مما لا شك فيه أنه لا رهبانية في الإسلام، لأن الإسلام دين الحياة، يجمع بين الدنيا والآخرة و لا يترك شيئاً من الغرائز الموجودة في الإنسان إلا أن يعطي حقها كما يعطي حق العبادة و التضرع إلى الله تعالى.
الإسلام دين الحياة المتوازنة
إن الاسلام دين الحياة المتوازنة البعيدة عن الافراط و التفريط، تلك الحياة التي تجمع بين الدنيا و الآخرة بشكل حكيم دون نفي واحدة على حساب الأخرى و هذا ما تؤكده الاحاديث الكثيرة المروية عن النبي المصطفى صلى الله عليه و آله و عترته الطاهرة عليهم السلام.
جَاءَتِ امْرَأَةُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه آله فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عُثْمَانَ يَصُومُ النَّهَارَ وَ يَقُومُ اللَّيْلَ.
فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله مُغْضَباً يَحْمِلُ نَعْلَيْهِ حَتَّى جَاءَ إِلَى عُثْمَانَ فَوَجَدَهُ يُصَلِّي.
فَانْصَرَفَ عُثْمَانُ حِينَ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله.
فَقَالَ لَهُ: “يَا عُثْمَانُ لَمْ يُرْسِلْنِي اللَّهُ تَعَالَى بِالرَّهْبَانِيَّةِ، وَ لَكِنْ بَعَثَنِي بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّهْلَةِ السَّمْحَةِ، أَصُومُ وَ أُصَلِّي وَ أَلْمِسُ أَهْلِي، فَمَنْ أَحَبَّ فِطْرَتِي فَلْيَسْتَنَّ بِسُنَّتِي، وَ مِنْ سُنَّتِيَ النِّكَاحُ” 1.
و قال الامام جعفر الصادق عليه السلام: “لَیْسَ مِنَّا مَنْ تَرَکَ دُنْیَاهُ لآِخِرَتِهِ وَ لَا آخِرَتَهُ لِدُنْیَاهُ” 2.
سبب تفرغ الامام للعبادة
إن الإمام موسى الكاظم عليه السلام لم يكرس وقته للعبادة ليترك وظائفه الأخرى بإختيار منه، بل أن الحبس فرض عليه الانقطاع عن أموره الأخرى فإختار التفرغ للعبادة، و طبعاً لو كان خارج السجن لمارس حياته الطبيعية دون أن يفوت فرصة على حساب العبادة بل كان و بالتأكيد كان يعطي كل شيء حقه، فعمل الامام لم يكن رهبانية بل اغتنام للفرصة، و من الواضح أنه لو كان يتمتع بحريته و هو خارج السجن لأعطى كل جانب حقه بحكمة.
سبب تسمية الامام الكاظم براهب بني هاشم
إن الحكام العباسيين هم الذين وصفوا الإمام بصفة الرهبانية فإشتهر الامام عليه السلام فلقب براهب آل البيت، و ذلك عندما جاء هارون العباسي (الرشيد) إلى السجن و نظر إلى الإمام عليه السلام و هو في سجدته الطويلة، حيث كان يسجد من بعد صلاة الفجر إلى قبل زوال الشمس سجدة واحدة لا يتحرك فيها و هو يتضرع إلى الله سبحانه و تعالى و كأنه ثوب مطروح على الأرض لا حراك له، فقال: “هذا راهب بني هاشم”، و هكذا عرف الامام موسى بن جعفر عليه السلام بهذا اللقب.
ثم أنه لا بُدَّ من التنبيه بأن هذه التسمية لم تأت من أهل البيت عليهم السلام حتى تكون تسمية مقبولة بل جاءت من قبل هارون العباسي و هي تسمية غير دقيقة لأن هارون أطلقها على الامام من وجهة نظره و من الزاوية التي كان ينظر من خلالها و بنظرة محدودة، و الحال أن الامام شخصيته جامعة و شاملة، و على كل حال و رغم قصور هذه التسمية عن بيان و تعريف الجوانب العديدة و الفريدة من شخصية الامام عليه السلام لكنها مع ذلك جديرة بالتأمل لأنها شهادة جاءت من عدوٍ و الفضل ما شهدت به الأعداء.
- 1. الكافي: 5 / 494 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني، المُلَقَّب بثقة الإسلام، المتوفى سنة : 329 هجرية، طبعة دار الكتب الإسلامية، سنة: 1365 هجرية/شمسية، طهران/إيران.
- 2. من لا يحضره الفقيه: 3 / 156 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن حسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق، المولود سنة: 305 هجرية بقم، و المتوفى سنة: 381 هجرية، طبعة انتشارات اسلامي التابعة لجماعة المدرسين، الطبعة الثالثة، سنة: 1413 هجرية، قم/إيران.