قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (تكبر المرء يضعه)[1].
إن التكبر والغرور صفة غير مقبولة في المرء ولا في الدين الاسلامي الذي بُنِي على الاخلاق الحميدة؛ كالتواضع والفضيلة والتسامح، وحب الاخرين وحب الخير لهم، لكن نجد بعض الاشخاص توجد فيهم هذه الصفة والتي هي ليس من اخلاق المرء المسلم المؤمن، حيث أن الامام علي (عليه السلام) يبين لنا حقيقة المتكبر والمغرور بنفسه، وإن تكبره لا ينفعه بل العكس انه يضعه ويقل شأنه في عيون الناس، وهذا التكبر والغرور ناتجا عن خلل يعانيه الفرد في داخله، أو ينتج بسبب من الاسباب ومنها: العجب، الحقد، الحسد والرياء، واهم سبب من هذه هو العجب، الذي يجعل المرء متعجبا بنفسه وباعتقاده لا يوجد من هو افضل منه، واعتقد ان هذا مرض نفسي يعانيه الشخص ولا يمكنه التخلص منه، وكذلك أن هذا التكبر ناتجا عن حماقة الفرد وجهله وعدم علمه بمساوئ هذا الفعل السيئ، كما قال الامام علي (عليه السلام) عن المتكبر: (التكبر عين الحماقة)[2].
أيضاً ان هذا الغرور والتكبر ناتجاً عن جهل المرء الذي خيم عليه و اصبح لا يسمح له ان يفكر ويختار الصواب، او يجعل نفسه يتجاهل ما حقيقته في البداية التي قبل ان يخلقه الله تعالى، و إن التكبر يجعل صاحبه يرى نفسه فوق كل الناس، بسبب تعجبه بنفسه اذا كان جميلا مثلا او اذا كان صاحب مالا، ولكنه لا يعلم ان تكبره سيقوده الى غضب الله تعالى عليه، ويحاسبه يوم القيامة على هذا تكبره وغروره، وانه لا يعلم ان جماله و ما لديه من اموال او جاه، او اذا كان يتمتع بصحة جيدة هذا بفضل الله عز وجل، وممكن الله سبحانه يزيل هذه النعمة عنه خلال اقصر مدة زمنية، لكنه لا يفكر هكذا ولا يتعظ من احد؛ فبتكبره هذا يعجل لنفسه عقاب الله عز وجل، والله تعالى شديد العقاب للمتكبرين عليه، خاصة اذا تكبروا على عبادة الله سبحانه حيث انه قال تعالى: (إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم)[3].
فمساوئ التكبر واضراه التي حذرنا منها الدين الاسلامي كثيرة لا تعد ولا تحصى؛ فمنها ان المتكبر على الله تعالى، إنه سبحانه يذله ويجعله في ادنى المراتب، وهذ ما نجده في قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم واهل بيته الاطهار(عليهم الصلاة والسلام)، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المتكبر على الله تعالى وعلى الناس: (…، و من تكبر على الله درجة يضعه الله درجة حتى يجعله في أسفل سافلين)[4].
اضافة الى ذلك ان التكبر واعجاب المرء بنفسه، يجلب الرذيلة له، بحيث يفعل هذا الفعل الدنيء ويعتقد ان عمله هذا من الاعمال الحسنة بسبب اعجابه بنفسه، ولكنه لا يعلم انه يجلب الرذيلة له، حيث قال الامام علي(عليه السلام) (التكبر يظهر الرذيلة)[5].
وان المتكبر لا يعلم ان تكبره يؤدي به الى صغره في عيون الناس، وبالتالي يؤدي به هذا الامر الى الهوان والذلة له من قبل الله تعالى ومن قبل المجتمع الذي يعيش فيه؛ فالناس يصبحون لا يحترمونه وينظرون له بنظرة دونية، كما قال الامام علي(عليه السلام): (تكبر الدنيء يدعو الى اهانته)[6].
وكذلك من اضراره أن المتكبر لا يتعلم ولا يأخذ العلم من الاخرين، حيث انه يرى نفسه افضل من الباقين في درجته العلمية فلا يأخذ منهم النصيحة او ما يقدمون له من اشيء تخصه وتحسن من وضعه الحالي؛ فهذا كله نتيجة تكبره؛ فبالنهاية يتأخر في مسيرته العلمية و ربما لا يتعلم بسبب ما هو عليه من تكبر وغرور واعجاب بنفسه مما يؤدي تكبره الى جهله، حيث قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (لا يتعلم من يتكبر)[7].
وان التكبر يؤدي بصاحبه غضب الله تعالى عليه لأن المتكبر يصبح لا يرى احدا افضل منه؛ فهذا يكون حسابه شديدا يوم القيامة، وانه تعالى سيحشره الله تعالى في نار جهنم خالدا فيها، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتل جواظ مستكبر)[8].
وايضاً يجلب لصاحبه الذلة من الله تعالى، إنه تعالى سيحشره في جهنم في صورة اصغر المخلوقات وهي الذرة بسبب عدم تواضعه لله سبحانه ولهوانه عليه وهذا ما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شأن المتكبر المغرور المتجبر الذي نسي يوم الحساب الذي لا تبقى صغيرة ولا كبيرة الا وحاسبه الله تعالى عليها: (يحشر الجبارون المتكبرون يوم القيامة في صور الذر، يطؤهم الناس لهوانهم على الله تعالى)[9]، وكذلك قال الامام الصادق (عليه السلام) في المتكبر وماهي حاله يوم القيامة وكيفية حساب الباري عز وجل له على ما فعله: (إن المتكبرين يُجعلون في صور الذر يتوطؤهم الناس حتى يفرغ الله من الحساب)[10].
اضافة الى ما تقدم، أن التكبر يجعل المرء المتكبر يعيش في عزلة اجتماعية بسبب تكبره على الاخرين، حيث اننا نجد حتى اصدقائه المقربين ينفرون عنه ولا يتقربون اليه؛ فيصبح وحيدا بين الناس، بسبب تكبره وغروره وإعجابه بنفسه؛ ففي شأن ذلك قال الامام علي (عليه السلام):(ليس لمتكبر صديق)[11].
اضافة الى ما تقدم من كلام عن مساوئ التكبر وما ينتج عنه، ان مثوى المتكبر جهنم ويكون خالدا فيها، حيث قال الله تعالى: (قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ)[12].
لكن ممكن ان نقول ان لابد لهذا الداء الخطير من علاج يقضي عليه تماما، وهو ان على المرء المخلوق ان يتذكر عظمة الله تعالى وقدرته على الخلق، وان المخلوق لا حول له ولا قوة من غير الله سبحانه، ويجب ان يتذكر ضعفه امام الله تعالى افتقاره الى عفو الله سبحانه ورحمته؛ فالإنسان ضعيفا لا يستطيع فعل أي شيء لولا فضل الله سبحانه وتعالى التي تفضل به عليه واعطاه القدرة والاستطاعة علي الحركة والمشي والكلام والكثير من افضال الله عز وجل على الانسان، وأن الكبرياء من صفاته عز وجل، قال تعالى(خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ)[13]، وكذلك على الانسان ان يتذكر عاقبة الناس الذين يحملون هذه الصفة وسبقوه الى دار الأخرة؛ فلم ينفعهم تكبرهم ولا يستطيعون به ابعاد المنية عنهم، وكذلك ان المتكبر يحرم من دخول الجنة، كما جاء في قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ)[14]، وايضا ان يجب عليه تذكره ان اكثر وقود النار من اهل التكبر والغرور والذين نسوا يوم الحساب، كما روي عن الرسول الاكرم (صلى الله عليه واله وسلم) (أكثر أهل النار المتكبرون)[15].
وندعوا الله عز وجل أن يبعدنا عن التكبر والغرور.
[1] غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدي التميمي، ص110، ح2722.
[2] المصدر نفسه، ح2724.
[3] غافر:60.
[4] ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج3، ص2659.
[5] عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي، ص19.
[6]غرر الحكم ودرر الكلم، ص110، ح2721.
[7]موسوعة العقائد الإسلامية، محمد الريشهري، ج2،ص270.
[8] ميزان الحكمة، محمد الريشهري ،ج3، ص2660.
[9] المصدر نفسه.
[10]روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه، محمد تقي المجلسي (الأول)، ج9، ص357.
[11] ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج3، ص2659.
[12]الزمر:72.
[13]النحل:4.
[14]الرسالة السعدية، العلامة الحلي، ص141.
[15]الولادات الثلاث، الشيخ علي الكوراني العاملي، ص418.
المصدر: http://inahj.org/