نص الشبهة:
السؤال: قال علي «رضي الله عنه» في عقيدة الشيعة في التقية أنها تعني المداهنة، والنفاق، والجبن وعدم مواجهة الباطل ومداهنته..
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
أولاً: حبذا لو ذكرتم لنا نص كلام علي « عليه السلام »، وحددتم لنا مصدره لنرجع إليه، وننظر فيه، ونتحقق من نسبته إليه.
ثانياً: إذا كانت التقية جبناً ومداهنة ونفاقاً وهروباً من مواجهة الباطل، فهل جبن ونافق، وداهن عمار بن ياسر حين اتقى من المشركين، ونزل فيه قوله تعالى: ﴿ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ … ﴾ 1.
وهل داهن ونافق جميع أولئك الذين ذكرناهم في الإجابة السابقة؟!
ثالثاً: إذا كانت التقية تعني الجبن، والنفاق، والمداهنة، والهروب وغير ذلك، فلماذا شرعها الله تعالى بقوله: ﴿ … إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً … ﴾ 2.
وبقوله عن عمار: ﴿ … إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ … ﴾ 1.
وقال عن مؤمن آل فرعون: ﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ … ﴾ 3.
رابعاً: إن التقية لا تجوز إذا كان فيها ضياع أصل الدين، بل يجب البذل والتضحية بالنفس والمال في سبيل إقامته وحفظه. وإنما تجوز التقية في المورد الذي يكون فيه بذل النفس بلا موجب، ويكون هدراً للطاقة البشرية وتعرض للأذى بلا سبب يعتد به العقلاء، ومن الواضح: أن التعرض للقتل أو لما هو دونه بلا سبب يحتم ذلك مما لا يرضاه الله تعالى..
خامساً: لو أخذك ظالم يريد قتلك، أو سلب مالك، أو هتك عرضك بلا سبب موجب إلا مجرداً لعداوة لك، ألا تتفادى ذلك بالخروج متنكراً، والتواري في بعض البيوت أو عند بعض الأصدقاء؟! ألا يعد ذلك تقية؟! وأليس هذا مشروعاً؟!
ولو كنت تستطيع أن تتفادى هذا القتل بلا موجب للقتل أو التعذيب بكلمة أو نحوها هل تفعل ذلك؟! أم لا..
وأنت تعلم أنه بعد استشهاد الإمام «عليه السلام»، وتسلم معاوية للسلطة قد لاحق معاوية وعماله من أمثال المغيرة بن شعبة، وزياد بن أبيه، شيعة علي « عليه السلام » تحت كل حجر ومدر.. وكان من ضحاياه حجر بن عدي، وعمرو بن الحمق، وغيرهما من الصحابة.
ثم اشتد الأمر عليهم بعد تولي يزيد لعنه الله واستشهاد الإمام الحسين « عليه السلام » بأمره.. فهل تريد من شيعة علي « عليه السلام » أن يستسلموا للقتل والأذى حتى يستأصلهم بنو أمية ثم بنو العباس وغيرهم؟!..
سادساً: إن غير الشيعة لم يحتاجوا إلى التقية، لأنهم دانوا الله تعالى بقبول حكومة الظالمين، واعتبروا الظالم إماماً واجب الطاعة، وتجب نصرته، وحفظه، وتأييده، ومعونته، فكان ذلك سيئاً في صيرورتهم وسيلة ظلمه، وآلة بطشه، وأشاع فيهم أجواء الحقد والعداء لمن لا يعترفون بشرعيته، وهيأ للفتن العمياء الهادفة إلى كسر شوكة أولئك الذين يقولون ببطلان إمامته، ويعترضون على من أعانه وأطاعه.. وهم الشيعة على وجه الخصوص.
والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله.. 4.
- 1. a. b. القران الكريم: سورة النحل (16)، الآية: 106، الصفحة: 279.
- 2. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 28، الصفحة: 53.
- 3. القران الكريم: سورة غافر (40)، الآية: 28، الصفحة: 470.
- 4. ميزان الحق.. (شبهات.. وردود)، السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1431 هـ. ـ 2010 م.، الجزء الثاني، السؤال المرفق للسؤال رقم (91).