مقالات

التمييز بين مواقف الاسلام الاصيل وتصرفات طالبان ..

صرَّح رئيس الحكومة الانتقالية الأفغانية السيد حميد قرضاي خلال زيارته الأخيرة لليابان: إنَّ النِّساء لا زلن يرتدين البرقع بمن فيهن والدته، وهذا أمر تتطلب “معالجته” المزيد من الوقت، وهو يفهم جيداً هذا الوضع، لأنَّ البلاد لا تزال في طور العناية الفائقة! (السفير 21/1/2002).

وحول قيام الأميركيين بحلق لحى قوات طالبان قال قرضاي:‏

إنَّ اللِّحية ليست بطاقة هوية للمسلم الصالح (السفير 21/1/2002).‏

ودعت السيدة أمينة فضالي رئيسة الحركة النسائية في أفغانستان نساء بلدها إلى خلع “البرقع” كما أن المسؤولين في الحكومة الأفغانية طلبوا من الموظفين تهذيب لحاهم وارتداء الملابس الغربية (القدس العربي 21/12/2001).‏

هذه التصريحات والمواقف العلنيَّة توجب علينا التفريق بين أحكام الإسلام و”تصرُّفات” طالبان، ولا يُنكر أحدٌ أنَّ البون بينهما شاسع على أكثر من مستوى.‏

ولسنا بصدد الدفاع عن طالبان، وهي التي أعانت الناس على نفسها، خاصة أننا نختلف معها عقائدياً وسياسياً… فضلاً عن استباحتها لدماء المسلمين والمجاهدين، في مزار شريف وغيرها، منذ عدة سنوات، لا لذنبٍ إلا لأنهم اختلفوا معها في تفاصيل وجزئيات شأن أكثر المسلمين فيما بينهم، بما لا يبرر قط مس دمائهم وأعراضهم.‏

لكن، بالرغم من موقفنا المبدئي من هذه الجماعة، إلاَّ أنَّه كثُر الحديث في الشهرين الأخيرين حول مواضيع إسلامية وأساسية ومشهورة، وهي ليست بحال من الأحوال من مختصات طالبان، وإن كانت المدخل أو المناسبة للحديث عنها.‏

فقد كثُر الحديث في الآونة الأخيرة عن البُرْقع، والحجاب بشكل عام، وخروج المرأة من منزلها، وموقف الإسلام من المبشِّرين، واللِّحية، والموسيقى، والغناء.‏

فالسياق الإعلامي العام السائد أن كل ما اتُّهمت به جماعة طالبان، هو التخلُّف بعينه، وويلل لِمَنْ يُدافع عنه ولو كان حقاً وصدقاً، والخير والنجاة في مخالفتهم والتبرؤ من كال ما دعَوْا إليه!‏

فهل صحيح أن لو قالت طالبان “لا إله إلاَّ الله” نخالفهم لإبعاد التهمة عنَّا!‏ معاذ الله تعالى.‏

فبِغضّ النظر عن موقف هذه الجماعة الطارئة التي لم تكمل العقد من عمرها، فإن مفاهيم الإسلام الأصيلة، سوف تبقى كما كانت، الوجه المشرق للإسلام ولو كره المشركون وشوَّه “الطالبانيون”.‏

ولنبدأ بالبُرقع، ويُقصد به تغطية وجه المرأة عن غير محارمها، بحسب المصطلح الشرعي… ناهيك عن مفهوم الحجاب.‏

وتعرّض هذا العنوان للهجوم الأشد من قبل الغرب وأنصاره والمستفيدين منه، وكأنَّ مفهوماً جديداً طارئاً حلَّ بنا، ونريد التخلُّص منه بساعات.‏

مع العلم، أنَّ أدنى مطلَّع، ليس على المجتمع الأفغاني فحسب، بل على سائر المجتمعات الإسلامية يرى أنَّ عنوان “تغطية وجه المرأة” ليس عنوان طارئاً أو مستغرباً أو مفاجئاً.‏

فأكثر فقهاء الإسلام يفتون بهذا الرأي، وأدنى نظرة إلى العائلات الإسلامية المحافظة في أمصار المسلمين، تُظهر ذلك، ويكفي للمثل فقط النظرُ إلى مجتمع البحرين، الكويت، الإحساء، القطيف، نجد، الحجاز، القاهرة، دمشق، تونس، تركيا، الهند، باكستان، النجف، كربلاء،… وغيرها.‏

بل أنَّ فقهاء الإسلام الذين أجازوا كشف الوجه قالوا إنَّ الأحوط (الأفضل) ستره، ومارسوا من خلال عائلاتهم ذلك في حياتهم اليومية.‏

وبصرف النظر عن خصوص البرقع، فالحجاب بشكل عام من ضروريات دين الإسلام، والغريب أن مؤتمر نصرة المرأة الأفغانية في بروكسل والذي أُصيب بمرض “فرط النشاط” إبان “انتصارات” تحالف الشمال، ما لبث أن اختفى صوته، وصَمَتَ صَمْتَ أبي الهول لأنَّه فوجئ أن المرأة الأفغانية رفضت التخلي عن حجابها بعد “التحرير”، هو الذي اشترط لتدفق المساعدات “الإنسانية” أن تتحرر المرأة الأفغانية عن حجابها، فلم يحصل ذلك، على الرغم من الحملات الإعلامية المكثفة التي قام بها إعلاميو “التحالف ضد الإرهاب” عندما عمّموا وبشكل يومي صور نزع الحجاب والتبرج، و”زفُّوا” للعالم حرية المرأة الأفغانية، التي ما لبثت أن صدمتهم برفضها لمساعداتهم إذا كان الثمن حجابها، وبقيت تلتزم به، إلى أن صرَّحت إحدى المسؤولات في الاتحاد الأوروبي أن المرأة الأفغانية يبدو أنه لم يتغير بعد طالبان وأن البرقع ما زال سائداً!‏

وهذا الموقف مثالٌ جديد لجهل “الغرب المتحضَّر” بالشرق الإسلامي وعقيدته وعاداته، فالوفد النِّسوي الذي كان يُمثِّل المرأة الأفغانية كان يتألَّف من تسع نساء، بينهن اثنتان تضعان “ميني حجاب”!‏

ولم يختلف الوفد النسائي الذي زار زوجة رئيس الوزراء البريطاني عن هذه العيِّنة.‏

وكأنهم لم يتعلموا من تجاربهم في أن التهويل الإعلامي ليس كافياً لتغيير الواقع.‏

ونفس هذه الخطة استُعملت عشية انتصار الثورة الإسلامية في إيران عندما كانت بضع نساء يتجمعَّن في طهران رفضاً للحجاب، فيُخرجهنَّ الإعلام “تظاهرات ترفض الحجاب”، وعندما تتظاهر مئات الآلاف في طهران نفسها تأييداً للحجاب، كان الإعلام يتحدَّث “عن بضع آلاف تظاهرن”!‏

وحتى لا تظيل في التأكيد على أن الحجاب والبرقع من المفاهيم الأصيلة الشرعية ليس في المجتمع الأفغاني فحسب بل عند كل المسلمين، ويُوفِّر له الخفر والحياء، نشير إلى تأكيد أبي الحسن علي الندوي في كتابه “الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية” بخصوص ما نحن بصدده عندما يقول: إن العلماء خلعوا الملك أمان الله خان عن عرشه لأنه سمح لعقيلته أن تخرج سافرة”.‏

أما اللِّحية للرجال فهي من مظاهر الشخصية الإسلامية التي لا يُنكرها حتى الأعداء، والمعروف بين فقهاء المسلمين حرمة حلقها بل واستحباب إطالتها، وتكفي نظرة بسيطة إلى علماء الإسلام ومراجعهم ليستبين الأمر.‏

فهل بعض ممارسات “وفرامانات” طالبان تغيِّر سُنن الإسلام، أم بعض الصور المُفتعلة والمبالغ في شأنها، والتي تُصوِّر الرجال في “كابل” لم يعد لهم هدفٌ في الحياة إلاَّ حلق لحاهم تُعبّر عن الأعم الأغلب للمجتمع الأفغاني؟!‏

أما موقف الإسلام من التبشير والمبشِّرين فلا تخفى على أحد، وقد نصَّ الفقهاء على حكم مَنْ يقوم بذلك، ومُسبْقاً نقول، أنَّ هذه الأحكام لن تُعجب الكثيرين وسوف تُصنَّف أنها معادية لحرية المعتقد والرأي وحقوق الإنسان وقبول الآخر إلى آخر المعزوفة المعروفة.‏

وهذا أمرٌ طبيعي، لن ننتظر غيره مهما تنمَّقنا وتصنَّعنا في الكلام!‏

أما موضوع خروج المرأة من منزلها، وإذن الزوج في ذلك، وحرمة الغناء… فهذه أمور، وغيرها بحاجة إلى كتابةٍ مفصَّلة ومناسبة أخرى.‏

وما كان الهدف في هذه العاجلة إلاَّ الدفاع عن مفاهيم الإسلام حتى لا تضيع مع طالبان في “تورابورا”.‏

وليس كل ما قالت به طالبان ليس صحيحاً، وإن اختلفنا معها، كما تقدَّم، في كثير من الأمور فمفاهيم الإسلام الأصيلة استمرت مئات السنين، وتُدين بها ربع المعمورة، ولا تذهب بذهاب شخص أو فئة، وإن رغب الكثيرون في ذلك.‏

وأخطر ما في هذه المسألة أن بعضاً من أبناء أمتنا ينساق وراء الحملات الإعلامية المعادية ويُكرّر ما قاله الآخرون، ويُنظِّر لآرائهم، ويتبرَّا ممَّا نُؤمن به مبُعِداً الشبهة عن نفسه، ناسياً أن وضع رأسه في الرِّمال وأصابعه في الأذان، لا يُؤخّر معركة، ولا يُبعِّد أجلاً1.‏

  • 1. الموقع الرسمي لسماحة السيد سامي خضرا(حفظه الله).
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى