نص الشبهة:
إن التقية لا تكون إلا بسبب الخوف. والخوف قسمان: الأول: الخوف على النفس. والثاني: خوف المشقة والإيذاء البدني، والسب والشتم، وهتك الحرمة. أما الخوف على النفس، فهو منتف في حق الأئمة، لوجهين: أحدهما: أن موت الأئمة الاثني عشر الطبيعي يكون باختيارهم ـ حسب زعمكم ـ. وثانيهما: أن الأئمة يكون لهم علم بما كان ويكون، فهم يعلمون آجالهم، وكيفيات موتهم، وأوقاته بالتخصيص ـ كما تزعمون ـ فقبل وقت الموت لن يخافوا على أنفسهم، ولا حاجة بهم إلى أن ينافقوا في دينهم، ويغروا عوام المؤمنين. أما القسم الثاني من الخوف ؛ وهو خوف المشقة والإيذاء البدني، والسب والشتم، وهتك الحرمة، فلا شك أن تحمل هذه الأمور والصبر عليها وظيفة العلماء ، وأهل البيت النبوي أولى بتحمل ذلك في نصرة دين جدهم (ص). فلماذا التقية إذاً؟!
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
وبعد..
فإننا نجيب بما يلي:
أولاً: إن الموت بالإختيار ثابت في الإسلام، فقد روي أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» هو الذي اختار الموت على الحياة حينما خيره جبرئيل بينهما (كما أمره الله تعالى) حسب روايتكم، وقد ذكرنا ذلك في إجابة لنا على سؤال آخر برقم: 8.
وإعطاءه الخيار في الحياة أو الموت قد يحصل حتى حين تكون وسيلة الموت هي الإستشهاد، أو القتل بسم الخيبرية، أو بسيف شقي من الأشقياء، أو بقبض روحه على فراشه دون ألم أو مرض، أو بعد معاناة مرض. فالنبي «صلى الله عليه وآله» وأمير المؤمنين «عليه السلام» يرضى بذلك كله، ويشتاق إليه، ويحرص عليه، لأنه ينال به أعظم الثواب.
ولعل المقصود بموت الأئمة باختيارهم هو هذا.. وقد كان الحسين «عليه السلام» يعلم بأنه سيقتل بسيوف بني أمية، وهو الذي اختار ذلك، لأنه عرف أن هذا من موجبات نصرة الدين، وفضح أعداء الله سبحانه.
وهكذا الحال بالنسبة لاختيار علي «عليه السلام» لقاء الله على البقاء في هذه الدنيا، وإن كانت الوسيلة هي أن يقتل بسيف أشقى الأولين والآخرين.
وهكذا يقال بالنسبة لسائر الأئمة «عليهم السلام»..
ولعل هذا يفسر لنا المراد من القول المأثور: رضا الله رضانا أهل البيت 1.
ثانياً: إن علم الإمام أو النبي بأجله، وبكيفية موته، وأوقاته كما يقول السائل يجعل من غير الممكن تحاشيه عند من يقول بالجبر الإلهي للعباد، وأنه قد خط القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة.. وهو يعني: أن اختيار النبي «صلى الله عليه وآله» لوقت موته يكون أمراً صورياً لا يقدم ولا يؤخر فيه.. بل إن الإختيار للبشر كلهم يصبح بلا معنى ولا أثر في جميع مفردات حياتهم. وهذا الإشكال وارد على عقيدة السائل نفسه.. فكيف يحل السائل هذا الإشكال؟! وكيف يمكنه الجمع بين الجبر الإلهي، وبين اختيار البشر لأفعالهم؟!
ثالثاً: إن الأئمة «عليهم السلام» إنما يستعملون التقية في الفتوى، لحفظ شيعتهم من سطوة الطغاة والجبارين، فيدلونهم على ما يوجب حفظ نفوسهم، ثم يبينون لهم الأحكام الواقعية، ويعرفونهم: أن الأوامر التي جاءت على خلافها كان سببها ذلك.
فالحكم وفق التقية لا يبقى ثابتاً إلى الأبد.. لا سيما وأن أهل البيت «عليهم السلام» باقون إلى جانب القرآن للقيام بواجب حفظ الدين، وهداية الأمة، وفقاً لحديث الثقلين كما أوضحناه أكثر من مرة..
كما أن الإمام لا ينافق في دينه، بل يأمر الناس بفعل ما يدفع عنهم شرور الطغاة والجبارين وفراعنة الأمة وجبابرتها..
والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله.. 2.
- 1. راجع المصادر التالية: مثير الأحزان لابن نما الحلي ص 29 وبحار الأنوار ج 44 ص 366 و 367 والعوالم، الإمام الحسين ص 216 و 217 وشجرة طوبى ج 1 ص 15 ونزهة الناظر وتنبيه الخاطر للحلواني ص 86 واللهوف لابن طاووس ص 38 وكشف الغمة ج 2 ص 239 ومعارج الوصول للزرندي الشافعي ص 94.
- 2. ميزان الحق (شبهات.. و ردود)، السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، سنة 1431 هـ ـ 2010 م، الجزء الأول، السؤال رقم (28).