بسم الله الرحمن الرحيم
وا كراه. . . وا حجامتاه.
وا أسفاه على مشايخنا فقد تركوا ساعة الجيب و لبسوا الساعة اليدوية. أين الكر والفرسخ؟ لقد أضعتم مفهوم الكرية ببنائكم الخزانات الضخمة ومد الأنابيب، و أزلتم الفرسخ من المعاجم باستخدامكم الكيلومتر؟ وا أسفاه على الحجامة؟ لماذا لا تنشد أبيات الرثاء على الأطوار التي سمعها جد أبي و أبو جدي؟ أين الصاع و الرطل؟
ألا يعد البحث عن الجديد لمجرد أنه جديد عبثاً؟
ما هو الهدف من التجديد؟ هل نحن بحاجة إلى التجديد أم إلى ما هو مفيد؟
هل يحتاج الدين فعلاً إلى تجديد؟ أم أن تجديده يساوي البدعة واستحداث ما ليس منه؟
أم أن فهم الدين و الخطاب الديني هو ما ينبغي أن يعرض بصور جديدة؟ أو عرض الصورة الصحيحة و السليمة التي تبدو للناس و كأنها جديدة؟
وإذا كنا بحاجة إلى التجديد فهل ينبغي الكف عن المطالبة بالتجديد لأنه بات مطلباً قديماً لا جديد فيه؟
إن الحديث المروي في كتب الفريقين (وإن على رأس كل مائة مجددا للدين) يكشف عن ضرورة بيان أمور الدين للناس و إحياء أحكامه و حفظ المذهب و كل ما يتصل ببقاء الدين حياً مستمراً عبر الأزمنة. ولعل الخلاف يتسع في تحديد مصاديقه في القرون المتأخرة. فقد لا نجد جدلا كبيراً في أن الشيخ الكليني (رحمه الله) هو المجدد للقرن الرابع و لكن قد نجد ذلك في تحديد المجدد للقرن الرابع عشر وربما يزداد الجدل في تعيين مجدد القرن الخامس عشر.
ربما لا يجدي الحديث عن المجددين بقدر ما يجدي تناول أوجه التجديد و مظاهره و الوقوف على جوهر التجديد و الاستفادة منه أيا كان المجدد و المحيي و الباعث و الحافظ للدين من الاندراس. و من المعايير المحددة لانتخاب المجدد أو تشخيصه المناظرات العقائدية، تدوين الروايات و الأحاديث، تأسيس المكتبات و حفظ الآثار من الضياع، تأسيس قواعد فقهية متقنة و محكمة، براعة الأسلوب و التشويق، التوسع و التفصيل والتفريع، نبذ ما يطرأ على الدين من البدع و المستحدثات، مواجهة خصوم الدين و الدفاع عنه، تغيير أساليب الاستنباط، و غير ذلك من المقاييس التي تتباين بسبب اختلاف الأزمنة و حاجات الأمة في كل عصر.
و من المفاهيم التي تحتاج إلى– تجديد – أي توضيح سليم صحيح نافع كما تحتاج أيضا إلى ممارسة سليمة صحيحة نافعة لحماية الدين من الاندراس والضياع إلا من النصوص المقدسة:
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر: هل يكفي الوعظ المنبري أم مراكز الدراسات و لجان الإرشاد و الرعاية الثقافية؟
- الوحدة الإسلامية: هل المطلوب الاتفاق على مذهب واحد؟ التنازل لإرضاء أرباب المذهب الآخر؟ أم التركيز على المشتركات من أجل مواجهة العدو المشترك؟
- التقية: هل هي السكوت المطلق و الخوف من كل ما يجري في العالم و لو أضر ذلك الإسلام و المسلمين أم اتخاذ التقية تكتيكا مؤقتا عند مواجهة الضرر الشخصي كالقتل المؤكد و انتهاك العرض؟
- الجهاد: هل هو القتال المسلح وحسب؟ هل هو جهاد الكلمة و الثقافة و حسب؟ أم هو شامل للجهاد السياسي و العسكري؟ هل جهاد الأهداف والنوايا الصافية هو المطلوب وإن وصلت الممارسة إلى حد التماهي مع العدو؟
- الأعلمية: هل جودة الاستنباط و القدرة على تطبيق الكبريات على صغرياتها تكفي لتحصيل الاجتهاد و الفقهاهة والمرجعية و الأعلمية و النيابة عن المعصوم و بالتالي قيادة الأمة و المذهب في الأقطار التي يوجد بها الشيعة كالعراق و إيران و لبنان و الخليج و باكستان و أفغانستان و الهند و مصر و السودان وبعض جمهوريات آسيا و المهجرين في أوربا و الغرب؟ أم أن مفهوم الأعلمية أشمل و أوسع من مجرد التعامل الآلي مع الأصول و الفقه والنصوص الشرعية؟ كيف نتفادى أزمة تشخيص الأعلم؟ و هل نحن فعلا نحتاج إلى تشخيص الأعلم؟
- الدولة و المجتمع: هل يدفع الدين إلى تشكيل دولة و تأسيس جهاز حكومي ذي صبغة مذهبية؟ هل المطلوب بناء مجتمع إسلامي فاضل و إن لم تؤسس حكومة أو تنظم وزارات للدولة؟ أم أن الدولة و الحكومة هي السبيل الناجح لبناء المجتمع الكامل؟
هذه المفاهيم وغيرها من المفردات الدينية تحتاج إلى – تجديد – يكون إصلاحاً لما فسد بسبب طروء التغيرات عليها أو اضمحلالها عبر الزمن. ولا يخفى أن التجديد مطلوب أيضا على صعيد مواكبة الزمن و إيجاد الحلول للمسائل الحديثة، كالتعامل مع البنوك و الأنظمة الاقتصادية الحديثة و مسائل الطب المستحدثة كالاستنساخ و استئجار الأرحام، و علم الفلك و مدى اعتماده في ثبوت الشهر، و ما يطرأ على مناسك الحج من تغيرات بسبب التطور التقني السريع و الهائل و غيرها من المستجدات.
إذن الواجب هو السعي إلى الهدف والغرض من التجديد لا إلى التجديد ذاته. والمهم في موضوع التجديد أن نسعى إلى كل ما هو مفيد و فعال بغض النظر عن قدمه أو جدته. فرب جديد لا جدوى من ورائه، ورب قديم أكثر فائدة من جديد. وسبيل الاعتدال هو البحث عن الجدوى و ليس استبعاد كل ما هو قديم لمجرد الملل منه. و في المقابل لا يصح التمسك بالقديم لمجرد الحنين إليه1.
- 1. نقلا عن شبكة مزن الثقافية – 21/10/2006م – 10:15 ص.