﴿ ذَٰلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ * لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ * وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ﴾ 1.
لماذا فشلت المذاهب السياسية والاجتماعية والحضارية عبر التاريخ على الرغم من تنوعها ، ورغم ما خاضت من تجارب إنسانية ضخمة ؟!
فالاشتراكية الحادة أعلنت إفلاسها وفشلها قبل حوالي ثلاثة عشر عاماً ، حيث انهار على أبواب السنين الأولى ذلك الصرح الماركسي الذي قد بُني على جرفٍ هارٍ ، أي كيان الاتحاد السوفياتي . أما الرأسمالية الغربية السائدة اليوم ؛ فهي الأخرى تحيطها نذر الإنهيار أيضاً .
ونحن من القرن الواحد والعشرين لا زلنا نسمع الأخبار ونشاهد الوقائع المليئة بنذر الحرب في منطقة الشرق الأوسط وفي جنوب شرق آسيا حيث شبه الجزيرة الكورية ، ومناطق متعددة أخرى من العالم . . ومن جانب آخر ؛ فقد أكدت آخر الإحصائيات أن ما يقرب النصف من سكان الأرض ، أي ثلاث مليارات إنسان يعيشون تحت مستوى الفقر . أما المجاعة والجفاف في القارة الأفريقية فهما يهددان حياة ما يزيد على عشرين مليون إنسان . . وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأمراض الفتاكة كالإيدز أو مرض السل الذي عاود انتشاره في العالم بقوة . أما الحروب الأهلية والخلافات والصراعات الداخلية ، فحدث عنها ولا حرج . وهكذا هو الحال فيما يخص معدلات الركود الاقتصادي في الأسواق العالمية ، حيث تستفحل الأزمات بمجرد حدوث خللٍ اقتصادي بسيط . .
إن العلمانية المنسلخة عن القيم الإنسانية ، والمنخلعة عن الدين ، قد انتهى أمرها ، واتضح أنها عاجزة عن تلبية حاجات الإنسان ، وقد اتضح مع ذلك فشل سائر الفلسفات البشرية ، وبقي الإسلام وبقيت تعاليمه وقيمه متسامية متعالية . . تزداد ـ كلما مرّ عليها الزمن ـ جلاءً وشفافية ووضوحاً وفائدةً . .
ولعل السبب في ذلك يكمن في أن الله تبارك وتعالى ، وهو خالق البشر ، وهو المحيط علماً بحاجتهم ، تماماً كعلمه الخاص بحاجة أبناء آدم إلى الغذاء . فقد كان في علم الله أن حاجة بشرية ماسة إلى ما هو أسمى من المادة ، يكمن في البعد المعنوي والاجتماعي ونظام الحياة عموماً . ولذلك بعث الله الأنبياء والرسل ، ليحملوا إلى البشرية الأنظمة المناسبة لها ، لأنه يعرف الإنسان وطبيعته ، ويعلم ما يحيط به ، وما توسوس به نفسه ، كما يعلم حاجاته . . . فجعل لها ما يلبيها .
فإذا أردنا مثلاً على الجانب المادي للإنسان ، فلنأخذ فاكهة التين وكذلك الزيتون اللذين أقسم بهما الله سبحانه وتعالى في مطلع سورة التين المباركة ، وهما الطعامان اللذان يسدان حاجة البدن الإنساني بشكل تام ، حسبما اكتشفته آخر البحوث العلمية بهذا الخصوص . وكذلك هو الشأن في التمر الذي خلقه سبحانه وجعل كمية المئتين وخمسين غراماً منه تسد حاجة الإنسان من حيث الطاقة الغذائية . . هذا مثال في المجال المادي .
أما على الصعيد المعنوي ؛ فتجد فريضة الحج ومناسكه وما فيه من شعائر ووظائف وغير ذلك . فتجد الحج يلبي ويسد كل حاجات الأمة الإسلامية من الناحية المعنوية ؛ إذ تفد في كل عام مئات الألوف من البشر ، ومن شتى بقاع الأرض إلى حيث الديار المقدسة والبقعة المباركة ليتزودوا من الروح والمعنوية . .
ونحن إذ نقترب من موسم الحج لهذا العام ؛ لابد من أن نقدم للقاصدين إلى أداء المناسك ولذوي الصلة بهم والتأثير عليهم التوصيات اللازمة ، لتتفتح بصائرهم وليعرفوا أمور جديدة عن قيمة الحج . . وذلك لأن الإنسان حينما يحج وهو ممتلك لرؤية واضحة تجاه هذه الفريضة العظمى ، فيعرف ماذا تعني ، وما هو الهدف منها ، وماذا أراد الله سبحانه وتعالى منه في الحج ، فإنه سيعود بزادٍ من التقوى عظيم ، وسيعود بذخيرةٍ إيمانية كبرى ، كما أنه سيؤوب من أرض الوحي الإلهي وهو يحمل نظرةً جديدةً إلى العالم برمّته . . ولكنه إذا حجّ جاهلاً بهدف الحج ومعناه ، فإنه من المؤكد سيعود بزادٍ لا معادلته بذلك النوع الأول .
أهداف الحج و معانيه
ترى ما هي أهداف الحج ومعانيه وبرامجه ؟
أولاً : إن الحج هو معراج النفس البشرية إلى حيث القرب من الله والانجذاب إليه ، فيكون الحاج الواعي في مقعد صدقٍ عند مليك مقتدر ، وقد جاء في الحديث القدسي : ” أنا جليس من ذكرني ” 2 . كما جاء في الدعاء والمناجاة : ” يا جليس الذاكرين ” 3 . فيتذكّر الحاج ربّه قولاً وعملاً ، لأنه سيكون جليسه الدائم . . أوَ رأيتَ كيف تتوق أنفس الحجاج وتتشوق قلوبهم إلى معاودة الحج مرة ثانية وثالثة و . . و . . حيث أن الله تبارك وتعالى كان قد سقاهم شراباً طهوراً ، فاستفادوا من ذلك الشراب الطهور ، وامتلأت قلوبهم بحب الله ربهم ، وتجلت نفوسهم بذكر الله .
واقتراناً بهذه الحالة الرائعة ورد ذكر خاصٌ ومستحبٌ لمن يريد الخروج من الحج ، وهو : ” عائدون عائدون ، تائبون عائدون ، إلى ربنا عائدون ” 4 . وهذا يعني أن الإنسان حينما يمارس فريضة الحج يعرج بنفسه في معارج الكمال . وقد وصف ربنا سبحانه وتعالى الحج الخالص لوجهه الكريم بقوله : ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ 5. فالتقوى زادٌ ، وهي ـ بعينها ـ الهدية التي يحملها الحاج من مكة المكرمة إلى سائر البلاد ، وهذا هو المعراج الأول .
فيا أيها الحاج ؛ إن ذهبت إلى الحج وعدت منه ؛ فقس نفسك وحاسبها محاسبة دقيقة ، لتعرف كم هو مقدار التقوى الذي تزودت به واستفدته من هذه الرحلة الإيمانية والإلهية .
ثانياً : إن إرادتنا التي طالما تخور أمام المشاكل والفتن والشهوات ووساوس الشيطان ، لابد لها ـ الإرادة ـ من أن تأخذ مجرىً آخر لدى مسيرتها في الحياة . ولعل فريضة الحج أعظم فرصة من الممكن استغلالها لتحقيق هذا المطلب الإنساني الرفيع ، حيث نعود من الحج بمعيتنا إرادة إيمانية فولاذية تتحدى المشاكل وتنتصر على وساوس الشيطان . فالله عز وجل قد أمرنا قاطعاً بمحاربة الشيطان واتخاذه عدواً مباشراً ، والله نفسه هو الذي سمى موقع الصلاة بالمحراب ؛ أي ساحة الحرب ومنطقة المعركة التي يحارب المصلي فيها شيطانه ، فإذا عاد الإنسان من الحج ولما يزْددْ عزيمة أو تتضاعف قوة إرادته ، فإن حجه لن ينفعه بالشكل المطلوب .
وربنا العزيز الحكيم حينما يأمرنا بالحج قائلاً :﴿ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴾ 6 ، وهو القائل بعد ذلك : ﴿ ذَٰلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ … ﴾ 7. وتعظيم الحرمات ، يعني احترام الإنسان ما أوجبه الله عليه ؛ فيحترم البيت الحرام ، ويطوف به ، وهو بين هذا وذاك يجتنب الرجس من الأوثان بعزمه وإرادته . . ولا ريب أن الوثن هو الخضوع لغير الله عز وجل ، وأن كل ما لا يتصل بحبل الله فهو وثن تجب محاربته واجتنابه . فإذا عبد ابن آدم صخرة ؛ أصبحت وثناً ، وإذا عبد بقرةً تحولت وثناً ، وإذا خضع لإنسان مثله من دون الله واتخذه ولياً ، صار هذا وثناً أيضاً .
ولكن الحج كله ؛ بسكناته وحركاته ولفتاته عبادة لله الواحد الأحد ، وهو يساعد الإنسان ليكون حنيفاً لله ، فيتطهر وينقى ويصبح مبيض الوجه والقلب معاً . . وقد قال سبحانه وتعالى :﴿ … فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ … ﴾ 8وهذه هي الحكمة المتعالية من سن فريضة الحج وأدائها .
إن الحج مناسبة وفرصة ذهبية للإنسان لكي يطهر قلبه من وساوس الشيطان ؛ الشيطان الذي أكبر همه زرع مجموعة من الوساوس في قلب ابن آدم ، هذه الوساوس التي تشبه إلى حدٍ كبير مجموعة النباتات السمّية التي عادةً ما تحيط بالوردة ، وإذا ما تركت ؛ انقضت على الوردة وخنقتها . . كذلك هو الشيطان الرجيم ؛ يزرع في قلب الإنسان وساوسه حتى تقضي على عقله فتمسخ فكره وعقائده . ولعل ذلك نموذج من فتن آخر الزمان التي تتفاوت مع فتن أوله ، حيث كانت ذنوباً فيها ما يدفع إلى تأنيب الضمير ، وفيها ما يستقبح . . ولكن فتن آخر الزمان تحول الذنوب إلى أشياء عادية عند الناس ، فتتحول الوساوس والفيروسات إلى القلب فتنخر العقيدة والفكر والروح نخراً والعياذ بالله .
يقول عز اسمه : ﴿ ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَىٰ أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ … ﴾ 9. يعني إن أسوأ عاقبة هي عاقبة من كان مؤمناً ثم يصير كافراً في أُخريات عمره حتى يدركه الموت ، فيلقى في نار جهنم ، ﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ﴾ 10. حيث يسلب الله منه القدرة ويحرمه من تجربة فرصة أخرى لامتحان إيمانه .
ولكن الحج يبقى الفرصة العظمى للقضاء على تلكم النباتات السمية التي تحيط القلب في مختلف الحالات والأوقات والأشكال ، وما على الإنسان إلاّ محاربتها باقتلاعها ، فيخلص إيمانه .
وللأسف الشديد ، نجد البعض من الناس إذا ما ذهبوا إلى الحج يفكرون في كل شيء إلاّ في هدفية الحج الحقيقية التي جاء من أجل إحرازها .
ثالثاً : إن الحج فرصة للإخاء ، لأنه من يذهب إلى أداء المناسك لا يذهب لوحده ، بل الحجاج يذهبون كلهم كمجموعة واحدة في أشهر محددة ومعلومة ، وكذلك هم يمارسون فرائضهم وسننهم هناك على شكل مجموعة واحدة أيضاً . فالحج إذاً فرصة للقاء الإنسان بالإنسان .
ولعل الحكمة في إتاحة هذه الفرصة هو ردم الفواصل ودحرها ؛ الفواصل التي تتجسد بحد الذات والأنانية والروح الفردية التي يثيرها الحمية والحسد وسوء الظن بالآخرين ، وما أشبه ذلك . وإن من جميل ما يذكر في هذا المقام ما أكده بعض الفقهاء الكرام وذهب إليه من استحباب قراءة دعاء مكارم الأخلاق في موسم الحج . وهو الدعاء ذو الفائدة العظيمة ، حيث فيه شحنات دفع قوية جداً لتزكية النفس وتصفيتها من الأخلاق السيئة ، ولتكريس الأخلاق الحسنة فيها ، حتى يعود الناس إلى بعضهم . فإذا عادوا من الحج عادوا بزاد ثمين ، وهو الطيب من الإخوان . وبذلك يوحي قوله تبارك وتعالى : ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾ 11، حيث جاء بصيغة العموم وليس بصيغة الإنسان المفرد .
إذن؛ فمسألة الحج هي مسألة جمعية واجتماعية ليشهد الحجاج منافع لهم في بيت الله الحرام الذي وضع للناس كافة ، حيث كان الهدف الأسمى منه إذابة البشرية في بوتقة واحدة ، فيتحدوا ويتعاونوا فيما بينهم .
إن الحج من شعائر الله سبحانه وتعالى ، ونحن في هذا الموسم العظيم نعلن للعالم جميعاً بأننا أمة واحدة ، انطلاقاً من قول الله تبارك وتعالى :﴿ إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾ 12 ، حيث تزال مختلف الحواجز المصطنعة بين المسلمين ؛ فلا عربي ولا أعجمي ولا أوروبي ، ولا أبيض ولا أسود ، ولا غني ولا فقير ، ولا عالم ولا جاهل ، ولا هذا ولا ذاك . . فهذه كلها فوارق مصطنعة لا ينبغي أن تذكر في الحج ، ولابد من تلاشيها وانعدامها هناك . . ودليل ذلك وآيته أن الله سبحانه وتعالى قد سنّ لجميع الحجاج ـ دون استثناء ـ مجموعة قوانين ، وأمرهم بالالتزام بها ، والتظاهر بها كلهم ، كأمرهم بإبطان النية الخالصة للتقرب بها إلى الله سبحانه .
فالزينة والتزين ، والجدال والفسوق وغير ذلك حرام على جميع الحجاج بلا استثناء ، وعلى الجميع أن يتفكروا ويعوا حقيقة هذه القوانين وجوهرها ، وأنها إنما سُنت لإزالة الفوارق ، ولدفع الذات نحو الإندكاك في حقيقة الإسلام ، وتحصيل التقوى ، فيسلموا جميعاً لله تبارك وتعالى ، لأنه إله الجميع .
إن التسليم الخالص والقاطع لله يعني أن يقف الإنسان الحاج كما يقف جميع الحجاج في عرفات أو في المشعر . . وكذلك يحرم ويطوف ويفيض ويسعى . . ليعلن لربه أمام مرأى الجميع أنه يتمحور حول إرادة الله وحده لا شريك له ، فيرفض الجبت والطاغوت والأوثان بمختلف أشكالها .
ومن يحترم شعيرة الحج العظيمة يكون حرياً بأن يدخل في رحاب التقوى التي قال عنها عز اسمه في موقع قرآني آخر : ﴿ ذَٰلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ 13. التقوى التي يطلبها الله من الإنسان .
الحج مقدمة الجهاد
من يلاحظ السياق القرآني ويتدبر فيه ، يجد أن الله سبحانه وتعالى قال بعد أن بيّن فريضة الحج وما فيه من فائدة تعود بالتقوى والوحدة بين المسلمين ، وغير ذلك من الفوائد الحضارية والاجتماعية الجمّة ، قال بعد كل ذلك : ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ﴾ 14. وفي ذلك إشارة واضحة ومباشرة إلى أن من أكبر ثمرات إقامة الحج بصورته الصحيحة ، هو أن يكون الإنسان والجمع الحاضر على حدٍ سواء مؤهلاً لأداء فريضة الجهاد المقدسة ؛ الجهاد الذي يقام به فعلاً صرح الأمة الواحدة المؤمنة .
فالحجاج يعودون إلى مجتمعهم ببصيرة إيمانية وعزم إسلامي راسخ نابع من النفوس المزكّاة ، والقلوب المطهرة القادرة على خوض ساحات الجهاد ؛ جهاد النفس المتواصل ، وهو الجهاد الكبر ، وجهاد الأعداء بأشكالهم وصورهم المتعددة ، وهو الجهاد الأصغر . . فيستعدون عبر التزود بالروح العالية إلى إقامة الحق في العالم بأسره ، لأنهم ـ الحجاج ـ قد جاؤوا من بقاع العالم بأسره ، ولأن فريضة الحج أساساً . فريضة عالمية جمعية ، ويشير إلى ذلك ويؤكده بأروع صوره قول الله سبحانه فيما بعد : ﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ 15. ثم يقول في آخر آية من سورة الحج المباركة :﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ … ﴾ 16.
إن الأمة الإسلامية هي أمة الحج ، وهي الأمة الواحدة بالحج ، وهي الأمة المجاهدة التي تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتفرض حكم الله في أرضه… مستعينةً بما تركه الحجُ فيها من تقوى واتحاد وتعاون . .
والحج هو الصفة البارزة لكل المسلمين على اختلاف أحوالهم وظروفهم وهيئاتهم ، لأن مختلف أنواع الفرائض الشرعية متوفر في الحج ، كالصوم بدل الهدي ، والصلاة في الطواف ، والإنفاق في الهدي ، وغير ذلك . ولذلك كانت أمة الحج الحقيقي أمة مسلمة واحدة معتصمة بالله ، والله يرعى هذه الأمة ، وهو القائل :﴿… هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ ﴾ 16.
نسأل الله سبحانه وتعالى ان يوفقنا وإياكم لرحلة الحج الإلهي ، وهو المعراج العظيم نحو ربنا سبحانه ، وأن يوفق المؤمنين جميعاً لأن يجعل حجهم حجاً مبروراً مباركاً متقبلاً منهم 17 .
- 1. القران الكريم: سورة الحج (22)، الآيات: 32 – 34، الصفحة: 336.
- 2. بحار الأنوار : 13 / 345 .
- 3. مفاتيح الجنان ، من دعاء بعد زيارة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام .
- 4. بحار الأنوار : 96 / 371 .
- 5. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 197، الصفحة: 31.
- 6. القران الكريم: سورة الحج (22)، الآية: 29، الصفحة: 335.
- 7. القران الكريم: سورة الحج (22)، الآية: 30، الصفحة: 335.
- 8. القران الكريم: سورة الحج (22)، الآية: 30 و 31، الصفحة: 335.
- 9. القران الكريم: سورة الروم (30)، الآية: 10، الصفحة: 405.
- 10. القران الكريم: سورة المنافقون (63)، الآية: 3، الصفحة: 554.
- 11. القران الكريم: سورة الحج (22)، الآية: 27، الصفحة: 335.
- 12. القران الكريم: سورة الأنبياء (21)، الآية: 92، الصفحة: 330.
- 13. القران الكريم: سورة الحج (22)، الآية: 32، الصفحة: 336.
- 14. القران الكريم: سورة الحج (22)، الآية: 39، الصفحة: 337.
- 15. القران الكريم: سورة الحج (22)، الآية: 41، الصفحة: 337.
- 16. a. b. القران الكريم: سورة الحج (22)، الآية: 78، الصفحة: 341.
- 17. في رحاب بيت الله : الفصل الثالث ، للسيد محمد تقي المدرسي .