نص الشبهة:
مما جرت عليه عادة الشيعة في شهري محرم وصفر إظهار الحزن وعدم الضحك قدر المستطاع، ولكن توجد بعض الروايات التي تدل على أن من تبسم في وجه أخيه المؤمن كتبت له حسنة، وأن تبسم المؤمن في وجه أخيه المؤمن صدقة.
فهل يبقى هذا المستحب وهو التبسم على استحبابه في هذين الشهرين؟ وهل يجوز لي أن أطلب من أخي المؤمن أن يبتسم إذا كانت نيتي هي عمل هذا المستحب فقط؟
الجواب:
يجوز للمؤمن أن يتبسم في وجه أخيه المؤمن خلال شهري محرم وصفر، ما دام الغرض من التبسم هو إظهار البشاشة في وجه المؤمن، وإبداء السرور للقائه، والتعبير عن محبته ومودته.
أما لو كان الغرض من التبسم هو إظهار الفرح بقتل الحسين عليه السلام أو بقتل واحد من أهل بيته وأصحابه، أو فرحاً بما فعله به بعض أعدائه لعنهم الله، كما يصنعه بعض المخالفين، فإن هذا من أشد الكبائر وأعظم الذنوب، نعوذ بالله تعالى من ذلك.
نعم لا ينبغي للمؤمن أن يظهر الفرح في أيام عاشوراء لبعض الأمور الدنيوية التي لا مانع من الفرح بها في سائر الأيام، مثل ما لو كسب مالاً، أو حصل على أمر مهم كان يسعى للحصول عليه، وليجعل فرحه في قلبه؛ لأن أيام عاشوراء أيام حزن ومصيبة عند أهل البيت عليهم السلام أجمعين، وشيعتهم، وكانوا عليهم السلام يأمرون شيعتهم بأن يجعلوا هذه الأيام أيام حزن ومصيبة.
فقد جاء في الحديث أن أبا عبد الله عليه السلام سأل مسمع بن عبد الملك كرين البصري، فقال له: أفما تذكر ما صُنع به – يعني بالإمام الحسين عليه السلام -، قلت: نعم. قال: فتجزع؟ قلت: إي والله، واستعبر لذلك حتى يرى أهلي أثر ذلك عليَّ، فأمتنع من الطعام حتى يستبين ذلك في وجهي. قال: رحم الله دمعتك، أما إنك من الذين يُعدُّون من أهل الجزع لنا، والذين يفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا، ويخافون لخوفنا، ويأمنون إذا أمنا…1.
وفي صحيحة الريان بن شبيب قال: دخلت على الرضا عليه السلام في أول يوم من المحرم، فقال لي: يا بن شبيب، أصائم أنت؟ فقلت: لا. فقال: إن هذا اليوم هو اليوم الذي دعا فيه زكريا عليه السلام ربه عز وجل. فقال: ﴿ … رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾ 2، فاستجاب به، وأمر الملائكة فنادت زكريا وهو قائم يصلي في المحراب: ﴿ … أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ … ﴾ 3، فمن صام هذا اليوم ثم دعا الله عزَّ وجل استجاب الله له، كما استجاب لزكريا عليه السلام.
إلى أن قال: يا بن شبيب، إن سرَّك أن تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان، فاحزن لحزننا، وافرح لفرحنا، وعليك بولايتنا، فلو أن رجلا تولى حجراً لحشره الله معه يوم القيامة4.
وفي صحيحة إبراهيم بن أبي محمود عن الإمام الرضا عليه السلام قال: كان أبي صلوات الله عليه إذا دخل شهر المحرم لا يرى ضاحكاً، وكانت الكآبة تغلب عليه، حتى يمضي منه عشرة أيام، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه، ويقول: هو اليوم الذي قتل فيه الحسين صلوات الله عليه.5.
ومقتضى الحزن لحزنهم ألا يظهر الموالي لهم فرحاً وسروراً بأي أمر من أمور الدنيا، وليستشعر المصيبة، حتى ينال الأجر الكثير والثواب العظيم بمنه ولطفه وكرمه، إنه أكرم الأكرمين6.