الحمدللَّه رب العالمين و صلي اللّه علي محمد و اله الطاهرين .
الهدف من تدوين هذا الكتب هو إثبات أن الاصرار علي التفريق بين الصلاتين و المداومة عليه ليس من السنة النبوية ، فقد جمع النبي بين الصلاتين كراراً و مراراً من دون اي عذر و سفر و مطر و مرض . كما روي ذلك عن جمع من الصحابه ، كابن عباس ، و ابن عمر ، و جابر بن عبداللّه الانصاري ، و ابي أيوب.
كما لا يجدي المحاولات في توجيه الاحاديث ، و أن الجمع كان صورياً لا حقيقيا ، لأن الجمع الصوري لا يسمي جمعاً حقيقة – عرفاً – مع أن الثابت من النبي (صلی الله علیه و آله) هو الجمع الحقيقي .
كما ان الفرض اثبات أن فعل الأمامية – من الجمع بين الصلاتين ليس من اداء الصلاة في غير وقتها ، و لا أنهم فعلوا بما هو نادر غير وارد عن النبي (صلی الله علیه و آله) بل من الأكيد انه موافق لفعل النبي (صلی الله علیه و آله) و إن كان التفريق مستحباً عند جمع من فقهائنا ، و فيما يلي عرض هذه الدرسة :
دليل جواز الجمع بين الصلاتين ، من القرآن الكريم :
الاية الكريمة : ( اقم الصلاة لدُلوك الشمس اِلي غسق الليل و قرآن الفجر إنَّ قرآن الفجر كان مَشْهُوداً ) ؛ ( الاسراء ، آيه 78 ) .
لقد فرض اللّه تعالي علي عباده في اليوم خمس صلوات ، اربع منها من دلوك الشمس الي غسق الليل ، و المراد بالدلوك هو الزوال ، و بالغسق ، هو الانتصاف . فيكون الظُهر مشاركاً للعصر من زوال الشمس الي غروبها ، كما ان المغرب و العشاء ايضاً يشاركان في الوقت إلاّ انّ المغرب قبل العشاء ، ولكن صلاة الصبح ، فقد افرد اللّه له بقوله تعالي : و قرآن الفجر . . . فالاية تدل علي اتساع وقت الظهرين و العشائين و لازمه هو جواز الجمع بينهما .
تفسير الاية عن اهل بيت (علیهم السلام) :
1 . عن زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : سألتهُ عما فرض اللّه من الصلوة؟ فقال : خمس صلوات في الليل و النهار ، فقلتُ : هل سمّاهن اللّه و بينهُنَّ في كتابه؟ فقال : نعم ، قال اللّه عزوجل لنبيّه (صلی الله علیه و آله) : ( أقم الصلاة لدلوك الشمس الي غسق الليل ) ؛ و دلوكها زوالها : ففي ما بين دلوك الشمس الي غسق الليل أربع صلوات سماهنَّ و بينهُنَّ و وقتهُّن ، و غسق الليل : انتصافه ، ثم قال : و اوّل وقت العشاء الاخرة ذهاب الحمرة ، و آخر وقتها الي غسق الليل ، يعني نصف الليل . تهذيب الاحكام ، ج 2 ، ص 28 ؛ نورالثقلين ، ج 2 ، ص 200 ، ح 370 .
2 . العياشي : « عبيد بن زرارة ، عن أبي عبداللّه (علیه السلام) في قول اللّه : إقم الصلوة . قال : ان اللّه افترض صلوات اوّل وقتها من زوال الشمس الي انتصاف الليل منها صلواتان اوّل وقتها من عند زوال الشمس الي غروبها ، إلّا أن هذه قبل هذه ، و منها صلواتان اوّل وقتها من غروب الشمس إلي انتصاف الليل إلّا أن هذه قبل هذه . تهذيب الاحكام ، ج 2 ، ص 25 ، ح 23 ؛ تفسير العياشي ، ج 2 ، ص 308 ؛ نورالثقلين ، ج 2 ، ص 202 ، ح 377 و 378 .
3 . و فيه : « عن زرارة ، عن أبي جعفر (علیه السلام) في قول اللّه : اقم الصلوة قال : دلوكها زوالها ، غسق الليل الي نصف الليل ، ذلك اربع صلوات وضعهن رسول اللّه و وقتّهن للناس ، و قرآن الفجر ، صلوة الغداة . تفسير العياشي ، ج 2 ، ص 308 ؛ نورالثقلين ، ج 2 ، ص 202 ، ح 377 و 378 .
الروايات من طرق العامة :
1 . اخرج ابن مردوية ، عن عمر في قوله أقم الصلاة . . . قال لزوال الشمس . الدرالمنثور ، ج 4 ، ص 195.
2 . أخرج سعيد بن منصور و ابن جرير عن ابن عباس ، قال : دلوكها زوالها . الدر المنثور ، ج 4 ، ص 195 .
3 . عن ابن مسعود ، قال قال رسول اللّه (صلی الله علیه و آله) أتاني جبرئيل (علیه السلام) لدلوك الشمس حين زالت ، فصلّي بي الظهر . الدرالمنثور ، ج 4 ، ص 195 .
4 . اخرج ابن جرير عن أبي برزة الّا سلمي قال كان رسول اللّه (صلی الله علیه و آله) يصلي الظهر اذا زالت الشمس ثم تلأ أقم الصلوة . . . . الدرالمنثور ، ج 4 ، ص 195 .
5 . اخرج عبدالرزاق عن ابي هريرة : قال : دلوك الشمس اذا زالت عن بطن السماء و غسق الليل غروب الشمس . الدرالمنثور ، ج 4 ، ص 195 .
آراء المفسّرين :
قال الفخرالرازي : « فإن فسَّرنا الغَسَق بظهور اوّل الظلمة – و حكاه عن ابن عباس و عطاء و النضر بن شميل – كان الغَسق عبارة عن اوّل المغرب ، و علي هذا التقدير يكون المذكور في الاية ثلاثة أوقات : وقت الزوال ، و وقت اوّل المغرب ، و وقت الفجر .
و هذا يقتضي أن يكون الزوال وقتاً للظهر و العصر فيكون هذا الوقت مشتركاً بين هاتين الصلاتين ، و أن يكون اوّل المغرب وقتاً للمغرب و العشاء فيكون هذا الوقت مشتركاً أيضاً بين هاتين الصلاتين ، فهذا يقتضي جواز الجمع بين الظهر و العصر و المغرب و العشاء مطلقاً . إلّا انه دل الدليل علي أن الجمع في الحضر من غير عذر ، لا يجوز فوجب ان يكون الجمع جائزاً لعذر السفر و عند المطر و غيره » . التفسير الكبير ، ج 21 ، ص 26 .
و الملاحظ أنَّ الاستدلال و التقريب جيد ، ولكن استدراكه ، و ان الجمع خلاف الدليل ففيه سوف يأتي أنَّ الجمع موافق للدليل و كلامه هذا مخالف له .
الروايات من طرق الخاصة :
1 . الصدوق باسناده عن عبداللّه بن سنان ، عن الصادق (علیه السلام) إن رسول اللّه (صلی الله علیه و آله) جمع بين الظهر و العصر بأذان و إقامتين ، و جمع بين المغرب و العشاء في الحضر من غير علة بأذان واحد و إقامتين . الفقيه ، ج 1 ، ص 186 ، ح 886 ؛ عنه الوسائل ، ج 4 ، ص 220 ، ب 32 ، ح 1 .
قال المجلسي الاول : « في الصحيح . . . . و يدل علي جواز الجمع بين الصلاتين في وقت واحد في الحضر من غير علة ، و في معناه اخبار كثيرة ، و في بعضها ليتّسع الوقت علي أمته ، فما وقع من التفريق ، محمول علي الاستحباب » . روضة المتقين ، ج 2 ، ص 236 .
2 . الكليني : « عن محمد بن يحيي ، عن احمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن عبداللّه بن بكر ، عن زرارة ، عن أبي عبداللّه (علیه السلام) قال : صلي رسول اللّه (صلی الله علیه و آله) بالناس الظهر و العصر حين زالت الشمس في جماعة من غير علة ، و صلي بهم المغرب و العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق من غير علة في جماعة ، و انما فصّل رسول اللّه (صلی الله علیه و آله) ليتسع الوقت علي أمتّه » . الكافي ج 3 ، ص 286 ، ح 1 ؛ عنه الوسائل ج 4 ، ص 222 ، ح 8 ؛ رواه الشيخ في التهذيب ج 2 ، ص 263 ح 1046 ؛ الاستبصار ج 1 ، ص 271 ، ح 981 ؛ الصدوق في علل الشرايع ، ص 321 ، ب 11 ، ح 3 .
اقول : وثقّة المجلسي . مراة العقول ، ج 15 ، ص 51 .
3 . « و عنه : – محمد بن يحيي – عن محمد بن أحمد ، عن عباس الناقد ، قال : تفرّق ما كان في يدي و تفرق عنّي حر فائي فشكوتُ ذلك إلي أبي محمد (صلی الله علیه و آله) فقال لي : إجمع بين الصلاتين الظهر و العصر تري ما تحب » . الكافي ، ج 3 ، ص 287 ، ح 6 ؛ التهذيب ، ج 2 ، ص 263 ، ح 1049 .
قال المجلسي : مجهول ، و كأنّه كان مجيئه الي الصلوة مكرراً سبباً لتفرق الحرفاء و قال القاموس : حريفك معاملك في حرفتك . . . . مراة العقول ، ج 15 ، ص 53 .
و قال في الملاذ : « مجهول و يدل علي رجحان الجمع لهذه العلة » . ملاذ الاخيار ، ج 4 ، ص 331 .
4 . الطوسي : « . . . باسناده عن سعد بن عبداللّه ، عن محمد بن الحسين عن موسي بن عمر ، عن عبداللّه بن المغيرة ، عن إسحاق بن عمار ، قال سألتُ ابا عبداللّه (علیه السلام) نجمع بين المغرب و العشاء في الحضر قبل أن يغيب الشفق من غير علة؟ قال : لاباس » . التهذيب ، ج 2 ، ص 263 ، ح 1047 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 272 ، ح 982 ؛ الوسائل ، ج 4 ، ص 223 ، ب 21 و 11 .
قال المجلسي « مجهول او موثق علي الظاهر ، قال الوالد العلامة طاب ثراه : موسي بن عمر لعله ابن بزيع الموثق ، و يحتمل أن يكون موسي بن عمر بن يزيد غير الموثق » . ملاذ الاخيار ، ج 4 ، ص 330 .
5 . الطوسي : « باسناده عن الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن اذينه عن رهط منه الفضيل و زرارة ، عن أبي جعفر (علیه السلام) أن رسول اللّه (صلی الله علیه و آله) جمع بين الظهر و العصر بأذان و إقامتين ، و جمع بين المغرب و العشاء بأذان واحد و إقامتين . التهذيب ، ج 3 ، ص 18 ، ح 66 ؛ عنه الوسائل ، ج 4 ، ص 223 ، ب 31 و 11 .
اقول : و ثقه المجلسي ، و له بيان مرتبط بالاذان الثالث . ملاذ الاخيار ، ج 4 ، ص 674 .
6 . الصدوق : « . . . عن اسحاق بن عمار ، عن ابي عبداللّه (علیه السلام) قال : إن رسول اللّه (صلی الله علیه و آله) صلّي الظهر و العصر في مكان واحد من غير علة و لا سبب ، فقال له عمر – و كان اَجْرأ القوم عليه – أحَدَث في الصلاة شي؟ قال : لا ، ولكن أردتُ أن اوسَّع علي أمتي » . علل الشرايع ، ص 321 ، ح 1 ، ب 11 ؛ عنه الوسائل ، ج 4 ، ص 221 ، ب 32 و 2 .
7 . و عنه : « . . . عن عبدالملك القمي ، عن أبي عبداللّه (علیه السلام) قال : قلت له : أجمع بين الصلاتين من غير علة؟ قال : قد فعل ذلك رسول اللّه (صلی الله علیه و آله) أراد التخفيف عن أمته » . علل الشرايع ، ص 321 ، ح 2 ، ب 11 ؛ الوسائل ، ج 4 ، ص 221 ، ب 31 و 3 .
8 . و عنه : « . . عن أبي الزبير ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : جمع رسول اللّه (صلی الله علیه و آله) بين الظهر و العصر من غير خوف و لا سفر ، فقال : اراد أن لا يحرج احدٌ من أمته » . علل الشرايع ، ص 321 ، ح 4 ، ب 11 ؛ الوسائل ، ج 4 ، ص 221 ، ب 31 ، ح 4 .
9 . و عنه : « . . . عن أبي يعلي بن الليث و الي قم ، عن عون بن جعفر المخزومي ، عن داود بن قيس الفراء ، عن صالح ، عن ابن عباس ، ان رسول اللّه (صلی الله علیه و آله) جمع بين الظهر و العصر و المغرب و العشاء ، من غير مطر و لا سفر ، فقيل لابن عباس : ما أراد به؟ قال : أراد التوسيع لاُمته » . علل الشرايع ، ص 322 ، ح 6 ، ب 11 ؛ الوسائل ، ج 4 ، ص 221 ، ب 31 ، ح 5 .
10 . و عنه : « . . . عن طاووس ، عن ابن عباس إن رسول اللّه (صلی الله علیه و آله) جمع بين الظهر و العصر و المغرب و العشاء ، في السفر و الحضر » . علل الشرايع ، ص 322 ، ح 7 ، ب 11 ؛ الوسائل ، ج 4 ، ص 222 ، ب 31 ، ح 6.
11 . و عنه : « . . . عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن نافع ، عن عبداللّه بن عمر أن النبي (صلی الله علیه و آله) صلّي بالمدينة مقيماً غير مسافر ( جميعاً ، و تماماً جمعاً ) » . علل الشرايع ، ص 322 ، ح 8 ، ب 11 ؛ الوسائل ، ج 4 ، ص 222 ، ب 31 ، ح 7 .
قال المجلسي : « و لم اقف علي ما ينافي إستحباب التفريق من رواية الاصحاب سوي ما رواه عباس الناقد ( و هي الثالثة هنا ) و هو إن صحّ أمكن تأويله بجمع لا يقتضي طول التفريق لامتناع أن يكون ترك النافلة بينها مستحباً ، او يحمل علي ظُهر الجمعة ، اما باقي الأخبار فمقصورة علي جواز الجمع و هو لا ينافي إستحباب التفريق . مراة العقول ، ج 15 ، ص 52 .
12 . الصدوق : « . . . سعيد بن علامة ، عن اميرالمؤمنين (علیه السلام) قال : الجمع بين الصلاتين ، يزيد في الرزق » . الخصال ، ص 504 ، ح 2 ؛ عنه المستدرك ، ج 3 ، ب 26 ، ح 1 .
13 . العياشي : « محمد بن مسلم ، عن أحدهما (علیه السلام) ، قال في صلاة المغرب في السفر : « لا يضرك أن توخر ساعة ثم تصليهما إن احببت أن تصلي العشاء الآخرة ، و إن شئت مشيت ساعة الي أن يغيب الشفق ، إن رسول اللّه (صلی الله علیه و آله) صلّي صلاة الهاجرة و العصر جميعاً ، و المغرب و العشاء الآخرة جميعاً ، و كان يؤخر و يقدم ، إن اللّه تعالي قال : ( إن الصلاة كانت علي المؤمنين كتاباً موقوتا ) . النساء ، آيه 103 .
انما عني وجوبها علي المؤمنين ، لم يعن غيره ، انه لو كان كما يقولون ، لم يصلّ رسول اللّه (صلی الله علیه و آله) هكذا و كان أخبرو اعلم و لو كن خيراً لأمر به محمد (صلی الله علیه و آله) » . تفسير العياشي ، ج 1 ، ص 273 ، ح 258 ؛ عنه البرهان ، ج 1 ، ص 412 ، ح 5 .
ما يستدل مرجوحية الجمع :
1 . صحيح زرارة : « قلت لأبي عبداللّه (علیه السلام) : أصوم فلا أقيل حتي تزول الشمس فاذا زالت الشمس صليت نوافلي ثم صليت الظهر ، ثم صليت نوافلي ، ثم صليت العصر ، ثم نمتُ و ذلك قبل أن يصلي الناس؟ فقال : يا زرارة اذا زالت الشمس فقد دخل الوقت ، ولكني اكره لك أن تتخذه وقتاً دائماً » . الوسائل ، المواقيت ، ج 4 ، ص 134 ، باب 5 ، ح 10 .
2 . خبر ابن ميسرة قال : قلت لأبي عبدللَّه (علیه السلام) : إذا زالت الشمس في طول النهار ، للرجل أن يصلي الظهر و العصر؟ قال : نعم ، و ما أحب أن يفعل ذلك كل يوم . الوسائل ، المواقيت ج 4 ، ص 218 ، ح 15 .
3 . صحيح الحلبي عن أبي عبداللّه (علیه السلام) قال : كان رسول اللّه إذا كان في سفرٍ او عجّلتْ به حاجة ، يجمع بين الظهر و العصر و بين المغرب و العشاء . . . . الوسائل ، المواقيت ، ج 4 ، ص 218 ، باب 31 ، ح 3 و 102 .
ربّما يظهر من الخبر ان الجمع كان لعذر من سفر ، او مطر او . . . .
4 . خبر ابن علوان ، عن علي (علیه السلام) : قال : كان رسول اللّه (صلی الله علیه و آله) يجمع بين المغرب و العشاء في الليلة المطيرة فعل ذلك مراراً . الوسائل ج 4 ، ص 218 ؛ المواقيت ، باب 31 ، ح 6 .
5 . عن صفوان الجمال قال : صلّي بنا ابو عبداللّه (علیه السلام) الظهر و العصر عند ما زالت الشمس بأذان و إقامتين ، و قال : إنّي علي حاجة فتنفّلوا . الوسائل ، المواقيت ج 4 ، ص 218 ، باب 31 ، ح 3 .
و الجواب : عن الاول و الثاني ، فانهما صدرالأجل إخفاء الراويين علي العامة و عدم تظاهرهما بما كان من عادة الشيعة ، و يشهد له رواية ابي خديجة : « عن أبي عبداللّه (علیه السلام) قال سأله إنسان و أنا حاضر ، فقال : ربما دخلت المسجد و بعض أصحابنا يصلّون العصر و بعضهم يصلّي الظهر؟ فقال : أنا أمرتهم بهذا لو صلّوا علي وقت واحد عرفوا فأخذوا وابرقابهم » . الوسائل ، ج 4 ، ص 136 ، المواقيت ، باب 7 ، ح 3 .
اما الرواية الاخيرة فلا دلالة لها علي الكراهة الا من التمسك بمفهوم اللقب الذي هو من ارادأ المفاهيم سيّما مع وجود الإطلاقات التي مفادها جواز الجمع سواء مع العذر ام بغيره .
ثم بناء علي ان الامام (علیه السلام) يكره عدم حصول التفريق بقوله : « ولكنّي اكره لك أن تتخذه وقتاً دائماً » . قد أجابوا بما يلي :
لقد اجاب السبزواري بأجوبة فمنها : « يمكن ان تكون كراهته (علیه السلام) لأن هذا النحو من التفريق كان من شعار الشيعة ، فكره (علیه السلام) ان يعرف زرارة بهذا الشعار حتي يصير مورد شماتة الأعداء ، و مقتضي القاعدة أن العام و المطلق متبعان ما لم يدل دليل خاص ظاهر او مقيد كذلك علي الخلاف و هما منفيان في المقام » . مهذب الاحكام ، ج 5 ، ص 86 .
آراء الفقهاء :
1 . السيد الخوئي : « و المتحصل الي هنا انه لم يدلّنا اي دليل علي المنع علي الجمع بين الصلاتين جمعاً تكوينياً خارجياً أعني مجرد الاتصال بينهما و ان كان استحباب التفرقة بين الصلاتين هو المشهور عند الأصحاب ، إلّا انه كما تقدم مما لا أساس له . و إنما الكراهة في الجمع بينهما في الوقت بمعني اتيان صلاة في وقت الفضيلة لصلاة اُخري كما مرّ » . شرح العروة الوثقي ، ج 1 ، ص 321 .
2 . السيد اليزدي : « يستحب التفريق بين الصلاتين في الوقت كالظهرين و العشائين و يكفي مسماه » . العروة الوثقي ، ج 1 ، ص 372 .
اذن ، لا خلاف عندنا في عدم وجوب التفرقة بين الصلوات ثم الاختلاف في استحباب التفرقة كما هو المشهور عندنا ، او كراهة الجمع بمعني اتيان صلاة الظهر مثلاً في وقت فضيلة العصر . . . .
3 . السبزواري : « ثم ان مقتضي الأصل عدم الكراهة في الجمع ، و يشهد له قول الصادق (علیه السلام) و تفريقها افضل إذا لا يستفاد منه مرجوحية الجمع ، بل له الفضل ايضا لكن الأفضل التفريق اِلّا أن يكون من قبيل قوله تعالي : اولو الارحام بعضهم اولي ببعض » بنحو أصل الرجحان و مرجوحية خلافه ، ولكنه ممنوع و يظهر من جملة من الأخبار ايضاً عدم مرجوحيته ، ففي صحيح ابن سنان عن الصادق (علیه السلام) . . . من غير علة . . . ، و خبر ابن عمار . . . اردت ان اوسع علي امتي . . . و صحيح زرارة : انما فعَلَ رسول اللّه (صلی الله علیه و آله) ليتسع الوقت علي أمته . . . » . مهذب الاحكام ، ج 5 ، ص 87 .
الاحاديث من طرق السنة
1 . عن ابن عباس قال : صليت مع رسول اللّه (صلی الله علیه و آله) ثمانياً جميعاً و سبعاً جميعاً ، قال عمرو بن دينار ، قلت : يا أبا الشعثاء ، أظنه أخَّر الظهر و عجّل العصر ، و أخر المغرب و عجل العشاء . . . قال : و أنا اظن ذلك . البخاري ، ج 2 ، ص 72 ؛ مسلم ، ج 2 ، ج 152 ؛ احمد ، ج 1 ، ص 221 .
2 . عن حبيب بن ابي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : جمع رسول اللّه (صلی الله علیه و آله) : بين الظهر و العصر و المغرب و العشاء بالمدينة في غير خوف و لا مطر . مسلم ، ج 2 ، ص 152 ؛ الموطا ، ج 1 ، ص 144 ؛ الترمذي ، ج 1 ، ص 354 ؛ اخرجه احمد عن جابر بن زيد : ج 1 ، ص 221 .
3 . عن ابن عباس قال : صلي رسول اللّه (صلی الله علیه و آله) في المدينة مقيما غير مسافر سبعا و ثمانيا الظهر و العصر ، و المغرب و العشاء . مسلم ، ج 2 ، ص 152 ؛ البخاري ، ج 1 ، ص 147 ؛ احمد ، ج 1 ، ص 221 .
4 . روي مسلم في حديث و كيع : قال : قلت لابن عباس لِمَ فعل ذلك؟ قال : كي لا يحرج أمته . و في حديث ابن معاوية : قيل لابن عباس : ما اراد الي ذلك؟ قال : اراد أن لا يحرج أمته .
5 . عن عبداللّه بن شفيق العقيلي : قال : خطبنا ابن عباس يوماً بعد العصر حتي غربت الشمس و بدت النجوم و جعل الناس يقولون : الصلاة الصلاة ، قال : فجاء رجل من بني تميم لا يفترُ و لا ينثني يقول : الصلاة الصلاة ، فقال ابن عباس : أتعلّمني بالسنة لا امَّ لك؟! ثم قال : رأيت رسول اللّه (صلی الله علیه و آله) جمع بين الظهر و العصر و المغرب و العشاء ، قال عبداللّه بن شفيق : فحاك في صدري من ذلك شي ء ، فأتيت أبا هريرة فسألته فصدَّق مقالته . مسند احمد ، ج 1 ، ص 251 ؛ صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 154 ؛ شرح معاني الاثار للطحاوي و ابو داود الطياسي في مسنده .
قال الامام شرف الدين : « من هوان الدنيا علي اللّه تعالي و هوان آل محمد (صلی الله علیه و آله) علي هولاء أن يحوك في صدورهم شي ءٌ من ابن عباس فيسألوا ابا هريرة ، وليتهم بعد تصديق أبي هريرة عملوا بالحديث . مسائل فقهية خلافية ، ص 10 .
6 . عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس ، إن النبي (صلی الله علیه و آله) صلي بالمدينة سبعاً و ثمانياً الظهر و العصر و المغرب و العشاء . فقال ايوب : لعله في ليلة مطيرة؟ قال عسي . البخاري ، ج 1 ، ص 143 .
7 . ارسل البخاري عن ابن عمر و أبي أيوب و ابن عباس ، أنَّ النبي (صلی الله علیه و آله) صلي المغرب و العشاء – يعني جمعها في وقت احداهما دون الاخري . البخاري ، ج 1 ، ص 148 .
8 . مسلم ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، قال : صلي رسول اللّه (صلی الله علیه و آله) الظهر و العصر جميعاً بالمدينة في غير خوف و لا سفر . قال ابو الزبير : فسألت سعيداً لِمَ فعل ذلك؟ فقال : سألتُ ابن عباس كما سألتني ، فقال : أراد أن لا يحرج أحداً من أمته . مسلم ، ج 2 ، ص 151 .
9 . ابو داود : عن ابن عباس : جمع رسول اللّه (صلی الله علیه و آله) بين الظهر و العصر و المغرب و العشاء بالمدينة من غير خوف و لا مطر . فقيل لابن عباس ما أراد الي ذلك؟ قال : اراد أن لا يحرج أمته . سنن ابي داود ، ج 2 ، ص 6 ، ح 1211 و 1214 .
10 . و اخرج عنه ايضا : صلّي بنا رسول اللّه (صلی الله علیه و آله) بالمدينة ثمانيا و سبعاً ، الظهر و العصر و المغرب و العشاء . سنن ابي داود ، ج 2 ، ص 6 ، ح 1211 و 1214 .
11 . النسائي : عن ابن عباس قال : صلي رسول اللّه (صلی الله علیه و آله) الظهر و العصر جميعاً ، و المغرب و العشاء جميعاً ، من غير خوف و لا سفر . النسائي ، ج 1 ، ص 290 ؛ و فيه ايضا : صليت وراء رسول اللّه (صلی الله علیه و آله) ثمانيا جميعاً و سبعاً جميعاً .
12 . النسائي : إن النبي (صلی الله علیه و آله) كان يصلي بالمدينة يجمع بين الصلاتين الظهر و العصر و المغرب و العشاء ، من غير خوف و لا مطر ، قيل له : لِمَ؟ قال : لئلا يكون علي امته حرج . سنن النسائي ، ج 1 ، ص 290 .
13 . النسائي : عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس ، انه صلي بالبصرة ، الاولي و العصر ليس بينها شي ء و المغرب و العشاء ليس بينهما شي ء فعل ذلك من شغل ، و زعم ابن عباس انه صلي مع رسول اللّه (صلی الله علیه و آله) بالمدينة ، الاولي و العصر ثماني سجدات ليس بينها شي . النسائي ، ج 1 ، ص 286 ؛ حلية الاولياء ، ج 3 ، ص 90 ؛ الطيالسي ، ج 10 ، ص 341 ، ح 2613 .
14 . قال ابن عمر : جمع لنا رسول اللّه (صلی الله علیه و آله) مقيماً غير مسافر بين الظهر و العصر ، و المغرب و العشاء ، فقال رجل لابن عمر : لِمَ تري النبي (صلی الله علیه و آله) فعل ذلك؟ قال : لئلا يحرج أمته إن جمع رجلٌ . مصنف عبدالرزاق ، ج 2 ، ص 556 ، ح 4437 ؛ كنزالعمال ، ج 2 ، ص 242 ، ح 5078 .
15 . ابو نعيم عن ابن عباس ، قال : جمع رسول اللّه (صلی الله علیه و آله) ثمان ركعات جميعاً ، و سبع ركعات جميعاً ، من غير مرض و لاعلة . حلية الاولياء ، ج 3 ، ص 90 .
16 . الطبراني : عبداللّه بن مسعود قال : جمع رسول اللّه (صلی الله علیه و آله) – يعني بالمدينة – بين الظهر و العصر ، و المغرب و العشاء ، فقيل له في ذلك ، فقال : صنعتُ ذلك لئلا تحرج أمتي . المعجم الصغير ، ج 2 ، ص 94 ؛ المعجم الكبير ، ج 10 ، ص 269 ، ح 10525 .
17 . الطحاوي ، عن جابر بن عبداللّه (علیه السلام) جمع رسول اللّه (صلی الله علیه و آله) بين الظهر و العصر و المغرب و العشاء بالمدينة للرحض من غير خوف و لا علة . معاني الاثار ، ج 1 ، ص 161 .
هذه نبذة من الاحاديث الصحيحة في الجمع بين الصلاتين ، و اوردها ارباب الصحاح و السنن و المسانيد ، و هي حجة ، علي من لا يري الجمع بينها ، و حجة لمن يجمع بينها ، و لا يضر بذلك عدم عمل جمهور أهل السنة بذلك .
التأويلات :
حاول جمع منهم تأويل احاديث الجمع بين الصلاتين بما فيه تمحّل و تكلف بيّن .
1 . الغلط و الوهم من الراوي كما عن الدهلوي : « و ليعلم أن ما وقع في الحديث من قوله صلي بالمدينة وَ هْم من الراوي ، بل كان ذلك في سفر . شرح تراجم ابواب البخاري ، ص 12 ، ط كراتشي .
و هو كما تري اذ روي الطبراني باسناده عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : صلي رسول اللّه (صلی الله علیه و آله) ثمانياً جميعاً و سبعاً جميعاً مقيما في غير سفر ، فقلت : اين كان؟ قال : بالمدينة . المعجم الاوسط ، ج 3 ، ص 176 .
2 . إن الجمع كان لعذر المطر و هذا الوجه منقول عن جمع من كبار المتقدمين .
الف ) و قد اجاب النووي عنه بقوله : و هو ضعيف بالرواية الاخري من غير خوف و لا مطر .
ب ) قال ابن حجر : احتمال المطر ، قال به ايضا مالك عقب إخراجه لهذا الحديث – يعني حديث جابر بن زيد عن ابن عباس . . . قال بدل قول : « بالمدينة » من غير خوف و لا سفر . قال مالك : لعله كان في مطر . لكن رواه مسلم و اصحاب السنن من طريق حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير بلفظ : من غير خوف و لا مطر ، فانتفي ان يكون الجمع المذكور للخوف او السفر او المطر . فتح الباري ، ج 2 ، ص 30 .
اقول : يري الخطابي ضعف حديث حبيب فيقول : هذا حديث لا يقول به اكثر الفقهاء و اسناده جيد الّا ما تكلموا من أمر حبيب . معالم السنن ، ج 2 ، ص 55 ؛ انظر : عون المعبود ، ج 1 ، ص 469 .
ولكن يرده قول الذهبي : « احتج به كل من أفراد الصحاح بلا تردد ، و ثقّه يحيي و جماعة . ميزان الاعتدال ، ج 1 ، ص 451 .
و قال ابن عدي : هو اشهر و اكثر حديثاً من أن أحتاج اذكر من حديثه شيئاً ، و قد حدث عنه الائمة ، و هو ثقة حجة – كما قال ابن معين . الكمال في الضعفاء ، ج 2 ، ص 406 ؛ تهذيب التهذيب ، ج 1 ، ص 430 .
ج ) قال المحقق ابن الصديق – رداً علي هذا التأويل – : ان النبي (صلی الله علیه و آله) صرح بأنه فعل ذلك ليرفع الحرج عن أمته ، و بيّن لهم جواز الجمع إذا احتاجوا اليه . . . . إن ابن عباس الراوي لهذا الحديث أخَّر الصلاة و جمع لأجل إنشغاله بالخطبة ، ثم احتجَّ بجمع النبي (صلی الله علیه و آله) و لا يجوز أن يحتج بجمع النبي (صلی الله علیه و آله) للمطر و هو عذر بيّن ظاهر – علي الجمع لمجرد الخطبة او الدرس الذي في امكانه أن يقطعه للصلاة ثم يعود اليه او ينتهي منه عند وقت الصلاة و لا يلحقه فيه ضرر و لا مشقة كما يلحق الانسان في الخروج في حالة المطر و الوحل . ازالة الحظر عمن جمع بين الصلاتين في الحضر ، ص 116 .
الثالث : انه كان في غيم فصلي الظهر ثم انكشف الغيم و بان أن وقت العصر قد دخل ، فصلاها .
و فيه ما لا يخفي من التكلف و قد اجاب المازري : و هذا يضعفه جمعه بالليل لانه لا يخفي دخول الليل حتي يلتبس دخول المغرب بوقت العشاء و لو كان الغيم . شرح صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 410 .
الرابع : كان ذلك بعذر المرض و نحوه من الاعذار . و قواه بل اختاره النووي في شرحه و نسبه الي احمد بن حنبل و القاضي حسين و الخطابي و المتولّي و الروياني . شرح صحيح مسلم ، ج 3 ، 410 .
و فيه ما لا يخفي فانه مخالف لظاهر الاحاديث . و قد ناقشه كلَّ من العسقلاني و الزرقاني و الشوكاني : قال العسقلاني الشافعي : « فيه نظر لانه لو كان جمعه بين الصلاتين لعارض المرض لما صلي معه الّا من به نحو ذلك العذر ، و الظاهر أنه (صلی الله علیه و آله) صلّي بأصحابه ، و قد صرّح بذلك ابن عباس في روايته . فتح الباري ، ج 2 ، ص 30 ؛ شرح الموطا ، ج 1 ، ص 263 ؛ نيل الاوطار ، ج 3 ، ص 216 .
أضف الي ذلك : ان المشهور عند الشافعية بل عن الترمذي اجماع الامة ، علي عدم جواز الجمع للمريض . فتح الباري ، ج 2 ، ص 50 ؛ كفاية الاخيار للحصني ، ص 89 .
الخامس : ان الجمع كان لأجل مشقة عارضة في ذلك اليوم ، من مرض غالب ، او برد شديد ، او وحل و نحو ذلك ، و هذا تأويل بن باز معجبا بهذا التأويل قائلا : « و هو جواب عظيم سديد شاف » . شرح صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 30 .
قال ابن المنذر – رداً علي هذا الاحتمال : « لا معني لحمل الأمر فيه علي عذر من الاعذار ، لأن ابن عباس قد أخبر بالعلة فيه و هو قوله : أراد أن لا يحرج أمته » . معالم السنن ، ج 2 ، ص 55 ، ح 1167 .
السادس : ان الجمع مختص بمسجد النبي (صلی الله علیه و آله) لفضله . اجاب عنه الغماري المغربي : « يكفي في إبطاله أن دعوي الخصوصية لا تثبت الا بدليل ، و أنّ مثل هذه الدعوي لا يعجز عنها أحد في كل شي ء أراد نفيه من أنواع التشريعات ، فأي فرق بين ادعاء الخصوصية في الجمع بين الصلاتين و ادعائها في الجماعة مثلا . و أنها خاصة بمسجد رسول اللّه (صلی الله علیه و آله) لفضله؟ و كذلك في الجمعة و أنها خاصة بمسجده و بزمانه و استماع خطبه و كلامه؟ و ما عدا مسجده و زمانه فلا تشرع جمعة و لا جماعة و هكذا سائر افعاله التي قام الدليل علي وجوب التأسّي به فيها او استحبابه و لانه لا يجوز ادعاء الخصوصية به او بمكانه او زمانه إلّا بدليل يدل علي ذلك . فكيف و قد جمع بعرفة ، و مزدلفة ، و مني ، و تبوك و كثير من البقاع في أسفاره و غزواته؟ و جمع بعده أصحابه في أسفارهم و أوقات ضروراتهم فهو دليل قاطع علي بطلان هذا التأويل .
السابع : إن الجمع صوري
توضيحه : إن الجمع علي قسمين حقيقي و صوري ، أمّا الحقيقي : معناه الجمع بين الصلاتين في وقت إحدهما كما في يوم عرفه و ليلة المزدلفة .
و امّا الصوري : تأخير الظهر الي اخر وقتها و تعجيل العصر في اوّل وقتها و قد اختاره الأَحناف و المازري . و عياض و القرطبي و ابن سيد الناس ، و إمام الحرمين ، و العسقلاني انظر : ازالة الحظر ممن جمع بين الصلاتين في الحضر ، ص 91 ؛ نيل الاوطار ، ج 3 ، ص 219 . و أمّا النسبة بين حديث ابي الشعثاء و احاديث الباب نسبة المقيد الي المطلق . انظر ، سبل السلام للصنعاني ، ج 2 ، ص 43 .
و قد ناقشه جمع من العامة و ردّه ابن الصديق ، بعشرين وجها . كما ناقش الخطابي هذا الاحتمال و فيما يلي نص كلامه : « ظاهر إسم الجمع عرفا لا يقع علي من أخّر الظهر حتي صلاها في آخر وقتها و عجّل العصر فصلاها في اوّل وقتها ، لان هذا قد صلّي كل صلاة منها في وقتها الخاص بها . . . و انما الجمع المعروف بينهما أن تكون الصلاتان معا في وقت احداهما ، الاتري أن الجمع بعرفة بينهما و مزدلفة كذلك . معالم السنن ، ج 2 ، ص 52 ، ح 1163 ؛ عون المعبود ، ج 1 ، ص 468 .
ما يستدل به علي الجمع الصوري :
الاول : عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس قال : صليتُ مع النبي (صلی الله علیه و آله) بالمدينة ثمانياً جميعا و سبعاً جميعاً أَخّر الظهر و عجلّ العصر ، و أخرّ المغرب و عجلّ العشاء .
و قد استدل الشوكاني بهذا الدليل قائلا : فهذا ابن عباس راوي الحديث قد صرّح بأنَّ ما رواه من الجمع المذكور هو الجمع الصوري . نيل الاوطار ج 3 ، ص 216 .
و الجواب : ان التعجيل و التأخير المذكورين – اي التفسير – في الحديث انما هو من الراوي اي ابا الشعثاء جابر بن زيد . لامن ابن عباس و يشهد لذلك ما اورده الصحيحان : عن عمرو بن دينار : يا ابا الشعثاء : أظنه اخر الظهر و عجلَّ العصر ، و أخر المغرب و عجل العشاء ، قال ابو الشعثاء : و أنا اظن ذلك .
و قد صرح ابن شاكر في تعليقه علي مسند احمد قائلا : « انَّ هذا الجمع الصوري من تأويل أبي الشعثاء و لا حجة فيه » . تعليق ابن شاكر علي مسند احمد ، ج 3 ، ص 280 ، ح 1918 ، ط دارالمعارف مصر .
الثاني : ان النبي (صلی الله علیه و آله) لم يصلَّ في غير الوقت الا صلاتين : المغرب و العشاء بمزدلفة و الفجر قبل وقتها . علي ما رواه البخاري و النسائي و ابو داود و الموطأ عن ابن مسعود : ما رأيت رسول اللّه (صلی الله علیه و آله) صلي صلاة لغير ميقاتها إلّا صلاتين ، جمع المغرب و العشاء بالمزدلفة و صلي الفجر يومئذ قبل وقتها . انظر نيل الاوطار ، ج 3 ، ص 245 ؛ فتح الباري ، ج 2 ، ص 31 .
و يرد عليه اولا : هذا الحصر ينافي جمع النبي (صلی الله علیه و آله) بين الصلاتين في عرفة ، و في السفر ، فلا يمكن الأخذ بهذا الحديث .
قال النووي : هو متروك الظاهر بالاجماع في صلاتي الظهر و العصر بعرفات . شرح النووي ، ج 5 ، ص 413 ؛ حاشية السندي ، ج 1 ، ص 292 .
ثانيا : ينافي ما ورد عن ابن عباس ، بل و عن ابن مسعود نفسه من الجمع في المدينة ، و ما ورد من جمع ابن عباس بالبصرة .
الثالث : ما عن ابن عمر : خرج علينا رسول اللّه (صلی الله علیه و آله) فكان يؤخر الظهر و يعجل العصر فيجمع بينهما ، و يؤخر المغرب و يعجّل العشاء فيجمع بينهما . و قد اشار اليه الشوكاني قائلا : و هذا هو الجمع الصوري ، و ابن عمر هو ممن روي جمعه (صلی الله علیه و آله) بالمدينة ، كما أخرج ذلك عبدالرزاق . شرح المنتقي ، ج 3 ، ص 246 ، 247 .
و الجواب : اولا : لم يعلم أن الجمع كان في السفر ام في الحضر!
ثانيا : ورد عن ابن عمر صريحاً بجمع النبي (صلی الله علیه و آله) في الحضر .
روي ابن عمر : جمع لنا رسول اللّه (صلی الله علیه و آله) مقيماً غير مسافر بين الظهر و العصر و المغرب و العشاء ، فقال رجل لابن عمر : لِمَ تري النبي (صلی الله علیه و آله) فعل ذلك؟ قال : لئلا يحرج أمته إن جمع رجل . مصنف عبدالرزاق . ج 2 ص 556 ح 4437
كما ثبت ان النبي (صلی الله علیه و آله) جمع في السفر بين الصلاتين . روي أنس بن مالك ، قال : كان رسول اللّه (صلی الله علیه و آله) اذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخرَّ الظهر الي وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما . مسلم . ج 2 : ص 102
علق النووي قائلا : و هو صريح في الجمع في وقت الثانية . شرح النووي ، ج 3 ، ص 406 – 410 .
تصريح النووي : « و هذا – يعني التأويل بالجمع الصوري – ضعيف او باطل ، لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل فعل ابن عباس الذي ذكرناه حين خَطَب و استدلاله بالحديث لتصويب فعله ، و تصديق أبي هريرة له و عدم إنكاره ، صريح في ردِّ هذا التأويل . شرح النووي ، ج 3 ، ص 406 – 410 .
هل قول ابن عباس خلاف الاجماع؟
ادعي الترمذي و تقي الدين السبكي اجماع اهل العلم علي ترك العمل بحديث ابن عباس . رسالة الاجتماع و الافتراق المطبوعة ضمن « الدرة المضيئة » ، ص 22 ؛ سنن الترمذي ، كتاب العلل ، ج 5 ، ص 736 .
اقول و هي دعوي باطلة و يشهد بذلك :
1 . قال الامام النووي في شرح صحيح مسلم : اما حديث ابن عباس ، فلم يجمعوا علي ترك العمل به ، بل لهم اقوال . شرح صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 410 .
2 . قال الالوسي ردا علي كلام الترمذي : انه ناشيٌ من عدم التتبع . روح المعاني ، ج 15 ، ص 134 .
3 . قال الشوكاني : و قد استدل بحديث الباب القائلون بجواز الجمع مطلقاً بشرط أن لا يتخذ ذلك خلقا و عادة . نيل الاوطار ، ج 3 ، ص 216 .
4 . قال الشوكاني : « و رواه ابن مظفر في البيان عن علي (علیه السلام) و زيد بن علي و الهادي و أحد قولي الناصر و أحد قولي المنصور » . نيل الاوطار ، ج 3 ، ص 216 .
5 . و حكي في البحر عن البعض أنه – منع الجمع – اجماع ، و مَنَع ذلك مسنداً بأنه قد خالف في ذلك من تقدم . نيل الاوطار ، ج 3 ، ص 216 .
اقوال فقهاء العامة في جواز الجمع
1 . قال ابن رشد : « أما الجمع فانه يتعلق به ثلاث مسائل : احداها جوازه و . . . اما جوازه فإنهم أجمعوا علي أنَّ الجمع بين الظهر و العصر في وقت الظهر بعرفة سنّة ، و بين المغرب و العشاء بالمزدلفة ايضاً في وقت العشاء سنّة ايضاً و اختلفوا في الجمع في غير هذين المكانين ، فأجازه الجمهور علي إختلاف بينهم في المواضع التي يجوز فيها من التي لا يجوز و منعه ابو حنيفة و أصحابهُ بأطلاق . . . . » . بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 170 .
2 . السرخسي : « قال مالك اذا زالت الشمس دخل وقت الظهر فاذا مضي بقدر ما يصلي فيه اربع ركعات دخل وقت العصر ، فكان الوقت مشتركاً بين الظهر و العصر الي أن يصير الظل قامتين لظاهر حديث إِمامة جبرئيل » . المبسوط السرخسي ، ج 1 ، ص 143 ؛ انظر المجموع ، ج 4 ، ص 384 ؛ حلية العلماء ، ج 2 ، ص 244 ؛ المغني ، ج 1 ، ص 382 .
3 . ابن حجر : و ممن قال به ابن سيرين و ربيعة و أشهب من أصحاب مالك و ابن المنذر و القفال الكبير ، و حكاه الخطابي عن جماعة من اصحاب الحديث و اضاف : ما ذكره ابن عباس من التعليل بنفي الحرج ظاهر في مطلق الجمع . فتح الباري ، ج 2 ، ص 31 .
4 . ابن رشد : اجازه جماعة من أهل الظاهر . بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 177 .
5 . قال النووي : و يؤيده ظاهر قول ابن عباس : اراد أن لا يحرج أمته ، فلم يعلله بمرض و لا غيره .
6 . حامد بن حسن : « روي جواز الجمع بغير عذر عن عبداللّه بن الحسن و زيد بن علي و الناصر ، و الحسن بن يحيي بن زيد ، و المتوكل علي اللّه احمد بن سليمان و المهدي احمد بن الحسين ، و المنصور بالله عبداللّه بن حمزة و المتوكل : المطهر بن يحيي ، و ولده المهدي محمد ، و اختاره الحسن بن علي بن داود ، و المنصور باللَّه القاسم بن محمد ، و ولده المؤيد بالله ، و المفتي ، و النخعي و غيرهم . و رواه ابن مظفر في البيان عن علي ( ع ) . قرة العين في الجمع بين الصلاتين ، ص 3 ؛ نيل الاوطار ، ج 3 ، ص 245 .
7 . المحدث بن الصديق الغماري : فانه افرد كتاباً لذلك و سماه : « إزالة الحظر عمن جمع بين الصلاتين في الحضر » . . . ولكنه قيّد الجواز بعدم إتخاذه عادة .
8 . القاضي احمد بن محمد بن شاكر الشافعي : « بعد حكاية مذهب ابن سيرين في جواز الجمع . . . قال : هذا هو الصحيح الذي يؤخذ من الحديث ، و اما التأويل بالمرض او العذر او غيره فانه تكلف لا دليل عليه . و اضاف : و في الاخذ بها رفع كثير من الحرج عن أناس قد تضطرهم أعمالهم او ظروف قاهرة الي الجمع بين الصلاتين ، و يتأثمون بذلك ، ففي هذا ترفيه لهم و إعانة علي الطاعة ما لم يتخذه عادة ، كما قال ابن سيرين . التعليق علي سنن الترمذي لابن شاكر ، ج 1 ، ص 358 .
إستحباب الاخذ بالمرخَّصات الشرعية :
بعد أن ثبت جواز الجمع بين الصلاتين و انه مرخص فيه شرعاً ، ينبغي بل يستحب الاخذ بُرخَص اللّه تعالي ، كما ورد في الاحاديث :
1 . عن ابن عباس عن النبي (صلی الله علیه و آله) إن اللّه يحب أن توتي رُخصهُ كما يحب أن توتي عز ائمه .
2 . عن ابن عمر : قال رسول اللّه (صلی الله علیه و آله) إن اللّه يحب أن توتي رُخصهُ كما لا يحب أن توتي معاصيه.
3 . عن انس بن مالك : إن رسول اللّه (صلی الله علیه و آله) قال : إن اللّه يحب أن تقبل رخصه كما يحب العبد مغفرةربّه .
4 . و عن ابن عمر : قال سمعتُ رسول اللّه (صلی الله علیه و آله) يقول : من لم يقبل رخصة اللّه كان عليه من الأثم مثل جبال عرفة . الدرالمنثور ، ج 1 ، ص 193 .
روايات توهم حرمة الجمع بين الصلاتين :
1 . عن ابن عباس ، قال رسول اللّه (صلی الله علیه و آله) من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتي باباً من ابواب الكبائر . سنن الترمذي ، ج 1 ، ص 356 ، ح 188 ؛ المستدرك علي الصحيحين ، ج 1 ، ص 275 .
ولكن في السند « حنش » و هو لقب الحسين بن قيس الرحبي ابي علي الواسطي ، قال البخاري : احاديثه منكرة جدا و لا يكتب حديثه و قال احمد : ضعيف الحديث ، و كذلك سائر ائمة هذا الفن . تهذيب التهذيب ، ج 1 ، ص 538 .
2 . عن أبي العالية : إن عمر كتب الي أبي موسي الاشعري : اعلم أن جمع ما بين الصلاتين من الكبائر الّا من عذر . السنن الكبري ، ج 3 ، ص 169 .
اقول : و الحديث مرسل صرح بذلك البيهقي قائلا : مرسل ، ابو العالية لم يسمع من عمر ، و تعقبّه ابن التركماني الحنفي : بانه صلي خلف عمر . الجوهر النقي ، ج 3 ، ص 169 .
اقول : ولكن صلاته خلف الخليفة اعم من روايته عنه كما قال العسقلاني : « انه – ابو العالية – دخل علي ابي بكر ، لكن شيئاً من ذلك لا يقتضي السماع – كما لا يخفي – و لقد كان في الصحابة من لقي النبي(صلی الله علیه و آله) و لم يسمع منه . فليس تعقب ابن التركماني بشي ء . لسان الميزان ، ج 7 ، ص 471 .
اضف الي ذلك أن الخليفة لم يرفعه الي النبي (صلی الله علیه و آله) فيحتمل ان يكون ذلك اجتهاداً و رأيا منه و قد صرح الغزالي بعدم حجية قول الصحابي و جعل القول بحجيته من الاصول الموهومة :
قال : « الأصل الثاني من الاصول الموهومة : قول الصحابي ، و قد ذهب قوم الي أنَّ مذهب الصحابي حجة مطلقا . و قوم الي أنه حجة ، إن خالف القياس ، و قوم إلي أن الحجة في قول أبي بكر و عمر ، خاصة لقوله : اقتدوا باللذين من بعدي ، و قوم إلي أن الحجة في قول الخلفاء الراشدين إذا اتفقوا . باطل عندنا ، فإنَّ من يجوز عليه الغلط و السهو و لم تثبت عصمته عنه ، فلا حجة في قوله ، فكيف يحتج بقولهم من جواز الخطاء . المستصفي ، ج 1 ، ص 260 .