كلنا أيد وشارك في التحركات الشعبية المختلفة التي سادت خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، لكن ذلك لن يؤتي ثماره ما لم تشعر الولايات المتحدة الأمريكية بأن شيئاً يهدِّد مصالحها ووجودها وأسباب هيمنتها، وبدون ذلك، فلتترك الشعوب تصرخ حتى تمل أو تموت كمداً.
تظاهراتٌ واعتصاماتٌ ومسيراتٌ وخطاباتٌ وهتافاتٌ ويافطات… وكوفيات تلفُّ أعناق شباب وشابات تزيَّنوا بها… ولا شيء أكثر، ولا داعي للحذر ما دامت السلطات الحاكمة في بلاد العرب مستعدة للقمع ومكافحة”الشغب”والاعتقال… كما لا نرى له مثيل في البلدان الأخرى.
إذا لم تكن انعكاسات فاعلة و حقيقية على المصالح الأمريكية ووجوداتها المعنوية والمادية وهياكلها الاقتصادية… فلما تمنع هذه التحركات، بل ربما كانت لها فائدة”تنفيسية”لحالة الاحتقان الشعبي المتولد من تفاصيل وقائع ما يجري في فلسطين، بل لا بأس بتغطيةٍ رسميةٍ لها كمشاركة رئيس وزراء مغربي أو ملكة أردنية ما دام ذلك يخدم الأجواء السائدة.
وأخطر ما يواجهنا اليوم، أن نكتفي بما جرى، وأن تضع التحركات الشعبية أوزارها، ويرجع الجميع إلى منازلهم مستأنفين حياة جديدة، والشهداء نزيلو قبورهم، والمعتقلون صودرت حريتهم، واللاجئون يتخذون السماء غطاء والأرض فراشاً.
لم تعد تجدي المواقف القديمة التي نظر لها بعض الأحزاب والشخصيات من مهادنة السلطات الحاكمة أياً كانت الظروف والأجواء، وقد جعلوا ذلك سقفاً سياسياً تجري كل التحركات تحته، فاطمأن الحاكمون، واقتنع”المناضلون”، وأحس الأمريكيون والإسرائيليون أنهم في مأمن عن أي خطر حقيقي على مصالحهم.
إذاً، لا بد أن يكون لهذه الأحزاب والشخصيات رايٌ واضح في شأن مواقف السلطات الحاكمة، تلك المواقف الحاسمة من كافة التحركات الشعبية التي اعتبرت شغباً وفتنة وغوغائية وتهديداً لأمن الوطني والوحدة الداخلية في هذه الظروف الحساسة، كما صرح أكثر من وزير وأمير وملك، فقمعت المظاهرات وفرِّقت، ووقع أكثر من شهيد ومئات الجرحى فيما بدا أنها الجبهة الخلفية لفلسطين، سقط هؤلاء في مصر والأردن والبحرين وغيرها حتى باتت السلطات ضمانة لردع أي تحرك داخلي قد يتخطَّى الخطوط الحمر التي رسمت بالتعاون مع الإدارة الأمريكية!
لا خيار أمام الأحزاب والشخصيات المؤثرة والمعنية وبعد الذي جرى في فلسطين إلا أن تحسم مستوى وطريقة تحركها، فسياسة تجنُّب الاصطدام مع السلطات، وعدم التعرض للمصالح الأمريكية، وهو ما كان سائداً في السنوات الأخيرة، ولو على حساب القضية الأساس… هذه السياسة لم تعد تجدي نفعاً، بل أصبحت خاوية، وبذلك يصبح أصل تحركهم موضع نظر ولا لزوم له، وإما تغيير هذه الاستراتيجية وإفهام من يعنيهم الأمر أن عدم فتح الحدود والسكوت عن بعض التحركات سوف يؤدي حكماً إلى حالة عدم استقرار غير محسوبة، لا يعرف أحداً كيف وأين ومتى تنتهي، وما هي نتائجها.
وقد تكون بعض نتائجها أن تهلك ملوكاً وتخلف آخرين، وربما تغير كيانات وتنشئ أخرى.
وأثبتت التجارب أن الوسادة الأمريكية لا تؤمِّن الراحة والسلامة1.
- 1. الموقع الرسمي لسماحة السيد سامي خضرا(حفظه الله).