مقالات

التوحيد…

من أدلة توحيد الله عز وجل

الدليل الأول : أن وحدة المخلوقات تدل على وحدة الخالق عز وجل فكل شئ في الكون مصنوع بدقة وإتقان ، بقوانين موحدة من الذرة الى المجرة ، وهذا يعني أنه من خلق إله واحد أحد ، عليم قدير حكيم ، عز وجل ﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ﴾ 1.

الدليل الثاني : أنه لو كان لله شريك لأظهر آياته ، قال أمير المؤمنين لولده الحسن عليه السلام : ( واعلم يا بني أنه لو كان لربك شريك لأتتك رسله ولرأيت آثار ملكه وسلطانه ، ولعرفت أفعاله وصفاته ولكنه إله واحد كما وصف نفسه ) .
الدليل الثالث : لو كان للكون إلهان لكان بينهما فاصلة ، فيكونان ثلاثة . . وهكذا . . ! وقد سئل الصادق عليه السلام : لم لا يجوز أن يكون صانع العالم أكثر من واحد ؟ فقال عليه السلام : ثم يلزمك إن ادعيت اثنين فرجة ما بينهما حتى يكونا اثنين ، فصارت الفرجة ثالثا بينهما قديما معهما ، فيلزمك ثلاثة ، وإن ادعيت ثلاثة لزمك ما قلنا في الاثنين ، حتى تكون بينهم فرجة فيكونوا خمسة ثم يتناهى في العدد إلى ما لا نهاية له في الكثرة ) الى آخر الأدلة العديدة على توحيده سبحانه .

استغلال الوهابية لأقسام التوحيد

قسم العلماء التوحيد الى أقسام أو مراتب، منها : توحيد الذات ، وأنه عز وجل وجودٌ غير مركب ، فالأحدية عين ذاته ، وكل ما سواه قابل للقسمة . كما بينه أمير الموحدين عليه السلام عندما قام اليه أعرابي يوم الجمل فقال : يا أمير المؤمنين أتقول: إن الله واحد؟ قال : فحمل الناس عليه قالوا: يا أعرابي أما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسم القلب؟! فقال أمير المؤمنين عليه السلام دعوه فإن الذي يريده الأعرابي هو الذي نريده من القوم ، ثم قال: يا أعرابي إن القول في أن الله واحد على أربعة أقسام ، فوجهان منها لا يجوزان على الله عز وجل ، ووجهان يثبتان فيه : فأما اللذان لا يجوزان عليه فقول القائل: واحد يقصد به باب الأعداد فهذا ما لا يجوز، لأن ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد، أما ترى أنه كفر من قال إنه ثالث ثلاثة . وقول القائل : هو واحد من الناس ، يريد به النوع من الجنس ، فهذا ما لا يجوز عليه لأنه تشبيه ، وجل ربنا عن ذلك وتعالى. وأما الوجهان اللذان يثبتان فيه فقول القائل: هو واحد ليس له في الأشياء شبه، كذلك ربنا. وقول القائل: إنه عز وجل أحدي المعنى، يعني به أنه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وَهْم ،كذلك ربنا عز وجل) 2 .
وتوحيد الذات والصفات : وأن صفاته الذاتية كالحياة والعلم والقدرة عين ذاته عز وجل ، لأن تعدد الذات والصفة يستلزم التركيب والتجزئة والمركب من الأجزاء محتاج إلى الأجزاء وإلى من يركبها ، ولأن زيادة الصفات على الذات يعني أن الذات في مرتبة الذات فاقدة لصفات الكمال ، ومتضمنة لإمكان وجودها ، وهذا يجر الى إمكان الوجود لا وجوبه . . الخ . ولذا قال أمير المؤمنين عليه السلام : ( أول عبادة الله معرفته ، وأصل معرفة الله توحيده ، ونظام توحيد الله نفي الصفات عنه ، لشهادة العقول أن كل صفة وموصوف مخلوق ، وشهادة كل مخلوق أن له خالقا ليس بصفة ولا موصوف ) 3 .
ومنها توحيد الألوهية ، وتوحيد الربوبية ، والتوحيد في الخالقية والتوحيد في المُلك ، والتوحيد في العبادة . . الخ .
وقد استغل ذلك ابن تيمية فأراد أن يحكم بكفر بعض المسلمين ، بحجة أنهم موحدون في الربوبية ومشركون في توحيد العبادة والألوهية! ورد عليه الحافظ حسن السقاف في رسالته : ( التنديد بمن عدَّدَ التوحيد ) . قال في / 13 و 34 : ( ولم ينقل ذلك التفريق عن واحد منهم فضلاً عن نقله من الكتاب أو السنة ، حتى ابتدع وتكلم بذلك بعض أهل القرن الثامن الهجري ، ولا عبرة بذلك قطعاً ، فما هذا الهذيان بهذا التقسيم الذي يفتريه أولئك المبتدعة الخراصون فيرمون المسلمين بأنهم قائلون بتوحيد الربوبية دون توحيد العبادة أي الألوهية وأنه لا يكفي المسلمين توحيد الربوبية في إخراجهم من الكفر وإدخالهم في الإسلام . . . قال في كتابه منهاج السنة : 2 / 62 ، بعد أن دمج وخلط بعض أئمة الإسلام كالسهروردي وأبي حامد الرازي والآمدي وغيرهم بمن يخالفهم في آرائهم من الفلاسفة كأرسطو طاليس والفارابي وابن سينا ما نصه : ( دخلوا في بعض الباطل المبدع ، وأخرجوا من التوحيد ما هو منه كتوحيد الإلهية وإثبات حقائق أسماء الله ولم يعرفوا من التوحيد إلا توحيد الربوبية وهو الإقرار بأن الله خالق كل شئ وهذا التوحيد كان يقر به المشركون الذين قال الله عنهم : ( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ) .
وهذه مغالطة منه وتلبيس ، وهو كلام غلط كما بينا وهل يعقل عاقل أو يقول إنسان بأن فرعون الذي كان من جملة المشركين كان يوحد ربوبية ولا يوحد ألوهية ؟! وهو الذي يقول : ما علمت لكم من إله غيري! كما أنه هو القائل : أنا ربكم الأعلى ! ولو كان يقر بالربوبية لما قال : أنا ربكم الأعلى ، بل لقال : أنا إلهكم الأعلى . ولو تذكر ابن تيمية قول الله تعالى في سورة الأعراف : قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون وقول سيدنا يوسف عليه السلام : أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ، وقول سيدنا إبراهيم عليه السلام : أإفكاً آلهة دون الله تريدون . . .لاستحى أن يفوه بذلك! ولذلك كان من الواضح عند أولي الألباب أن توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية شئ واحد ولا فرق بينهما وهما متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر في الوجود وفي الإعتقاد ) .
الأسماء الحسنى والصفات
قال الله تعالى : ﴿ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ﴾ 4. وقال : ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ 5.وقال :﴿ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ … ﴾ 6 والأسماء الحسنى في الآيات تشمل كل صفة حسنة فيصح أن يوصف بها الله تعالى ، بشرط أن لا يكون فيها تجسيمٌ أو تشبيه .
والمشهور من أسمائه الحسنى سبحانه تسع وتسعون ، رواها الصدوق في التوحيد / 219 ،عن النبي صلى الله عليه و آله قال : ( إن لله تبارك وتعالى تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً ، إنه وتر يحب الوتر ، من أحصاها دخل الجنة فبلغنا أن غير واحد من أهل العلم قال : إن أولها يفتتح بلا إله إلا الله الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شي قدير ، لا إله إلا الله له الأسماء الحسنى ، الله ، الواحد ، الصمد ، الأول ، الآخر ، الظاهر ، الباطن ، الخالق ، البارئ ، المصور ، الملك ، القدوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبار ، المتكبر ، الرحمن ، الرحيم ، اللطيف ، الخبير ، السميع ، البصير ، العلي ، العظيم ، البارئ ، المتعالي ، الجليل ، الجميل ، الحي ، القيوم ، القادر ، القاهر ، الحكيم ، القريب ، المجيب ، الغني ، الوهاب ، الودود ، الشكور ، الماجد ، الأحد ، الولي ، الرشيد ، الغفور ، الكريم ، الحليم ، التواب ، الرب المجيد ، الحميد ، الوفي ، الشهيد ، المبين ، البرهان ، الرؤوف ، المبدئ ، المعيد ، الباعث ، الوارث ، القوي ، الشديد ، الضار ، النافع ، الوافي ، الحافظ ، الرافع ، القابض ، الباسط ، المعز ، المذل الرازق ، ذو القوة ، المتين ، القائم ، الوكيل ، العادل ، الجامع ، المعطي ، المجتبي ، المحيي ، المميت ، الكافي ، الهادي ، الأبد ، الصادق ، النور ، القديم ، الحق ، الفرد ، الوتر ، الواسع ، المحصي ، المقتدر ، المقدم ، المؤخر ، المنتقم ، البديع ) .انتهى .
أقول : يبدو أن هذه الأسماء المقدسة تعبير عن أنواع فاعليات الله تعالى في الوجود ، وأن نظام الأسماء الحسنى عميق في وجود الكون وحياته ، وأن آيات القرآن المرصعة التي تُختم بالأسماء الحسنى تدل على أوجه من هذا الإرتباط ، فعندما يقول مثلاً :﴿ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ 7.
ومن هذا الأفق يمكن أن تفهم معنى أن النبي صلى الله عليه و آله والأئمة عليهم السلام هم الأسماء الحسنى أو مظاهرها ، ففي الكافي : 1 / 143 ، عن الإمام الصادق عليه السلام في تفسير قوله تعالى :﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا … ﴾ 5، قال : نحن والله الأسماء الحسنى التي لا يقبل الله من العباد عملاً إلا بمعرفتنا ) .

الالحاد في أسماء الله تعالى وصفاته

قال الله تعالى :﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ 5.
وقال الإمام زين العابدين عليه السلام : (اللهم صل على محمد وآله ، وجنبنا الإلحاد في توحيدك ، والتقصير في تمجيدك ، والشك في دينك ، والعمى عن سبيلك ) 8 .
وفي توحيد الصدوق / 321 ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : ( وله الأسماء الحسنى التي لا يسمى بها غيره وهي التي وصفها في الكتاب فقال :﴿ … وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ … ﴾ 5 ، جهلاً بغير علم ، فالذي يلحد في أسمائه بغير علم يشرك وهو لا يعلم ويكفر به وهو يظن أنه يحسن ، فلذلك قال : ﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾ 9. فهم الذين يلحدون في أسمائه بغير علم فيضعونها غير مواضعها . يا حَنَان ، إن الله تبارك وتعالى أمر أن يُتَّخَذَ قومٌ أولياء فهم الذين أعطاهم الله الفضل وخصهم بما لم يخص به غيرهم، فأرسل محمداً صلى الله عليه و آله فكان الدليل على الله بإذن الله عز وجل حتى مضى دليلاً هادياً ، فقام من بعده وصيه عليه السلام دليلاً هادياً على ما كان هو دل عليه من أمر ربه من ظاهر علمه ، ثم الأئمة الراشدون عليهم السلام ) . انتهى.
وبذلك يتضح أن معنى الإلحاد في أسمائه عز وجل ، الميل بها عن معانيها الصحيحة، وتفسيرها بمعان خاطئة توجب الشرك والكفر من حيث لا يعلم الإنسان ! ومعناه أن علم التوحيد والصفات علم دقيق لا بد أن تتلقاه الأمة من المعصومين عليهم السلام وإلا وقعت في الضلال في معرفة ربها وألحدت في أسمائه ، وعبدت غيره جهلاً ! وهذا ما حدث عندما رفضت عترة نبيها صلى الله عليه و آله واتبعت كعب الأحبار وإسرائيلياته في التشبيه والتجسيم!

انواع الضلال من الالحاد في الاسماء الحسنى

إن كل الضلال في مذاهب العقيدة ، وكل المشاكل الفكرية والعقدية التي وقعت فيها الأمة، نتجت من عدم التوازن بين (الحمد لله ، وسبحان الله) أي من الميل والإلحاد في أسمائه وصفاته عز وجل ، وعدم حفظ التوازن بين التسبيح والتحميد. فالتسبيح يعني تنزيه الله تعالى عن صفات المخلوقين، والتحميد يعني إثبات أنواع فاعلياته في الكون.
والذي حدث أن الجهمية ركزوا على (التنزيه) حتى نفوا أن يكون الله تعالى شيئاً لئلا يقعوا في التشبيه، فوقعوا في التعطيل!
والمشبهة ركزوا على (الإثبات) هرباً من التعطيل فوقعوا في تشبيه الله تعالى بمخلوقاته وجسموه !
فالإغراق في النفي أو الإثبات هو المشكلة ، وحفظ التوازن بين التنزيه والتحميد هو التوحيد الذي جاء به الإسلام وبينه النبي صلى الله عليه و آله وأهل البيت عليهم السلام فقالوا إن الله عز وجل شئ لا كالأشياء ، ووجود لايخضع لقوانين الزمان والمكان ، لأنه خالقهما !
في توحيد الصدوق / 107 ، عن الصادق عن آبائه عليهم السلام : (مرَّ النبي صلى الله عليه و آله على رجل وهو رافع بصره إلى السماء يدعو ، فقال له رسول الله : غُضَّ بصرك فإنك لن تراه . ومرَّ النبي صلى الله عليه و آله على رجل رافع يديه إلى السماء وهو يدعو ، فقال رسول الله : أقصر من يديك فإنك لن تناله) .
وفي الكافي: 1 / 93 ، عن الصادق عليه السلام قال : (إن يهودياً يقال له سبحت جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و آله فقال : يا رسول الله جئت أسألك عن ربك ، فإن أنت أجبتني عما أسألك عنه وإلا رجعت؟ قال: سل عما شئت. قال : أين ربك؟ قال : هو في كل مكان، وليس في شئ من المكان المحدود. قال : وكيف هو؟ قال: وكيف أصف ربي بالكيف والكيف مخلوق والله لا يوصف بخلقه . قال : فمن أين يعلم أنك نبي الله؟ قال : فما بقي حوله حجر ولا غير ذلك ، إلا تكلم بلسان عربي مبين : يا سبحت إنه رسول الله ! فقال سبحت: ما رأيت كاليوم أمراً أبين من هذا ! ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله) 10.

  • 1. القران الكريم: سورة الزخرف (43)، الآية: 84، الصفحة: 495.
  • 2. توحيد الصدوق / 83 .
  • 3. التوحيد للصدوق / 34 .
  • 4. القران الكريم: سورة طه (20)، الآية: 8، الصفحة: 312.
  • 5. a. b. c. d. القران الكريم: سورة الأعراف (7)، الآية: 180، الصفحة: 174.
  • 6. القران الكريم: سورة الإسراء (17)، الآية: 110، الصفحة: 293.
  • 7. القران الكريم: سورة الجاثية (45)، الآية: 2، الصفحة: 499.
  • 8. الصحيفة السجادية / 217 .
  • 9. القران الكريم: سورة يوسف (12)، الآية: 106، الصفحة: 248.
  • 10. معرفة الله ، العلامة الشيخ علي الكوراني العاملي ، مركز المصطفى للدراسات الإسلامية ، برعاية المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني ، الطبعة الأولى 1427 ، الناشر دار الهدى ـ قم ، ص 34 ـ 46 .
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى