قال إبن حَیُّون المغربي: وَ سَأَلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ1 صلوات الله عليه الْمُفَضَّلَ عَنْ أَصْحَابِهِ بِالْكُوفَةِ؟
فَقَالَ: هُمْ قَلِيلٌ.
فَبَلَغَهُمْ ذَلِكَ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِمْ نَالُوا مِنْهُ وَ امْتَهَنُوهُ وَ هَمُّوا بِهِ2وَ تَوَعَّدُوهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ صلوات الله عليه، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ لَهُ: “مَا هَذَا الَّذِي بَلَغَنِي”؟
قَالَ: وَ مَا عَلَيَّ مِنْ قَوْلِهِمْ جُعِلْتُ فِدَاكَ.
قَالَ: “أَجَلْ، بَلْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَ اللَّهِ مَا هُمْ لَنَا بِشِيعَةٍ، وَ لَوْ كَانُوا لَنَا شِيعَةً مَا غَضِبُوا مِنْ قَوْلِكَ وَ لَا اشْمَأَزُّوا مِنْهُ، وَ لَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ شِيعَتَنَا بِغَيْرِ مَا هُمْ عَلَيْهِ، وَ مَا شِيعَةُ جَعْفَرٍ إِلَّا مَنْ كَفَّ لِسَانَهُ، وَ عَمِلَ لِخَالِقِهِ، وَ رَجَا سَيِّدَهُ، وَ خَافَ اللَّهَ حَقَّ خِيفَتِهِ، حَتَّى يَصِيرَ كَالْحَنِيَّةِ3 مِنْ كَثْرَةِ الصَّلَاةِ، وَ كَالنَّاقِهِ4 مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ، وَ كَالضَّرِيرِ5 مِنَ الْخُشُوعِ، وَ كَالضَّانِي6 مِنْ كَثْرَةِ الصِّيَامِ، وَ كَالْأَخْرَسِ مِنْ طُولِ السُّكُوتِ.
أَمْ هَلْ فِيهِمْ مَنْ قَدْ أَدْأَبَ7 لَيْلَهُ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ، وَ أَدْأَبَ نَهَارَهُ مِنَ الصِّيَامِ، أَوْ مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْ لَذَّاتِ الدُّنْيَا وَ نَعِيمِهَا خَوْفاً مِنَ اللَّهِ وَ شَوْقاً إِلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ.
أَنَّى يَكُونُونَ لَنَا شِيعَةً وَ هُمْ يُخَاصِمُونَ عَدُوَّنَا فِينَا حَتَّى يَزِيدُوهُ عَدَاوَةً، وَ يَهِرُّونَ هَرِيرَ الْكِلَابِ8، وَ يَطْمَعُونَ طَمَعَ الْغُرَابِ.
أَمَا وَ اللَّهِ إِنَّهُ لَوْ لَا أَنِّي أَتَخَوَّفُ أَنْ أُغْرِيَهُمْ بِكَ لَأَمَرْتُكَ أَنْ تَدْخُلَ بَيْتَكَ وَ تُغْلِقَ بَابَكَ ثُمَّ لَا تَنْظُرَ لَهُمْ فِي وَجْهٍ مَا بَقِيتَ أَبَداً، وَ لَكِنْ إِذَا جَاءُوكَ تَائِبِينَ فَاقْبَلْ، فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَنَا بَقِيَّةً نَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ”9.
- 1. أي الإمام جعفر بن محمد الصَّادق (عليه السَّلام) ، سادس أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
- 2. هموا بضربه.
- 3. أي القوس.
- 4. النَّاقِه: المريض الذي صحى من مرضه بعد ما ألمَّ به زمناً طويلاً و لا زال نحيلاً.
- 5. الذي ذهب بصره.
- 6. الضاني: من نحل جسمه من شدة الضعف.
- 7. أدأب فلان إذا جدَّ و تعب، و الدأب العادة.
- 8. هرير الكلب: صوته دون نباحه من قلة صبره على البرد.
- 9. دعائم الإسلام (و ذكر الحلال و الحرام و القضايا و الأحكام): 1 / 58 ، لأبي حنيفة النعمان بن أبي عبد الله محمد بن منصور بن احمد بن حَیُّون المغربي، المتوفى سنة: 363 هجرية، الطبعة الثانية سنة: 1427 هجرية، مؤسسة آل البيت (عليهم السَّلام) قم/إيران.