يعد اكتشاف النفط في منطقة الخليج العربي، كما هو معروف العامل الحيوي والأساسي، والذي كان له أعظم الأثر في مجموع التحولات والتغيرات البنيوية والشاملة التي مرت على مجتمعات هذه المنطقة، فهو العامل الذي غير طبيعة هذه المنطقة، وقلب صورتها بطريقة جذرية، من منطقة شديدة الفقر إلى منطقة شديدة الثروة، ومن منطقة مقفرة لا عمران فيها إلى منطقة ما زالت تشهد أكبر نهضة عمرانية في المحيط العربي، وجميع الدراسات والبحوث، وفي مختلف مجالاتها وميادينها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتربوية، التي تناولت مجتمعات هذه المنطقة، أولت الاهتمام الأكبر لهذا العامل وتأثيراته المتعاظمة حاضراً ومستقبلاً، وانطلقت منه، حتى أنها بالغت وأسرفت في الحديث عنه.
وبفضل عامل النفط، أصبح بالامكان التفكير بمشاريع وخطط التنمية، والنهوض بها على المدى القريب والمتوسط والبعيد، علماً أن هذه المنطقة تحديداً كانت من أكثر مناطق العالم العربي حاجة للتنمية، التنمية التي جعلت من الممكن البقاء والعيش في هذه المنطقة القاسية والتي لا تطاق من جهة مناخها الحار صيفاً والبارد شتاء.
وبغض النظر عن اتجاهات الرأي والنقد، التي قيلت عن الماضي، والتي يمكن أن تقال عن الحاضر والمستقبل، لخطط وبرامج ومسارات ومسلكيات التنمية في هذه المنطقة، إلا أنها ساهمت بالتأكيد وبصورة كبيرة في تحسين نوعية الحياة لإنسان هذه المنطقة، وتأمين المعيشة الكريمة له، وهيئت له فرص التعليم بكافة مراحله، وفتحت أوسع الفرص للعمل وطلب الرزق، كما أنها هيئت مناخات وأرضيات التطور الاقتصادي، والتقدم الاجتماعي، والتحديث السياسي.
ومن هذه الجهة يمكن القول أن التنمية لعبت دوراً مهماً في إعادة تشكيل نظرة الفرد إلى ذاته، ونظرة المجتمع إلى ذاته، ونظرة الدولة إلى ذاتها.
نظرة الفرد إلى ذاته في مجتمعات الخليج التي تغيرت بعد اكتساب التعليم الذي ساهم في إعادة تشكيل رؤيته إلى العالم، وبعد دخول الكهرباء التي ساهمت في إعادة تشكيل رؤيته إلى الزمن، وبعد دخول التلفاز في بيته الذي ساهم في إعادة تشكيل منظومته القيمية، وبعد تطور وسائل النقل والمواصلات التي ساهمت في إعادة تشكيل رؤيته إلى المجتمع من حوله.
ونظرة المجتمع إلى ذاته التي تغيرت بعد أن زحفت المدينة إلى الصحراء، وانتقل من مجتمع البادية إلى مجتمع المدينة، ومن مجتمع يغلب عليه الأمية إلى مجتمع يغلب عليه التعليم، ومن مجتمع لا يعرف ولا يحتك إلا بأبناء جلدته، إلى مجتمع يعيش بين ظهرانيه العديد من أصحاب الجنسيات التي تنتمي إلى قوميات ولغات وثقافات وديانات متعددة ومتنوعة.
ونظرة الدولة إلى ذاتها التي تغيرت بعد أن أصبحت تمتلك أكبر احتياطي من النفط والغاز على مستوى العالم، وتتأثر بها اقتصاديات العالم، ويرتبط بها العالم ارتباطاً حيوياً.
وترتب على ذلك تغير أنماط العلاقة في أبعادها المتصلة بمفهوم المواطنة بأضلاعها الثلاثة المكوّنة لها، وهي العلاقة بالوطن كمكان، والعلاقة بالوطن كمجتمع، والعلاقة بالوطن كدولة.
ويمكن القول أن التنمية واقتصاديات النفط ساهما في تحسين قضايا المواطنة في مجالات التعليم والصحة والسكن وتوفير فرص العمل وطلب الرزق، وأضافت لرصيد إحساس الإنسان بالكرامة.
والنقاش الذي يطرح في هذا النطاق، هل أن الاكتفاء بهذه الحاجات الاقتصادية والخدماتية يعد كافياً في تمثل وتنجز مفهوم المواطنة؟1
- 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ الخميس / 5 يوليو 2007م، العدد 14922.