عن الإمام أبي جعفر «عليه السلام» قال: «إنّ رسول الله «صلى الله عليه وآله» علّم عليّاً ألف حرف، كل حرف يفتح ألف حرف، والألف حرف يفتح ألف حرف» 1.
في هذا الحديث الشريف دلالة على أنّ النبي «صلى الله عليه وآله» قد خصّ الإمام عليّاً «عليه السلام» بعلوم ومعارف لم يخص بها أحداً غيره، بل ظاهر الحديث يدل على أنّه «صلى الله عليه وآله» علّمه أصول وأسس الكثير من العلوم، وجعل بيده مفاتيحها بحيث أنّه يستطيع بهذه الأصول والأسس والمفاتيح أن يعلم الكثير من العلوم والمعارف، ويتوصل إلى معرفة الكثير من الحقائق، ولقد دلّت الرّوايات على أنّ هذه الحادثة كانت في آخر أيّام حياة النبي «صلى الله عليه وآله»، بل في مرضه الأخير الذي توفي منه، فعن الإمام الصادق «عليه السلام» قال: جاء أبو بكر وعمر إلى أمير المؤمنين «عليه السلام» حين دفن فاطمة «عليها السلام» – في حديث طويل – قال لهما: «وأمّا إكبابي عليه فإنّه علمني ألف حرف، الحرف يفتح ألف حرف فلم أكن لأطلعكما على سر رسول الله «صلى الله عليه وآله»» 2.
وعن الإمام الباقر «عليه السلام» أنّه قال: «قال رسول الله «صلى الله عليه وآله» في مرضه الّذي توفي فيه: ادعوا لي خليلي، فأرسلت عائشة وحفصة إلى أبويهما، فلمّا جاءا غطّى رسول الله «صلى الله عليه وآله» وجهه، فانصرفا فكشف رأسه رسول الله «صلى الله عليه وآله» ثم قال: ادعوا لي خليلي، فأرسلت حفصة إلى أبيها وعائشة إلى أبيها فلمّا جاءا غطّى رسول الله «صلى الله عليه وآله» وجهه فانطلقا، وقالا: ما نرى رسول الله «صلى الله عليه وآله» أرادنا، قالتا: أجل إنّما قال: ادعوا لي خليلي – أو قال حبيبي – فرجونا أن تكونا أنتما، فجاءه أمير المؤمنين «عليه السلام» وألزق رسول الله «صلى الله عليه وآله» صدره بصدره وأومأ إلى أذنه فحدّثه بألف حديث لكل حديث ألف باب» 3.
كما دلّت الرّوايات على أنّ ذلك كان بأمر إلهي، فعن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر «عليه السلام» قال: «سمعته يقول فلمّا قضى محمد «صلى الله عليه وآله» نبوته واستكملت أيّامه، أوحى الله إليه؛ يا محمد قد قضيت نبوّتك واستكملت أيامك، فاجعل العلم الذي عندك والأيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار النبوّة في أهل بيتك، عند علي ابن أبي طالب «عليه السلام»، فإني لم أقطع علم النبوّة من العقب من ذرّيتك كما لم أقطعها من بيوتات الأنبياء» 4.
الإمام علي باب مدينة علم رسول الله
وأخبر النبي «صلى الله عليه وآله» بأنّ الإمام عليّاً «عليه السلام» باب مدينة علمه فقال: «أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأت الباب».
وأخرج هذا الحديث الشريف من علماء أهل السنة جماعة منهم الحاكم النيسابوري في كتابه المستدرك على الصحيحين بسنده إلى ابن عبّاس قال: قال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأت الباب» 5.
وفيه يشبّه النبي «صلى الله عليه وآله» علمه بالمدينة، ثم يحصر طريق الدخول إليها بباب واحد وهو أمير المؤمنين «عليه السلام»، ومعنى هذا أنّ جميع مسائل الدين من أحكام شرعية ومسائل عقائدية وأخلاقية وتوجيهات دينية، يلزم أخذها من طريق الإمام علي «عليه السلام»، لتطابقها مع الواقع وكونها مصونة من الخطأ والاشتباه، وإن أخذت من غير طريقه «عليه السلام» فإن احتمال الخطأ والاشتباه فيها واردٌ جدّاً.
وتوجيه النبي «صلى الله عليه وآله» الأمّة في هذا الحديث الشريف إلى أخذ تعاليم الشريعة من طريق الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» على هذا النحو المطلق وبدون قيد أو شرط؛ فيه دلالة على عصمته «عليه السلام»، لأنّه «صلى الله عليه وآله» إنّما جعله الطريق الوحيد لأخذ تعاليم الشريعة لكونه معصوماً من الذنب والخطأ والاشتباه والسهو والنسيان وذلك لضمان أخذ تعاليم الشريعة وأحكامها كما نزلت عليه «صلى الله عليه وآله» من عند ربّه.
ومن الأخبار الدالة على أنّ أمير المؤمنين «عليه السلام» تلقى من النبي «صلى الله عليه وآله» طوال حياته علوماً كثيرة ما عن الإمام الباقر «عليه السلام» أنّه قال: «سئل علي «عليه السلام» عن علم النبي «صلى الله عليه وآله» فقال: علم النبي علم جميع النبيين، وعلم ما كان وما يكون إلى قيام الساعة، ثم قال: والذي نفسي بيده إنّي لأعلم علم النبي «صلى الله عليه وآله» وعلم ما كان وما هو كائن فيما بيني وبين قيام الساعة» 6.
وما عن الإمام الصادق «عليه السلام» قال: «إنّ الله تعالى علّم رسول الله «صلى الله عليه وآله» القرآن وعلّمه شيئاً سوى ذلك، فما علّم الله رسوله فقد علّم رسوله «صلى الله عليه وآله» عليّاً «عليه السلام»» 7.
وعنه «عليه السلام»: «إن الله تبارك وتعالى علّم رسول الله «صلى الله عليه وآله» الحلال والحرام والتأويل فعلّم رسول الله «صلى الله عليه وآله» عليّاً كلّه» 8.
النبي يخص الإمام علياً بكاتبين
وخص رسول الله «صلى الله عليه وآله» الإمام عليّاً «عليه السلام» بكتابين يتضمن أحدهما أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم، والآخر أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم، أمّا أنّ رسول الله «صلى الله عليه وآله» كان يمتلك هذين الكتابين فهو مما اتفق على روايته الفريقان سنّة وشيعة، أمّا من جهة أهل السنة فأخرج الترمذي في سننه رواية رواها بسنده إلى عبد الله بن عمرو بن العاصي قال: «خرج علينا رسول الله «صلى الله عليه وآله» وفي يده كتابان فقال: أتدرون ما هذان الكتابان؟ فقلنا: لا يا رسول الله إلاّ أن تخبرنا.
فقال للذي في يده اليمنى هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبداً، ثم قال للذي في شماله هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبداً، فقال أصحابه: ففيم العمل يا رسول الله إن كان أمر قد فرغ منه؟ فقال: سدّدوا وقاربوا فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة، وإن عمل أي عمل، وإنّ صاحب النار يختم له بعمل أهل النار وإن عمل أي عمل، ثم قال رسول الله «صلى الله عليه وآله» بيديه فنبذهما ثم قال: فرغ ربكم من العباد فريق في الجنة وفريق في السعير» 9.
وأمّا من طرق الشيعة فما في قرب الإسناد عن الإمام الباقر «عليه السلام» قال: «خرج رسول الله «صلى الله عليه وآله» قابضاً على شيئين في يده، ففتح يده اليمنى ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب من الرّحمن الرّحيم في أهل الجنة بأعدادهم وأحسابهم وأنسابهم، مجمل عليهم، لا ينقص منهم أحد، ولا يزاد فيهم أحد، ثم فتح يده اليسرى فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب من الرّحمن الرّحيم في أهل النار، بأعدادهم وأحسابهم وأنسابهم مجمل عليهم إلى يوم القيامة، لا ينقص منهم أحد ولا يزاد فيهم أحد، وقد يسلك بالسعداء طريق الأشقياء حتى يقال: هم منهم، هم هم، ما أشبههم بهم! ثم يدرك أحدهم سعادته قبل موته ولو بفواق ناقة، وقد يسلك بالأشقياء طريق السعادة حتى يقال: هم منهم، هم هم ، ما أشبههم بهم! ثم يدرك أحدهم شقاوته ولو قبل موته ولو بفواق ناقة، وقال النبي «صلى الله عليه وآله»: العمل بخواتيمه، العمل بخواتيمه، العمل بخواتيمه» 10.
أمّا ما يدل على أنّ النبي «صلى الله عليه وآله» قد خصّ الإمام عليّاً «عليه السلام» بهذين الكتابين فذلك مما ذكرته روايات أهل البيت «عليهم السلام»، ورد ذلك في رواية رواها العلامة الصفار في بصائر الدرجات، عن عبد الصمد بن بشير قال: «ذكر عند أبي عبد الله «عليه السلام» بدو الأذان وقصة الأذان في إسراء النبي «صلى الله عليه وآله» حتى انتهى إلى السدرة، قال: فقالت: السدرة المنتهى ما جاوزني مخلوق قبلك، قال: ﴿ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ * فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ ﴾ 11 ، قال: فدفع إليه كتاب أصحاب اليمين وأصحاب الشمال، قال: وأخذ أصحاب اليمين بيمينه ففتحه فنظر إليه فإذا فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم، قال: فقال له: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ … ﴾ 12 قال: فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: ﴿ … وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ … ﴾ 12 ، قال: فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: ﴿ … رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا … ﴾ 13 ، قال: فقال الله: قد فعلت، قال: ﴿ … رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا … ﴾ 13 إلى آخر السورة، وكل ذلك يقول الله قد فعلت، قال: ثم طوى الصحيفة فامسكها بيمينه وفتح صحيفة أصحاب الشمال فإذا فيها أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم قال فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: رب إنّ هؤلاء قوم لا يؤمنون، قال: فقال الله: ﴿ فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ 14 ، قال: فلما فرغ من مناجاة ربه رد إلى بيت المعمور ثم قص قصة البيت والصلاة فيه ثم نزل ومعه الصحيفتان فدفعهما إلى علي بن أبي طالب «عليه السلام»» 15.
ودونّ الإمام علي «عليه السلام» الكثير من العلوم التي تلقاها من رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وانتقل علمه إلى الأئمة من بعده من خلال المشافهة وعن طريق هذه المدوّنات، فعن أبي بصير قال: «دخلت على أبي عبد الله «عليه السلام» فقلت له: جعلت فداك إنّي أسألك عن مسألة، ههنا أحد يسمع كلامي؟ قال: فرفع أبو عبد الله «عليه السلام» ستراً بينه وبين بيت آخر فأطلع فيه ثم قال: يا أبا محمد سل عمّا بدا لك، قال: قلت: جعلت فداك إنّ شيعتك يتحدثون أنّ رسول الله «صلى الله عليه وآله» علّم عليّاً «عليه السلام» باباً يفتح له منه ألف باب؟
قال: فقال: يا أبا محمد علّم رسول الله «صلى الله عليه وآله» عليّاً «عليه السلام» ألف باب يفتح من كل باب ألف باب.
قال: قلت: هذا والله العلم.
قال: فنكت ساعة في الأرض ثم قال: إنّه لعلم وما هو بذاك.
قال: ثم قال: يا أبا محمد وإنّ عندنا الجامعة، وما يدريهم ما الجامعة؟
قال: قلت: جعلت فداك ما الجامعة؟
قال: صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول الله «صلى الله عليه وآله» وإملائه من فلق فيه وخط علي بيمينه، فيها كل حلال وحرام وكل شيء يحتاج النّاس إليه حتى الأرش في الخدش وضرب بيده إليَّ فقال: تأذن لي يا أبا محمد؟ قال: قلت: جعلت فداك إنّما أنا لك فاصنع ما شئت.
قال: فغمزني بيده وقال: حتى أرش هذا – كأنّه مغضب -.
قال: قلت: هذا والله العلم.
قال: إنّه لعلم وليس بذاك.
ثم سكت ساعة، ثم قال: وإنّ عندنا الجفر وما يدريهم ما الجفر؟
قال: قلت: وما الجفر؟
قال: وعاء من أدم فيه علم النبيين والوصيين، وعلم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل.
قال: قلت: إنّ هذا هو العلم، قال: إنّه لعلم وليس بذاك.
ثم سكت ساعة ثم قال: وإنّ عندنا لمصحف فاطمة «عليها السلام»، وما يدريهم ما مصحف فاطمة «عليها السلام»؟
قال: قلت: وما مصحف فاطمة «عليها السلام»؟
قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد.
قال: قلت: هذا والله العلم.
قال: إنّه لعلم وما هو بذاك.
ثم سكت ساعة ثم قال: إنّ عندنا علم ما كان وعلم ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة.
قال: قلت: جعلت فداك هذا والله هو العلم.
قال: إنّه لعلم وليس بذاك.
قلت: جعلت فداك فأي شيء العلم؟
قال: ما يحدث بالليل والنهار، الأمر من بعد الأمر، والشيء بعد الشيء، إلى يوم القيامة» 16.
وعن محمد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر «عليه السلام» يقول: «نزل جبرئيل على محمد «صلى الله عليه وآله» برمانتين من الجنة، فلقيه علي «عليه السلام» فقال: ما هاتان الرّمانتان اللتان في يدك؟
فقال: أمّا هذه فالنبوّة؛ ليس لك فيها نصيب، وأمّا هذه فالعلم، ثم فلقها رسول الله «صلى الله عليه وآله» بنصفين فأعطاه نصفها وأخذ رسول الله «صلى الله عليه وآله» نصفها ثم قال: أنت شريكي فيه، وأنا شريكك فيه.
قال: فلم يعلم رسول الله «صلى الله عليه وآله» حرفاً مما علمه الله عزّ وجل إلاّ وقد علّمه عليّاً، ثم انتهى العلم إلينا، ثم وضع يده على صدره» 17.
وعن عمر بن أبان فقال: «سألت أبا عبد الله «عليه السلام» عمّا يتحدث الناس أنّه دفع إلى أم سلمة صحيفة مختومة، فقال: إنّ رسول الله «صلى الله عليه وآله» لما قبض ورث علي «عليه السلام» علمه وسلاحه وما هناك، ثم صار إلى الحسن، ثم صار إلى الحسين «عليهما السلام»، قال: ثم صار إلى علي بن الحسين، ثم صار إلى ابنه، ثم انتهى إليك، قال: نعم» 18.
وعن أبي بصير قال: «سألت أبا عبد الله «عليه السلام» عن شيء من الفرائض فقال لي: ألا أخرج لك كتاب علي «عليه السلام»؟ فقلت: كتاب علي «عليه السلام» لم يدرس؟ فقال: يا أبا محمــد إنّ كتــاب علـي لم يدرس فأخــرجــه فإذا هــو كتاب جليــل …» 19.
وعن محمد بن مسلم قال: «أقرأني أبو جعفر «عليه السلام» صحيفة كتاب الفرائض التي هي من إملاء رسول الله «صلى الله عليه وآله» وخط علي «عليه السلام» بيده…» 20.
وعن أبي الصباح قال: «قلت لأبي عبد الله «عليه السلام»: بلغنا أنّ رسول الله «صلى الله عليه وآله» قال لعلي: أنت أخي وصاحبي وصفيي ووصيي وخالصي من أهل بيتي وخليفتي في أمتي، وسأنبئك فيما يكون فيها من بعدي، يا علي إني أحببت لك ما أحبّه لنفسي وأكره لك ما أكرهه لها.
فقال لي أبو عبد الله «عليه السلام»: هذا مكتوب عندي في كتاب علي، ولكن دفعته «دفنته» أمس حين كان هذا الخوف وهو حين صلب المغيرة» 21.
ومما يدل من روايات أهل السنة على أن أئمة أهل البيت «عليهم السلام» قد ورثوا بعض الكتب عن أمير المؤمنين «عليه السلام» ما رواه عبد الرّزاق الصنعاني في مصنّفه عن الإمام الباقر «عليه السلام» فقال: «عن ابن عيينة عن جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: في كتاب علي الجراد والحيتان ذكي» 22.
الإمام علي ملهم ومحدث
ولم يكن مصدر علم أمير المؤمنين «عليه السلام» هو ما تلقاه من رسول الله «صلى الله عليه وآله» فقط وإنما لعلمه مصادر أخرى، فعلي «عليه السلام» كان ملهماً ومحدّثاً، ومن جملة الرّوايات الدّالة على ذلك ما عن الإمام الباقر «عليه السلام» قال: «كان علي يعمل بكتاب الله وسنّة رسوله، فإذا ورد شيءٌ والحادث الذي ليس في الكتاب ولا في السّنة ألهمه الله الحق فيه إلهاماً، وذلك من المعضلات» 23.
وعنه «عليه السلام»: «إنّ علياً «عليه السلام» كان محدثاً، فخرجت إلى أصحابي فقلت: جئتكم بعجيبة، فقالوا: وما هي؟ فقلت: سمعت أبا جعفر «عليه السلام» يقول، كان علي «عليه السلام» محدثاً فقالوا: ما صنعت شيئاً ألا سألته من كان يحدثه، فرجعت إليه فقلت: إني حدثت أصحابي بما حدثتني فقالوا: ما صنعت شيئاً، ألا سألته من كان يحدثه؟، فقال لي: يحدثه ملك، قلت: تقول: إنه نبي؟ قال: فحرك يده – هكذا -: أو كصاحب سليمان أو كصاحب موسى أو كذي القرنين، أو ما بلغكم أنه قال: وفيكم مثله» 24.
وعن حمران بن أعين، أنّه قال لأبي عبد الله «عليه السلام»: «إنّ فلاناً حدّثني أنّ أبا جعفر «عليه السلام» حدّثه أنّ عليّاً «عليه السلام» والحسن كانا محدّثين.
قال: كيف حدّثك؟
قلت: حدثني أنّه كان ينكت في أذنيهما.
قال: صدق» 25.
وعن زرارة قال: قلت لأبي عبد الله «عليه السلام»: «إنّ أباك حدّثني أنّ عليّاً والحسن والحسين «عليهم السلام» كانوا محدّثين؟
قال: فقال: كيف حدّثك؟
قلت: حدثني أنّه كان ينكت في آذانهم.
قال: صدق أبي» 26.
الإمام علي أعلم الأمة بالقرآن تنزيلاً وتأويلاً
ولسعة علمه، ولعلمه بالكثير من الحقائق والأمور مما حدث في غابر الزمان وما يحدث في حاضره ومستقبله، ولأنّه ملهم ومحدث كان «عليه السلام» يصرّح ويقول: «سلوني قبل أن تفقدوني» بهذا جاءت الأخبار، وقد صح عند أهل السنة، فروي عندهم بأسانيد صحيحة رجالها ثقات، قال ابن كثير: «… يقول شعبة بن الحجاج، عن سماك، عن خالد بن عرعرة، أنّه سمع عليّاً «رضي الله عنه»، وشعبة أيضاً عن القاسم بن أبي بزة عن أبي الطفيل أنّه سمع عليّاً «رضي الله عنه»، وثبت أيضاً من غير وجه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «رضي الله عنه» أنّه صعد منبر الكوفة فقال: لا تسألوني عن آية في كتاب الله ولا عن سنة رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلاّ أنبأتكم بذلك …» 27.
وقال ابن عبد البر: «حدثني أحمد بن فتح، قال: حدثنا حمزة بن محمد، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن وهب بن عبد الله، عن أبي الطفيل قال: شهدت عليّاً «رضي الله عنه» وهو يخطب ويقول: سلوني فو الله لا تسألوني عن شيءٍ يكون إلى يوم القيامة إلاّ حدثتكم به، وسلوني عن كتاب الله فو الله ما منه آية إلاّ وأنا أعلم بليل نزلت أم بنهار أم بسهل أم بجبل …» 28.
وقال: «وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا إبراهيم بن بشار، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيّب، قال: ما كان أحد من الناس يقول: سلوني غير علي بن أبي طالب» 29.
وروى عبد الرّزاق الصنعاني في تفسيره عن أبي الطفيل، قال: «شهدت عليّاً وهو يخطب وهو يقول سلوني، فو الله ما من آية إلاّ وأنا أعلم بليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل …» 30.
وكيف لا يكون عالماً حقيقة العلم بآيات الكتاب المجيد، وهو الذي أخبر النبي «صلى الله عليه وآله» عنه بأنّه يقاتل على تأويل القرآن الكريم كما قاتل النبي على تنزيله، فعن أبي سعيد قال: «كنّا مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» فانقطعت نعله، فتخلف علي يخصفها، فمشى قليلاً ثم قال: إنّ منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله، فاستشرف لها القوم وفيهم أبو بكر وعمر، قال أبو بكر: أنا هو؟، قال: لا، قال: عمر أنا هو؟ قال: لا، ولكن خاصف النعل، يعني عليّاً، فأتيناه فبشرناه فلم يرفع به رأسه كأنه قد كان سمعه من رسول الله «صلى الله عليه وآله»» 31.
وعن أبي سعيد الخدري قال: «سمعت رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقول: إنّ منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله، قال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: لا، قال عمر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: لا، ولكن خاصف النعل، قال: وكان أعطى عليّاً نعله يخصفها» 32.
فدلّت هذه الرّواية على أنّ الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» كان عالماً تمام العلم بعلوم الكتاب المجيد وعارفاً معرفة تامة بتأويله، إذا لو كان غير عالم بذلك فلا يصح أن يقال عنه بأنّه يقاتل على تأويل القرآن.
وكان «عليه السلام» عالماً بكتب الأنبياء السالفين كالتوراة والإنجيل، فعن الإمام الصادق «عليه السلام» قال: «قال أمير المؤمنين «عليه السلام»: لو ثنى الناس لي وسادة كما ثني لابن صوحان لحكمت بين أهل التوراة بالتوراة حتى يزهر ما بين السماء والأرض، ولحكمت بين أهل الإنجيل بالإنجيل حتى يزهر ما بين السماء والأرض، ولحكمت ما بين أهل الفرقان بالفرقان حتى يزهر ما بين السماء والأرض» 33.
والرواية صريحة في دلالتها على أنّه «عليه السلام» عالم بالتوراة والإنجيل والقرآن الكريم، وعارف بأدلة الأحكام فيها تمام المعرفة، إذ لو لم يكن كذلك لما أمكنه الحكم بها.
ولم يخصه «صلى الله عليه وآله» بهذه العلوم والأصول ولم يلهم ويحدّث إلاّ لأن له منصب الولاية الكبرى والإمامة العظمى، فهو القائم مقام رسول الله «صلى الله عليه وآله» على هذه الأمّة وقائدها والقائم بأمورها وشئونها الدينية والدنيوية من بعد النبي «صلى الله عليه وآله»، قال الإمام الصادق «عليه السلام» ضمن خطبة طويلة له يبين فيها حال الإمام القائم بوظائف الإمامة: «… فهو عالم بما يرد عليه من ملتبسات الدّجى ومعميّات السنن، ومشبهات الفتن …» 3435.
- 1. الخصال، صفحة 648 – 649.
- 2. الخصال، صفحة 648.
- 3. الخصال، صفحة 651.
- 4. الكافي 1/293، بصائر الدرجات، صفحة 489.
- 5. المستدرك على الصحيحين 3/13، وقال: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه».
- 6. بصائر الدّرجات، صفحة 131.
- 7. بصائر الدّرجات، صفحة 310.
- 8. بصائر الدّرجات، صفحة 311.
- 9. سنن الترمذي 4/449، رواية رقم: 2141، وقال: «وهذا حديث حسن غريب صحيح»، ورواه أحمد بن حنبل في مسنده 6/132، رواية رقم: 6563، وقال الشيخ أحمد محمد شاكر: «إسناده صحيح»، وصححه الشيخ محمد ناصر الدّين الألباني في كتابه صحيح الجامع الصغير وزياداته 1/79، رواية رقم: 88.
- 10. قرب الإسناد، صفحة 24.
- 11. القران الكريم: سورة النجم (53)، الآيات: 8 – 10، الصفحة: 526.
- 12. a. b. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 285، الصفحة: 49.
- 13. a. b. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 286، الصفحة: 49.
- 14. القران الكريم: سورة الزخرف (43)، الآية: 89، الصفحة: 495.
- 15. بصائر الدّرجات، صفحة 190.
- 16. الكافي 1/238- 240، ورواه العلامة الصفار في بصائر الدرجات، صفحة 171 – 172.
- 17. الكافي 1/319، ورواه العلامة الصفار أيضاً في بصائر الدرجات، صفحة 206.
- 18. الكافي 1/235، والعلامة الصفار في بصائر الدرجات، صفحة 206.
- 19. الكافي 7/119.
- 20. الكافي 7/93.
- 21. بصائر الدرجات، صفحة 168.
- 22. مصنف عبد الرّزاق الصنعاني 4/523.
- 23. بصائر الدرجات، صفحة 254.
- 24. الكافي 1/269.
- 25. بصائر الدرجات، صفحة 341.
- 26. بحار الأنوار 26/69.
- 27. تفسير ابن كثير 4/232.
- 28. جامع بيان العلم وفضله 1/464، رواية رقم: 726.
- 29. جامع بيان العلم وفضله 1/463، رواية رقم: 725.
- 30. تفسير عبد الرّزاق 3/241.
- 31. المستدرك على الصحيحين 3/132، رواية رقم: 4621.
- 32. صحيح ابن حبّان 15/385، رواية رقم: 6937.
- 33. بصائر الدّرجات، صفحة 136 – 137.
- 34. المصدر كتاب “دروس من وحي الإسلام” للشيخ حسن عبد الله العجمي، نقلا عن الموقع الرسمي لسماحته حفظه الله.
- 35. الكافي 1/203.