نص الشبهة:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين..
إن مسألة الولاية من أصول الدين التي قام الدليل والبرهان على إثباتها. أما إظهار «التولي والتبري» فهما من فروع الدين التي يذكرها الفقهاء في مقدمات الرسائل العملية. فلماذا لم يتم تناولهما بالتوضيح؟
وسؤال آخر: سماحة السيد لا يرتبط بما ذكرناه أن هناك طائفة كبيرة من الروايات تنص على أن «الأرواح خلقت قبل الأجساد» وهذا ما ورد في أعظم مصادرنا الروائية، فهل ينسجم ذلك مع أحد الأصول التي قامت عليها مدرسة الحكمة المتعالية من قول ملا صدرا رحمة الله عليه من أن النفس جسمانية الحدوث روحانية البقاء هذا ولكم منا خالص الدعاء وأدامكم الله لنا علماً هادياً للحق..
الجواب:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
فإنني أسأل الله عز وجل لكم دوام التوفيق، والتسديد في خدمة دينه، وإعزاز عباده الصالحين. وأن تكونوا على خير ما أتمناه لكم من الصحة والعافية والنجاح، في الدنيا وفي الآخرة، إنه ولي قدير..
أخي الكريم:
بالنسبة لسؤالكم عن أمر الولاية، والتولي، والتبري، فان هذا الأمر في زمن سلفنا الصالح المجاهد، كان من الواضحات التي لا تحتاج إلى بيان. خصوصاً وأن ذلك كان في الواقع التاريخي، هو الأمر الأشد حساسية في أية علاقة تعامل مع الآخرين.. مهما كان نوعها..
ولولا تلويث بعض أهل الزيغ لأذهان الناس ببعض الشبهات، والسعي إلى طمس هذا الأمر وإبعاده عن أذهانهم، وتشكيكهم بالثوابت والمنطلقات التي يفترض أن تكون هي المعيار في الرد والقبول، والتصرف بالنسيج العاطفي، والمفاهيمي لدى الناس، واستبدال المفردات الإيمانية الصحيحة بمفردات غريبة ومصطنعة، تبعدهم عن حقائق الدين، وتخلط لهم الحابل بالنابل. وتهيؤهم للسير في الإتجاه المضاد للمذهب الحق..
نعم.. لولا ذلك كله.. لبقيت الأمور على ما هي عليه من الثبات، والوضوح، والصفاء، والإنسجام..
إن هؤلاء الشياطين قد استفادوا من ظروف تاريخية قاهرة، صرفت جهود أهل الشأن لمواجهة أخطار مصيرية، فنشأ عن ذلك تدني خطير في مستوى الثقافة الإيمانية، جعلها تصل إلى حد السطحية والسذاجة، ثم ترافق ذلك مع تبدد خطير في مستوى الحرص، والغيرة، والاندفاع للعمل في سبيل التحصن من هجمات أولئك الحاقدين الذين ما كانوا ليرقبوا في دين الله ولا في عباده إلاً ولا ذمة..
فكان أن انتهت الأمور إلى هذا الحال، الذي من شأنه، إذا لم يهبّ المخلصون لمواجهة ودرء أخطاره، أن لا يبقي ولا يذر، وسوف يأتي على كل شيء، ويحل بنا الندم العظيم، ولات ساعة مندم..
ونحن لا نشك في أن الله لا بد أن يحفظ دينه، ولكن ما أروعه من فوز لو أنه حفظ دينه بنا، وما أعظمها من خيبة وما أسوأه من بوار حين يحفظ دينه، ونكون نحن من المتخاذلين، والمتخلفين، والهالكين..
وأما بالنسبة لاقتراحك أن يتم بيان الأمور الاعتقادية في مقدمات الرسائل العملية، فهو اقتراح جيد، وقد كان هذا هو ديدن علمائنا السابقين، ولم تزل ثلة من علماء هذا العصر تلتزم بهذا النهج، فقد حاول الشيخ الوحيد الخراساني أن يبدأ رسالته العلمية بذكر أمثال هذه القضايا.. وكان السيد محسن الأمين قد فعل ذلك أيضاً في كتابه الدر الثمين، وقد سلك هذا المسلك أيضاً علماء آخرون، مع العلم بأن هذه الطريقة ليست هي الوحيدة التي تفيد في تحقيق الغرض المنشود، بل لا يجوز أن تكون وحيدة، ولا بد من ترشيدها بالأساليب المناسبة لظروف الناس، وطبيعة المستجدات على حياتهم، وثقافتهم، والوسائل المتوفرة لهم.
وأما بالنسبة للسؤال الثاني: عن موضوع الأرواح، وخلقها قبل الأجساد، فلربما يكون ما ذكرناه في كتابنا « مختصر مفيد» الجزء الخامس ص 13 / 26 مفيداً في هذا المجال..
وفي الختام..
فإنني أعتذر عن هذا الاختصار الذي ربما تراه مخلاً بالمقصود..
وأرجوا أن تسنح لي الفرص للتعويض عن هذا التقصير، والعذر عند كرام الناس مقبول..
والحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطاهرين 1..
- 1. مختصر مفيد.. (أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة)، السيد جعفر مرتضى العاملي، «المجموعة السادسة»، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1424 ـ 2003، السؤال (302).