التجديد الديني نقصد به التجديد في الفكر الديني وليس في الدين نفسه، أو هو إعادة نظر وتأمل فيما أنتجه العلماء من فكر ديني طوال التاريخ، ومن ثم فهو حركة داخل الدليل وليس خارجه، وهو إعادة تأصيل للمسلمات بأفق أوسع، ونظرة أكثر عمقاً، وأكثر شمولية. التجديد أيضاً يعني عملية علمية فكرية دائمة ومستجدة، وهو استمرار متطور للتاريخ وليس جموداً عنده، وإبداع مستمد من الأصالة وليس استغراقاً في الماضي. وبهذه الرؤية يتضح مفهوم التجديد الديني.
وليس معنى التجديد الديني أن يكون حركة علمية وفكرية تستمد شرعيتها من الفهم البشري بعيداً عن النصوص؛ ولو أدى ذلك إلى مخالفتها القطعية، أو الخروج عليها، أو تأويلها بما لا يناسب مفهومها، أو قراءة النصوص الدينية بعيداً عن دلالات الألفاظ، والظهور اللفظي مما يعطي فهماً مغايراً لمفاهيم النصوص ومنطوقها.
لأن هذا المعنى لمفهوم التجديد الديني يحمل في مضامينه أخطاراً جسيمة وكارثية على الدين والفكر والثقافة والقيم؛ لأنه لا يخضع لضوابط وموازين محددة؛ بَيْدَ أن التجديد يجب أن يرتكز على الدليل وقراءته وفهمه في سياقه العام أو الخاص؛ ولا يعني التجديد بأي حال من الأحوال الخروج من دائرة النصوص الثابتة أو الصحيحة، أو تفسيرها تفسيراً لا يتسق مع روح النصوص، أو التوصل إلى نتائج مخالفة لما عُلِمَ من الدين بالضرورة.
ومشكلة البعض أنهم يرون أنفسهم فوق النصوص، وأن فهمهم للأشياء يعبر عن الحقيقة المطلقة؛ ومن ثم ينساقون مع أهوائهم تحت دعاوى الاجتهاد والتجديد ليطرحوا لنا نظريات مخالفة للدين، واجتهادات تتناقض مع ما عُلِمَ من الدين بالضرورة أو اليقين.
إن التجديد لا يعني الخروج على المبادئ، أو إلغاء المسلمات، أو إبطال الأحكام الشرعية، أو التفكير بعيداً عن روح النصوص؛ وإنما التجديد يعني تأصيل ما يحتاج إلى تأصيل، وقراءة المسلمات برؤية جديدة، وإحياء الفكر الديني بما يتناسب مع لغة العصر، والاجتهاد من داخل الدليل وليس من خارجه، وقراءة الدليل بما يتفق مع مقاصد الشريعة المقدسة، والاجتهاد في القضايا الجديدة.. كل ذلك وفقاً لآليات ووسائل البحث العلمي المتعارف عليها، واتباع القواعد المتبعة في الاجتهاد. أما تجيير النصوص لصالح الواقع، أو تفسيرها تفسيراً غريباً عن مفهومها ومنطوقها، أو رفض النصوص الصحيحة تحت دعاوى عدم توافقها مع روح الزمن.. فهذا ليس من التجديد الديني في شيء؛ بل هو تمرد فكري مفضوح.. وهو منهج مرفوض في الفكر الإسلامي.
من جهة أخرى فإن ادعاء أي جهة أن فهمها للنصوص هو الإسلام نفسه، وأن مخالفته مخالفة للإسلام ينطوي على مخاطر لا تقل خطورة عمن يجتهد من خارج النصوص الدينية، ولعل خطر ادعاء امتلاك الحقيقة الدينية المطلقة أعظم من خطر من يجتهد متجاوزاً النصوص الدينية الصحيحة؛ لأنه باسم الإسلام ينصب نفسه وصياً على الناس، بل وعلى المجتهدين والمجددين الآخرين، في حين أنه لا أحد يمتلك الحقيقة المطلقة، كما أن فهم أي فقيه أو مجتهد للنص ليس حجة على الفقيه أو المجتهد الآخر.
ما نحتاجه فعلاً هو التجديد من داخل النصوص، وإن أدى ذلك لإعادة النظر في بعض المسلمات، ففهم الماضين من العلماء ليس حجة مطلقة ودائمة، أما مجاله فواسع بسعة الفقه والشريعة والأفكار والمفاهيم والرؤى والأدلة1.
- 1. الموقع الرسمي لسماحة الشيخ عبدالله اليوسف (حفظه الله) – 12 / 11 / 2010م – 7:57 م.