وقف الشيخ (بلباس رجال الدين) على حافة الطريق ينتظر سيارة تقلُّه إلى المحافظة الأخرى.. مرَّت سيارة أجرة فتوقفت بالقرب منه.. أخذ الناس يسرعون إليها.. وتفاجأ الشيخ برفض السائق ركوبه في السيارة.. فقط لأنه رجل دين.. وقد كان سائق السيارة مُبغضاً لرجال الدين.. وربما للدين كله.. الله أعلم بما كان في قلبه..
لكن التصرف كان مسيئاً جداً، وجارحاً لأقصى درجة..
وقف الشيخ ينظر إلى السيارة وهي تبتعد.. وقد مُلئ قلبُه ألماً..
لم يتعاطف معه أحدٌ..
صعد البعض.. وسكت الآخرون.. وامتلأت السيارة.. وانطلقت تشقُّ الطريق..
وقف الشيخ يفكِّر في السرِّ الغيبي وراء ما جرى..
أيُّ حكمة للهِ في أن يُهان رجلُ الدين بهذا الشكل؟
أسئلة كانت تجوبُ قلبه المفعم بالفراغ..
لكنه لم ينطق ببنت شفة..
صمت مفوِّضاً أمره لله.. وانتظر ما يرسمه القدر مع سيارة أخرى..
وقدمت سيارة أخرى.. وركب الشيخ مع الآخرين من غير مشكلة.. وانطلقت السيارة..
هناك في وسط الطريق، حيث كانت السرعة مرتفعة.. أخذ السائق يهدِّئ السرعة؛ فقد احتشدت السيارات في نقطة هناك لسبب ما..
ما الذي جرى؟
يبدو حادثاً..!
ما إن اقتربوا من محل ازدحام السيارات؛ حتى لمحت العيون مشهداً مأساوياً مرعباً..
إنها تلك السيارة التي رفض سائقُها أن يصعد رجُل الدين معهم.. ها هي مقلوبةٌ رأساً على عقب.. قد هشَّمها غضبُ الله.. ورُكَّابُها.. لا تسألْ على ركَّابها.. إنهم أسراء القدر.. الله أعلم بحالهم.. وكم بقي منهم على قيد الحياة.. وكم منهم قد غادر الدنيا بهذه الصورة المؤلمة..
تجلت للشيخ حكمة الله بأجلى صورها، واندهش وهو يحملق في اللوحة الحزينة التي رسمتها يدُ القضاء المحتوم..
كم من ألمٍ ينالنا؛ لكي يحفظنا الله مما هو أشد إيلاماً..
إلهي اجعلني راضياً بقضائك، مسلِّماً لأمرك في كل أحوالي؛ فأنت أدرى وأعلم بما يصلح لي.. وأنت أرأف بي من أمي وأبي.. أنت كما أحب وأرضى، فاجعلني كما تحب وترضى..
يا حبيب قلوب الصادقين.
✍🏻 زكريا بركات
٣١ يناير ٢٠١٧