التمر الصيحاني تمر أسود اللون ذو صلابة نسبية حين المضغ، و كان يُصنَّف ضمن أجود تمور المدينة المنورة، جاء ذكره في الروايات بأنه تمر مبارك فيه الشفاء، و حثت الروايات على تناوله، و كانت النساء يتبخرن بدخان نواته لطيب رائحته، و نخلته تشبه نخلة البَرْنِي.
سبب تسميته بالصيحاني
سُمي هذا التمر بالصيحاني نسبة الى نخلته المسماة بالصيحانية، و هذه التسمية جاءت من النبي المصطفى صلى الله عليه و آله، و إنما سماها بهذه التسمية لأنها صاحت بفضل النبي صلى الله عليه و آله و فضل علي بن أبي طالب عليه السلام في قصة معروفة.
قصة النخلة الصيحانية
عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام أنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ أَنَا وَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله إِلَى صَحْرَاءِ الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا صِرْنَا فِي الْحَدَائِقِ بَيْنَ النَّخْلِ صَاحَتْ نَخْلَةٌ بِنَخْلَةٍ: هَذَا النَّبِيُّ الْمُصْطَفَى، وَ ذَا عَلِيٌّ الْمُرْتَضَى.
ثُمَّ صَاحَتْ ثَالِثَةٌ بِرَابِعَةٍ: هَذَا مُوسَى، وَ ذَا هَارُونُ.
ثُمَّ صَاحَتْ خَامِسَةٌ بِسَادِسَةٍ: هَذَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَ ذَا خَاتَمُ الْوَصِيِّينَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ نَظَرَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله مُتَبَسِّماً وَ قَالَ لِي: “يَا أَبَا الْحَسَنِ، أَ مَا سَمِعْتَ”؟
قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: “مَا تُسَمِّي هَذِهِ النَّخِيلَ”؟
قُلْتُ: اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: “تُسَمِّيهَا الصَّيْحَانِيَ، لِأَنَّهَا صَاحَتْ بِفَضْلِي وَ فَضْلِكَ يَا عَلِيُّ 1”.
قال ابن حماد:
فتكلم النخل الذي في وسطه *** بفصاحة تتعجب الثقلان
من نخلة قالت هناك لأختها *** هذان أكرم من مشى هذان
هذا ابن عبد الله هذا صنوه *** هذا علي العالم الرباني
قد صاح هذا النخل بنشر فضلهم *** فلأجل ذلك سمي الصيحاني 2
وجه آخر في سبب التسمية
هناك قول آخر في وجه تسمية هذا النوع من التمر بالصيحاني لعله من إبداع المخالفين للإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام، و الله العالم.
قال الزبيدي: الصَّيْحَانيّ: ضَرْبٌ من تَمْرِ المدينةِ، على ساكنها أَفضلُ الصّلاة و السّلام.
ثم قال: و قال الأَزهريّ: هو أَسودُ صُلْبُ المَمْضَغَةِ، نُسِبَ إِلى صَيْحَانَ، اسمٍ لكَبْشٍ كان يُرْبَط إِليها، أَي إِلى تِلْك النَّخْلةِ، فأَثْمَرَتْ تَمْراً صَيْحَانيّاً فنُسِبَ إِلى صَيْحَانَ؛ أَو اسمُ الكَبْشِ الصَّيّاحُ، ككتّان، و هو مِن تَغْييرات النَّسَبِ كصَنْعَانِيّ في صَنْعاءَ3.
التشكيك في الوجه الثاني للتسمية
يدل على ما ذكرنا من التشكيك في صحة الوجه الثاني لتسمية التمر الصيحاني، وجود تعتيم على وجه التسمية الأولى لكونها تتضمن فضائل الامام علي عليه السلام الى جانب فضائل النبي المصطفى صلى الله عليه و آله، فلذا لا يستبعد أن أعداء أهل البيت عليهم السلام عمدوا الى إخفاء هذه الفضيلة بإبداع وجه آخر لهذه التسمية، بل لعلهم سعوا في إخفاء هذا الاسم من الاساس أو إبداله بأسماء أخرى كما يظهر للمتتبع.
و يدل على ما أشرنا اليه ما رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ الزَّاهِرِيِّ، قَالَ: حَجَجْنَا فَلَمَّا أَتَيْنَا الْمَدِينَةَ وَ بِهَا سَيِّدُنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّادِقُ عليه السلام، دَخَلْنَا عَلَيْهِ فَوَجَدْنَا بَيْنَ يَدَيْهِ صَحِيفَةً فِيهَا مِنْ تَمْرِ الْمَدِينَةِ، وَ هُوَ يَأْكُلُ مِنْهُ وَ يُطْعِمُ مَنْ بِحَضْرَتِهِ.
فَقَالَ لِي: “هَاكَ يَا مُحَمَّدَ بْنَ سِنَانٍ التَّمْرَ الصَّيْحَانِيَ، فَكُلْهُ وَ تَبَرَّكْ بِهِ، فَإِنَّهُ يَشْفِي شِيعَتَنَا مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِذَا عَرَفُوهُ”.
فَقُلْتُ: يَا مَوْلَايَ، إِذَا عَرَفُوهُ بِمَا ذَا؟
قَالَ: “إِذَا عَرَفُوهُ لَمْ يُدْعَى صَيْحَانِيّاً”.
فَقُلْتُ: لَا وَ اللَّهِ يَا مَوْلَايَ، لَا نَعْلَمُ هَذَا الْأَمْرَ إِلَّا مِنْكَ.
قَالَ: “نَعَمْ، يَا ابْنَ سِنَانٍ هُوَ مِنْ دَلَائِلِ جَدِّي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ”4.
ففي هذه الرواية تصريح بعدة أمور، منها:
- أن هذا التمر لم يكن معروفاً حتى في عهد الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام في المدينة بالصيحاني رغم أن رسول الله صلى الله عليه و آله كان قد سماه به.
- أن إسم الصيحاني يتضمن منقبة و دلالة على إمامة علي عليه السلام، فأخفي الإسم لإخفاء المنقبة و الدلالة.
- 1. الفضائل: 146، لأبي الفضل شاذان بن جبرئيل المعروف بإبن شاذان القمي، المتوفى بحدود سنة: 600 هجرية، الطبعة الثانية سنة: 1404 هجرية، قم/ايران.
- 2. مناقب آل أبي طالب ( عليهم السلام ) : 2 / 327 للعلامة المُحدِّث رشيد الدين محمد بن شهر آشوب المازندراني ، المولود سنة : 489 هجرية بمازندران / إيران ، و المتوفى سنة : 588 هجرية بحلب / سوريا ، طبعة مؤسسة العلامة للنشر ، قم / إيران ، سنة : 1379 هجرية .
- 3. تاج العروس من جواهر القاموس: 4 / 131، لمحمد مرتضى الحسيني الزبيدي، الطبعة الاولى سنة 1414 هجرية، دار الفكر، بيروت/لبنان.
- 4. مستدرك وسائل الشيعة: 16 / 381، للشيخ المحدث النوري ، المولود سنة : 1254 هجرية ، و المتوفى سنة : 1320 هجرية ، طبعة : مؤسسة آل البيت ، سنة : 1408 هجرية ، قم / إيران .