نور العترة

التفقه في الدين …

روي عن الإمام علي بن موسى الرضا  أنه قال: (لَا يَسْتَكْمِلُ عَبْدٌ حَقِيْقَةَ الْإيْمَانِ حَتَّى تَكُوْنَ فيهِ خِصَالٌ ثَلاثٌ: التَّفَقْهُ فِي الدِّيْنِ، وَحُسْنُ تَقْدِيْرِ المَعِيْشَةِ، وَالصَّبْرُ عَلَى الرَّزَايَا)1

من الجوانب المهمة في سيرة الإمام الرضا اهتمامه بالجانب الفقهي، وبيان اصول ومعالم مدرسة أهل البيت الفقهية، وقد كان الاِمام الرضا أعلم أهل زمانه، وقد التفّ حوله العلماء والفقهاء و المتكلّمون، وأخذوا عنه ورووا عنه، وصنفوا في ذلك العديد من الكتب. وكان  يفتي في مسجد رسول اللّه وهو ابن نيف وعشرين سنة.

وقد آثرت عنه كوكبة من احكام التشريع2وهناك العديد من الشواهد في هذا الجانب، وكمثال على هذا يكفي أن نعلم أن ما وصلنا من تراثه الفقهي في مجال العبادات المتمثلة في الطهارة والصلاة والصوم والزكاة والحج والزيارة تبلغ عدد النصوص الواصلة عنه (٤٣٧) نصاً3، وقد جمع (محمد بن عيسى اليقطِني) 18 ألف مسألة للإمام الرضا.

ويمكن مطالعة صحيفة الرضا  والتي يعبّر عنها أيضا بمسند الرضا للتعرف على هذا التراث الخالد.

من خلال هذه الإطلالة السريعة أود أن أشير إلى هذا الجانب من خلال:

ماذا يعني التفقه في الدين؟

هو ممارسة العبادة وفق الحكم الشرعي بعيداً عن الأهواء والخلفيات الثقافية المستندة إلى الأعراف والمزاج الشخصي، أو السلوكيات العرفية، والاستحسانان الشخصية.

ويجب أن يشمل التفقه أيضاً جميع أبعاد الحياة، وهذا ما نجده جلياً في (الموسوعة الفقهية) للإمام الشيرازي قدس سره التي تحوي على اكثر من مئة وستين مجلدا في مختلف الفروع الفقهية، ومنها ابواب معاصرة ومستجدة في العلوم الحديثة.

كن متفقهاً

ينبغي على كل فرد منا أن يكون متفقهاً من خلال:

1_ دراسة علم الفقه

قـال أمير المؤمنين (عليه السلام): العلوم أربعة؛ الفقه للأديان، والطب للابدان، والنحو للسان، والنجوم لمعرفة الأزمان.

وعند مطالعة الرسالة العملية لمراجع التقليد نجد هذه المسألة: ( يجب تعلم المسائل التي يحتاج إليها غالباً).

2_ تخصيص وقت للتفقه

فقد ورد عن رسول الله : “أفٍّ لكلّ مسلم لا يجعل في كلّ جمعة (أي أسبوع) يوماً يتفقّه فيه أمر دينه، ويسأل عن دينه”.

وقد أصبح الأمر سهلاً مع تطور وسائل التعليم، حيث يمكن الاستفادة من برامج وتطبيقات الهواتف الذكية من خلال تحميل الرسائل الفقهية للمرجع، وقراءة أهم المسائل بشكل يومي. ومن الجيد أيضاً أن يجلس الرجل مع عياله ليتدارس معهم الفقه الإسلامي.

3_ المتابعة الفقهية

يمكنك متابعة أهم المسائل الفقهية من خلال متابعتك لإحدى قنوات التواصل الاجتماعي، وهنا نشيد بالجهد الذي يبذله سماحة الشيخ عادل الجوهر مع مجموعة من العلماء في نشر أهم المسائل الفقهية والمرتبطة بالحياة الاجتماعية أيضاً.

المسجد .. مركزاً فقهياً حيوياً

علينا أن نتخذ من المسجد منطلقاً نحو العلم و التعليم، ولذا يجب أن تتحول مساجدنا إلى منابر علمية تبث فيها أهم القضايا الفقهية المتعلقة بالدين والحياة. وأن تقام فيها الدورات الفقهية التعليمية المستمرة، ومن النافع أيضاً أن يخصص أئمة صلاة الجماعة بعض الدقائق لتعليم الناس فقه العبادات، وفقه المعاملات، وأهم المسائل الحديثة.

نحو مجتمع متفقه

وفي هذا الصدد قام ثلة من العلماء الأعلام بإنشاء مراكز تهتم بهذا الشأن ويأتي مركز الفقاهة للدراسات و البحوث الفقهية أحد المساهمات التي تسعى لبناء مجتمع متفقه، وقد قام المركز بإصدار مجلة فقهية متخصصة صدر منها (14) عدداً، ومجموعة من البحوث والكتب المتخصصة. وهذا الجهد يستحق الثناء و التقدير.

إنعكاسات التفقه الشخصية

أخيراً فإن للتفقه انعكاساته الشخصية والتي تتجلى في إتقان العمل وفق الضوابط الشرعية، وتحلي المتفقه بالأخلاقيات والفضائل كالورع والتواضع والحلم وغيرها. فقد ورد عن الإمام الرضا  من علامات الفقه الحلم والعلم والصمت، إن الصمت باب من أبواب الحكمة، إن الصمت يكُسب المحبة، إنه دليل على كل خير 4 5.

  • 1. تحف العقول، ص446.
  • 2. يمكن الرجوع إلى كتاب الإمام الرضا للشيخ باقر شريف القرشي.
  • 3. أعلام الهداية الإمام الرضا عليه السلام.
  • 4. رواه ثقة الإسلام الكليني.
  • 5. نقلا عن شبكة مزن الثقافية _ 6/11/2017م – 4:33 م
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى