنا عبد اللّه بن مطيع، فقال للحسين (عليه السلام): جعلت فداك، أين تريد؟ قال (عليه السلام): أمّا الآن فانّي اريد مكّة، و أمّا بعدها فانّي أستخير اللّه.
ف قال عبد اللّه: خار اللّه لك، و جعلنا فداك … فاذا أنت أتيت مكّة فإيّاك أن تقرب الكوفة فانّها بلدة مشئومة؛ بها قتل أبوك و خذل أخوك و اغتيل بطعنة كادت تأتي على نفسه، الزم الحرم، فانّك سيّد العرب، لا يعدل بك- و اللّه- أهل الحجاز أحدا، و يتداعى إليك الناس من كلّ جانب، لا تفارق الحرم، فداك عمّي و خالي، فو اللّه لئن هلكت لنسترقنّ بعدك .
الحسين عليه السّلام في مكّة
فأقبل حتى نزل مكّة، و دخل مكّة ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان . فأقام بمكّة شعبان و شهر رمضان و شوّال و ذا القعدة إلى ثماني ذي الحجة.
فأقبل أهلها يختلفون إليه و يأتونه و من كان بها من المعتمرين و أهل الآفاق.
و ابن الزبير بها قد لزم الكعبة، فهو قائم يصلّي عامّة النهار، و يطوف …
و يأتي حسينا عليه السّلام فيمن يأتيه، فيأتيه اليومين المتواليين، و يأتيه بين كلّ يومين مرّة … و لا يزال يشير عليه بالرأي، و هو عليه السّلام أثقل خلق اللّه على ابن الزبير، لأنه عرف أنّ أهل الحجاز لا يبايعونه و لا يتابعونه أبدا ما دام الحسين عليه السّلام بالبلد، و أنّ حسينا عليه السّلام أعظم في أعينهم و أنفسهم، و أطوع في الناس منه .
كتب أهل الكوفة
فلمّا بلغ أهل الكوفة هلاك معاوية؛ أرجف أهل العراق بيزيد، و قالوا: قد امتنع حسين عليه السّلام و ابن الزبير و لحقا بمكّة .
قال محمد بن بشر الهمداني: اجتمع نا في منزل سليمان بن صرد الخزاعي فخطبنا فقال: إنّ معاوية قد هلك، و إنّ حسينا (عليه السلام) قد تقبّض على القوم ببيعته، و قد خرج إلى مكّة، و أنتم شيعته و شيعة أبيه؛ فان كنتم تعلمون أنكم ناصروه و مجاهدو عدوّه؛ فاكتبوا إليه، و إن خفتم الوهل و الفشل فلا تغرّوا الرجل من نفسه!
ف قالوا: لا؛ بل نقاتل عدوّه، و نقتل أنفسنا دونه! قال: فاكتبوا إليه ، فكتبوا إليه:
«بسم اللّه الرحمن الرحيم، للحسين بن علي، من سليمان بن صرد، و المسيّب بن نجبة ، و رفاعة بن شدّاد ، و حبيب بن مظاهر ، و شيعته من المؤمنين و المسلمين من أهل الكوفة، سلام عليك، فإنّا نحمد إليك اللّه الذي لا إله إلا هو، أمّا بعد: فالحمد للّه الذي قصم عدوّك الجبّار العنيد، الذي انتزي على هذه الامّة، فابتزّها، و غصبها فيئها، و تأمّر عليها بغير رضى منها؛ ثم قتل خيارها، و استبقى شرارها، و جعل مال اللّه دولة بين جبابرتها و أغنيائها، فبعدا له كما بعدت ثمود.
إنّه ليس علينا إمام؛ فأقبل لعلّ اللّه أن يجمعنا بك على الحق، و النعمان بن بشير في (قصر الإمارة) لسنا نجتمع معه في جمعة و لا نخرج معه إلى عيد، و لو قد بلغنا أنّك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام، إن شاء اللّه، و السلام عليك و رحمة اللّه .
ثم سرّحنا بالكتاب مع عبد اللّه بن سبع الهمداني و عبد اللّه بن وال التميمي .
فخرج الرجلان مسرعين حتى قدما على الحسين عليه السّلام بمكّة، لعشر مضين من شهر رمضان .
ثم لبثنا يومين، ثم سرّحنا إليه: قيس بن مسهر الصيداوي و عبد الرحمن بن عبد اللّه بن الكدن الأرحبي و عمارة بن عبيد السلولي ، فحملوا معهم نحوا من مائة و خمسين صحيفة من الرجل و الاثنين و الأربعة.
قال: ثم لبثنا يومين آخرين، ثم سرّحنا إليه هانئ بن هانئ السبيعي و سعيد بن عبد اللّه الحنفي و كتبنا معهما:
«بسم اللّه الرحمن الرحيم، للحسين بن علي، من شيعته من المؤمنين و المسلمين، أمّا بعد: فحيّهلا؛ فإنّ الناس ينتظرونك، و لا رأي لهم في غيرك، فالعجل العجل! و السلام عليك .
و كتب شبث بن ربعي و حجّار بن أبجر و يزيد بن الحارث بن يزيد بن رويم و عزرة بن قيس . و عمرو بن الحجّاج الزبيدي و محمد بن عمر التميمي :
«أمّا بعد فقد اخضرّ الجنان، و أينعت الثمار، و طمّت الجمام ، فاذا شئت فأقدم على جند لك مجنّد؛ و السلام عليك .
و تلاقت الرسل كلّها عنده، فقرأ الكتاب، و سأل الرسل عن أمر الناس.
ثم كتب مع هانئ بن هانئ السبيعي، و سعيد بن عبد اللّه الحنفي- و كانا آخر الرسل-:
«بسم اللّه الرحمن الرحيم، من الحسين بن علي، إلى الملأ من المؤمنين و المسلمين، أمّا بعد: فانّ هانئا و سعيدا قدما عليّ بكتبكم- و كانا آخر من قدم عليّ من رسلكم-، و قد فهمت كلّ الذي اقتصصتم و ذكرتم، و مقالة جلّكم: إنّه ليس علينا إمام فأقبل، لعلّ اللّه أن يجمعنا بك على الهدى و الحق.
و قد بعثت إليكم أخي و ابن عمّي و ثقتي من أهل بيتي (مسلم بن عقيل) و أمرته أن يكتب إليّ بحالكم و أمركم و رأيكم.
فان كتب إليّ: أنه قد أجمع رأي ملئكم، و ذوي الفضل و الحجى منكم، على مثل ما قدمت عليّ به رسلكم، و قرأت في كتبكم، اقدم عليكم وشيكا، إن شاء اللّه، فلعمري ما الإمام إلا العامل بالكتاب، و الاخذ بالقسط، و الدائن بالحق، و الحابس نفسه على ذات اللّه، و السلام .