المودة للعترة أو نصب العداوة لهم
و ذلك لكون المودّة فريضة قرآنية كبرى أوجبها الله تعالى على كلّ مسلم و عظّمها في الذكر الحكيم ، قال تعالى : ﴿ … وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ * ذَٰلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ 1، مضافاً إلى ما استفاض بل تواتر من السُنّة النبويّة في حبّ علي و العترة ( عليهم السلام ) ، فمن كان قائماً من الصحابة بهذه الفريضة مراعياً لها كان على حدّ العدالة ، و من كان تاركاً لها ناقضاً لهذا الميثاق فهو خارج عن حدّ العدالة فضلاً عن نصب العداوة للعترة . الذي هو بمثابة الجحود .
وسنرى أنّ من أهل سُنّة الجماعة قد عكس العيار عندهم و جعلوا النصب و العداوة سُنّة يدينون بها .
و لنتعرض للمعيار القرآني و النبوي أوّلاً ، ثم نتبعه بتركهم له ثانياً .
المقام الأوّل: المعيار القرآني و النبوي لفريضة المودّة
فأمّا الآية الشريفة فقبل التعرّض إلى إطار مفادها نذكر :
أوّلاً : مورد نزولها هو أنّ الأنصار و المهاجرين اجتمعوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ، فقالوا : يا رسول الله أنّ لك مؤونة في نفقتك و من يأتيك من الوفود و هذه أموالنا مع دمائنا فاحكم فيها مأجوراً ، اعطِ منها ما شئت و أمسك ما شئت من غير حرج فأنزل الله عزّ و جلّ عليه الروح الأمين ، فقال : يا محمّد قل : ﴿ … قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ … ﴾ 2يعني : أن تودّوا قرابتي من بعدي فخرجوا ، فقال المنافقون : ما حمل رسول الله على ترك ما عرضنا عليه إلاّ ليحثّنا على قرابته من بعده ، إن هو إلاّ شيء افتراه في مجلسه ، فكان ذلك من قولهم عظيماً ، فأنزل الله عزّ و جلّ : ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَىٰ بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ 3فبعث إليهم النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ، فقال : هل من حدث ؟ فقالوا : أي والله قال بعضنا كلاماً غليظاً كرهناه ، فتلا عليهم رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) الآية فبكوا و اشتدّ بكاؤهم فأنزل الله عزّ و جلّ ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾4.
و قد روي قريب منه عن عبد الله بن عبّاس ، كما روي في عدّة مصادر لأهل سُنّة الجماعة أنّهم سألوا : يا رسول الله من قرابتك الذين وجبت علينا مودّتهم ؟ قال : ” علي و فاطمة و ابناهما ( عليهم السلام ) ” 5 .
ثانياً : قال في الكشاف : ” يجوز أن يكون استثناءً متّصلاً أي : لا أسألكم أجراً إلاّ هذا و هو أن تودّوا أهل قرابتي ولم يكن هذا أجراً في الحقيقة لأنّ قرابته قرابتهم فكانت صلتهم لازمة لهم في المروءة ، و يجوز أن يكون منقطعاً أي : لا أسألكم أجراً قط و لكنني أسألكم أن تودّوا قرابتي الّذين هم قرابتكم و لا تؤذوهم ، فإن قلت : هلا قيل : إلاّ مودة القربى ، أو إلاّ المودّة للقربى ، و ما معنى قوله : ﴿ … إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ … ﴾ 2قلت : جُعلوا مكاناً للمودّة و مقراً لها ، كقولك : لي في آل فلان مودّة ، و لي فيهم هوى و حبّ شديد ، تريد : أحبّهم و هم مكان حبّي و محله و ليست ( في ) بصلة للمودّة ، كاللام إذا قلت : إلاّ المودّة للقربى .
أنّما هي متعلّقة بمحذوف تعلّق الظرف به في قولك المال في الكيس و تقديره : إلاّ المودة ثابتة في القربى ومتمكنة فيها . و القربى : مصدر كالزلفى و البشرى بمعنى : قرابة و المراد في أهل القربى .
و روي أنّها لمّا نزلت هذه الآية ، قيل : يا رسول الله ! من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم ؟
قال : عليّ و فاطمة و ابناهما . .
و يدلّ عليه ما روي عن علي رضي الله عنه : شكوت إلى رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) حسد الناس لي ، فقال : ( أما ترضى أن تكون رابع أربعة : أوّل من يدخل الجنّة أنا و أنت و الحسن و الحسين و أزواجنا عن أيماننا و شمائلنا ، و ذريتنا خلف أزواجنا ) 6 .
و عن النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : ( حرمت الجنّة على من ظلم أهل بيتي و آذاني في عترتي ، و من اصطنع صنيعة إلى أحد من ولد عبد المطلب ولم يجازه عليها فأنا أجازيه عليها غداً إذا لقيني يوم القيامة ) .
ثم ذكر مورد النزول المتقدّم ، و قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : من مات على حبّ آل محمّد مات شهيداً 7 ، ألاّ و من مات على حبّ آل محمّد مات مغفوراً له ، ألا و من مات على حبّ آل محمّد مات تائباً ، ألا و من مات على حبّ آل محمّد مات مؤمناً مستكمل الإيمان ، ألا و من مات على حبّ آل محمّد بشّره ملك الموت بالجنّة ، ثمّ منكر و نكير ، ألا و من مات على حبّ آل محمّد يزف إلى الجنّة كما تزف العروس إلى بيت زوجها ، ألا و من مات على حبّ آل محمّد فتح له في قبره بابان إلى الجنّة ، ألا و من مات على حبّ آل محمّد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة ، ألا و من مات على حبّ آل محمّد مات على السُنّة و الجماعة ، ألا و من مات على بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه : آيس من رحمة الله ، ألا و من مات على بغض آل محمّد مات كافراً ، ألا و من مات على بغض آل محمّد لم يشمّ رائحة الجنّة 8 .
و قال في تفسير : ﴿ … وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً … ﴾ 2، عن السدّي أنّها المودّة في آل رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : نزلت في أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ و مودّته فيهم 9 .
و الظاهر : العموم في أي حسنة كانت ، إلاّ أنّها لمّا ذكرت عقيب ذكر المودّة في القربى ، دلّ ذلك على أنّها تناولت المودّة تناولاً أوّلياً ، كأنّ سائر الحسنات لها توابع ” 10 . انتهى .
أقول :
و يدلّ تقريبه الأخير لحسنة المودّة و عظمتها أنّها من الفرائض الكبرى في الدّين ، و سيأتي تقريب دلالة الآية على ذلك بنحو أوضح .
و قال الفخر الرازي في تفسيره الكبير بعد ما نقل كلام الزمخشري : ” و أنا أقول آل محمّد ( صلى الله عليه و آله و سلم ) هم الّذين يؤول أمرهم إليه فكلّ من كان أمرهم إليه أشدّ و أكمل كانوا هم الآل .
و لا شكّ أنّ فاطمة و عليّاً و الحسن و الحسين كان التعلّق بينهم و بين رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) أشدّ التعلّقات و هذا كالمعلوم بالنقل المتواتر فوجب أن يكونوا هم الآل ، و أيضاً اختلف الناس في الآل ، فقيل : هم الأقارب ، و قيل : هم أُمّته ، فإن حملناه على القرابة فهم الآل ، و إن حملناه على الأُمّة الّذين قبلوا دعوته فهم أيضاً الآل ، فثبت على جميع التقديرات هم الآل ، و أمّا غيرهم فهل يدخلون تحت لفظ الآل؟ فمختلف فيه ” 11 .
أقول :
يشير الفخر الرازي إلى ما قاله الرضا ( عليه السلام ) في مجلس المأمون ـ في حديث ـ : ” فلمّا أوجب الله تعالى ذلك ثَقُل لِثقَلِ وجوب الطّاعة ، فأخذ بها قوم أخذ الله ميثاقهم على الوفاء ، و عاند أهل الشقاق و النفاق و ألحدوا في ذلك ، فصرفوه عن حدّه الذي قد حدّه الله تعالى ، فقالوا القرابة هم العرب كلّها و أهل دعوته ، فعلى أيّ الحالتين كان ، فقد علمنا أنّ المودّة هي للقرابة فأقربهم من النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) أولاهم بالمودّة ، و كلما قربت القرابة كانت المودّة على قدرها ” 12 .
ثمّ قال الرازي في تفسيره : ” و روى صاحب الكشّاف أنّه لمّا نزلت هذه الآية ، قيل : يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم ؟
فقال : علي و فاطمة و ابناهما ” .
فثبت أن هؤلاء الأربعة أقارب النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ، و إذا ثبت هذا وجب أن يكونوا مخصوصين بمزيد التعظيم ، و يدلّ عليه وجوه :
الأوّل : قوله تعالى : ﴿ … إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ … ﴾ 2، و وجه الاستدلال به ما سبق .
الثاني : لا شك أنّ النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) كان يحبّ فاطمة ( عليها السلام ) ، قال ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : ” فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما يؤذيها ” ، و ثبت بالنقل المتواتر عن محمّد ( صلى الله عليه و آله و سلم ) أنّه كان يحبّ عليّاً و الحسن و الحسين ، و إذا ثبت ذلك وجب على كلّ الأُمّة مثله ; لقوله : ﴿ … وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ 13; و لقوله تعالى : ﴿ … فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ … ﴾ 14; و لقوله : ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ … ﴾ 15; و لقوله سبحانه : ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ … ﴾ 16.
الثالث : أنّ الدعاء للآل منصب عظيم ، و لذلك جعل هذا الدعاء خاتمة التشهد في الصلاة و هو قوله : اللهم صل على محمّد و على آل محمّد و ارحم محمّداً و آل محمّد ، و هذا التعظيم لم يوجد في حقّ غير الآل ، فكلّ ذلك يدلّ على أنّ حبّ آل محمّد واجب ، و قال الشافعي رضي الله عنه :
يا راكباً قف بالمحصّـب من منى *** و اهتف بساكن خيفها و الناهض
سحراً إذا فاض الحجيج إلى منى *** فيضاً كملتطم الفـرات الفائـض
إن كان رفضاً حـبّ آل محمّـد*** فليشـهد الثـقلان أنّي رافضـي 17
أقول :
عقد ابن قدامة الحنبلي صاحب كتاب المغني ، و كذا صاحب الشرح الكبير فصلاً في باب التشهد في الصلاة ـ بعدما نقلا الأقوال في صفة الصلاة على النبي و آله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ، و أنّ هناك من اختار وجوب الصلاة على ( آله ) ـ .
قال : ” فصل آل النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) أتباعه على دينه ، كما قال الله تعالى ﴿ … أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ … ﴾ 18، يعني أتباعه من أهل دينه ، و قد جاء عن النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) أنّه سُئل مَنْ آل محمّد ؟ فقال : كلّ تقيّ ، أخرجه تمام في فوائده ، و قيل : آله أهله ، الهاء منقلبة عن الهمزة ـ إلى أن قال ـ و معناهما جميعاً أهل دينه ، و قال ابن حامد و أبو حفص : لا يجزي لما فيه من مخالفة لفظ الأثر و تغيير المعنى فإنّ الأهل أنّما يعبّر عن القرابة و الآل يعبّر به عن الأتباع في الدين ” 19 .
أقول :
و تحريف الكلم عن مواضعه في المقام و أمثاله ممّا يخصّ مناقب عترة النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) امتثالاً لفريضة المودّة ، فتراه يترك ما يروونه من ذكر الذريّة في صفة الصلاة على النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) في التشهد ، و لا يشير إليها من قريب و لا بعيد ، مع أنّ الآل في قوله تعالى : ﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ … ﴾ 20المراد به الرحم ; لأنّه ابن عمّ أو ابن خال فرعون ، و ليس استعمال الآل في الأتباع على وجه الحقيقة بل المجاز .
فكان الأولى بهم الاستشهاد فى معنى اللآل بقوله تعالى ﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ 21، فحيث وضحّت الآية الاصطفاء في آل إبراهيم و آل عمران هو في الذريّة و الرحم لا في الأتباع .
فالموازنه بين آل محمد مع آل إبراهيم و آل عمران لا مع آل فرعون .
ثمّ قال الرازي : ” قوله : ﴿ … إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ … ﴾ 2، فيه منصب عظيم للصحابة ; لأنّه تعالى قال : ﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ﴾ 22، فكلّ من أطاع الله كان مقرّباً عند الله تعالى فدخل تحت قوله : ﴿ … إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ … ﴾ 2، و الحاصل أنّ هذه الآية تدلّ على وجوب حبّ آل رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) و حبّ أصحابه و هذا المنصب لا يسلم إلاّ على قول أصحابنا أهل السُنّة و الجماعة الّذين جمعوا بين حبّ العترة و الصحابة ، و سمعت بعض المذكّرين قال أنّه ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ، قال : ” مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ” ، و قال ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : ” أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم ” و نحن الآن في بحر التكليف و تضربنا أمواج الشبهات و الشهوات ، و راكب البحر يحتاج إلى أمرين :
أحدهما : السفينة الخالية من العيوب و الثقب .
و الثاني : الكواكب الظاهرة الطالعة النيّرة ، فإذا ركب تلك السفينة و وقع نظره على تلك الكواكب الظاهرة كان رجا السلامة غالباً ، فكذلك ركب أصحابنا أهل السُنّة سفينة حبّ آل محمّد و وضعوا أبصارهم على نجوم الصحابة ، فرجوا من الله تعالى أن يفوزوا بالسلامة و السعادة في الدنيا و الآخرة ” 23 . انتهى .
أقول :
1 ـ كيف يجمع الرازي بين تفسير القُربى بمعنى القرابة و تفسيرها بمعنى العبادة . مع ما روي بطرق عديدة أنّهم ” عليّ وفاطمة وابناهما ” ، بل مع قوله تعالى في آيتي الخمس 24 و الفيء 25 من جعلهما لله و للرسول و لذي القربى بمعنى القرابة و كذلك في آية إيتاء ذي القربى حقّه 26 التي نزلت خطاباً للنبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) في اعطاء فاطمة فدكاً ، بل لم يرد لفظ و هيئة ( القربى ) في القرآن بمعنى العبادة و الطاعة و نحوهما ، بل جميع مواردها بمعنى القرابة و الأهل .
2 ـ أنّه لم ينقل تتمّة حديث السفينة و هي : ” ومَنْ تخلّف عنها هلك ” ، و حديث السفينة دالّ على انحصار النجاة بهم .
كما أنّ حديث النجوم المنقول في بعض الطرق الأُخرى لديهم أيضاً هو : ” أهل بيتي كالنجوم . . . ” ، و لو سلّمنا كون ألفاظ الحديث هو ما ذكرها فإنّ أصحابه ( صلى الله عليه و آله و سلم ) هم على مجموعات ، منهم جماعة السقيفة الذين عقدوا بيعة أبي بكر ، و منهم الأنصار الذين خالفوا تلك البيعة ، و منهم الموالين لعلي ( عليه السلام ) ، كسلمان و أبي ذرّ و عمّار و المقداد و بقية الاثني عشر الّذين ذكرناهم في الحلقة السابقة الذين اعترضوا على أبي بكر و جلوسه مجلس رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ، و كذا جابر بن عبد الله الأنصاري و زيد بن أرقم و أبي سعيد الخدري و غيرهم ، و بمقتضى الجمع بين الحديثين و عدم المعارضة و التوفيق بينهما هو الاقتداء بالصحابة الذين والوا عترة النبيّ و ركبوا سفينة النجاة ، كما أنّ حديث السفينة المخاطب به كلّ المسلمين بما فيهم الصحابة ، و لفظ الحديث حسب ما زعم ( بأيّهم اقتديتم ) لفظ العموم البدلي ( أي ) ، المنطبق على مثل سلمان و أبي ذرّ و المقداد بل إنّ أكثر من صحب النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) و أدمن ملازمته هم قرابته علي و فاطمة ( عليهما السلام ) .
3 ـ أن دعواه ركوب أصحابه سفينة حبّ آل محمّد سيأتي تفشي سُنّة العداء و النصب لآل محمّد فيهم ، وجعلهم حبّ آل محمّد علامة للضعف و الجرح ، و أنّهم مقيمون على الجفاء و الهجر لعترة النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ، و اقرأ التاريخ من يوم وفاة النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) و حدوث السقيفة إلى يومنا هذا فانظر مَن الذي وصل العترة رحم النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ﴿ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ … ﴾ 27؟! و مَن الذي قطع الصلة بالعترة ﴿… وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ … ﴾ 28؟!
ثالثاً : قد حكى القرطبي في تفسيره عن قوم القول بنسخ الآية بقوله تعالى : ﴿ قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ … ﴾ 29و بقوله تعالى : ﴿ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ﴾ 30، لكي يلحق الله تعالى نبيّه بإخوانه من الأنبياء ، حيث قالوا : ﴿ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ 31، ثمّ حكى تقبيح هذا القول عن الثعلبي 32 .
أقول :
إنّ قوله تعالى : ﴿ … مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ … ﴾ 29يعزز آية المودّة و لا يصادم مفادها ، بل هو شارح للأجر في آية المودّة و أنّ منفعته و نفعه عائد للمكلّفين و المسلمين أنفسهم لا إلى النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ، فليس سُنّة النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) التي أمره الله تعالى بها في آية المودّة مخالفة لسنن الأنبياء من قبل من عدم طلب الأجر على أدائهم و تبليغهم للدّين و النبوّة .
إذْ المودّة في القربى التي سألها النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) منهم ليس أجراً عائداً نفعه له بل نفعه ينتفع به هم أنفسهم ، و هذا ممّا ينادي أنّ مودّة القربى هي منشأ هداية لهذه الأُمّة ، و هذا ما يوضحه أيضاً قوله تعالى : ﴿ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا ﴾ 33، أي : أنّ الأجر الذي سأله النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) و هو المودّة في القربى هو اتخاذ السبيل إلى الربّ تعالى ، فنفع المودّة عائد للأُمّة نفسها لا للنبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ، إذْ المودّة تتخذ سبيلاً للهداية إلى الله تعالى ، فمودّة علي و فاطمة و ابناهما هداية ، و هم السبيل إليه تعالى .
و يتحصّل من ذلك :
تطابق آية المودّة مع حديث الثقلين و حديث السفينة و غيرها من الآيات و الأحاديث في أصحاب الكساء .
مفاد آية المودة
إنّ التأمّل و التدبّر في ألفاظ الآية يرشدنا إلى ما أشارت إليه الآيتان الأُخريان من كون المودّة في القربى مصلحة عامّة للأُمّة و سبيل هداية ، و أنّ هذه الفريضة التي أمر الله تعالى نبيّه ( صلى الله عليه و آله و سلم ) بتبليغها للأُمّة هي من عظائم الفرائض و أركانها ; و ذلك لأنّ المودّة جعلت أجراً معادلاً لكلّ الرسالة و من البين أنّ تبليغ الرسالة اشتمل على تبليغ التوحيد و المعاد و الأقرار و الايمان بالنبوّة و غير ذلك من الأُصول الاعتقادية ، فضلاً عن بقية أركان الدين ، و مقتضى المعادلة بين الأجر و المعوض كون هذه الفريضة من أركان الدين .
و في حديث الرضا ( عليه السلام ) في مجلس المأمون عن آية المودّة : ” و هذه خصوصية للنبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) إلى يوم القيامة و خصوصية للآل دون غيرهم ، و ذلك أن الله عزّ و جلّ حكى ذكر نوح في كتابه :﴿ وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَٰكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ ﴾ 34.
و حكى عزّ و جلّ عن هود أنّه قال : ﴿ يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ 35.
و قال عزّ وجلّ لنبيّه ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : يا محمّد ! ﴿ … قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا … ﴾ 2، ولم يفرض الله تعالى مودّتهم إلاّ و قد علم أنّهم لا يرتدّون عن الدّين أبداً و لا يرجعون إلى ضلال أبداً ، و أُخرى أن يكون الرجل وادّاً للرجل ، فيكون بعض أهل بيته عدوّاً له ، فلم يسلم قلب الرجل له ، فأحبّ الله عزّ و جلّ أن لا يكون في قلب رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) على المؤمنين شيء ففرض الله عليهم مودّة ذوي القربى فمن أخذ بها وأحبّ رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) و أحبّ أهل بيته لم يستطع رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) أن يبغضه ، و من تركها ولم يأخذ بها و أبغض أهل بيته ، فعلى رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) أن يبغضه لأنّه قد ترك فريضة من فرائض الله تعالى ، فأيّ فضيلة و أيّ شرف يتقدّم هذا أو يدانيه ؟ . .
ـ إلى أن قال ( عليه السلام ) ـ و ما بعث الله عزّ و جلّ نبيّاً إلاّ أوحى إليه أن لا يسأل قومه أجراً ، لأنّ الله يُوَفّي أجر الأنبياء ، و محمّد ( صلى الله عليه و آله و سلم ) فرض الله عزّ و جلّ مودّة قرابته على أُمّته ، و أمره أن يجعل أجره فيهم ، لتودّوه في قرابته ، لمعرفة فضلهم الذي أوجب الله عزّ وجلّ لهم ، فإنّ المودّة إنّما تكون على قدر معرفة الفضل . .
ـ إلى أن قال ( عليه السلام ) ـ و ما أنصفوا نبيّ الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) في حيطته و رأفته ، و ما منَّ الله به على أُمّته ممّا تعجز الألسن عن وصف الشكر عليه ، أن يَوَدّوه في قرابته و ذريّته و أهل بيته ، و أن يجعلوهم فيهم بمنزلة العين من الرأس ، حفظاً لرسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) فيهم ، و حبّاً لهم ، و كيف و القرآن ينطق به و يدعوا إليه ، و الأخبار ثابتة أنّهم أهل المودّة و الذين فرض الله تعالى مودّتهم و وعد الجزاء عليها ، فما وفى أحد بهذه المودّة مؤمناً مخلصاً إلاّ استوجب الجنّة ، لقول الله عزّ و جلّ في هذه الآية : ﴿ … وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ * ذَٰلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ … ﴾ 1مفسّراً مبيّناً ” 12 .
ثمّ إنّ هناك آيات أُخر دالّة على هذه الفريضة ، كقوله تعالى : ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ *وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ 36.
و هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) تصدّق و هو راكع في واقعة معروفة ، فلاحظ فيها مصادر الفريقين ، و كذا آية التبليغ و آية خير البريّة ، و سورة هل أتى و غيرها من الآيات الكثيرة .
و أما الروايات ، و الأحاديث الواردة في افتراض محبّة عترة المصطفى علي و فاطمة و ولديهما فهي فوق حدّ التواتر ، فقد روي عن جابر : أمرنا رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) أن نعرض أولادنا على حبّ علي بن أبي طالب 37 .
و روي عن عبادة بن الصامت ، أنّه قال : كنا نبور أولادنا بحبّ علي ابن أبي طالب فإذا رأينا أحداً لا يحبّه علمنا أنّه ليس منّا و أنه لغير رشدة 38 .
و روى المناوي في كنوز الحقائق ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ” حبّ علي ( عليه السلام ) براءة من النفاق ” 39 ، و روى الطبراني و غيره عن فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) قالت : قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ” أنّ السعيد كلّ السعيد من أحبّ عليّاً ( عليه السلام ) في حياته و بعد موته ، و أنّ الشقيّ كلّ الشقيّ من أبغض عليّاً ( عليه السلام ) في حياته و بعد موته ” 40 ، و روى جابر ( رضي الله عنه ) : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم )يقول : ” لكلّ شيء أساس و أساس الدّين حبّنا أهل البيت ” ، و في طريق آخر ” حبّ أهل بيتي ” 41 .
و روي عن أنس بن مالك أنّه يقول : والله الذي لا إله إلاّ هو لسمعت رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) يقول : ” عنوان صحيفة المؤمن حبّ علي بن أبي طالب ” 42 .
و يمكن للقاري العزيز مراجعة كتاب ملحقات إحقاق الحقّ بتوسط فهرست الملحقات مادة ” ح ب ب ” ليقف على عشرات المصادر من كتب أهل سنة الجماعة التي روت الأحاديث الجمّة في ذلك ، مثل ” من مات على حبّ آل محمد مات شهيداً ” ، فقد أخرج له في الملحقات العديد من المصادر ، و كذا ” من مات على حبّ آل محمد فأنا كفيله بالجنّة و جعل الله زوار قبره ملائكة الرحمة ” ، و ” لو اجتمع الناس على حبّ عليّ بن أبي طالب لما خلق الله النار ” ، و ” حبّ علي براءة من النار ” ، و ” حبّ علي حسنة لا تضرّ معها سيئة و بغضه سيئة لا تنفع معها حسنة ” ، و ” أساس الإسلام حبّي و حبّ أهل بيتي ” ، ” لن يقبل الله فرضاً إلاّ بحبّ علي بن أبي طالب ” ، ” لا ينال ولاية النبيّ إلاّ بحبّ علي ” ، ” أكثركم نوراً يوم القيامة أكثركم حبّاً لآل محمد ” ، ” أثبتكم على الصراط أشدّكم حبّاً لأهل بيتي ” ، ” من أحبّ هذين ـ الحسنين ـ و أُمّهما وأباهما كان معي في درجتي ” ، ” من أحبّ عليّاً فقد أحبّني و من أحبّني فقد أحبّ الله ” ، ” شفاعتي لأُمّتي من أحبّ أهل بيتي ” ، ” لا يحببنا إلاّ من طابت ولادته ” ، ” لا يحببنا أهل البيت إلاّ مؤمن تقيّ ” ، ” لا يحبّني حتّى يحبّ ذوي قرابتي ” ، ” من أراد دخول الجنّة بغير حساب فليحبّ أهل بيتي ” ، ” لا يقبل إيمان عبد إلاّ بمحبته أهل بيتي ” ، ” عاهدني ربّي أن لا يقبل إيمان عبد إلاّ بمحبّة أهل بيتي ” ، و غيرها من عشرات الأحاديث لو أردنا أن نستوفيها بأكملها لخرجنا عن حدّ البحث ، لكن يمكن مراجعة تلك المصادر 43 .
* * *
المقام الثاني: في ترك القوم فريضة المودة و تبديلها بسنة النصب و العداوة
قال ابن قدامة في المغني في كتاب الشهادات ـ شروط الشهادة ـ : ” الشرط الرابع : العدالة . . .
فالفسوق نوعان :
أحدهما : من حيث الأفعال فلا نعلم خلافاً في ردّ شهادته .
و الثاني : من جهة الاعتقاد و هو اعتقاد البدعة فيوجب ردّ الشهادة أيضاً ، و به قال مالك و شريك و إسحاق و أبو عبيد و أبو ثور ، و قال شريك أربعة لا تجوز شهادتهم ، ( رافضي ) يزعم أن له إماماً مفترضة طاعته ، ( و خارجي ) يزعم أن الدنيا دار حرب . .
ـ إلى أن قال ـ و قال أبو حامد من أصحاب الشافعي المختلفون على ثلاثة أضرب .
الأوّل : اختلفوا في الفروع ، فهولاء لا يفسقون بذلك و لا تردّ شهادتهم و قد اختلف الصحابة في الفروع و من بعدهم من التّابعين .
الثاني : من نفسّقه و لا نكفّره وهو من سبّ القرابة كالخوارج أو سبّ الصحابة كالروافض فلا تقبل لهم شهادة لذلك . . . ” 44 .
و نظير ذلك قال صاحب الشرح الكبير 45 .
و قال في المغني في فصل التوبة من الكتاب المزبور : ” و قد ذكر القاضي أنّ التائب من البدعة يعتبر له مضي سنة لحديث صبيغ رواه أحمد في الورع قال : و من علامة توبتة أن يجتنب من كان يواليه من أهل البدع و يوالي من كان يعاديه من أهل السُنّة . . . ” 46 .
أقول :
فالرفض أحد تعاريفه لديهم هو : من يعتقد بالإمام المفترض الطاعة من عترة النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ، و جعلوا هذا الاعتقاد بدعة في الدّين و لا أدري أيّ دين يعنون ؟!
هل آية المودّة و آية التطهير و آية المباهلة و سورة الدهر و آية الولاية ، و التصدّق في حال الركوع ، و آية الإبلاغ في غدير خم من سورة المائدة ، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي نزلت في أصحاب الكساء ، فضلاً عن الأحاديث النبويّة فيهم كحديث الغدير و السفينة و الثقلين و الدار و المنزلة و الأئمّة من قريش إثنا عشر ، و غيرها من الأحاديث النبويّة الكثيرة التي رواها الفريقان ، كلّ هذه الحجج من الكتاب و السُنّة ابتداع في الدين الذي يرسمه القوم لأنفسهم ؟!
و الأنكى أنّ جماعة من أهل سُنّة الجماعة ـ كما نقل التفتازاني في شرح المقاصد 47 ، في مبحث الإمامة وغيره في كتب أُخرى ـ قائلون بالنصّ على أبي بكر و أنّه الخليفة المنصوب المفترض طاعته ، و كذلك النصّ على عمر ، فهل القول بالنصّ عليهما غير مخرج عن الدين ، و القول بالنصّ على عليّ ( عليه السلام ) و ولده بدعة في الدين ، لا أرى هذه التفرقة إلاّ امتثالاً لفريضة المودّة في القربى التي أمر القرآن بها !!
و الغريب أنّ التفتازاني ثمّة أعترف ـ و نقل عن بعضهم أيضاً ـ أنّ الدلائل من كلا الطرفين موجودة ، غاية الأمر انّه رجّح الدالّ منها ـ بزعمه ـ على فضائل الشيخين ، على ما دلّ على فضائل علي ( عليه السلام ) ، و لا ينقضي التدافع في أقوال القوم فهم من جانب يجعلون الخلافة و الإمامة بعد النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) من الفروع دون الاعتقادات ، و من جانب آخر يجعلون الاختلاف بينهم و بين الشيعة في الإمامة و الخلافة خلافاً اعتقادياً ، و هذا بخلاف الاختلاف في المذاهب الأربعة و نحوها فإنّه خلاف في الفروع لاتّفاقهم على إمامة الشيخين و إن اختلفوا في التجسيم و التشبيه و في الجبر و التفويض و في خلق القرآن و غيرها من المسائل الخطيرة الخلافية في الاعتقادات .
ثمّ أنّهم اشترطوا في التوبة الاجتناب ممّن كان يواليه من أتباع أهل البيت ( عليهم السلام ) ويوالي من كان يعاديه من أهل سُنّة الجماعة ولم يذكروا ذلك في الناصبة الذين عادوا أهل البيت ( عليهم السلام ) ، ولم يعتبروهم من أهل البدع بل من أهل سُنّة الجماعة الذين اشترط موالاتهم في التوبة المتقدمة .
و قال الذهبي في ترجمة أبان بن تغلب الكوفي : ” شيعي جلد ، لكنّه صدوق ، فلنا صدقه و عليه بدعته .
و قد وثقه أحمد بن حنبل و ابن معين و أبو حاتم و أورده ابن عدي وقال : كان غالياً في التشيّع ، و قال السعدي : زائغ مجاهر .
فلقائل أن يقول : كيف ساغ توثيق مبتدع ، و حدّ الثقة العدالة و الإتقان ؟! فكيف يكون عدلاً من هو صاحب بدعة ؟!
و جوابه : أنّ البدعة على ضربين : فبدعة صغرى كغلوّ التشيّع أو كالتشيّع بلا غلو و لا تحرف ، فهذا كثير في التّابعين و تابعيهم مع الدين و الورع و الصدق ، فلو رُدّ حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبويّة ، و هذه مفسدة بيّنة ثم بدعة كبرى ، كالرفض الكامل و الغلو فيه ، و الحطّ على أبي بكر و عمر رضي الله عنهما ، و الدعاء إلى ذلك ، فهذا النوع لا يحتجّ بهم و لا كرامة . و أيضاً فما استُحضر الآن في هذا الضرب رجلاً صادقاً و لا مأمونا ، بل الكذب شعارهم ، و التقية و النفاق دثارهم ، فكيف يقبل نقل من هذا حاله ! حاشا و كلا ، فالشيعي الغالي في زمان السلف و عرفهم هو من تكلّم في عثمان و الزبير و طلحة و معاوية و طائفة ممّن حارب عليّاً رضي الله عنه ، و تعرّض لسبِّهم ، و الغالي في زماننا و عرفنا هو الذي يكفّر هؤلاء السادة ، و يتبرأ من الشيخين أيضاً ، فهذا ضالّ مُعَثّر ، ولم يكن أبان بن تغلب يعرض للشيخين أصلاً ، بل قد يعتقد عليّاً أفضل منهما ” 48 . انتهى .
أقول :
و إقرار الذهبي بأنّ كثيراً من رواة التّابعين و تابعيّهم هم ممن تشيّع و كان من الرافضة ، يقتضي على أصول القوم تعديلهم لأولئك الرواة و حجّيتهم بمقتضى القاعدة و الأصل الذي عدّلوا به الصحابة ، و هو كونهم نقلة الدّين و أنّه لولاهم لما وصل إلينا .
إلاّ أنّ القوم لم يعملوا بهذا الأصل في التّابعين و تابعيهم فى الرواة المذكورين ، ممّا يدلل على أن وجهة التعديل ليس ذلك الأصل المتقدّم و إنّما هو بيعة السقيفة .
و يلحظ في نهج الذهبي الدمشقي الذي هو من أئمّة الجرح و التعديل لدى أهل سُنّة الجماعة و الذي وصفه تلميذه ابن السبكي في الطبقات بالنصب ، بل إنّ غالب أئمّة الجرح و التعديل لديهم ممّن ينصب العداوة لآل البيت ( عليهم السلام ) ـ كما يفوح من كلماتهم ـ :
أنّه جعل حبّ أهل البيت عترة النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ـ و هو التشيّع كما يسمّيه ـ بدعة ، و لا يستغرب من جرأة القوم على القرآن و السُنّة و جعلهم الفريضة العظيمة بدعة ، وسيأتي أنّهم جعلوا بغض أهل البيت سُنّة وكلّما أشتد البغض أطلقوا عليه صلب في السُنّة .
و قد جرى على ذلك غالب أئمّة الجرح و التعديل لديهم .
ففي ترجمة إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق السعدي الجوزجاني قال ابن حجر في تهذيب التهذيب : ” قال الخلال : إبراهيم جليل جداً ، كان أحمد بن حنبل يكاتبه و يكرمه إكراماً شديداً . . . .
و قال ابن حبّان في الثقات : كان حروري المذهب ، ولم يكن بداعية ، وكان صلباً في السُنّة ، حافظاً للحديث ، إلاّ أنّه من صلابته ربّما كان يتعدّى طوره .
و قال ابن عدي : كان شديد الميل إلى مذهب أهل دمشق في الميل على علي .
و قال السلمي عن الدارقطني بعد أن ذكر توثيقه : لكنّ فيه انحراف عن علي ، اجتمع على بابه أصحاب الحديث فأخرجت جارية له فرّوجة لتذبحها فلم تجد من يذبحها ، فقال : سبحان الله فرّوجة لا يوجد من يذبحها ، و عليّ يذبح في ضحوة نيفا و عشرين ألف مسلم .
قلت : و كتابه في الضعفاء يوضح مقالته ، و رأيت في نسخة من كتاب ابن حبان حريزي المذهب و هو بفتح الحاء المهملة و كسر الراء و بعد الياء زاي نسبة إلى حريز ابن عثمان المعروف بالنصب ” 49 . انتهى .
و قال الذهبي في ترجمته : ” أحد أئمّة الجرح و التعديل . . . كان مقيماً بدمشق يحدّث على المنبر و كان أحمد يكاتبه فيتقوّى بكتابه و يقرؤه على المنبر ” 50 . انتهى .
أقول :
فقد أفصحوا بأبلغ وضوح مرادهم من السُنّة و الصلابة في السُنّة و هي نصب العداوة لعلي ( عليه السلام ) و ولده ، و يلاحظها المتتبع في تراجم كثير من الرواة من التّابعين و تابعيّهم المعروفين بالنصب و الجفاء للعترة ، و هذه السُنّة أفرزتها السقيفة من إقصاء أهل البيت ( عليهم السلام ) ، و من الهجوم على بيت فاطمة ( عليها السلام ) ، كما جاهر بها بنو أُميّة و هي طابع النهج المرواني .
و لقد ارتجّ المسجد من صياح من فيه بعمر بن عبد العزيز : السُنّة السُنّة تُركت السُنّة ! عندما ترك في خطبة الجمعة لعن ابن عمّ النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) و أخيه !! وأصرّ أهل حران على الاستمرار على تلك السُنّة لمّا نهوا عن اللعن ، و قالوا أنّ الجمعة لا تصحّ بدونها ، و لا غرو فقد أخرجت تلك السُنّة في تلك البلدان أجيال ممّن تصلّبوا فيها من الوقيعة و اللمز في أهل البيت ( عليهم السلام ) .
هذا في حين يذكر الذهبي في ترجمة عمر بن سعد قاتل سبط النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : و قال العجلي : روى عنه الناس ، تابعي ثقة .
و قال ابن حجر في ترجمة جعفر بن سليمان الضبعي البصري : ” قال أبو طالب عن أحمد : لا بأس به ، قيل له : أن سليمان بن حرب يقول : لا يكتب حديثه ، فقال : أنّما يتشيّع ، و كان يحدّث بأحاديث في فضل علي ، و أهل البصرة يغلون في علي ـ أي في بغضه ـ و قال عباس عنه : ثقة كان يحيى بن سعيد لا يكتب حديثه لا يروي عنه و كان يستضعفه ، و قال أحمد بن سنان : رأيت عبد الرحمن بن مهدي لاينبسط لحديث جعفر بن سليمان قال أحمد بن سنان : استثقل حديثه ، و قال ابن سعد : كان ثقة وبه ضعف وكان يتشيّع ، وقال جعفر الطيالسي عن ابن معين : سمعت من عبد الرزاق كلاماً يوما فاستدللت به على ما ذكر عنه من المذهب ، فقلت له : أنّ أستاذيك الذين أخذت عنهم ثقات ، كلهم أصحاب سُنّة فعمّن أخذت هذا المذهب ؟ فقال : قدم علينا جعفر بن سليمان فرأيته فاضلاً حسن الهدي فأخذت هذا عنه .
و قال ابن الضريسي : سألت محمد بن أبي بكر المقدمي عن حديث لجعفر ابن سليمان ، فقلت : روى عنه عبد الرزاق قال : فقدت عبد الرزاق ما أفسد جعفر غيره ـ يعني في التشيع ـ . . .
قال ابن حبان : كان جعفر من الثقات في الروايات غير أنّه ينتحل الميل إلى أهل البيت ولم يكن بداعية إلى مذهبه و ليس بين أهل الحديث من أئمّتنا خلاف ، أن الصدوق المتقن إذا كانت فيه بدعة ولم يكن يدعوا إليها الاحتجاج بخبره جائز ” 51 . انتهى .
فيلاحظ من نقله لكلمات أئمّة الجرح و التعديل الأُمور التالية :
الأوّل : جعلهم حبّ علي ( عليه السلام ) و نقل الرواية في فضائله بدعة ، و يسمونه تشيع ، و هم في ذلك يستحرمون الفريضة العظيمة التي أمر بها القرآن من مودّة القربى .
الثاني : جعلهم الميل إلى أهل البيت مصدر طعن و قدح في الراوي ، و تراهم يفصحون بذلك و يجاهرون به في كثير من تراجم الرواة من غير نكير و هذا شقاق مع الله و رسوله و محادّة ، و قد طعنوا في كثير من أصحاب علي ( عليه السلام ) و حواريّه بمثل ذلك .
الثالث : إعراضهم عن روايات فضائل أهل البيت ( عليهم السلام ) التي يرويها الثقات ، و كم طُمس و ضُيّع من الآثار النبوّية في مناقب العترة ، الجمّ الغفير و ترى تصريحهم بالإعراض المزبور في تراجم رواة ثقات كثير ، و من ذلك قول الشافعي في حقّ الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ماذا أقول في رجل أخفت أولياؤه فضائله خوفاً ، و أخفت أعداؤه فضائله حسداً ، و شاع من بين ذين ما ملأ الخافقين 52 .
و كيف لا يكون ذلك منهم وقد منع كتابة الحديث النبوي في الصدر الأوّل تحت شعار حسبنا كتاب الله .
الرابع : جريهم على استبشاع الروايات الواردة في فضائل علي ( عليه السلام ) فتارة يعبرون لا ينبسط لحديث فلان ، و أُخرى لا يكتب حديثه ، و ثالثة استثقل حديثه و غير ذلك من عبائرهم التي تفوح بالإشمئزاز و النفرة من الذي قال فيه النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : ” أنت مني بمنزلة هارون من موسى ” ، ” و علي مع الحقّ و الحقّ مع علي يدور معه حيثما دار ” ، ” لا يبغضك يا علي إلاّ منافق أو ابن زنا أو ابن حيضة ” ، و غيرها من الأحاديث النبويّة .
الخامس : جعلهم الانقطاع عن أهل البيت ( عليهم السلام ) و الابتعاد عنهم و تركهم سُنّة ، و العاملين بها أصحاب سُنّة كما عبّر بذلك ابن معين في كلامه مع المحدّث الحافظ عبد الرزاق الصنعاني ، وجعل موادّة عبد الرزاق لأهل البيت ( عليهم السلام ) فساد في الدين .
و لا يخفى أن جعفر بن سليمان ممّن روى حديث الطير ، و حديث ما تريدون من عليّ ! عليّ مني و أنا منه و هو وليّ كل مؤمن بعدي كما ذكر ذلك الذهبي في الميزان 53 .
و قال ابن حجر في ترجمة حريز بن عثمان الحمصي : ” قال معاذ بن معاذ حدّثنا حريز بن عثمان و لا أعلم أني رأيت بالشام أحداً أُفضله عليه .
و قال الآجري عن أبي داود : شيوخ حريز كلّهم ثقات ، قال : و سألت أحمد بن حنبل فقال : ثقة ثقة ، و قال أيضاً : ليس بالشام أثبت من حريز إلاّ أن يكون بحير ، و قال أيضاً عن أحمد و ذكر له حريز و أبو بكر بن أبي مريم و صفوان فقال : ليس فيهم مثل حريز ليس أثبت منه . . .
و قال عمر بن علي : كان ينتقص عليّاً و ينال منه و كان حافظاً لحديثه و قال في موضع آخر : ثبت شديد التحامل على علي .
و قال الحسن بن علي الخلال : سمعت عمران بن إياس سمعت حريز بن عثمان يقول : لا أحبّه قتل آبائي ـ يعني عليّاً ـ .
و قال أحمد بن سعيد الدارمي ، عن أحمد بن سليمان المروزي : سمعت إسماعيل بن عياش قال : عادلت حريز بن عثمان من مصر إلى مكّة فجعل يسبّ عليّاً و يلعنه ، و قال الضحاك بن عبد الوهاب ـ و هو متروك متّهم ـ : حدّثنا إسماعيل بن عياش سمعت حريز بن عثمان يقول : هذا الذي يرويه الناس عن النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) أنّه قال لعلي : ” أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ” حقّ ، و لكن أخطأ السامع ، قلت : فما هو ؟
فقال : إنّما هو : أنت منّي بمنزلة قارون من موسى .
قلت : عمّن ترويه ؟
قال : سمعت الوليد بن عبد الملك يقول و هو على المنبر .
و قال ابن عدي : و حريز من الأثبات في الشاميين ، و يحدّث عن الثقات منهم ، و قد وثّقه القطان و غيره ، و إنّما وضع منه ببغضه لعلي ، و قيل له في ذلك ، فقال : هو القاطع رؤوس آبائي و أجدادي .
و قد اعتمده البخاري في صحيحه ” 54 . انتهى .
أقول :
فانظر إلى مدح هذا الناصبيّ الوضّاع ، و توثيقهم له و جعلهم إيّاه من الأثبات ، و اعتمادهم عليه و ملازمة روايته و توثيقهم لجميع مشايخه الذين منهم الوليد بن عبد الملك !!
ثمّ أين غيرتهم على الصحابة و البراءة من سبّ الصحابة ؟! و أين تلك الهالة القدسيّة التي يحيطونها بالصحابي ؟! و أين تلك الحميّة لصحبة الرسول ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ؟! أو ليس ابن عمّ النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) نجم و رأس في الصحبة و الصحابة ؟! علاوة على قرابته للرسول ( صلى الله عليه و آله و سلم ) و مقاماته في بناء صرح الدّين .
كلّ هذا شاهد لما كررناه في بحوث هذه الحلقات أنّ عنوان الصحابة لا يراد به إلاّ أصحاب السقيفة دون الأنصار و دون بني هاشم و دون من والى عليّاً ( عليه السلام ) من المهاجرين و سائر الصحابة ، كما أنّ مرادهم من أصحاب السُنّة هو سُنّة العداء و القطيعة و الجفاء لعترة النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ، بل إنّ هذه السُنّة الجاهلية و المنبعثة من السقيفة و الأُمويّة المروانية قد طالت شخص النبيّ الأعظم ( صلى الله عليه و آله و سلم ) .
قال ابن حجر في ترجمة خالد بن سلمة بن العاص المخزومي المعروف بالفأفأ : قال أحمد ـ أي ابن حنبل ـ و ابن معين وابن المديني : ثقة . . . .
و قال أبو حاتم : شيخ يكتب حديثه ، و قال ابن عدي : هو في عداد من يجمع حديثه ، و لا أرى بروايته بأساً ، و ذكره ابن حبان في الثقات ، و قال محمد بن حميد عن جرير : كان الفأفأ رأساً في المرجئة و كان يبغض عليّاً ، ذكره علي بن المديني يوماً ، فقال : قُتل مظلوماً .
وقع في صحيح البخاري ضمناً ، و ذكر ابن عائشة أنّه : كان ينشد بني مروان الأشعار التي هجى بها المصطفى ( صلى الله عليه و آله و سلم ) 55 .
و قد وثّقه الذهبي أيضاً 56 .
أقول :
و كيف لا يركنون إلى أمثال هؤلاء الرواة المبغضين للنبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) و عترته ، ـ كمروان بن الحكم و نظائره في صحاحهم ـ ؟! و كيف لا يأمنونهم على دينهم و السُنّة عندهم هي على قطيعة العترة و جفائهم و هجرهم و العداوة لهم ؟! و هي تؤدي إلى قطيعة النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) و العداوة له ، كما أنّ مودّة النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) تؤدي إلى مودّة عترته ، فالنبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) وعترته متلازمان في المودّة ، و بغض أحدهما يؤدي إلى بغض الآخر و هذا هو مفاد آية المودّة ، إذْ مقتضى كون مودّة القربى أجر الرسالة هو : أن تقدير نبوّة النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) و رسالة الرسول ( صلى الله عليه و آله و سلم ) و تقديسه ، بأداء أجرها و قيمتها و هو مودّة القربى ، فالاستخفاف بمودّة القربى استخفاف بأجر الرسالة و النبوّة ، و استحلال عداوة العترة استحلال لحرمة الرسالة .
و قال ابن حجر في ترجمة لِمازَة بن زبّار ـ أبو لبيد البصري ـ : ” ذكره ابن سعد في الطبقة الثانية من أهل البصرة ، و قال : سمع من علي وكان ثقة و له أحاديث ، و قال حرب عن أبيه : كان أبو لبيد صالح الحديث ، و أثنى عليه ثناءً حسناً ، و قال موسى بن إسماعيل ، عن مطر بن حمران : كنّا عند أبي لبيد فقيل له : أتحبّ عليّاً ؟ فقال : أحبّ علياً و قد قتل من قومي في غداة ستة آلاف ، و ذكره ابن حبّان في الثقات .
و قال عباس الدوري عن يحيى بن معين : حدّثنا وهب بن جرير ، عن أبيه ، عن أبي لبيد و كان شتاماً ، قلت : زاد العقيلي ، قال وهب : قلت لأبي : من كان يشتم ؟ قال : كان يشتم علي بن أبي طالب ، و أخرجه الطبري من طريق عبد الله بن المبارك ، عن جرير بن حازم ، حدّثني الزبير بن خريت ، عن أبي لبيد ، قال : قلت له : لمَ تسبّ عليّاً ؟ قال : ألا أسبّ رجلاً قتل منّا خمسمائة و ألفين و الشمس هاهنا . .
ـ ثمّ قال ابن حجر ـ و قد كنت استشكل توثيقهم الناصبي غالباً ، و توهينهم الشيعة مطلقاً ، لا سيّما أنّ عليّاً ورد في حقّه : ( لا يحبّه إلاّ مؤمن و لا يبغضه إلاّ منافق ) .
ثمّ ظهر لي في الجواب عن ذلك أنّ البغض هاهنا مقيّد بسبب و هو كونه نصر النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ; لأن من الطبع البشري بغض من وقعت منه إساءة في حقّ المبغض ، و الحبّ بعكسه ; و ذلك ما يرجع إلى أمور الدنيا غالباً ، و الخبر في حبّ علي وبغضه ليس على العموم ، فقد أحبّه من أفرط فيه حتّى ادعى أنّه نبيّ ، أو أنّه إله تعالى الله عن إفكهم ، و الذي ورد في حقّ علي من ذلك قد ورد مثله في حقّ الأنصار ، و أجاب عنه العلماء أن بغضهم لأجل النصر كان ذلك علامة نفاقه و بالعكس ، فكذا يقال في حقّ علي ، و أيضاً فأكثر من يوصف بالنصب يكون مشهوراً بصدق اللهجة و التمسّك بأمور الديانة بخلاف من يوصف بالرفض فإنّ غالبهم كاذب ، و لا يتورّع في الأخبار ، و الأصل فيه أنّ الناصبة أعتقدوا أنّ عليّاً رضي الله عنه قتل عثمان ، أو كان أعان عليه فكان بغضهم له ديانة بزعمهم ، ثمّ انضاف إلى ذلك أنّ منهم من قُتلت أقاربه في حروب علي ” 57 . انتهى كلامه .
و قال الذهبي في ترجمة لِمازة بن زبّار : ” بصري حضر وقعة الجمل ، و كان ناصبياً ينال من علي رضي الله عنه ، و يمدح يزيد ” 58 . انتهى .
أقول :
دفاع ابن حجر عن الناصبة و إن كان استحلالاً منه لعداوة علي ( عليه السلام )بتسويل واهي إلاّ أننا نوضّح لوازم كلامه و نسجّل نقاط اعترافه :
الأُوّلى : إقراره بتوثيق أهل سُنّة الجماعة غالب الناصبة المعادين لعترة النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ، و اعتمادهم في الرواية عليهم و أخذ أحكام الدّين عنهم ، و لا غرابة في ذلك لأنّ مآل من يترك العترة النبويّة التي أمر الله بمودّتها ـ و هو ترك لأعظم فريضة ـ الركون إلى العصاة البغاة أهل النفاق و الشقاق .
الثانية : إقراره بتوهين أهل سُنّة الجماعة كافة الشيعة ممّن يميل إلى عترة النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) و يواليهم ، و هذا يعزز ما ذكرناه من أنّ مرادهم من السُنّة هو سُنّة العداء و قطعية عترة النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) .
الثالثة : دعواه : أنّ حرمة بغض علي ( عليه السلام ) و كون البغض نفاقاً مقيّداً بسبب نصرة النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ، و استدل على التقييد بأنّ من وقعت منه إساءة في حقّ المبغض يبغضه بحكم الطبع البشري .
و يندفع : مع ذيل كلامه من أنّ الناصبة يبغضون عليّاً لمخالفته لعثمان ، و ليس كلّ الناصبة ممّن كان في عصر علي ( عليه السلام ) ، و لا كلّ الناصبة هم ممّن قتل علي آباءهم في بدر و أُحد و حنين و الأحزاب و خيبر و الجمل و صفين ، كما أن قتل علي لآباء الناصبة وأجدادهم في حروب النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) كان في سبيل الله واعلاء كلمة الإسلام و إرغام كلمة الكفر ، و كذلك في حرب الجمل و صفين و النهروان كان قتالاً للناكثين للبيعة و القاسطين الظلمة و المارقين من الإسلام ، كما يمرق السهم من القوس ، كما أمره بذلك النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) و جاءت به الأحاديث النبويّة ، و كما في أحاديث قتل عمار بن ياسر و غيرها ، و كيف يطلق ابن حجر على ذلك الجهاد في سبيل الله أنّه إساءة لآباء الناصبة و فعل سوء ـ ربنا نعوذ بك من استحلال حرمات دينك ـ .
ولعمري إنّ دفاع ابن حجر بمثل ذلك أعظم فدحاً في الدّين من نصب الناصبة ، لأن ذلك يفتح الباب للآخرين ببغض العترة بذلك التسويل ، ثمّ ماذا يصنع ابن حجر مع آية المودّة فهل يُأوّلها أيضاً ؟ و إذا ساغ مثل هذا العبث بمحكمات وبيّنات الدّين فليعذر عندهم إبليس في معاداته لخليفة الله آدم ( عليه السلام ) ; لأنّه تأوّل فأخطأ لا سيّما و أن خلقة إبليس من نار فطبعه الخلقي الحمية و العصبية .
ثمّ إن حديث ” علي مع الحقّ و الحقّ مع علي يدور معه حيثما دار ” ، أو مثل حديث السفينة وحديث الثقلين وغيرها من الأحاديث دالّ على أنّ بغض علي ( عليه السلام ) في أيّ موقف مخالفة للحقّ و هلاك و ضلال ; لأنّ عليّاً ( عليه السلام )في كلّ سيرته وفعله مع الحقّ ونصرة للنبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) حتّى بعد وفاته .
الرابعة : إنّ إفراط بعض من أحبّ عليّاً و غلوه لا يسوّغ بغض و عداوة علي ( عليه السلام ) ، و إلاّ لجاز بغض و معاداة النبيّ عيسى ( عليه السلام ) ، و كيف يتعذّر ابن حجر بمثل ذلك في مخالفة آية المودّة التي تنادي بعظم فريضة المودّة في القربى ؟! و ما وزر مَنْ أحبّ عليّاً ولم يغل فيه ؟!
و أمّا قياس ما ورد في علي ( عليه السلام ) بما ورد في حقّ الأنصار ، فهو قياس مع الفرق والبون الشاسع ، فإنّ ما ورد في علي ( عليه السلام ) لا يحصى من أحاديث الفضائل و المناقب ، و أين ذلك ممّا ورد في الأنصار ، مضافاً إلى أنّ الحكم في علي ( عليه السلام ) قد رُتّب على ذاته الطاهرة التي أذهب الله عنها الرجس بنصّ آية التطهير .
و أمّا الحكم في الأنصار فقد رُتّب على عنوان نصرتهم ، و الوصف مشعر بعلّة الحكم ، بخلاف عنوان الذات في علي ( عليه السلام ) فإنّه يعطي ملازمة ذاته الطاهرة للحقّ و نصرة النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) و الدّين في كلّ المواطن .
ثمّ ما يصنع ابن حجر في الحديث الآخر : ” لا يبغضك يا علي إلاّ منافق أو ابن زنا أو ابن حيضة ” ، أو ما في حديث جابر : ” كنّا نباري أولادنا بحبّ علي ( عليه السلام ) ، فمن كان يحبّه علموا أنّه طاهر الولادة ، و من كان يبغضه علموا أنّه لغير أبيه ” ، و غير ذلك من الأحاديث التي تهيّج ثائرة أهل النصب .
الخامسة : وصفه أكثر الناصبة بالتمسّك بأمور الديانة و الصدق ، و من تلك الديانة قطع ما أمر الله به أن يوصل ، و منع أجرة النبوّة العائد نفعها لا إلى النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ، وكيف لا يكون إبليس أعبد العباد على هذا المنطق ; لأنّه أبى أن يسجد لآدم و أصرّ أن يكون خضوعه لله خالصاً من طاعة ولي الله ، فلقد اقترح إبليس على الله أن اعفني من السجود لآدم و لأعبدنّك عبادة لم يعبدك أحد مثلها ، فأجابه تعالى : ” إنّي أُحبّ أن أُعبد من حيث أُريد لا من حيث تريد ” ، ثمّ إنّ ممّن وثّقوه من الناصبة خالد بن سلمة بن العاص الذي تقدّم أنّه ينشد بني مروان أشعاره التي يهجو بها المصطفى ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ، و كذا عمر بن سعد قاتل الحسين ( عليه السلام ) ، و نظائرهم فبخ بخ له بهذه الديانة .
السادسة : دعواه : كذب أكثر الرافضة يناقضه ما تقدّم من إقرار الذهبي في ترجمة أبان بن تغلب : ” فهذا كثير في التّابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق ، فلو ردّ حديث هؤلاء لذهبت جملة من الآثار النبويّة و هذه مفسدة بيّنة ” 48 .
هذا مع أنّ تأوّل ابن حجر في جرح أهل سُنّة الجماعة في الرواة الشيعة يدفعه تنصيصهم على أنّ منشأ الطعن هو الميل إلى أهل البيت ( عليهم السلام ) ، أو حبّ علي ( عليه السلام ) ، فكلماتهم تنادي بأبتداع المودّة في القربى التي أمر الله تعالى بها .
السابعة : أنّ الناصبة يعذرون في بغضهم لعلي ( عليه السلام ) ، مع افتراض مودّته بنصّ الكتاب و مع ذلك يوصفون بالديانة ، فلم لا يُعذر مَنْ يُنسبْ إليهم بغض الشيخين و أصحاب السقيفة ؟!
العداوة مرض في قلوب الناصبة
إنّ القرآن الكريم كما أمر و فرض مودّة أهل البيت و أمر بصلتهم وعظّم من هذه الفريضة حتّى جعل خطبها في مصافّ أُصول الاعتقاد و الإيمان بجعلها أجراً لكلّ الرسالة المشتملة على العقيدة و المعرفة ، و هذا البيان شاف لإقامة الحجّة البالغة على العباد و قطع العذر و إنارة سبيل النجاة .
كذلك القرآن حذّر و نهى عن البغض و العداوة لهم ، حيث تعرّضت كثير من الآيات للنهي عن قطع ما أمر الله به أنْ يوصل ، كما حذّر من الضغينة التي هي ضد المودّة في قوله تعالى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىٰ لَهُمْ * ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ * فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ * ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ * أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ﴾ 59.
فقد سلّطت الضوء هذه الآيات الشريفة على تعريف الضغينة بأنّها مرض في قلوب ثلّة ، و لا نجد في القرآن الكريم أنّ الله تعالى افترض المحبّة و المودّة ـ التي هي من أفعال القلب ـ ، و من ثمّ تظهر على أفعال الجوارح إلاّ في المحبّة لله تعالى و للرسول و لذي القربى ، فالضغينة المحرّمة لا تكون إلاّ في موارد عصيان فريضة المحبّة والمودّة ; فالقرآن قد حرّم المودّة والمحبّة لآخرين في موارد أُخرى ، كما في قوله تعالى : ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ … ﴾ 60، و قد أطلق القرآن على موادّة من حادّ الله و رسوله أنّها موالاة في السورة نفسها في الآيات الكريمة التى تحكي عن طائفة ممّن هم حول النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ … ﴾ 61.
و لك أن تقول أطلق على الموالاة أنّها موادّة .
و هذا تعريف آخر يطلعنا و يوقفنا عليه القرآن الكريم و هو كون المودّة موالاة ، غاية الأمر أنّ المودّة ـ و التي هي موالاة ـ على نحوين :
منها : واجبة مفترضة ، و هي المحبّة و المودّة و الموالاة لله و لرسوله و لذي القربى .
و منها : محرّمة ، و هي المودّة و الموالاة لمن حادّ و شاقق الله و رسوله .
كما أنّ الضغينة المحرّمة هي التي يؤتى بها و ترتكب في موارد الفريضة الواجبة مخالفة ، فبتوسط آية المودّة في سورة الشورى و هذه الآيات من سورة محمد ( صلى الله عليه و آله و سلم ) و المجادلة يتبيّن أنّ المودّة و الموالاة و النصرة هي لله و لرسوله و لذي القربى ـ علي و فاطمة و ابناهما ـ ، و هو الإيمان الذي يكتبه الله تعالى في القلوب ، فالإيمان في القلب هو المودّة و الموالاة لله و لرسوله و لذي القربى و المرض في القلوب هو العداوة و الضغينة لله و لرسوله و لذي القربى .
و يتّضح من هذه الآيات :
إنّ الإيمان يقابل المرض في القلوب ، و إنّ الّذين في قلوبهم مرض من أوائل عهد الإسلام ـ كما تشير إليه سورة المدّثر ـ أُولئك لم يُكتب في قلوبهم الإيمان من البدء و بقوا على تلك الصفة .
و من ذلك يُعلم أنّ من الهدى الذي نزّل الله تعالى ـ و كرهه جماعة و تابعهم جماعة أُخرى طواعية للجماعة الأُولى إسراراً بين الجماعتين ـ هو افتراض مودّة ذي القربى في آية المودّة كما أنّ ممّا نزّل الله تعالى من الهدى ـ و الذي كرهه جماعة أيضاً و أبطلوا العمل به ـ هو افتراض الخمس و الفيء لذي القربى في سورة الأنفال و الحشر ، و لا ريب أنّ أداء الخمس لذي القربى و تمكينهم من الفيء الذي افترضه الله لهم هو من أبرز مصاديق الموالاة و المودّة لذي القربى .
و قد مرّ بنا في الحلقات الأُولى أنّ الّذين في قلوبهم مرض هم ثلّة نشأت في أوائل الدعوة وبداية الإسلام ، حيث ورد ذكرهم في سورة المدثّر و هي رابع سورة نزلت على النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) في مكّة في أوائل عهد البعثة الشريفة ، وقد جعلت سورة المدثّر الّذين في قلوبهم مرض فئة في قبال فئة الّذين آمنوا و فئة الّذين أُوتوا الكتاب وفي مصافّ فئة رابعة هي فئة الّذين كفروا ، لكنّها ميّزتهم عنواناً و اسماً عن الذين كفروا و إن كانوا في موقف واحد بحسب الحقيقة و الواقع لا بحسب الظاهر ; لأنّ الّذين في قلوبهم مرض يبطنون هذا المرض و هو الضغينة المحرّمة بحسب تعريف آيات سورة محمد ( صلى الله عليه و آله و سلم ) تلك الضغينة تجاه من أمر تعالى بمحبّتهم و مودّتهم و موالاتهم ، و هذه السور تلاحق هذه الفئة و الثلّة التي نشأت في صفوف من أسلم في أوائل البعثة .
و تبيّن أن مخططهم مبني على الضغينة لذي القربى و كراهة ما نزّل الله في حقّهم من المودّة و الموالاة و الخمس و الفي ، كما تبيّن الآيات السابقة في سورة محمد ( صلى الله عليه و آله و سلم ) و هي تتحدّث في وصف الّذين في قلوبهم مرض : ﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَىٰ لَهُمْ * طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ *فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ ﴾ 62.
فهذه الآيات تنبأ عن ملحمة قرآنية عن هذه الثلّة و الفئة ـ التي ترعرعت في أوائل البعثة و وصفتهم هذه السورة بأنّ وصفهم البارز هو الضغينة لمن أمر الله تعالى بمودّته و صلته و موالاته ـ و كراهة ما نزّل على رسوله من الهدى الذي منه مودّة وموالاة ذي القربى ، و تخصيص الخمس و الفيء بهم أي بولايتهم ، و قد أطلقت اسم مرض القلب في قبال الإيمان المكتوب في القلب ـ حسب ما ورد في سورة المجادلة كما مرّ بنا ـ هذه الملحمة تولي هذه الفئة سدّة الحكم و التصرّف في الأُمور العامّة للمسلمين ، و سيكون الطاغي على أفعال هذه الفئة ـ الّذين في قلوبهم مرض ـ عدّة أُمور :
الأوّل : هو الفساد في الأرض ، و هو مخالفة الكتاب و السُنّة في الأحكام والتشريعات ، ممّا يوجب استشراء الفساد في الأرض شيئاً فشيئاً حتّى ينتشر في بلاد المسلمين الظلم و الفساد المالي و الفساد الأخلاقي و الحيف في القضاء و التلاعب في مقدّرات الحكم و السلطة ، و غيرها من وجوه الفساد في الأرض .
و الثاني : قطع ما أمر الله به أن يوصل ، و هو معاداة من أمر الله بمودّتهم و موالاتهم و تمكينهم من حقّ الولاية لهم على الخمس و الفيء ، و قد أنبأت آية أخرى من كتاب الله العزيز عن نفس هذه الملحمة المستقبلية لأوضاع المسلمين و هي ﴿ وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ 63، حيث عللّ هذه في الآيات تخصيص ذوي القربى بالفيء ـ و هو الأموال العامّة و المنابع الطبيعة في البلاد كما هو مقرّر في الفقه ـ كي لا تكون ـ أي الأموال العامّة ـ دولة يتداولها الأغنياء خاصّة منكم يستأثرون بها دون عامّة المسلمين ، أي كي تسود العدالة المالية بين المسلمين لا بد من ولاية ذوي القربى على الفيء و الأموال العامّة و مقتضى هذا التعليل أنّ مجيء غيرهم على سدّة الحكم و الولاية على الأموال العامّة سوف ينجم منه الظلم و الفساد المالي ، و هذا ما وقع فإنّه قد فرّق بين المسلمين في عطاء بيت المال في عهد الأوّل ، و ازداد ذلك في عهد الثاني و وصل إلى ذروة الحيف ، و اللا مساواة في توزيع و عطاء بيت المال في عهد الثالث حتّى ثار المسلمون و حدث الذي حدث ، و كذلك استمر النهج في عهد بني أُمية و بني العبّاس ، و قد أخبرت الصديقة فاطمة ( عليه السلام ) بذلك في خطبتها التي سبق نقلها .
وقد توعّدت آيات سورة الحشر عن مخالفة هذا الحكم و التشريع بشدّة العقاب .
فتلخّص ـ ممّا مرّ بنا ـ :
أنّ المودّة للقربى و عترة النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) هي موالاة لهم ـ كما أوضحت ذلك سورة المجادلة التي مرّ ذكر آياتها ـ و أنّ الضغينة و العداوة لهم مرض في القلوب ـ كما أوضحت ذلك سورة محمد ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ـ في قبال المودّة و الموالاة لهم فإنّه إيمان .
و إلى ظاهر هذه الآيات من السور يشير الصادق ( عليه السلام ) فيما رواه عنه عبد الله بن سنان أنّه ( عليه السلام ) قال : في معرض كلامه عن علامات ظهور القائم من آل محمد ( عجّل الله تعالى فرجه الشريف ) و أنّه يكون في السماء نداء ” ألا أن الحقّ في علي بن أبي طالب و شيعته ، قال ( عليه السلام ) : فـ ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ … ﴾ 64على الحقّ و هو النداء الأوّل ، و يرتاب يومئذ الذين في قلوبهم مرض ، و المرض والله عداوتنا ” 65 . الحديث .
و قد روى ابن المغازلي الشافعي في المناقب ، عن أبي سعيد الخدري في قوله تعالى : ﴿ … وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ … ﴾ 66، قال : ببغضهم علي بن أبي طالب 67 ، و الآية المذكورة في سياق وصف الّذين في قلوبهم مرض ، و غيرها من الروايات 68 .
هذا ، و ممّا يدلّ على كون مودّة ذوي القربى موالاتهم ، مضافاً إلى ما تقدّم في سورة المجادلة ، قوله تعالى في سورة آل عمران : ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ 15، فإنّ في الآية تصريح بأنّ مقتضى المحبّة الإتّباع ، كما أنّ مقتضى مفهوم الشرطية في الآية أيضاً هو أنّ ترك الإتّباع كاشف مسبب عن عدم المحبّة .
فيتحصّل
أنّ مودّة ذوي القربى مقتضاها إتّباعهم وموالاتهم و هي التي قد جعلها أجراً لكلّ الرسالة . فمفاد الآية متطابق مع حديث الثقلين و حديث السفينة .
فتحصّـل
أنّ مقتضى فريضة المودّة في القربى و التي عظّم شأنها القرآن الكريم ، و كون بغضهم والعداوة لهم و جفاءهم و قطعيتهم مرض يعري القلوب و يسلبها الإيمان ، هو أن المودّة للقربى ميزان و معيار لتعديل الصحابي ، وبغض ذوي القربى و المصادمة معهم ميزان و معيار لجرح الصحابي ، فهذا الضابط يتطابق مع ما تقدّم من الموازين و المعايير التي مرّت بنا في الحلقات السابقة .
و من ذلك قول الصدّيقة الزهراء ( عليها السلام ) بإن الهجرة كوصف للصحابي أنّما تنطبق عليه لا لكون معناها انتقال البدن من مكان إلى مكان كسفر جغرافي ، بل الهجرة إنّما هي بالهجرة إلى أهل البيت ( عليهم السلام ) ، لا الابتعاد عنهم ، و أنّ المدار على الموالاة والمتابعة لرسول الله و أهل بيته ، لا المعاداة لهم والمخالفة ، و آلهجرة تحققت بهم ، و النصرة بنصرة الله و رسوله و ذي القربى ، فلا هجرة إلاّ إليهم لا إلى غيرهم ، و لا نصرة و مودّة و موالاة إلاّ لهم لا عليهم ، ولا إتّباع بإحسان إلاّ بإتباع سبيلهم ، و ما أسألكم عليه من أجر إلاّ ـ وهو المودة في القربى ـ من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلاً ، كما مرّ بنا قول علي ( عليه السلام ) : ” أنّ الصدّيق من صدّق بحبهم و أبطل باطل عدوهم ، و الفاروق من فرّق بينهم و بين عدوهم ” 69 ، و أنّ من ترك الهجرة إليهم يتعرّب ، و أنّ من يترك المودّة و الموالاة لهم يتحزّب .
فهذه وقفة يلزم إعطاءها الإمعان التّام في مبحث عدالة الصحابة 70 .
- 1. a. b. القران الكريم: سورة الشورى (42)، الآية: 22 و 23، الصفحة: 485.
- 2. a. b. c. d. e. f. g. القران الكريم: سورة الشورى (42)، الآية: 23، الصفحة: 486.
- 3. القران الكريم: سورة الأحقاف (46)، الآية: 8، الصفحة: 503.
- 4. القران الكريم: سورة الشورى (42)، الآية: 25، الصفحة: 486.
- 5. لاحظ : فضائل الصحابة لابن حنبل : 2 / 669 ح 1141 ، و العمدة لابن بطريق : 94 ح 47 ، و صحيح البخاري في تفسير آية المودّة : 6 / 231 ح 314 ، و تفسير الطبري : 25 / 16 ، و شواهد التنزيل : 2 / 14 ح 137 ، و مستدرك الحاكم : 3 / 172 ، و الصواعق المحرقة : 170 ، و الطرائف : 112 ح 169 ، مناقب الخوارزمي : 194 ، و مقاتل الطالبيين : 62 ، و غيرها من المصادر العديدة .
- 6. في هامش الكشّاف : 4 / 220 ، أخرجه الكريمي عن ابن عائشة بسنده عن علي ، و رواه الطبراني من حديث أبي رافع .
- 7. في هامش الكشاف : 4 / 220 ، أخرجه الثعلبي .
- 8. و في تفسير القرطبي : 16 / 22 ، في ذيل الآية حُكي عن الثعلبي هذه الرواية مذيّلة بـ : ” و من مات على بغض آل بيتي فلا نصيب له في شفاعتي ” .
- 9. و يشهد لذلك موت فاطمة ( عليها السلام ) و هي واجدة على أبي بكر ، ما رواه البخاري في صحيحيه : 5 / 82 غزوة خيبر ، و إيصائها عدم حضوره جنازتها و أخذه لفدك منها ، في قبال إعطاءه ابنته عائشة حجرة النبيّ ( صلى الله عليه و آله ) توريثاً .
- 10. تفسير الكشّاف : 4 / 221 .
- 11. التفسير الكبير : 27 / 166 .
- 12. a. b. عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 1 / 211 ح 1 .
- 13. القران الكريم: سورة الأعراف (7)، الآية: 158، الصفحة: 170.
- 14. القران الكريم: سورة النور (24)، الآية: 63، الصفحة: 359.
- 15. a. b. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 31، الصفحة: 54.
- 16. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 21، الصفحة: 420.
- 17. التفسير الكبير : 27 / 166 ، ديوان الشافعي : 84 .
- 18. القران الكريم: سورة غافر (40)، الآية: 46، الصفحة: 472.
- 19. المغني : 1 / 582 .
- 20. القران الكريم: سورة غافر (40)، الآية: 28، الصفحة: 470.
- 21. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 33 و 34، الصفحة: 54.
- 22. القران الكريم: سورة الواقعة (56)، الآية: 10 و 11، الصفحة: 534.
- 23. التفسير الكبير : 27 / 167 .
- 24. سورة الأنفال 8 : 41 .
- 25. سورة الحشر 59 : 7 .
- 26. سورة الإسراء 17 : 26 .
- 27. القران الكريم: سورة الرعد (13)، الآية: 21، الصفحة: 252.
- 28. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 27، الصفحة: 5.
- 29. a. b. القران الكريم: سورة سبإ (34)، الآية: 47، الصفحة: 433.
- 30. القران الكريم: سورة ص (38)، الآية: 86، الصفحة: 458.
- 31. القران الكريم: سورة الشعراء (26)، الآية: 109، الصفحة: 371.
- 32. تفسير القرطبي : 16 / 22 .
- 33. القران الكريم: سورة الفرقان (25)، الآية: 57، الصفحة: 365.
- 34. القران الكريم: سورة هود (11)، الآية: 29، الصفحة: 225.
- 35. القران الكريم: سورة هود (11)، الآية: 51، الصفحة: 227.
- 36. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 55 و 56، الصفحة: 117.
- 37. ميزان الاعتدال : 1 / 236 ، لسان الميزان 2 / 231 .
- 38. الغريبين ـ للهروي ـ : 21 مخطوط ، مجمع بحار الأنوار ـ للصديقي ـ 1 / 121 طبعة لكهنو ، الأربعين ـ لعلي الهروي ـ : 54 ، المناقب ـ لعبد الله الشافعي ـ : 21 مخطوط ، تاجّ العروس ـ للزبيدي ـ 3 / 61 مادة ” بور ” ، نزهة المجالس ـ للصفوري ـ 2 / 208 .
- 39. كنوز الحقائق : 67 ، ينابيع المودّة ـ للقندوزي ـ : 18 .
- 40. المناقب ـ للخوارزمي ـ : 47 و 80 عن معجم الطبراني ، ذخائر العقبى ـ للطبري ـ : 92 ، الرياض النضرة 2 / 214 ، شرح النهج ـ لابن أبي الحديد ـ 2 / 449 ، مقتل الحسين ـ للخوارزمي ـ : 46 ، مجمع الزوائد ـ للهيثمي ـ 2 / 132 ، منتخب كنز العمال 5 / 47 ، ينابيع المودّة ـ للقندوزي ـ : 127 و 213 ، الأربعين ـ للهروي ـ : 65 مخطوط ، أرجح المطالب ـ للأمرتسي ـ : 522 و 507 و 518 ، مفتاح النجا ـ للبدخشي ـ : 60 .
- 41. لسان الميزان 5 / 380 ، المناقب المرتضوية ـ للكشفي الحنفي ـ : 100 ، كنز العمال : 13 / 90 و 6 / 218 ، رموز الأحاديث ـ للكمشخانوي ـ : 498 .
- 42. تاريخ بغداد ـ للخطيب ـ 4 / 410 ، و المناقب ـ لابن المغازلي ـ : 243 ح 290 ، لسان الميزان : 4 / 471 ، الجامع الصغير ـ للسيوطي ـ 2 / 145 ، تاريخ دمشق ـ لابن عساكر ـ 1 / 454 ، و غيرها من عشرات المصادر .
- 43. لاحظ : فهرس ملحقات إحقاق الحقّ : 34 / 401 ، مادة : ” ح ب ب ” .
- 44. المغني : 12 / 28 ـ 29 .
- 45. الشرح الكبير بذيل المغني : 12 / 39 ـ 40 .
- 46. المغني 12 / 81 .
- 47. تقدّم نقله في الحلقات الأُولى .
- 48. a. b. ميزان الاعتدال : 1 / 5 .
- 49. تهذيب التهذيب : 1 / 159 رقم 332 .
- 50. ميزان الاعتدال : 1 / 75 ـ 76 .
- 51. تهذيب التهذيب : 2 / 61 ـ 63 .
- 52. حلية الأبرار : 1 / 294 ، و انظر الرواشح السماويّة : 203 ، الأنوار البهيّة : 60 ، كشف اليقين : 40 .
- 53. ميزان الاعتدال : 1 / 410 ـ 411 .
- 54. تهذيب التهذيب : 2 / 219 ـ 222 .
- 55. تهذيب التهذيب : 2 / 514 ـ 515 .
- 56. ميزان الاعتدال : 1 / 631 .
- 57. تهذيب التهذيب : 8 / 410 ـ 411 رقم 831 .
- 58. ميزان الاعتدال : 3 / 419 رقم 6989 .
- 59. القران الكريم: سورة محمد (47)، الآيات: 25 – 30، الصفحة: 509.
- 60. القران الكريم: سورة المجادلة (58)، الآية: 22، الصفحة: 545.
- 61. القران الكريم: سورة المجادلة (58)، الآية: 14، الصفحة: 544.
- 62. القران الكريم: سورة محمد (47)، الآيات: 20 – 23، الصفحة: 509.
- 63. القران الكريم: سورة الحشر (59)، الآية: 6 و 7، الصفحة: 546.
- 64. القران الكريم: سورة ابراهيم (14)، الآية: 27، الصفحة: 259.
- 65. الغيبة ـ للنعماني ـ : 260 ح 19 الباب 14 .
- 66. القران الكريم: سورة محمد (47)، الآية: 30، الصفحة: 510.
- 67. مناقب ابن المغازلي : 262 ح 359 .
- 68. لاحظ : ما روي عنهم ( عليه السلام ) في تفسير البرهان ، و نور الثقلين في ذيل آيات سورة محمد ( صلى الله عليه و آله و سلم ) .
- 69. نهج البلاغة : كتاب 49 . ط مؤسّسة الإمام صاحب الزمان ـ عجّل الله فرجه ـ .
- 70. كتاب عدالة الصحابة للشيخ محمد السند : 236 ـ 278 .