بسم الله الرحمن الرحيم
استحباب الاكتفاء بالضروري من الدنيا (ما نحتاجه) يستحب ترك ما زاد عن قدر الضرورة من الدنيا، خوفا من ضياع الوقت وهدر الجهد في ما لا يبقى. فكل فرد منا،لا بد له من مقدار ضرورة، لكي يستمر في عيشه وتتأمن معيشته… وأما الفائض من وراء ذلك فلن يستفيد منه، لأن طاقته على الطعام والشراب واللباس والمسكن، ومتاع الدنيا بأصنافه، محدودة لا يتعداها.
ومن كان حريصا على الفائض عن حاجته، فليعلم أن هذا الفائض لن يحمله معه بعد موته، وان كان سيحاسب عليه وقتَ ذاك.
فلا يستغرق في”ترفيه الجواز والرخص وحظوظ الدنيا…”لأن هذا يصرف عن الخدمة والعبودية والجد والجِد…وفي كلٍ حساب.
والحريص على الفائض عن حاجته، سوف يحاسبُ عليه بعد موته.
قال الله ربي سبحانه: ﴿ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ ﴾ 1
(ومن هذه المظاهر ما يتَّسع حتى بلغ دقائق الأمور بحيث يكاد لا يبقى شيء إلاَّ وتبثُّ فيه السموم باسم الموضة!
من الثياب إلى أدوات التجميل والزينة فالشعر والأحذية والنظارات والجزادين والأقلام والهواتف والعمليات التجميلية وطريقة الكلام والمشي حتى الريجيم والسيكار والعدسات اللاصقة… كل هذه الأمور وغيرها أصبح لها موضة).
القليل النافع
والقليل النافع في طاعة الله تعالى، خير من الكثير الذي وإن لم يسخر للمعصية، إلا أنه يصرف القلب عن التفكر والتذكر، فقد روي عن مولانا رسول الله (ص):”ما قلّ وكفى، خيـر مما كثر وألهى”.
وفي وصيته (ص) لعلي (ع):”يا علي إنّ الدنيا لو عَدَلَت عند الله جناح بعوضة، لما سقى الكافر منها شربة من ماء، يا علي ما أحد من الأولين والآخرين إلا وهو يتمنى يوم القيامة أنه لم يعط من الدنيا إلا قوتا”.
وجاء عن أمير المؤمنين (ع) في نهج البلاغة قوله:”يا بـن آدم، ما كسبتَ فوق قوتك، فأنت فيه خازن لغيرك”.
الحرص على الدنيا!
ويكره الحرص على الدنيا بمعنى صرف الجهد في تحصيلها وتحصيل الفائض منها والتعلق بها… حتى كأننا قد ولدنا من أجله، فالحرص يترك بصمات سيئة على النفس والراحة والاستعداد للقاء الله تعالى.
والحريص لا يرتاح في دنياه، حتى ولو كان مكتفيا أو غنيا أو ميسورا، ما دامت نفسه متعطشة أو هائمة في طلب المزيد، فتظنه شبعانا، وهو بينه وبيـن نفسـه جوعان، فقد روي عـن أبـي عبد الله الصادق (ع) قوله:”حرِم الحريص خَصلتين، ولزمته خَصلتان: حرِم القناعة، فافتقد الراحة، وحرم الرضا فافتقد اليقين”.
وروي عن الباقر (ع) قوله:”مَثَل الحريص على الدنيا، مَثَل دودةِ القز، كلما إزدادت على نفسها لفا، كان أبعدَ لها من الخروج حتى تموت غما”.
ومن روائع ما روي حول كثرة الهموم وانشغال النفس، قول الصادق (ع) حيث قال:”لا تشعروا قلوبكم الاشتغال بما قد فات، فتشغلوا أذهانكم عن الاستعداد لما لم يأت”.
ومن الطبيعي، أن من صرف وقته وجهده وعمره في جمع الأموال، لكي لا يستعملها في حياته، ويخطفها الورثة منه بعد مماته، من الطبيعي أن تعظم حسرته لفراقها، ولمحاسبته عنها.
روي عن الصادق (ع) أنه قال:”من كثر اشتباكه في الدنيا، كان أشدَّ لحسرته عند فراقها”.
الطمع مفسد للدين
ما من شيء أفسد لدين المرء من الطمع في شهوات الدنيا من مال أو منصب أو جاه، ذلك أن العبد إذا استرسل مع الأمنيات استعبدته كما قال القائل:
العبد حرٌ ما قنع … والحر عبدٌ ما طمع
وقال آخر:
أطعتُ مطامعي فاستعبدتـني …ولو أني قنِعتُ لكنتُ حرًا
وكان صلى الله عليه وآله وسلم يستعيذ بالله”من نفس لا تشبع”.
وجوب ردّ المظالم الى أهلها
ومن المهم هنا، التذكير بوجوب ردّ المظالم الى أهلها، الذين أخذت منهم غصبا ومن غير ارادتهم، وأن يكون ذلك بعد التوبة…فرد الحقوق واجب مستقل عن التوبة التي هي واجب بحد ذاتها، كما بين ذلك في الكتب الفقهية المفصلة.
ومع فرض عدم امكانية رد الحقوق الى أهلها، لا بد من الرد الى ورثتهم…ومع الجهل بهم يتصدق بها عنهم، كـمـا أفتى الفقهـاء، واستغفر لهــم ، فقد قـال رجـل للباقر (ع):”إني لم أزل واليا منذ زمن الحجاج الى يومي هذا، فهل لي من توبة؟ فسكت (ع)، فأعاد الرجل قوله، فأجابه الامام: لا حتى تؤدي الى كل ذي حق حقّه”.
وعن رسول الله (ص) قال:”من ظلم أحدا وَفَاتَه، فليستغفر الله له، فإنه كفارة له”.
وعنه (ص):”من اقتطع مال مؤمن غصبا بغير حقّه لم يزل الله معرضا عنه، ماقتا لأعماله التي يعملها، من البر والخير، لا يـثبتها في حسناته، حتى يردّ المال الذي أخذه الى صاحبه”.
كراهة الطمع وحبّ المال
لا يختلف اثنان على أن الناس عامة يحبون المال حبا جما، ويتعلقون به، غنيّهم وفقيرهم، صغيرهم وكبيرهم، مؤمنهم وكافرهم، والفرق، في كيفية التعامل مع هذا المال: للطاعة أو المعصية، للخير أو الشر…لله تعالى أو للشيطان الرجيم… وعلى كل الأحوال: المال فخ خطير للناس في دنياهم، وكم أهلك من أفراد وأمم، ألم يكن قارون من قوم موسى فبغى عليهم، وآتاه الله من الكنوز ﴿ … مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ … ﴾ 2، ألم ينصحه قومه بأن لا يكون من الفرحين والناسين للآخرة، فأصرّ على غروره وكأنه لم يعلم أن الله قد اهلك من قبله من القرون من هو أشدّ منه قوة وأكثر جمعا، وكان مصيره أن خسف به وبداره الأرض ﴿ … فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ﴾ 3.
من هنا ينبغي الحذر من كيفية استغلال المال واستعماله في حياتنا، حيث سقط الكثيرون، وينتظر آخرون، نسأل الله تعالى أن لا نكون منهم.
روي عن رسول الله (ص) قوله:”إنّ الدينار والدرهم أهلكا من كان قبلكم وهما مهلكاكم”.
وعن الصادق (ع):”إن الشيطان يدير ابن آدم في كل شيء، فإذا أعياه جثم له عند المال فأخذ برقبته”.
ماذا يبقى من الكماليات والمظاهر
قال أمير المؤمنين عليه السلام: …ثُمَّ إِنَّ الدُّنْيَا دَارُ فَنَاءٍ، وَعَنَاءٍ، وَغِيَرٍ، وَعِبَرٍ… وَمِنَ الْعَنَاءِ أَنَّ الْمَرْءَ يَجْمَعُ مَا لاَ يَأْكُلُ، وَيَبْني مَا لاَ يَسْكُنُ، ثُمَّ يَخْرُج إِلَى اللهِ، لاَ مَالاً حَمَلَ، وَلاَ بِنَاءً نَقَلَ……..وَاعْلَمُوا أَنَّ مَا نَقَصَ مِنَ الدُّنْيَا وَزَادَ في الْآخِرَةِ خَيْرٌ مِمَّا نَقَصَ مِنَ الْآخِرَةِ وَزَادَ فِي الدُّنْيَا: فَكَمْ مِنْ مَنْقُوصٍ رَابحٍ وَمَزِيدٍ خَاسِرٍ…. فَبَادِرُوا الْعَمَلَ، وَخَافُوا بَغْتَةَ الْأَجَلِ، فَإِنَّهُ لاَ يُرْجَى مِنْ رَجْعَةِ الْعُمُرِ مَا يُرْجَى مِنْ رَجْعَةِ الرِّزْقِ، مَا فَاتَ الْيَوْمَ مِنَ الرِّزْقِ رُجِيَ غَداً زِيَادَتُهُ، وَمَا فَاتَ أَمْسِ مِنَ الْعُمُرِ لَمْ يُرْجَ الْيَومَ رَجْعَتُهُ4.
- 1. القران الكريم: سورة الأنبياء (21)، الآية: 111، الصفحة: 331.
- 2. القران الكريم: سورة القصص (28)، الآية: 76، الصفحة: 394.
- 3. القران الكريم: سورة القصص (28)، الآية: 81، الصفحة: 395.
- 4. الموقع الرسمي لسماحة السيد سامي خضرا(حفظه الله).