نزعة التجديد بصورة عامة وثيقة الصلة بالاقتراب من روح العصر، وإدراك شروط ومتطلبات العصر، وبهذا الاقتراب والإدراك تنبعث فكرة التجديد أو نزعة التجديد، حيث يكون في مثل هذه الحالة إمكانية قياس الماضي مع الحاضر، وفي الحاضر يكون التراجع في قياس مع التقدم على مستوى المعرفة الإنسانية والتمدن الإنساني.
وتنكشف مع هذا القياس مدى وطبيعة المسافة العلمية والمدنية التي تفصل الماضي عن الحاضر، وتفصل المجتمعات المتخلفة عن المجتمعات المتقدمة، ويأتي التجديد في فلسفته العامة لغرض تدارك وعبور هذه المسافة، بقصد الوصول إلى المستوى الذي وصل إليه العصر من المعرفة والتقدم، أو امتلاك القدرة على مواكبته والتواصل معه، أو امتلاك الاستعداد على بناء القدرة لمواكبته والتواصل معه، ومحاولة فهمه، وتكوين المعرفة به.
وفي مجال الفقه والشريعة الإسلامية، يتأكد التجديد بالاستناد على القاعدة المشهورة عند المعاصرين، والتي تؤكد على صلاحية وبقاء الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان، الأمر الذي يتطلب ويدعو إلى البحث الدائم والمستمر عن العلاقة بين الشريعة وقاعدة الزمان والمكان، أو بين الشريعة والعصر، لكي تحافظ الشريعة على دينامية التواصل الحيوي مع تقادم الزمان وتغير المكان، ومع تحولات العصر وتطوراته المستمرة وغير المنقطعة.
وحديثاً قد تطور الوعي والإدراك وتنامي بصورة كبيرة لقاعدة الزمان والمكان في مجال الفقه والشريعة الإسلامية، وتوسع الوعي بهذه القاعدة حتى عدت اليوم من المباني الفقهية التي يستند عليها في استنباط الأحكام على مستوى النظر، وفي تطبيقاتها على مستوى العمل.
كما يتأكد التجديد في هذا المجال أيضاً، بالاستناد على مبدأ ومفهوم الاجتهاد، المفهوم الذي اعتبره الدكتور محمد إقبال في كتابه: (تجديد التفكير الديني في الإسلام)، بأنه يمثل مبدأ الحركة في الإسلام، وقد اشتهرت هذه المقولة عند الدكتور إقبال لأهميتها، وأهمية المجال الذي تتصل به. ويراد من هذه المقولة أن الاجتهاد هو الذي ينقل المفاهيم والأحكام والنظريات من حيز النظر، ومن ساحة الذهن، إلى حيز العمل، وإلى ساحة الواقع، وساحة الحياة، المهمة التي لا تتحقق إلا بمعرفة الشروط والمقتضيات القائمة.
وقد جاء مفهوم الاجتهاد أساساً لتشكيل العلاقة الدائمة والمستمرة والحيوية بين الشريعة والحياة، وبين الشريعة والعصر، وبواسطته تواكب الشريعة متطلبات الحياة المتجددة، وتستجيب لمقتضيات العصر المتغيرة.
والعلاقة بالعصر تشكل مدخلاً أساسياً في فهم وتفسير مكونات وأبعاد فلسفة التجديد، ومن طبيعة هذه العلاقة بالعصر، أن تمثل حافزاً فعالاً ومستمراً يدفع نحو تبني واختيار منحى التجديد، لأننا في عصر يشهد أعظم ثورة في المعلومات، وتتراكم فيه المعرفة الإنسانية بصورة متسارعة، وتتلاحق فيه التطورات بطريقة مذهلة وفي كافة الميادين، وبات العالم فيه متداخلاً ومتفاعلاً بين أجزائه المتباعدة والمتفرقة في المعايير الجغرافية والفيزيائية، وما يتحدث به العلماء عن إنجازاتهم واكتشافاتهم في الميادين المختلفة يبعث على الدهشة والإعجاب حقاً.
لهذا فإن من يقترب من العصر سوف يتكون لديه عالم واسع من الخيال والتأملات التي تدفع وبقوة نحو المراجعة والنقد وإعادة النظر، كما أن هذا الاقتراب من العصر له انعكاسات واضحة على طرائق البحث، ومنهجيات التفكير، وعلى طبيعة الذوق الفني في النظر1.
- 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ الخميس 5 رجب 1428هـ / 19 يوليو 2007م، العدد 14936.